الحريري يشترط الإجماع لإقرار الموازنة

موقف عون يتعارض وصلاحيات رئيس الحكومة

TT

الحريري يشترط الإجماع لإقرار الموازنة

قالت مصادر وزارية لبنانية إنه لا اعتراض على ما قاله رئيس الجمهورية ميشال عون بعد الخلوة التي جمعته والبطريرك الماروني بشارة الراعي في بكركي لو أنه حصر كلامه بدعوة جميع الأطراف إلى الإسراع في إقرار موازنة العام الحالي، بدلاً من أن يغمز من قناة من لم يسمّهم بذريعة أن ليس لديهم خبرة في إيجاد الحلول للملفات المطروحة وأن عليهم المجيء إلى بعبدا لإيجاد الحل للخلاف حول الموازنة.
وسألت المصادر عما إذا كان الرئيس عون يقصد بكلامه وزير المال علي حسن خليل الذي أعد أول مشروع للموازنة في أغسطس (آب) الماضي، ثم ألحقه بمشروع ثانٍ أدخل عليه تعديلات للوصول إلى موازنة متقشّفة وأحاله إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، أم أنه يغمز من قناته على خلفية العناوين التي طرحها في المقابلة التلفزيونية التي أُجريت معه أخيراً والتي يتطلّع من خلالها إلى خفض العجز في الموازنة، باعتبار أن الجميع يتوافق على ضرورة خفضها من دون أن تطال ذوي الدخل المحدود أو الطبقة الوسطى. فالوزير خليل نجح في مقابلته في كسب تأييد الرأي العام الذي رأى في العناوين التي طرحها الإطار العام لخفض العجز. كما سألت عما إذا كان الرئيس عون يقصد من وراء كلامه رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يرعى الاجتماعات التي يعقدها مع ممثلين للمكوّنات الرئيسة في الحكومة للوصول إلى إجماع يؤمّن إقرار موازنة يغلب عليها التقشّف.
فالرئيس الحريري كما تقول مصادر وزارية مع السرعة في إقرار الموازنة لكنه ليس مع التسرع لئلا يُقحم مجلس الوزراء في اشتباك سياسي هو بغنى عنه ما لم تؤدّ اجتماعاته المفتوحة التي يستأنفها اليوم إلى اتفاق على موازنة تحظى بإجماع الأطراف المعنية تمهيداً لإحالتها إلى مجلس الوزراء لمناقشتها والموافقة عليها. أما إذا كان يقصد الرئيس الحريري لرعايته الاجتماع الموسّع لممثلي الحكومة بدلاً من أن تُعقد هذه الاجتماعات برئاسة رئيس الجمهورية في بعبدا فإنه بموقفه هذا يفتح الباب أمام مشكلة تتعلق بصلاحيات رئيس الحكومة الذي يتحدث حصرياً باسم الحكومة ويحقّ له التنسيق بين الوزراء والعمل على تنقية الأجواء وترؤس الاجتماعات الوزارية، وإعداد جدول أعمال مجلس الوزراء بعد التشاور مع رئيس الجمهورية، وذلك انطلاقاً من صلاحياته المنصوص عليها في اتفاق «الطائف» في ظل وجود مخاوف مشروعة حيال المحاولات الرامية إلى تعديله بالممارسة مع الإبقاء عليه في النصوص.
لذلك، ينقل عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري عدم ارتياحه إلى الأجواء المكهربة التي لا لزوم لها، لأن المطلوب الوصول إلى موازنة متقشّفة لا مراعاة فيها لأحد، شرط ألا يتضرر منها ذوو الدخل المحدود أو متوسطو الحال في القطاع العام.
ويؤكد الرئيس بري كما ينقل عنه زوّاره لـ«الشرق الأوسط» أن لا عودة إلى الوراء، وبالتالي لا مصلحة في استحضار السجالات السياسية أو في لجوء هذا الفريق إلى رمي المسؤولية على الآخر خصوصاً أننا جميعاً أخطأنا، ولا لزوم للعودة إلى الوراء بدلاً من أن نتقدّم إلى الأمام للوصول بموازنة متقشّفة إلى بر الأمان.
ويشارك الرئيس الحريري الرئيس بري في وجهة نظره هذه، وتنقل عنه مصادر وزارية بأنه باقٍ على موقفه بعدم الانزلاق إلى سجال مع أحد أو الدخول في سجالات لا تخدم رؤيتنا في إعداد موازنة متقشّفة. وترى المصادر الوزارية أن التوجّه العام لإقرار مثل هذه الموازنة يقضي بأن يتحمّل مجلس الوزراء مجتمعاً مسؤوليته في خفض العجز، ويعود له وحده أن يتقدّم بالمقترحات العملية التي من شأنها أن تضع البلد على السكّة الصحيحة للإفادة مما تقرّر في مؤتمر «سيدر» لمساعدتنا للنهوض من أزماتنا الاقتصادية والاجتماعية. وتلفت هذه المصادر إلى أنه لا يمكن اختزال الدور المناط لمجلس الوزراء بشخص واحد، وتقول إن تضافر الجهود مطلوبة شرط أن ينأى الجميع بنفسه عن المزايدات الشعبوية. وتتوقف المصادر أمام الجدوى مما قاله رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل استباقاً للمداولات الجارية بين ممثلي المكوّنات الرئيسة في الحكومة برئاسة الحريري، من أنه سيأتي اليوم الذي لا تستطيع فيه الدولة أن تؤمّن دفع الرواتب للعاملين في القطاع العام، وتؤكد أن كلامه هذا ليس في محله، خصوصاً أنه يريد أن يوحي بأنه من يهتم بتأمين الرواتب وأن المشكلة ليست عنده وإنما في مكان آخر.
وتعتقد أن دعوة الجميع للمجيء إلى بعبدا لإيجاد الحل تشكّل من وجهة نظر عدد من الوزراء انتقاصاً من دورهم في تحمّلهم للمسؤولية، إضافة إلى أنهم يفتقدون إلى الخبرة في هذا المجال.
وتكشف أن الاجتماعات التي ترأسها الحريري حقّقت تقدّماً ملحوظاً على طريق إقرار موازنة متقشّفة وأن جميع من يشارك فيها تعاطى بإيجابية مع المقترحات لترشيق الموازنة وخفض العجز وتقول إن المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، حسين خليل طلب مهلة لإعطاء أجوبة نهائية على هذه المقترحات بعد أن طرح مجموعة من الأسئلة والاستفسارات التي بقيت تحت سقف الانفتاح عليها، ويُفترض أن يأتي الجواب على لسان السيد نصر الله.
وترى في كلام رئيس الجمهورية أنه قد يدفع في اتجاه خلق التباس بين النظام البرلماني الديمقراطي المعمول به حالياً وبين النظام الرئاسي، خصوصاً أن الحكومة هي التي تخضع للمحاسبة والمساءلة أمام البرلمان، ولهذا أحسن الرئيس الحريري في عدم الرد، وربما أراد أن يقول في إصراره على الصمت إنه لا مجال للدخول في سجالات مصدرها ما أوحى به الرئيس عون. وعليه، فإن إقرار مشروع الموازنة يات يقترب من الاستحقاق الذي يتطلب من الحكومة مناقشته في مجلس الوزراء لأنه لا مصلحة لأحد في إهدار الوقت الذي يقود حتماً إلى تمديد جديد للسجالات وبالتالي يبقى القرار له وليس هناك من يعترض على دور الرئيس عون في هذا المجال من دون إلغاء الرأي الآخر.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.