شاشة الناقد; مَـفك

زياد بكري في «مفك»
زياد بكري في «مفك»
TT

شاشة الناقد; مَـفك

زياد بكري في «مفك»
زياد بكري في «مفك»

مَـفك
> إخراج: بسام الجرباوي
> تقييم: (2*)
بداية متأخرة ونهاية مفتوحة
بعد نحو اثنتي عشرة دقيقة يبدأ فيلم «مفك» فعلياً. ما سبق مشهد خروج بطله زياد (زياد بكري) من السجن الإسرائيلي يتحوّل إلى تمهيد غير ضروري، وإلى حد، غير مقنع. في تلك الدقائق نتعرف على زياد ولداً صغيراً يلعب بالمفك، مستخدماً إياه سيفاً ضد ولد آخر يستخدم مفكه سيفاً أيضاً، والاثنان في مبارزة. زياد سيجرح رمزي، لكن رمزي سيموت شاباً بعد ذلك. ذات ليلة بينما كان زياد، وقد بات شاباً بدوره، في سيارة مع بعض الأصدقاء يمرون بسيارة تحمل رقم رخصة إسرائيلية. يطلق صاحبه النار على الرجل ويهرب. زياد يقع في الأسر. يعيش فيه خمس عشرة سنة ويخرج منه.
لا يحتاج الفيلم إلى التمهيد المسبق، ولا أهمية لمفك البراغي؛ لأن رمزيته لا تحدد لا في تلك المشاهد الأولى، ولا حتى في النهاية عندما تراود زياد خاطرة خطف مفك آخر ينقله مستوطن إسرائيلي في سيارته وقتله به. لذلك المشهد الختامي المفتوح على نهاية تغري بالتساؤل حول ما إذا كان زياد سيقوم بذلك أو لا (سائق السيارة اليهودي مسلح وقد يبادر إلى قتل زياد أيضاً) مشاكله؛ إذ يقوم على فكرة أن المستوطن اليهودي سوف يظن أن زياد مستوطن آخر فينقله بسيارته.
قيمة «مفك» هي في تصويره عبثية قد نتفق حولها أو نختلف: السنوات التي قضاها زياد في الاعتقال هي عبثية بامتياز؛ كون من تم إطلاق النار عليه لم يكن إسرائيلياً، بل فلسطينياً. وهم لم يُقتل كما أعتقد زياد بل تعافى وكان من بين المستقبلين. يطرح ذلك مسألة البطولة ذاتها، لكنه في الوقت ذاته هو مدخله لرسم حالات عبثية أخرى، من بينها أن الأمور الحياتية فوضوية وأن السلطات الفلسطينية تمارس لغة اليد الطولى على المواطنين، وأن لا شيء يستطيع تغيير ما يحصل على الأرض لا داخل القطاع ولا في المواجهات بين أصحاب الحق وأصحاب رفض الحق.
للأسف، الحضور النسائي متوفر كمشاكل لا حلول لها. المخرجة التي تريد تحقيق فيلم عن زياد فيتهمها بأنها لا تفهمه وتعمل لصالحها. الفتاة التي تحبه وتريد التقرب منه بينما يبتعد عنها. شقيقته التي تدرك أن تصرفات زياد غير القابلة للفهم (انطواء، تجهم دائم، عدم الرغبة في التواصل مع الآخرين) تمنع العرسان عنها. لكن الأسوأ من ذلك هو طريقة إدارة الممثلات عموماً المانع لتعميق منطلقاتهن. كل الحوارات التي تنطق بها الممثلات تُـلقى مسترسلة بلا توقف كما لو أنها قراءة مدرسية. لا خصوصية شخصية تحمل بصمة ما. حين تطرح المخرجة سؤالاً تتبعه بآخر كما لو أن المطلوب منها أن تختصر كل ما لديها في سؤال واحد.
يبدو الحوار مترجماً عن الإنجليزية عموماً ومسنوداً من حين لآخر على هذا النحو. نعم، هناك تنفيذ جيد، وإيقاع صحيح، وتصوير بيئة في مكانها، لكنه «مفك» مكسور لا يبقى منه سوى المقبض.



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز