«الذئاب المنفردة»... وعصر الإرهاب الحديث

ظاهرة فرضتها الرقابة الأمنية على التطرف

إجراءات أمنية مشددة خارج مسجد النور بمدينة كرايستشيرش النيوزيلندية  للمرة الأولى منذ الهجوم الذي استهدف المسجد وأدى لقتل عدد من المصلين وإصابة آخرين في هجوم ليميني متطرف (أ.ف.ب)
إجراءات أمنية مشددة خارج مسجد النور بمدينة كرايستشيرش النيوزيلندية للمرة الأولى منذ الهجوم الذي استهدف المسجد وأدى لقتل عدد من المصلين وإصابة آخرين في هجوم ليميني متطرف (أ.ف.ب)
TT

«الذئاب المنفردة»... وعصر الإرهاب الحديث

إجراءات أمنية مشددة خارج مسجد النور بمدينة كرايستشيرش النيوزيلندية  للمرة الأولى منذ الهجوم الذي استهدف المسجد وأدى لقتل عدد من المصلين وإصابة آخرين في هجوم ليميني متطرف (أ.ف.ب)
إجراءات أمنية مشددة خارج مسجد النور بمدينة كرايستشيرش النيوزيلندية للمرة الأولى منذ الهجوم الذي استهدف المسجد وأدى لقتل عدد من المصلين وإصابة آخرين في هجوم ليميني متطرف (أ.ف.ب)

حتمت التغييرات المتسارعة في العالم الراهن على التنظيمات المتطرفة أن تعيد صياغتها لتنصهر استعداداً للتحور، خاصة مع تشديد الرقابة الأمنية وتآزر العالم من أجل التخلص من الإرهاب بجميع أشكاله مثل ما حدث عند استهداف تنظيم داعش في سوريا والعراق. مثل هذه الحيثيات فرضت على التنظيمات المتطرفة أن تسلك نهج «الذئاب المنفردة» وذلك في محاولة الصمود في ظل المتغيرات العالمية، وذلك بغض النظر عن توجهات هذه التنظيمات المتطرفة، سواء أكانت ذات صبغة دينية أو عنصرية يمينية.

