إعلامي وعميل سابق حلقة الاتصال بالدوحة في قضية كيرتس

قطر أصبحت {الشريك} السري في الاتصالات غير المباشرة مع الجماعات المتشددة

إحدى أقارب بيتر ثيو كيرتس الذي أطلقته «جبهة النصرة» في سوريا، تتحدث للصحافيين أمام منزل والدة كيرتس في ولاية ماساتشوستس أمس (رويترز)
إحدى أقارب بيتر ثيو كيرتس الذي أطلقته «جبهة النصرة» في سوريا، تتحدث للصحافيين أمام منزل والدة كيرتس في ولاية ماساتشوستس أمس (رويترز)
TT

إعلامي وعميل سابق حلقة الاتصال بالدوحة في قضية كيرتس

إحدى أقارب بيتر ثيو كيرتس الذي أطلقته «جبهة النصرة» في سوريا، تتحدث للصحافيين أمام منزل والدة كيرتس في ولاية ماساتشوستس أمس (رويترز)
إحدى أقارب بيتر ثيو كيرتس الذي أطلقته «جبهة النصرة» في سوريا، تتحدث للصحافيين أمام منزل والدة كيرتس في ولاية ماساتشوستس أمس (رويترز)

وصل إلى العاصمة القطرية، الدوحة الشهر الماضي، أحد المسؤولين الإعلاميين الأميركيين برفقة عميل متقاعد لدى مكتب التحقيقات الفيدرالية معروفة عنه اتصالاته المكثفة مع الحكومة القطرية. جاء الرجلان للاجتماع مع غانم خليفة الكبيسي، مدير جهاز الاستخبارات القطرية، للوقوف على مكان وجود الصحافي الأميركي بيتر ثيو كيرتس، الذي أعلن عن اختفائه في سوريا منذ ما يقرب من عامين. وعقب انتظار الرجلين لعدة ساعات في فندق سانت ريجيس في الدوحة، ظهر السيد الكبيسي برفقة حاشية صغيرة من رجاله. وكانت لديه بعض الأخبار الجيدة، حيث قال السيد الكبيسي لزائريه: «إننا نحاول العثور عليه».
بعد عدة أسابيع، عثر عليه القطريون بالفعل. ففي يوم الأحد، جرى تسليم الصحافي كيرتس إلى مسؤولي منظمة الأمم المتحدة في الجزء الخاضع للسيطرة السورية من مرتفعات الجولان، على مقربة من إسرائيل. وقد أصدرت والدته بيانا قالت فيه إنها شديدة الامتنان للمساعدة القطرية في العثور على ولدها.
ورغم إشارة المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي أوباما إلى أنه تم الإفراج عن الصحافي كيرتس عقب صدور «طلب مباشر» من عائلته للحصول على المساعدة القطرية، فإن الواقع يقول إن قطر كانت تعمل على تلك القضية لعدة شهور بناء على طلب من إدارة الرئيس أوباما.
وقطر، التي أثارت علاقاتها مع الجماعات الإسلامية المتشددة في وقت من الأوقات المزيد من الشكوك لدى الإدارة الأميركية، أصبحت الشريك الأميركي السري في الاتصالات غير المباشرة مع تلك الجماعات. ومن بينها حركة حماس، التي هي في حالة حرب مع إسرائيل في قطاع غزة خلال الشهر الماضي، وكذلك جبهة النصرة، وهي الجماعة التي كانت تحتجز الصحافي كيرتس، والتي صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية أجنبية و«ذراعا متفرعة ومملوكة بالكامل» لتنظيم القاعدة.
وبعيدا عن منطقة الشرق الأوسط، فقد سهلت دولة قطر محادثات السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في أفغانستان التي انتهت في العام الماضي دون تحقيق نجاح يذكر. وخلال هذا الربيع، ساعدت قطر في ترتيب تبادل الرقيب الأميركي باو بيرغدال، وهو العسكري الأميركي الوحيد الذي كان محتجزا لدى الميليشيات الأفغانية، مقابل خمسة معتقلين أفغان كانت تحتجزهم الولايات المتحدة في سجن عسكري في خليج غوانتانامو بكوبا. ويقطن الأفغان الخمسة حاليا في دولة قطر.
