لقاء تشكيلي قاهري يجمع الرواد بالمعاصرين

يستعيد أعمال صلاح طاهر ومحمد الزاهد وصبحي جرجس

واقعية عالم المصنع في أعمال فتحي عفيفي  -  من أعمال الفنان الراحل صلاح طاهر  -   منحوتة لصبحي جرجس
واقعية عالم المصنع في أعمال فتحي عفيفي - من أعمال الفنان الراحل صلاح طاهر - منحوتة لصبحي جرجس
TT

لقاء تشكيلي قاهري يجمع الرواد بالمعاصرين

واقعية عالم المصنع في أعمال فتحي عفيفي  -  من أعمال الفنان الراحل صلاح طاهر  -   منحوتة لصبحي جرجس
واقعية عالم المصنع في أعمال فتحي عفيفي - من أعمال الفنان الراحل صلاح طاهر - منحوتة لصبحي جرجس

يحتضن «مركز ومتحف سعد زغلول» بالقاهرة، 5 معارض متميزة تعكس تواصل الأجيال التشكيلية المصرية، حيث يضم أعمال 3 من الرواد هم: صلاح طاهر، ومحمد الزاهد، وصبحي جرجس، إلى جانب فنانين معاصرين، هما: محمد الجنوبي، وفتحي عفيفي. التجول بين أرجاء المعرض يأخذك في رحلة بين عوالم فنية متنوعة تعطي للمتلقي مساحات للتأمل في أعمال فنانين خلدتهم لوحاتهم، وفنانين لا يزال عطاؤهم ينبض بضربات فرشاتهم.
يضم المعرض أكثر من 40 لوحة ومنحوتة تحمل لمحات من مسارات الفن التشكيلي، بداية من الستينيات وحتى الآن، ويستمر حتى 25 أبريل (نيسان) الحالي. ويحمل المعرض نفحات إبداعية من أعمال الفنان صلاح طاهر (1911 - 2007) أحد رواد فن التجريد في مصر، وهو الفنان المصري الوحيد الذي تزين إحدى لوحاته جدران البيت الأبيض بواشنطن، وتطورت أعماله من الكلاسيكية التعبيرية ثم الرمزية وصولاً إلى التجريدية المطلقة، الممزوجة بالحروفية العربية، إذ كانت فرشاته ترسم خطوطاً موسيقية في حركيتها ما بين الصعود والهبوط.
وتحمل بعض لوحات المعرض طابعاً تجريدياً صوفياً تفرد به الراحل صلاح طاهر، الذي استطاع أن يحقق نوعاً فريداً من الحداثة التشكيلية سابقة لعصره. بينما تحاورها لوحات الفنان محمد الزاهد التجريدية بفلسفته اللونية المستوحاة من التراث العربي الإسلامي. وهي لوحات تحمل دفقات موسيقية تغمر المساحات اللونية والفراغات باقتدار، وتحاورهما منحوتات صبحي جرجس بإيقاعها الطفولي في تجسيد الحيوان والإنسان بخطوط كنتورية فانتازية، حيث نجد الإنسان والقط بنسب جريئة تدهش المتلقي.
فيما تأخذنا أعمال الفنان فتحي عفيفي من عوالم التجريد والفانتازيا لتهبط بنا إلى أرض الواقعية الاشتراكية بكل حركيتها وحيويتها وإيقاعاتها المتواترة، حيث يضم المعرض مجموعة من لوحات برع فيها عفيفي في تجسيد عالم المصانع والعمال إلى جانب مجموعة بورتريهات بديعة تحمل رؤية الفنان الإنسانية للواقع.
أما أعمال الفنان محمد الجنوبي، التي تضم 32 لوحة، فهي تحمل طاقة إبداعية متدفقة، واستطاع أن يقدم في كل عمل تركيبات لونية متماسكة تشع بطاقة الأمل والتفاؤل مستوحاة من مصريته، حيث تتبلور القرية بكل بساطتها وما تحمله من معانٍ عميقة كالانتماء والهوية، حيث تحمل كل لوحة تفاصيل بتراكيب وأشكال بسيطة تحمل عمق رؤية ورسالة الفنان.
يقول الفنان مجدي عثمان، مدير «مركز سعد زغلول الثقافي» بالقاهرة، لـ«الشرق الأوسط»، «نحاول دائماً أن تجمع المعارض بين أعمال الرواد والفنانين المعاصرين، لنسلط الضوء على أعمال لم تعرض من قبل للرواد يستمتع بها الجمهور، خصوصاً من الأجيال الجديدة الذين لم يعاصروهم، بينما تحمل أعمال الفنانين المعاصرين تجارب فنية مبتكرة، وتعكس التطور في حركة الفن التشكيلي المصري». ويلفت إلى أن «المعروضات من لوحات ومنحوتات تمت استعارتها من عدد من المقتنين الذين يمتلكون أعمال هؤلاء الفنانين الراحلين، خصوصاً أنها تعود لفترات مبكرة من مشوارهم الفني».
ويشير إلى أن «المعرض نجح في عرض مجموعة من أعمال صلاح طاهر ما قبل الثمانينيات، وعدد من منحوتات صبحي جرجس التي ترصد بداياته، والتي جسد فيها الجسم البشري بأبعاد ونسب جريئة استطاع فيها أن يكسر الحاجز الأكاديمي بين الرسم العفوي والأكاديمي»، لافتاً إلى أن «هناك أيضاً عدة بورتريهات لم تعرض من قبل للفنان فتحي عفيفي، نلمس فيها تقنية فريدة في سحب الألوان والتجريب في استخدامها. كما قدمنا مجموعة كبيرة من أعمال الفنان محمد الجنوبي التي تجسد المدرسة الرمزية بطابع مصري».



