قلق في دمشق من انسحاب أزمة الوقود على مواد أساسية أخرى

اقتصاديون يرجحون «انقراض الطبقة الوسطى» بسبب ارتفاع الأسعار

TT

قلق في دمشق من انسحاب أزمة الوقود على مواد أساسية أخرى

يعتري كثيرين من سكان دمشق ومحطيها قلق كبير من أن تنسحب أزمة توفير مواد الطاقة التي تعاني منها البلاد وعجز الحكومة السورية عن تجاوزها، على مواد غذائية أساسية، لأن ذلك سيفاقم من حالة فقرهم.
وبعد نقص حاد شهدته عموم مناطق سيطرة الحكومة السورية منذ بداية فصل الشتاء في توفر الغاز المنزلي، ووقود التدفئة وإعادة انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، توسعت الأزمة منذ نحو ثلاثة أسابيع لتطال البنزين، مما أدى إلى انحسار كبير في حركة السيارات بشوارع دمشق، وتشكل طوابير طويلة من السيارات أمام محطات الوقود يصل طول بعضها إلى أكثر من 3 كلم.
ومع تصريحات مسؤولي الحكومة التي نشرت في وسائل الإعلام الحكومية وأخرى مقربة منها بأن إيجاد حل لأزمة توفير مواد الطاقة لن يكون سهلاً وقريباً بسبب العقوبات الأميركية وتوقف الخط الائتماني الإيراني، بات الهاجس الأكبر للعامة في شوارع العاصمة وريفها، والشغل الشاغل لهم أن تطال الأزمة مواد غذائية أساسية.
«أبو أنور» موظف في شركة تجارية خاصة، وأب لطفلين يقول لـ«الشرق الأوسط»: «يقولون للناس لا انفراجة قريبة، وهذا يعني مزيداً من العذاب للناس، الطالب، الموظف، العامل، بات يذهب إلى مكان العمل سيراً على الأقدام على حساب صحته... لأنه معدوم ولا إمكانية لديه لدفع إيجار التاكسي».
ويضيف: «المواطن اليوم يعيش على أعصابه لأنه طالما أن هناك عقوبات، فإن الأمر حتماً سينسحب على قوت الناس الأرز. البرغل. الخبز. المعلبات، بعد نفاد مخزوناتها، كما حصل في أزمة الوقود فقد بدأت بالغاز ولحقه المازوت ومن ثم البنزين».
أما «رويدة» وهو اسم مستعار لموظفة في شركة حكومية، فتبدي تخوفها من أن تذهب الحالة المعيشية للغالبية العظمى من الناس إلى «مزيد من الصعوبة»، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: إن «العقوبات في بداياتها، وحالة من الشلل أصابت البلاد، ومواد اختفت من الأسواق، والأسعار حلقت، والناس أصلاً معدمة. فقيرة، فكيف ستكون الأشهر المقبلة، حتماً الفقير سيزداد فقراً، ومن كان يعيش على الكفاف سيصبح يعيش تحت وطأة فقر مدقع».
وخلال الحرب المستمرة منذ أكثر من ثماني سنوات، تضاعفت الأسعار في عموم المناطق السورية أكثر من 12 مرة، بعد تراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركي إلى نحو 12 ضعفاً أيضاً مع بقاء مرتبات الموظفين على حالها التي كانت عليها قبل عام 2011 (الراتب الشهري لموظف الدرجة الأولى 40 ألف ليرة)، الأمر الذي ضيق سبل العيش على الغالبية العظمى من الناس.
وما زاد أكثر من معاناة الناس المعيشية منذ حدوث أزمة البنزين، هو حصول تراجع جديد في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، ووصوله إلى 570 ليرة، بعد أن كان يتراوح ما بين 530 - 540 قبل هذه الأزمة، مما تسبب بتحليق جديد بالأسعار التي تضاعفت مرتين أو ثلاث مرات عما كانت عليه قبل عدة أشهر، علماً بأن سعر صرف الدولار أمام الليرة قبل الحرب كان نحو 50 ليرة.
وبحسب أرقام البنك الدولي بات 87 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر. وكان خبراء اقتصاديون يلفتون قبل تفاقم أزمة توفر مواد الطاقة إلى «تراجع كارثي» في الطبقة الوسطى السورية والتي كانت تشكل نحو 60 في المائة من السكان لتصبح أقل من 10 في المائة. أما الثلاثة في المائة الباقية فيقول الخبراء: «هي طبقة أثرياء الحرب التي التفت على عنق الاقتصاد السوري خلال سنوات الحرب».
وتشير دراسات لمراكز أبحاث محلية إلى أن تكلفة الاحتياجات المعيشية الضرورية لأسرة مؤلفة من أربعة أشخاص تقدر بالحد الأدنى بنحو 200 ـ 250 ألفاً شهرياً، أي ما يعادل 450 ـ 550 دولاراً.
«أم يوسف» تعمل في ورشة خياطة بمرتب شهري لا يتجاوز الـ50 ألف ليرة، لتعول أربعة أولاد بعد أن قضى زوجها منذ أكثر من عشرين عاماً، وتوضح أنها بالكاد تدبر أمرها لردم الفجوة الكبيرة بين دخلها ومصروف العائلة الشهري من خلال حوالات يرسلها لها أخوان لها في بلدان اللجوء، وتعتبر أن المشهد في الشوارع والأسواق «لا يبشر بخير»، على حد تعبيرها لـ«الشرق الأوسط»، وتقول: «الأمر لا يحتمل أزمات جديدة أو غلاءً جديداً، فمنذ أربع سنوات تم الاستغناء عن الكثير من المواد الأساسية مثل الحليب والحلويات واللحوم وحتى العديد من الطبخات، ولا نشتري إلا ما هو ضروري للبقاء على قيد الحياة»، وتضيف: «الناس الآن تتصارع أمام الأفران للحصول على ربطة خبز، فكيف سيكون الأمر إذا فقد. من المؤكد أن الناس سوف تأكل بعضها بعضاً. الله يستر ويرحم الناس برحمته».
ويرجح خبراء لـ«الشرق الأوسط»، أن تؤدي الأزمات الحالية وموجة الغلاء الجديدة التي تجتاح البلاد إلى انقراض من تبقى في «الطبقة الوسطى»، ويصبح المجتمع غالبية عظمى ممن هم تحت خط الفقر و«طبقة أثرياء الحرب» التي تشكل 3 في المائة فقط من المجتمع.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.