ويقول المسؤولون القطريون إن إسهامات بلادهم هي ثمرة طبيعية لاعتقادهم في المحادثات الحيادية. وأشار بيان صادر عن وزارة الخارجية في الدوحة، العاصمة القطرية، إلى تلك «الجهود الحثيثة» لتأمين الإفراج عن الصحافي كيرتس «إيمانا من دولة قطر بالمبادئ الإنسانية وحرصا منها على حياة الأفراد وحقهم في الحرية والكرامة».
ولا يعتقد المسؤولون في إدارة الرئيس أوباما كثيرا بما يقال، وبعض منهم يتشارك مع جيران قطر من دول الخليج العربي في القلق من مسعاها لتعزيز مكانتها كقوة إقليمية بدرجة تفوق حجمها الطبيعي. وفي الوقت الذي صرح فيه مسؤولو وزارة الخزانة الأميركية بأن الحكومة القطرية لم تعد تمول الجماعات الإرهابية مثل جبهة النصرة، إلا أنهم يعتقدون أن حفنة من الأثرياء القطريين الفرادى مستمرون في جمع الأموال لصالح الجماعات المتشددة في سوريا.
لكن وفي الوقت ذاته، كثيرا ما وجدت إدارة الرئيس أوباما الاتصالات القطرية مفيدة، ولا سيما اتصالات الاستخبارات القطرية مع جبهة النصرة. تصر دولة قطر وغيرها من المشاركين في عملية إطلاق سراح الصحافي كيرتس على عدم دفع فدية إلى المتشددين، ويقولون إن نفوذها مع تلك الجماعة يستند في الأساس على استعداد الأخيرة على التعاون والتعامل معها.
وأيا ما كان مصدر ذلك النفوذ، فقد لعبت قطر دورا محوريا في الفوز بحرية الصحافي كيرتس، وهو الجهد الذي اكتسب زخما إضافيا من قبل المناشدة التي وجهت لها من قبل ديفيد برادلي، وهو رئيس مجلس إدارة شركة أتلانتيك ميديا، وعميل مكتب التحقيقات الفيدرالية المتقاعد، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لمخاوف أمنية.
وفي مقابلة أجريت في مكتبه في ووترغيت بواشنطن، كشف برادلي لأول مرة عن تفاصيل تعاملاته مع الجانب القطري.
وقال برادلي إنه انخرط في القضية عقب مقابلته مع ابنة عم الصحافي كيرتس، وتدعى إيمي روزين، في حفل عشاء خيري العام الماضي في مدينة نيويورك. حيث طلبت منه روزين المساعدة في العثور على الرجل المفقود، ووافق برادلي على الفور. ومن بين الأعضاء الرئيسين الذين استعان بهم برادلي في ذلك المشروع كان المستشار العام الخاص به وباحث سوري كان يمكنه مراقبة المواقع الجهادية والترجمة من اللغة العربية.
وفي وقت لاحق، تعرف برادلي على العميل الفيدرالي المتقاعد، الذي قضى سنوات عمله المهنية في تتبع تنظيم القاعدة والذي سوف يصبح شريكا قريبا لدى برادلي. وعندما أوضح برادلي الموقف خلال العشاء، قال العميل الفيدرالي المتقاعد: «نحن بحاجة للذهاب إلى الدوحة».
وبعد عدة أسابيع من مقابلة الرجلين لأول مرة مع رئيس الاستخبارات القطرية، كان عليهما الطيران إلى الدوحة مجددا للاجتماع به مرة أخرى.