يمكن استنتاج هذا الواقع من خلال الحوادث الإرهابية في الأعوام الأخيرة التي ظهرت عشوائية فردية أشبه بجرائم شخصيات مضطربة، وأحدثها الهجمات الإرهابية التي نفذها الأسترالي برينتون تارانت، يوم 15 مارس (آذار) على مسجدين في مدينة كرايستشيرش بنيوزيلندا وأسفرت عن مقتل 50 شخصاً. هذه الحادثة تعيد إلى الأذهان تكرار حوادث «الذئاب المنفردة» المتأثرين بأدلجة «تنظيمات معينة دون الانضمام المباشر إليها». ولقد وصف تارانت نفسه بـ«مجرد رجل أبيض عادي»، ولكن يبدو عليه التأثر بالفكر اليميني المتطرف، إذ نشر قبيل هجومه في حسابه على موقع «تويتر» صوراً لأسلحة تحمل إشارات لحروب صليبية وأسماء لقادة عسكريين شاركوا في معارك ضد العثمانيين خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وذلك في إشارة إلى العداوة ما بين المسيحيين والعثمانيين في تلك الحقبة، بغرض التحريض. أيضا ذكر أنه استلهم هجومه من النرويجي المتطرف أندرس بريفيك الذي قتل 77 شخصاً في هجوم في 22 يوليو (تموز) عام 2011. وحمل بيان أو «مانيفيستو» تارانت الذي بلغ 74 صفحة «مسببات» إتيانه بالهجوم الإرهابي، إذ برر تارانت جريمته بأنها انتقام «لآلاف الأرواح الأوروبية التي فقدت بسبب الهجمات الإرهابية في جميع أنحاء الأراضي الأوروبية».
التحذير من اليمين المتطرف
لفتت أحداث كرايستشيرش النظر إلى خطورة اليمين المتطرف، وحذر خبير الإرهاب والبروفسور في جامعة جورج تاون بروس هوفمان من تصاعد إرهاب أقصى اليمين الذي وصفه بأنه «بلغ أوجه وشكل خطورة فعلية في بداية الثمانينات، كما أن تلك الفترة شهدت تزايد أنشطة الذئاب المنفردة». ويذكر هوفمان أن في السابق كان من السهل التعرف على الإرهابي إذ كان ينتمي بصفة مباشرة إلى تنظيم إرهابي يحوي هيكلاً تنظيمياً واضحاً، أما في الآونة الأخيرة فإن عدداً من التنظيمات المتطرفة المحلية والدولية انصهر، واتخذ من وسائل التواصل الاجتماعي منفذاً استراتيجياً يحث «الذئاب المنفردة» على شن هجمات إرهابية ضد عدد من الأعداء المستهدفين. الإرهابيون ما عادوا ينتمون إلى تنظيم إرهابي بشكل مباشر وإنما هناك مجرد تأثر به دون الحصول على أوامر من قادته أو التواصل مع أعضاء التنظيم. مع هذا فإن مثل هذا التوجه بالابتعاد عن اتباع هيكل هرمي والانصياع لأوامر القادة ليس بأمر جديد، وقد برعت فيه تنظيمات يمينية سابقة أبرزها منظمة «الكوكلوكس كلان» الأميركية المتطرفة التي تؤمن بتفوق العرق الأبيض وتعادي الكاثوليكية والسامية. إذ دعا أحد أبرز زعماء التنظيم وأكثرهم خطورة لويس بيم عام 1983 إلى اللجوء إلى استراتيجية «الذئب المنفرد» وشن هجمات فردية والابتعاد عن التجمعات من أجل التقليص من احتمال إلقاء القبض على أعضاء المنظمة، الأمر الذي جعله يكون ما سمي «مقاومة دون قيادة». من جهة أخرى يظهر شيوع مصطلح «الذئاب المنفردة» في عام 1990 في الولايات المتحدة، حيث دعا الأميركيان أليكس كيرتس وتوم متزغر «الذئاب المنفردة» والخلايا الصغيرة إلى العمل بسرية تامة وعلى انفراد من أجل شن هجمات عنصرية ضد غير البيض بشتى الوسائل المتاحة، وعدم التصريح بأي شيء يمس توجهاتهم السياسية إذا ما تم اعتقالهم من أجل الحفاظ على سرية توجهاتهم.
«الذئاب المنفردة» الداعشية
وفي الآونة الأخيرة يظهر كذلك استساغة التنظيمات المتطرفة دينياً مثل تنظيم داعش الاستعانة «بالذئاب المنفردة»، إذ إن من الصعب الكشف عنهم قبل إتيانهم بالهجمة الإرهابية، لا سيما أنهم يتأثرون ذاتياً دون التجمع مع أفراد منتمين للتنظيم نفسه، وذلك تطبيق حرفي لاسم «الذئب المنفرد» الذي ينفذ كل شيء وحده دون اللجوء إلى قادة في أعلى الهرم التنظيمي يتولون التوجيه، فليس هناك حاجة للتواصل قبل القيام بعملية إرهابية معينة. إلا أن ذلك لا ينفي وجود نوع من التواصل ما بين بعض المتأثرين أو «المناصرين» لتنظيمات معينة مع أحد القادة ممن يتواصل معهم عن بعد من أجل التحريض على شن هجمات إرهابية سواء كان بصفة شخصية أو رسالة عامة لجميع المناصرين. كمثال؛ هناك التسجيل الصوتي الذي نشر في سبتمبر (أيلول) عام 2014، للناطق السابق باسم تنظيم داعش أبو محمد العدناني، الذي استغرق 42 دقيقة، وترجم لعدة لغات، وذلك رداً على الضربات الجوية المستهدفة للتنظيم في ذلك الوقت، وفيه طالب العدناني فيه مناصريه بالثأر من الدول الغربية. «ابذل جهدك في قتل أي أميركي أو فرنسي، أو أي من حلفائهم. فإن عجزت عن العبوة أو الرصاصة فاستفرد بالكافر، فارضخه بحجر، أو انحره بسكين، أو اقذفه من شاهق، أو ادهسه بسيارة. وإن عجزت فأحرق منزله أو سيارته أو تجارته أو مزرعته. فإن عجزت فابصق في وجهه، وإن لم تفعل فراجع دينك».