بعد 3 أشهر ونصف الشهر من المغامرة... كوسوفي يصل مكة المكرمة بدراجته الهوائية

سيكي هوتي مع دراجته التي قطع بها مسافة 6800 كيلومتر من كوسوفو إلى مكة المكرمة (الشرق الأوسط)
سيكي هوتي مع دراجته التي قطع بها مسافة 6800 كيلومتر من كوسوفو إلى مكة المكرمة (الشرق الأوسط)
TT

بعد 3 أشهر ونصف الشهر من المغامرة... كوسوفي يصل مكة المكرمة بدراجته الهوائية

سيكي هوتي مع دراجته التي قطع بها مسافة 6800 كيلومتر من كوسوفو إلى مكة المكرمة (الشرق الأوسط)
سيكي هوتي مع دراجته التي قطع بها مسافة 6800 كيلومتر من كوسوفو إلى مكة المكرمة (الشرق الأوسط)

مدفوعاً برغبة عميقة في تقوية إيمانه وإعادة اكتشاف ذاته قرَّر شاب كوسوفي في العقد الثالث من العمر يدعى سيكي هوتي ترك حياة الراحة والاستقرار خلفه ظهره واستقل دراجته الهوائية لبدء مغامرة استثنائية عابرة للقارات تنطلق من بلدته الصغيرة في جمهورية كوسوفو إلى مكة المكرمة.

وعلى مدار 3 أشهر ونصف الشهر، قطع سيكي أكثر من 6800 كيلومتر، وعبر دولاً عدة، مجابهاً صعوبات لا تُحصى ليصل إلى قلب العالم الإسلامي، «نعيش في عالم مليء بالملذات والماديات، وكثيرون منا ينسون الغاية التي خلقنا من أجلها»، بهذه الكلمات يشرح سيكي لـ«الشرق الأوسط» الدوافع خلف هذه الرحلة التي لم تكن مجرد مغامرة عادية؛ بل هي محاولة جريئة لإعادة الاتصال بروحه والتقرب إلى الله.

إعداد الجسد والعقل

لم يكن الاستعداد لهذه الرحلة سهلاً؛ إذ حرص سيكي على تعلم أساسيات صيانة الدراجات وحمل معه قطع غيار للطوارئ، كما جهز نفسه بمعدات بسيطة للطهي والنوم، بالإضافة إلى ذلك عمل على تقوية عزيمته ليكون مستعداً لما هو قادم، معتمداً بعد الله على قوته البدنية، التي كان يثق بأنها ستعينه على تحمُّل مشاق الطريق، وعن ذلك يقول: «اعتمدت على إيماني العميق وثقتي بأن الله لن يخذلني مهما واجهت من مصاعب. وقطعت على نفسي عهداً بأن أصل إلى وجهتي مهما كانت الظروف».