واستمر الاجتماع في المطعم الأرمني لما يربو على الساعتين، حيث صرح الرجلان اللذان يتبادلان الحديث مع السيد الكبيسي بأن أجهزته الأمنية قد عثرت على مكان الصحافي كيرتس باستخدام شبكة الاستخبارات القطرية. واعتقد أنه يمكنه الخروج بالصحافي كيرتس من سوريا من دون دفع أي فدى للخاطفين. وقال برادلي: «كان معظم قلقي ينصب على الاتهامات بدفع الفدية، حيث لن تدفع حكومة الولايات المتحدة أي فدى ولا تريد منه دفع أي فدى كذلك. مما جعل القطريين يشعرون أنهم في موقف لا يحسدون عليه».
وقال العميل الفيدرالي السابق إن عملية تحرير الصحافي كيرتس تطلبت وضع عملاء الاستخبارات القطرية في وجه المتاعب. واعتبارا للخطر المتوقع، كان ينبغي الحصول على موافقة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، على تنفيذ المهمة، على حد زعم العميل الأميركي المتقاعد.
وبمجرد التصديق على تنفيذ المهمة، كانت هناك سلسلة من التعقيدات، حيث قال العميل الفيدرالي المتقاعد، إنه عند نقطة واحدة، كانت هناك خطة لتحرير الصحافي كيرتس من خلال غارة باستخدام المسلحين المتعاونين مع الجانب القطري، لكن القطريين اعترضوا على تلك الفكرة.
وقال العميل الفيدرالي المتقاعد: «كنا نتعامل مع موقف تشوبه الكثير من الظلال القاتمة». وكانت عائلة الصحافي المخطوف قد تسلمت مطالب بدفع فدية تقدر بخمسة وعشرين مليون يورو.
وقالت فيفا هارديغ، إحدى بنات عم الصحافي كيرتس: «لم نكن نعلم إذا كانت تلك الأرقام قادمة من الخاطفين أنفسهم أو جرى تضخيمها من قبل الوسطاء».
في نهاية الأمر، فلن تكون هناك فدية، حيث قال العميل الفيدرالي المتقاعد: «إذا كانت المشكلة لقاء المال، كان يمكن حلها منذ وقت طويل». وفي وقت مبكر من الأسبوع الماضي، وقبل فترة قصيرة من إعدام الصحافي الأميركي الآخر، جيمس فولي، على يد تنظيم داعش، تلقى برادلي والعميل الفيدرالي المتقاعد معلومات تفيد بإمكانية إطلاق سراح الصحافي كيرتس من قبل خاطفيه.
وشعرت السيدة نانسي كيرتس، والدة الصحافي المخطوف، بسعادة غامرة عندما وصلتها تلك الأخبار، ولكنها كانت في حالة من التفاؤل الحذر حتى نهاية المطاف، على حد تعبير روزين. في الساعة 9:04 من صباح يوم السبت، تلقى برادلي رسالة نصية من الكبيسي تقول: «انتهى الأمر»، مع تعبير الإبهام لأعلى (رمز التأكيد). ثم، في تمام الساعة 11:42 صباحا، تلقى برادلي رسالة نصية أخرى من رئيس الاستخبارات القطرية تفيد بأن «بيتر الآن في أيد أمينة».
انتقل الصحافي كيرتس إلى مرتفعات الجولان في الجانب السوري وفيما بعد إلى إسرائيل، حيث كان عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالية من مكتب واشنطن الميداني في انتظاره.
وصلت الأخبار إلى السيد نانسي كيرتس على الفور، من خلال مكالمة هاتفية من أحد العملاء الفيدراليين الذين شاركوا في القضية. وأخبرت السيدة كيرتس أن ولدها في «حالة جيدة ولكنه منفعل للغاية». في يوم الأحد، تحدثت السيدة كيرتس مع ولدها أثناء وجوده في أحد فنادق تل أبيب. وقالت في مقابلة إن ابنها كان «مبتهجا للغاية».
قالت السيدة كيرتس إنها لا يمكنها الانتظار حتى عودته إلى موطنه. «سوف أصادر منه جواز سفره»، على حد زعمها.
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.