جو بايدن يعلن رسمياً ترشحه للرئاسة الأميركية

ترمب رحب بإعلانه ووصفه بـ«النائم»

نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن يعلن ترشحه رسمياً لانتخابات 2020 (إ.ب.أ)
نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن يعلن ترشحه رسمياً لانتخابات 2020 (إ.ب.أ)
TT

جو بايدن يعلن رسمياً ترشحه للرئاسة الأميركية

نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن يعلن ترشحه رسمياً لانتخابات 2020 (إ.ب.أ)
نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن يعلن ترشحه رسمياً لانتخابات 2020 (إ.ب.أ)

أعلن نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، أمس الخميس، عن ترشحه رسمياً للانتخابات الرئاسية عام 2020. وقال في شريط فيديو مدته ثلاث دقائق ونصف: «نحن في المعركة من أجل روح هذه الأمة. أعتقد أن التاريخ سوف ينظر إلى الوراء على الأربع سنوات لهذا الرئيس وكل ما يتبناه، كلحظة شاذة من الزمن. لكن إذا منحنا دونالد ترمب ثماني سنوات في البيت الأبيض، فسوف يغير بشكل جذري شخصية هذه الأمة وهويتنا إلى الأبد. ولا يمكنني الوقوف ومشاهدة ذلك يحدث». وأضاف: «إن أحد الأسباب الرئيسية التي دفعته إلى الترشح، هو مواجهة التهديد الذي يشكله وجود الرئيس ترمب على ثوابت الدولة الأميركية وهويتها».
لم يتعرض بايدن إلى رؤيته حول القضايا السياسية أو سيرته الذاتية؛ لكنه أشار إلى تصريحات ترمب خلال مسيرة الذين نادوا «بتفوق الجنس الأبيض» التي جرت في مدينة شارلوتسفيل في ولاية فرجينيا عام 2017. ترمب كان قد أعلن أن هناك «أشخاصاً طيبين للغاية من كلا الجانبين» وهو ما انتقده بايدن قائلاً: «كنت أعرف أن التهديد الذي يواجه أمتنا لا يشبه أي تهديد رأيته في حياتي».
ورد الرئيس ترمب بشكل ساخر على ترشح بايدن، وقال في تغريدة صباح أمس: «مرحباً بـ(جو النائم) في السباق. آمل فقط أن يكون لديك الذكاء الذي طالما كان مشكوكاً فيه، لشن حملة تمهيدية ناجحة. سيكون أمراً سيئاً. سوف تتعامل مع أشخاص لديهم بالفعل بعض الأفكار المريضة والمجنونة. ولكن إذا فعلتها، فسوف نتقابل في جولة البداية».
وأصدرت كاتي هيل، المتحدثة باسم الرئيس السابق باراك أوباما، بياناً صباح أمس الخميس، أشادت فيه ببايدن؛ لكن دون تأييده بشكل واضح. وقالت هيل: «لقد قال الرئيس أوباما منذ فترة طويلة، إن اختيار جو بايدن لمنصب نائب الرئيس في عام 2008 كان أحد أفضل القرارات التي اتخذها على الإطلاق. لقد اعتمد على معرفة نائب الرئيس وبصيرته وحكمته طوال فترة الحملات والرئاسة بأكملها».
وينضم بايدن (76 عاماً) بذلك إلى أكثر من 20 مرشحاً ديمقراطياً أعلنوا ترشحهم للرئاسة. وخلال حياته السياسية، أدار بايدن أربع حملات وطنية، اثنتان كمرشح للرئاسة في عامي 1988 و2008، واثنتان كمرشح لمنصب نائب الرئيس. ويبقى السؤال الأكبر أمام بايدن، هو ما إذا كان بإمكانه القيام بهذا الدور بكفاءة، لتبديد المخاوف داخل حزبه من أنه يفتقر إلى النهج اللازم لإدارة حملة فعالة، أو رؤية لإشعال حماسة الديمقراطيين.
وينظر كثير من الديمقراطيين إلى بايدن على أنه الوصي على إرث الرئيس السابق باراك أوباما، وربما يكون الأقدر على استعادة ما يوصف بليبرالية عهد أوباما. ويشكل ترشح بايدن تهديداً قوياً لفرص المرشح اليساري بيرني ساندرز، الأقوى بعد بايدن في استطلاعات الرأي، للفوز بالانتخابات التمهيدية التي سيجريها الحزب الديمقراطي لاختيار مرشحه لمواجهة ترمب.
ومن المتوقع أيضاً أن تشهد الأيام والأسابيع المقبلة صداماً عنيفاً بين الرجلين، حول كثير من القضايا؛ حيث سيسعى كلاهما لإثبات قدرته على قيادة الحزب الديمقراطي في أعنف انتخابات رئاسية ستشهدها الولايات المتحدة. وسيركز المرشحان على جذب الناخبين المستقلين وكذلك الجمهوريين الرافضين لنهج ترمب.
ويتمتع بايدن بحضور اجتماعي ملحوظ، ويحرص دائماً على إجراء محادثات مع زملائه لمعرفة رؤيتهم حول كثير من القضايا. على النقيض من ذلك، يركز ساندرز (77 عاماً) على القضايا السياسية، ولا يناقش أفكاره بشكل كبير مع زملائه. كما أنه لا يكترث بالحياة الشخصية لزملائه.
ويقول مستشار الحزب الجمهوري، جون ماك، إن بايدن يمثل خياراً وسطاً بين اليساريين واليمينيين، سواء في الحزب الديمقراطي أو في الولايات المتحدة بشكل عام، مضيفاً: «إذا كان قادراً على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي - وهو أمر مشكوك فيه - فستكون لديه فرصة جيدة أو أفضل من أي شخص آخر، لهزيمة دونالد ترمب في الخريف».
ويعتبر ماك أن بايدن سيكون خياراً مطمئناً للناخبين الذين يشعرون بالقلق من الاشتراكيين الديمقراطيين، مثل بيرني ساندرز، أو التقدميين مثل النائبة أوكاسيو كورتيز.
ويقول الاستراتيجي الجمهوري مات ماكويك، إن بايدن هو أقوى مرشح أمام ترمب في الانتخابات المقبلة، مع استثناء محتمل يتعلق بالمرشحة كمالا هاريس التي ترتفع أسهمها يوماً بعد يوم.
ويري ماكويك أن التحدي الذي قد يواجه بايدن هو عدم تحديد قاعدته الانتخابية بشكل واضح. وقال: «لا أرى ما هي دائرته الانتخابية. إنه يبدو حقاً الاختيار الخاطئ لهذا الحزب في هذا الوقت».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