بعد رحلة دامت 3 أشهر ونصف الشهر وصل هوتي أخيراً إلى مكة المكرمة ليؤدي مناسك العمرة (الشرق الأوسط)

تحديات لا تُنسى

رحلة سيكي هوتي شملت دولاً عدة منها مقدونيا الشمالية، وبلغاريا، وتركيا، وإيران والإمارات العربية المتحدة، حتى وصل إلى المملكة العربية السعودية. وكان لكل محطة تحدياتها الخاصة، ففي تركيا، شكلت التضاريس الجبلية تحدياً له، خصوصاً بعد خروجه من مدينة إسطنبول. فالطرق الوعرة والأمطار الغزيرة جعلت الرحلة مرهقة. لكن وسط هذه الصعوبات، وجد سيكي دفئاً في كرم الناس. حيث استقبله أحد عمال محطة وقود مر عليها، وقدم له مأوى ومشروباً دافئاً. عن تلك التجربة يقول: «في أكثر اللحظات صعوبة، كان لطف الغرباء هو ما يدفعني للاستمرار».

أما إيران، فيتذكر سيكي أنها كانت واحدة من أكثر المحطات إثارة، فحاجز اللغة، واختلاف الثقافة، وصعوبة التعامل مع العملة المحلية، أموراً مزعجة. لكن مع ذلك، قال: «إنه رغم كل الصعوبات، أدركت أن الإنسانية تجمعنا. الابتسامة واللطف كانا كافيين لتجاوز تلك الحواجز».

سيكي هوتي إلى جانب العَلم السعودي بعد وصله مكة المكرمة (الشرق الأوسط)

وفي الصحراء السعودية، وحين كان على مشارف الطائف، استقبلت سيكي أمطار غزيرة، شكّلت له تحدياً، لكن لحسن الحظ وقبل أن تسوء الأوضاع بشكل كبير التقى مواطناً سعودياً يُدعى فيصل بن مناعي السبيعي الذي مدّ له يد العون وقدم له المساعدة التي يحتاج إليها لمواصلة رحلته إلى خير البقاع. عن تلك التجربة يقول سيكي: «لن أنسى فيصل ما حييت. كان وجوده في ذلك الوقت معجزة أنقذت حياتي. وبفضله تمكنت من الوصول إلى مكة المكرمة».

مكة فرحة العمر

وعند دخوله إلى أم القرى بعد أشهر من مواجهة التحديات، يقول سيكي شعرت بسلام داخلي عميق، وأضاف: «كانت لحظة وصولي إلى مكة المكرمة أشبه بتحقيق حلم العمر. شعرت بالطمأنينة والفرح، توجهت إلى الله بالدعاء لكل من ساعدني في رحلتي ولكل إنسان يحتاج إلى الدعاء».

ولا تتوقف رحلة سيكي هوتي عند مكة المكرمة. فهو يخطط لمواصلة رحلته إلي المدينة المنورة وزيارة المسجد النبوي.

الكوسوفي هوتي حقّق حلم عمره بعد وصوله إلى مكة المكرمة (الشرق الأوسط)

إندونيسيا وجهة الحب

يقول سيكي: «زيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة حلم كل مسلم، وأنا ممتن لله على هذه الفرصة»، لكنه ينوي بعد مغادرة طيبة الطيبة، البدء في رحلة جديدة إلى إندونيسيا، الهدف منها هذه المرة هو التقدم لخطبة المرأة التي يحبها. مدركاً أن هذه الرحلة ستكون مليئة بالتحديات، خصوصاً أن بعض الدول التي سيعبرها لا تعترف بجنسية كوسوفو. إلا أنه عبَّر عن تفاؤله بالوصول إلى وجهته الجديدة قائلاً: «حين يكون لديك إرادة، ستجد دائماً طريقاً لتحقيق حلمك. أنا مؤمن بأن الله سييسر لي هذه الرحلة كما فعل مع رحلتي إلى مكة المكرمة».

نصيحة للمغامرين

رحلة سيكي هوتي ليست مجرد مغامرة بالدراجة الهوائية، بل هي قصة عن الإيمان، والصبر، والإنسانية، تذكرنا بأن الصعوبات ليست سوى محطات تعزز قوتنا، وأن الغاية الأسمى في الحياة هي السعي لتحقيق الاتصال الروحي والسلام الداخلي هذا الشعور دفع الرحالة الكوسوفي لتوجيه رسالة إلى كل من يحلم بخوض تجربة مماثلة مفادها «لا تنتظر أن تشعر أنك مستعد تماماً؛ لأنك لن تصل إلى هذه اللحظة أبداً. ابدأ الآن، ثق بالله، وكن صبوراً ولطيفاً مع الآخرين. العالم مليء بالخير، وستكتشف ذلك بنفسك»