وقد نشط «داعش» في كثير من المرات في شن حملات إعلامية إلكترونية تشجع الأفراد المتأثرين بالتنظيم والمتابعين لرسائله التحريضية إلى القيام بهجمات إرهابية، حتى وإن كانت عشوائية مثل طعن أو دهس في مدن أوروبية أو أميركية. وفي أعقاب حادثة نيوزيلندا دعا المتحدث باسم «داعش» أبو الحسن المهاجر مناصري التنظيم إلى الثأر وذلك في تسجيل صوتي بلغ 45 دقيقة، علما بأنه ندر الظهور الإعلامي للتنظيم في الآونة الأخيرة، وقد تطرق «المهاجر» من خلاله إلى الخسائر التي تعرض لها «داعش» في كل من العراق وسوريا وتحديداً معركة الباغوز في المنطقة التي تعد آخر معاقل التنظيم هناك. أيضا رفض التشبيه بين حادثة نيوزيلندا وهجمات «داعش» الإرهابية، ومن ثم حرض على الانتقام: «إن مشهد القتل في المسجدين لحري به أن يوقظ الغافلين، ويحض أنصار الخلافة القاطنين هناك للثأر والانتقام لدينهم ولأبناء أمتهم، الذين يذبحون في كل مكان من الأرض...». وللعلم نشط تنظيم «داعش» منذ بدء ظهوره في الرسائل الإعلامية التحريضية التي تدعو إلى الكراهية والتهجم على الغير.
ويظهر من جهة أخرى وجود كثير من المتأثرين بمثل هذه الآيديولوجيا التي يجري بثها إلكترونياً. مثل الظهور الإعلامي لأبو صالح الأميركي «الداعشي» في نهاية 2017، وهو أميركي من أصول أفريقية، ولقد حذر في تسجيله المرئي الرئيس الأميركي دونالد ترمب باللغة الإنجليزية، بأن «الحرب التي يشنها البيت الأبيض على الإسلام جعلت الولايات المتحدة أكثر ضعفاً» على حد زعمه. وتابع أن ترمب دخل إلى البيت الأبيض بفعل «خطابه الصليبي» ومن ثم دعا مناصري التنظيم إلى استغلال سهولة الحصول على أسلحة نارية في الولايات المتحدة من أجل تنفيذ هجمات جديدة.
وفي هذا تحريض واضح «للذئاب المنفردة»، وهو أمر يسهل على التنظيمات المتطرفة تطبيقه في المناطق المتشددة أمنياً، إذ إن «الذئاب المنفردة» ليست بحاجة إلى توفير الأسلحة أو التدريب العسكري أو التواصل المستمر، وبالأخص في الآونة الأخيرة حيث انتشر الوعي بمخاطر التطرف والتشديد الأمني ضد الهجمات الإرهابية، بينما تتوجه التنظيمات المتطرفة في المناطق الأقل أمناً مثل مناطق النزاع إلى تشكيل التنظيم بشكل يخوف الآخرين منه ويجبرهم على الانصياع لأوامره كقوة أو سلطة عليا. مثل ما حدث في العراق وسوريا وحتى في مناطق في أفريقيا.
حقيقة انتماء «الذئاب المنفردة»
في الفترة الأخيرة ومع ميوعة وانسيابية الانتماء للتنظيمات المتطرفة واستلهام كثير من «الذئاب المنفردة» الهجمات الإرهابية وتنفيذها باسم آيديولوجيا معينة، وشرعنة القتل باسم آيديولوجيا معينة سواء سياسية أو دينية، فإن من الصعب معرفة حقيقة مدى انتماء متطرف معين إلى تنظيم ما أو مجرد تأثره به. حادثة لارامبلا في مدينة برشلونة الإسبانية، مثال على ذلك، وفيها قام شخصان بدهس 13 من المارة، في أغسطس (آب) عام 2017، يومذاك نسبت العملية لتنظيم «داعش»، وإن لم توجد أدلة على مدى انتمائهما الشخصي للتنظيم. وكذلك «هجوم نيس» الذي نفذه التونسي محمد لحويج بوهلال عام 2016 بقيادة شاحنة ودهس أشخاصا يحتفلون بـ«يوم الباستيل»، ما أسفر عن مقتل 86 شخصاً، إلا أنه لم يظهر عليه توجهات متطرفة من قبل أو انتماء لتنظيم «داعش».
مثل هذه الأحداث تؤكد مدى خطورة «الذئاب المنفردة» وقدرتهم على قتل أعداد كبيرة من البشر، على الرغم من أن غالبيتهم ليسوا أشخاصا متمرسين في فنون القتال أو استراتيجيات إخفاء جرائمهم الإرهابية، إذ يتم القبض عليهم منذ أول هجمة إرهابية يرتكبونها، لا سيما أن غالبية الهجمات الإرهابية المرتكبة من قبل «ذئاب منفردة» تحدث في مناطق يستتب الأمن فيها. إلا أن التنظيمات المتطرفة لا يظهر لدى عناصرها اكتراث بتضحيتهم بمرتكبي الهجمات لأنهم فعلياً لا ينتمون لهذه المنظمات الإرهابية ولم يتلقوا منها تدريباً أو دعماً لوجيستياً فعلياً. إلا أن سياسة توظيف «الذئاب المنفردة» تعد الأفضل للتنظيمات التي تواجه استهدافاً عالمياً.


مقالات ذات صلة

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».