معارك طرابلس تراوح مكانها... واتهامات باستخدام المدنيين دروعاً بشرية

تسجيل أول انشقاق بين بعثات ليبيا في الخارج

قوات موالية لحكومة الوفاق في مواجهة مع قوات الجيش الوطني جنوب العاصمة الليبية (أ.ف.ب)
قوات موالية لحكومة الوفاق في مواجهة مع قوات الجيش الوطني جنوب العاصمة الليبية (أ.ف.ب)
TT

معارك طرابلس تراوح مكانها... واتهامات باستخدام المدنيين دروعاً بشرية

قوات موالية لحكومة الوفاق في مواجهة مع قوات الجيش الوطني جنوب العاصمة الليبية (أ.ف.ب)
قوات موالية لحكومة الوفاق في مواجهة مع قوات الجيش الوطني جنوب العاصمة الليبية (أ.ف.ب)

بعد هدنة إجبارية بسبب تردي الأحوال الجوية، بين قوات الجيش الوطني على تخوم العاصمة الليبية طرابلس، في مواجهة القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني، استؤنفت المعارك بين الطرفين، خاصة في الضواحي الجنوبية من المدينة، فيما أعلن موظفو السفارة الليبية في القاهرة عن أول انشقاق بين بعثات ليبيا في الخارج على الحكومة، التي يترأسها فائز السراج.
وما زالت المعارك تراوح مكانها على تخوم العاصمة، على الرغم من أن القتال بين الطرفين اقترب من نهاية أسبوعه الثالث على التوالي، في غياب قدرة أي منهما على حسم المعارك لصالحه. ومع ذلك فقد كانت حصيلة الخسائر في الأرواح كثيرة، إذ قال مكتب منظمة الصحة العالمية لدى ليبيا إن «عدد قتلى الاشتباكات في طرابلس وصل إلى 254 قتيلاً، بينما أصيب 1228 شخصاً بجروح».
في غضون ذلك، قال مكتب السراج أمس إن «وزير الداخلية بالحكومة فتحي باش أغا، أطلعه خلال اجتماعهما بطرابلس على تقارير عن الحالة الأمنية، وخريطة نشر القوات، وآليات التنسيق مع القوات الموالية للحكومة في طرابلس ومحيطها، والمدن المجاورة، وترتيبات تأمين سلامة المواطنين المطبقة بتلك المنطقة».
بدوره، زعم العقيد محمد قنونو، الناطق العسكري باسم قوات السراج في بيان أمس «جاهزية القوات التابعة للسراج للتصدي لقوات الجيش الوطني»، بعد إكمال الطوق الأمني الأول في العاصمة طرابلس. وقال إن العمل مستمر لسلاح الجو وتغطيته لسماء المعركة، واستهداف مواقع عسكرية لقوات الجيش الفارة، على حد تعبيره.
كما ادعت وسائل إعلام محلية موالية لحكومة السراج أن «قواته تقدمت أمس باتجاه مطار طرابلس من ثلاثة محاور من طريق المطار والسواني والطويشة».
وعلى الرغم من أن تقارير تحدثت عن تقهقر قوات الجيش الوطني في مواجهة القوات الموالية لحكومة السراج، المعترف بها دوليا في طرابلس، وتراجعها عن مواقعها في أجزاء من خط المواجهة جنوبي العاصمة، فإن الجيش الوطني نفى صحة هذه المعلومات. وقال في المقابل إن «قواته ما زالت تخوض معارك طاحنة وشرسة في هذا المحور منذ يومين».
ورفض اللواء أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني، أن «يقر بخسارة مواقع»، واتهم «العدو بتلقي تعزيزات من إرهابي (القاعدة) و(داعش) و(مرتزقة أجانب)»، مشيراً إلى أن «قوات الجيش خاضت في اليوم الـ19 للعمليات العسكرية معارك طاحنة في طرابلس، والعدو يدافع دفاع الوكر الأخير... غير أن الكر والفر لا يزالان مستمرين في هذه المعركة»، وأوضح أن «قوات الجيش استفادت من الغارات الجوية، وتمكنت من التقدم والتمركز في مواقع جديدة مهمة جداً».
