من أروع اللحظات في الأعمال الدرامية عندما يتضح أن شخصية كانت هامشية من قبل، تضطلع بدور محوري في حبكة الأحداث وبلوغها نقطة الذروة. ومع أن جوردان هندرسون يتولى رسمياً قيادة فريق ليفربول، فإنه حتى أسبوعين فقط ربما لم يكن أحد ليصدق أن له دوراً مؤثراً في السباق المحتدم الذي يخوضه ناديه لاقتناص بطولة الدوري؛ وتحديداً، دوراً مؤثراً على نحو إيجابي.
بوجه عام، لم يبد على ليفربول توتر لافت، لكن بعد مرور 5 دقائق على انطلاق الشوط الثاني من مباراة الأحد الماضي أمام تشيلسي، بدا أن اللاعبين تراودهم فكرة أنهم بحاجة ماسة إلى هدف، وإلا فسيسطر عليهم القلق الشديد سريعاً. ونظراً لفوز مانشستر سيتي أمام كريستال بالاس، فقد أصبح لزاماً على ليفربول الفوز. ومع هذا، وجد الفريق صعوبة في الوصول إلى الإيقاع المناسب للعب خلال الشوط الأول من المباراة.
بعد ذلك، نجح محمد صلاح في شن غارة، لكن نجح الفريق الخصم في كبح جماحه. إلا إن هندرسون كان يقف داعماً له، وفي أول لمسة له للكرة نجح في خلق مساحة جيدة، لكن مجهوده في النهاية لم يكلل بالنجاح. أما لمسته الثانية للكرة، فقد حرص على تقديرها بدقة بحيث تحمل الكرة إلى خط التماس، وليس بعده. وبمرور الوقت وتوالي الكرات، نجح هندرسون للمباراة الثالثة على التوالي في فك شفرة المباراة. وحانت لحظة حملت بكل ما فيها الطابع المميز لهندرسون، وذلك عندما عاون؛ بكل حماس وبمستوى رفيع من المهارة والسيطرة الفنية لم يحظ حتى هذه اللحظة بالتقدير المستحق، في تسجيل هدف.
منذ عامين، نشر المصور الألماني كريستيان فيلر كتاباً يتألف من لقطات جرى تصويرها داخل أحد الاستوديوهات لكلاب تحاول الإمساك بطعام لها يحركه بيده. وعندما تمعن النظر في هذه الصور وتنظر إلى هندرسون أسفل كرة عالية. ويبدو التعبير في الحالتين واحداً؛ التركيز نفسه، والرغبة نفسها، والشعور بالدهشة والإثارة نفسه حيال أن المرء حي داخل عالم يحمل مثل هذه المباهج التي تسقط من السماء.
بصورة جزئية، عانت سمعة هندرسون بسبب ولائه واستعداده لفعل ما يمليه عليه مدربه. عندما ظهر على الساحة العامة للمرة الأولى خلال مشاركته في صفوف سندرلاند، كان يشارك في مركز الجناح الأيمن. وسرعان ما نقله ستيف بروس إلى قلب الملعب، لكن في أول مباراة له بهذا المركز، وكانت مباراة خارج الأرض في برمنغهام، جاء أداؤه مروعاً. ومع هذا، ظلت ثقة بروس فيه راسخة، وأبدى المدرب إعجابه الشديد برغبة اللاعب في التعلم. وبالفعل، نجح هندرسون في الثأر لنفسه في غضون أسابيع قليلة، وتمكن من ترسيخ اسمه لاعباً قادراً على التحرك عبر الملعب من منطقة المرمى إلى منطقة المرمى المقابلة.
وعندما منحه فابيو كابيلو فرصة المشاركة في صفوف المنتخب الإنجليزي للمرة الأولى، وذلك خلال مباراة انتهت بهزيمة إنجلترا أمام فرنسا بنتيجة 2 - 1، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، فإن مشاركته جاءت في مركز «المسّاك» خلف اللاعبين الأربعة في خط الدفاع. كان أداء هندرسون مروعاً خلال المباراة، لكن قرار إشراكه في المباراة بدور لم تسبق المشاركة فيه من قبل قط، كان غريباً ومحيراً.
ومع هذا، تغلب هندرسون على هذه الانتكاسة، وبسبب الإصابة التي مني بها هاري كين، انتهى به الأمر إلى ارتداء شارة قيادة المنتخب الإنجليزي، وقاد الفريق بالفعل نحو دور قبل النهائي ببطولة دوري الأمم الأوروبية. كان هندرسون قد انضم إلى ليفربول في جزء من سياسة مالية رديئة في ظل قيادة كيني دالغليش. وأوشك بريندان رودجرز على بيع هندرسون في وقت ما، لكنه مضى في طريقه ونجح بفضل ما يقدمه داخل الملعب. وقد احتاجه يورغن كلوب للاضطلاع بدور لاعب خط وسط متمركز في العمق (مركز يشير إليه المدرب الألماني باسم «صاحب القميص رقم 6»)، وكعادته الدؤوب والمجتهدة دائماً بدا أن هندرسون تكيف طواعية مع الدور الجديد. وبالفعل، اضطلع هندرسون بالمهمة الجديدة عن طيب خاطر، لكنها لم تكن مهمة برع فيها، وذلك لافتقاره إلى الشعور الغريزي القادر على تحديد المراكز المناسبة بامتياز مثل كلود ماكيليلي أو آندريا بيرلو أو سيرجيو بوسكيتس أو تشابي ألونسو.
عندما كان ليفربول يضغط بقوة وباستمرار، كانت طاقة هندرسون الكبيرة تعينه على النجاة في هذه المواقف، ففي تلك اللحظات كانت أولوية السرعة والقوة تفوق الدقة. إلا إنه هذا الموسم، ومع اتباع ليفربول وتيرة لعب أكثر محافظة، بدأت نقاط القصور التكتيكية تلك تتكشف بوضوح. لذا، بدأ هندرسون يشعر بالإحباط، الأمر الذي بدا بوضوح عندما استبدله كلوب في استاد «أولد ترافورد» في فبراير (شباط) الماضي، مما يشير إلى أنه ربما من الأفضل الدفع به ليضطلع بدور «صاحب القميص رقم 8». في الواقع؛ هذا تحديداً المركز الذي يفضله هندرسون ويتألق فيه بجلاء ويثير إعجاب الجماهير بحماسه. ومثلما أشار أليكس فيرغسون ذات مرة، فإن ثمة أمراً غريباً بخصوص موهبة هندرسون قضى بأنه لن يكون أبداً أكثر اللاعبين تألقاً ولفتاً للأنظار، بينما تبرز أخطاؤه بجلاء في أعين الناس، وحتى لحظات عبقريته تبدو باهتة بعض الشيء.
في ساوثهامبتون، نهض هندرسون من على مقعد البدلاء ليحدث تحولاً في مسار المباراة. وكان له الفضل في اختراق صفوف بورتو في إطار بطولة دوري أبطال أوروبا، وكان تدخله هو ما عاون في فتح صفوف تشيلسي. ورغم جلوسه على مقعد البدلاء مع المنتخب الإنجليزي، فإنه شارك أمام مونتينيغرو بدور «صاحب القميص رقم 8» ليكون له الفضل في خلق الهدفين الرابع والخامس عبر تمريراته السريعة نحو الأمام.
هندرسون يجد نفسه أخيراً في ليفربول
بعد سنوات قضاها قائد الفريق الإنجليزي في التنقل عبر أدوار متنوعة
هندرسون يجد نفسه أخيراً في ليفربول
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة