السراج يُحمّل باريس مسؤولية هجوم حفتر على طرابلس

TT

السراج يُحمّل باريس مسؤولية هجوم حفتر على طرابلس

قبل ستة أيام اتهم فتحي باش آغا، وزير الداخلية الليبي في حكومة الوفاق الوطني، برئاسة فائز السراج، فرنسا للمرة الأولى بالوقوف إلى جانب المشير خليفة حفتر في هجومه على طرابلس. وقرر باش آغا وقف العمل بجميع الاتفاقيات القائمة بين وزارته والجانب الفرنسي. وفي اليوم التالي جاء رد باريس عبر بيان صادر عن وزارة الخارجية، شككت فيه في أن يكون كلام وزير الداخلية معبّراً عن موقف الحكومة الليبية. كما سعت فرنسا لدحض الصورة التي تروَّج عنها، والتي تقدمها على أنها «عون» لحفتر، وأنها تقف في صف داعميه. لكن في أي حال، فإن باريس تعتبر أنه «لا حل عسكرياً في ليبيا»، وتشير إلى أن الرئيس ماكرون تواصل هاتفياً مع السراج، وجدد له دعم فرنسا لحكومته.
حقيقة الأمر أن المساعي الفرنسية لم تلق نجاحاً، وأن محاولات باريس لتبييض صفحتها لم تؤتِ ثمارها، والدليل على ذلك الاتهامات المباشرة التي وجهها فائز السراج إلى فرنسا في حديث لصحيفة «لو موند» أمس. فقد قال السراج: «نحن مندهشون وحائرون إزاء موقف فرنسا، إذ كيف يمكن لبلد عاشق للحرية، ومتمسك بحقوق الإنسان وبالديمقراطية أن يلزم موقفاً غامضاً إزاء شعبنا الذي يتبنى القيم نفسها؟». وذهب السراج إلى اتهام فرنسا بالازدواجية لأنها، من جهة، «تعترف بحكومة الوحدة الوطنية» إلا أنها من جهة ثانية «تقدم الدعم مع آخرين لحفتر».
وذهب السراج أبعد من ذلك، إذ اعتبر أن «الدعم غير المحدود الذي قدمته فرنسا لحفتر هو ما جعله يقرر القيام بعمليته العسكرية. وخلص إلى أنه «بدل أن نعزز علاقتنا وشراكتنا مع باريس، نحن نتخوف من تدهور صورة فرنسا لدى الرأي العام الليبي، وذلك بسبب موقفها الغامض». لكن رغم تدهور العلاقة، فإن السراج لا يتخلى عن أمله أن تغير فرنسا نهجها.
وأهمية كلام السراج تكمن في ثلاث نقاط رئيسية، وفق مصدر دبلوماسي عربي رفيع في العاصمة الفرنسية، تحدثت إليه «الشرق الأوسط»، الأولى أنه للمرة الأولى «ينزع القفازات من يديه، ويسمي الأشياء بأسمائها»، ويتهم باريس بالوقوف وراء حفتر، بل إنه حمّلها مسؤولية جنوح قائد الجيش الوطني الليبي إلى الخيار العسكري للسيطرة على طرابلس، تحت عنوان محاربة الإرهاب. وبذلك يكون السراج قد تبنى مقولة مَن يتهم باريس بالازدواجية، وبأن اعترافها بشرعية حكومته بقي من غير مفعول ملموس ميدانياً، رغم التعاون الأمني الذي كان قائماً لجهة تدريب الحرس الرئاسي. والثانية أن السراج «خائب» من فرنسا، التي خذلته عندما احتاج إليها، لا بل إنها وقفت في صف خصمه اللدود «المشير حفتر»، الذي يصفه اليوم بأنه «مجرم حرب». وأخيراً، فإن باريس يمكن أن تفقد ما سعت طويلاً لتجسيده، وما فتئت لغتها الدبلوماسية تشير إليه، وهي أنها «تتحدث إلى الطرفين»، وبالتالي كانت قادرة على أن تلعب دور الوسيط. لكن المصدر الدبلوماسي المشار إليه يرى أنها ستفقد هذا الدور.
ولا تتوقف تداعيات موقف باريس عند هذا الحد. فليس سراً أن فرنسا، وبعد أن وفّرت الدعم العسكري والأمني لحفتر عامي 2016 و2017 للمساعدة على ضرب الإرهاب، سعت منذ وصول ماكرون إلى قصر الإليزيه إلى «لعب الحصانين معاً»: أي السراج وحفتر، وذلك من خلال دعوتهما لقمة عُقدت في يوليو (تموز) من العام نفسه، وكررت ذلك بعد تسعة أشهر في قمة الإليزيه. وأكثر من ذلك، أرادت من القمة الثانية أن تتزامن مع انطلاق مهمة المبعوث الدولي غسان سلامة، الذي ما فتئت تعلن دعمها له وللجهود التي يقوم بها. لكن إذا صدقت الاتهامات المساقة ضدها، فإنها تكون إلى حدٍّ بعيد مسؤولة عن الفشل الذي آلت إليه جهوده. لا أحد يمكن أن ينكر لفرنسا مصالحها في ليبيا، وفي بلدان شمال أفريقيا، وأيضاً في بلدان الساحل. ولذا فإن «حلم الاستقرار» في ليبيا عزيز على قلب الحكومة الفرنسية، التي أعادت نشر قواتها الموجودة في الساحل، تحت مسمى «عملية برخان» لهدف رئيسي هو محاربة الإرهاب في الساحل.
يضاف إلى ذلك أن لها مصالح نفطية في ليبيا، وهي تتنافس بصددها مع إيطاليا. وربما راهنت باريس على حفتر بأنه رجل الأمن والاستقرار، أو أنها رأت أن توفير الدعم له سيحفظ لها مصالحها. لكن اتهامات السراج من شأنها أن تجعل موقفها أكثر صعوبة، خصوصاً إذا طال أمد هذه الحرب. وعندها ستكون باريس مضطرة إلى التراجع، والسير في ركب الوساطة الدولية المترنحة.



رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
TT

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، في مواجهة أوضاع إقليمية متوترة، بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي، خلال مشاركته في احتفال الأقباط بعيد الميلاد مساء الاثنين، إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وأضاف السيسي: «ليس معنى هذا أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هي محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يوماً بعد يوم وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار».

السيسي يحيّي بعض الأقباط لدى وصوله إلى قداس عيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، تحدث الرئيس المصري عن «نزاهته المالية» وعدم تورطه في «قتل أحد» منذ توليه المسؤولية، قائلاً إن «يده لم تتلوث بدم أحد، ولم يأخذ أموال أحد»، وتبعاً لذلك «فلا خوف على مصر»، على حد تعبيره.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال السيسي في لقاء مع إعلاميين، إن «يديه لم تتلطخا بالدم كما لم تأخذا مال أحد»، في إطار حديثه عن التغييرات التي تعيشها المنطقة، عقب رحيل نظام بشار الأسد.

واختتم السيسي كلمته بكاتدرائية «ميلاد المسيح» في العاصمة الجديدة، قائلاً إن «مصر دولة كبيرة»، مشيراً إلى أن «الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية».

العبارة الأخيرة، التي كررها الرئيس المصري ثلاثاً، التقطتها سريعاً صفحات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغ (#مصر_دولة_كبيرة_أوي) «التريند» في مصر، كما تصدرت العبارة محركات البحث.

وقال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن مشهد الرئيس في كاتدرائية ميلاد المسيح «يُبكي أعداء الوطن» لكونه دلالة على وحدة المصريين، لافتاً إلى أن عبارة «مصر دولة كبيرة» رسالة إلى عدم مقارنتها بدول أخرى.

وأشار الإعلامي والمدون لؤي الخطيب، إلى أن «التريند رقم 1 في مصر هو عبارة (#مصر_دولة_كبيرة_أوي)»، لافتاً إلى أنها رسالة مهمة موجهة إلى من يتحدثون عن سقوط أو محاولة إسقاط مصر، مبيناً أن هؤلاء يحتاجون إلى التفكير مجدداً بعد حديث الرئيس، مؤكداً أن مصر ليست سهلة بقوة شعبها ووعيه.

برلمانيون مصريون توقفوا أيضاً أمام عبارة السيسي، وعلق عضو مجلس النواب، محمود بدر، عليها عبر منشور بحسابه على «إكس»، موضحاً أن ملخص كلام الرئيس يشير إلى أنه رغم الأوضاع الإقليمية المعقدة، ورغم كل محاولات التهديد، والقلق المبرر والمشروع، فإن مصر دولة كبيرة وتستطيع أن تحافظ علي أمنها القومي وعلى سلامة شعبها.

وثمّن عضو مجلس النواب مصطفى بكري، كلمات السيسي، خاصة التي دعا من خلالها المصريين إلى التكاتف والوحدة، لافتاً عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بحضور السيسي.

وربط مصريون بين عبارة «مصر دولة كبيرة» وما ردده السيسي قبل سنوات لقادة «الإخوان» عندما أكد لهم أن «الجيش المصري حاجة كبيرة»، لافتين إلى أن كلماته تحمل التحذير نفسه، في ظل ظهور «دعوات إخوانية تحرض على إسقاط مصر

وفي مقابل الكثير من «التدوينات المؤيدة» ظهرت «تدوينات معارضة»، أشارت إلى ما عدته تعبيراً عن «أزمات وقلق» لدى السلطات المصرية إزاء الأوضاع الإقليمية المتأزمة، وهو ما عدّه ناجي الشهابي، رئيس حزب «الجيل» الديمقراطي، قلقاً مشروعاً بسبب ما تشهده المنطقة، مبيناً أن الرئيس «مدرك للقلق الذي يشعر به المصريون».

وأوضح الشهابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن كثيراً من الآراء المعارضة تعود إلى جماعة الإخوان وأنصارها، الذين انتعشت آمالهم بعد سقوط النظام السوري، فإن المصريين يمتلكون الوعي والفهم اللذين يمكنّانهم من التصدي لكل الشرور التي تهدد الوطن، ويستطيعون التغلب على التحديات التي تواجههم، ومن خلفهم يوجد الجيش المصري، الأقوى في المنطقة».

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

بينما عدّ العديد من الرواد أن كلمات الرئيس تطمئنهم وهي رسالة في الوقت نفسه إلى «المتآمرين» على مصر.