كما اتهم المسماري قوات حكومة السراج بتخزين أسلحة وذخائر في مناطق قريبة من التجمعات السكنية، معتبرا أن «مرحلة اتخاذ المدنيين دروعا بشرية بدأت من قبل العدو الآن في طرابلس».
ويخوض الطرفان معارك على مساحة بضعة كيلومترات في ضاحية عين زارة الجنوبية، بعدما عززت قوات السراج مواقعها أخيراً.
فيما سعى الجيش، أمس، إلى احتواء تسريبات لمقطع فيديو مصور، يظهر فيه بعض الجنود المحسوبين عليه خلال تنكيلهم بجثة أحد عناصر ميليشيا حكومة السراج، حيث قالت شعبة الإعلام الحربي التابعة للجيش الوطني إن «هذا العمل فردي، شأنه شأن كل الأعمال الفردية السابقة، ولا يمثل القيادة العامة والجيش».
لكن مهند يونس، الناطق باسم حكومة السراج، قال في المقابل إن «الدول التي تدعم حفتر، شريكة في كل جرائم الحرب التي ترتكبها ميليشياته من قصف للمدنيين والتنكيل بالجثث»، معتبراً أن «التصريح بالقتل أمام الكاميرات، والدعوى له جريمة بشعة يندى لها جبين الإنسانية».
ويتهم الجيش الوطني القوات الموالية لحكومة السراج بتعمد قصف مناطق المدنيين وتجمعات السكان، في محاولة لتأجيج الرأي العام المحلي ضده، وتشويه سمعة قوات الجيش التي تخوض منذ الرابع من هذا الشهر عملية «الفتح المبين» لتحرير العاصمة طرابلس.
وفي تونس، اعتبر كل من غسان سلامة، رئيس بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا، ووزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، خلال اجتماعهما أمس، أن «العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة تظل هي الخيار الأمثل والوحيد لحل أزمة ليبيا». وقالت البعثة الأممية في بيان لها إن «سلامة بحث أمس مع الجهيناوي في تونس، ضمن جولة لعدد من العواصم بهدف التوصل لتهدئة في ليبيا، تطورات الأوضاع في ظل الحرب جنوب طرابلس».
في غضون ذلك، أعلن موظفو السفارة الليبية في مصر عما يمكن اعتباره «أول انشقاق دبلوماسي» لبعثة ليبية في الخارج عن حكومة السراج.
وأصدر الموظفون أمس بيانا أكدوا فيه «تأييدهم للعمليات العسكرية التي تخوضها قوات الجيش الوطني لتحرير العاصمة طرابلس»، وتخليصها مما وصفوه بـ«هيمنة أمراء الحرب والميليشيات». وقال أحد الموظفين العاملين بالسفارة في القاهرة لـ«الشرق الأوسط» إن «مجموعة موالية للمشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني، اقتحمت صباح أمس مقر السفارة الليبية، وسيطرت عليه لبضع ساعات، قبل أن يستعين المكلف بالأعمال الموالي لحكومة السراج بمجموعات أخرى لطرد أنصار الجيش».
ونقلت قناة «ليبيا الأحرار» عن وزارة الخارجية بحكومة السراج، عودة الموظفين التابعين لها للسفارة الليبية بالقاهرة، بعد تدخل السلطات المصرية، إثر اقتحام موالين للجيش الوطني لمقر السفارة وطرد الموظفين التابعين للسراج.
من جهة ثانية، أكد مسؤول ليبي أن حركة الطيران بمطار معيتيقة الدولي تسير بشكل جيد، إذ أعلن مدير مطار معيتيقة الدولي في طرابلس لطفي الطبيب لوكالة الأنباء الألمانية عن تسيير الرحلات بالمطار على مدار 24 ساعة بعد أن كانت تعمل لمدة 12 ساعة فقط.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.