سنوات السينما: The Big Clock

تشارلز لوتون وراي ميلاند: الجلاد والضحية
تشارلز لوتون وراي ميلاند: الجلاد والضحية
TT

سنوات السينما: The Big Clock

تشارلز لوتون وراي ميلاند: الجلاد والضحية
تشارلز لوتون وراي ميلاند: الجلاد والضحية

The Big Clock
(1948)
شبه تحفة منسية
هناك فريق من المخرجين الذين لم يحققوا الشهرة ذاتها التي حققها بعض أترابهم. حين النظر إلى أفلام هذه الفئة ومتابعتها بعيني الملم يدرك الناقد كم ظلم النقاد بعض هؤلاء المخرجين الذين تميزوا بالقدرات ذاتها لسواهم من المشهورين... ليس عبر فيلم أو فيلمين، بل عبر أعمال عدة توزعت على مراحل حياتهم المهنية المديدة.
جون فارو (1904 - 1963) هو أحد هؤلاء. سينمائي ماهر، مخرج متمكن من استخدام رؤيته جنباً إلى جنب مع إمكاناته الفنية وصاحب أكثر من خمسين فيلماً، من بينها نحو 40 فيلماً مثيراً للاهتمام، من بينها أكثر من 20 فيلماً جيداً كان يستحق معاملة نقدية أفضل. أحد هذه الأفلام «الساعة الكبيرة» بطولة راي ميلاند مع تشارلز لوتون ومورين أو سوليڤن وجورج مكريدي في أدوار مساندة. «الساعة الكبيرة» كان الأول من بين ثلاثة أفلام حققها هذا المخرج سنة 1948، وكلها جيدة.
يفتح الفيلم على مشهد لبطله جورج (ميلاند) يكشف فيه عن ورطته؛ فحياته مهددة بفعل جريمة قتل لم يرتكبها، لكنه يرى كيف قد ينتهي مداناً لو نجح القاتل في إخفاء ما قام به. من هنا ندلف للصحيفة التي يعمل بها جورج محرراً لصفحة الجرائم. إذ نعود إلى بداية القضية التي ستورطه، يقدم المخرج شخصية الناشر إيرل جانوث (تشارلز لوتون) الذي يعتبر نفسه أكبر من الحياة ذاتها. يتصرف بفظاظة مع الجميع إلا عندما يحاول استرضاءهم. جورج واحد من القلة الذين يستطيعون مصارحته برأيه المستقل. نائبه ستيف (جورج ماغريدي) حذق يستمد قوته من موقعه ورضا الناشر عليه.
ذات يوم يقتل الناشر امرأة في شقتها إثر خلاف. ينسحب من مكان الحادث ويعترف لستيف بما فعل. يذهب هذا إلى مسرح الجريمة ويزيل ما قد يدل على وجود الناشر في المكان. يلتقط منديلاً كان جورج تركه عندما زار المرأة ذاتها قبل دقائق من وصول الناشر. الآن يحيك الناشر ونائبه العملية للإيقاع ببريء ما، ويوجهان التهمة صوب آخر يوهما الإعلام بأنه هو القاتل. لكن جورج يبدأ بالتيقن من أن هذا المجهول سيتبلور إلى شخصه هو نسبة لما جمعه ستيف من دلالات وتبعاً لشهود عيان. الآن بات على جورج أن يمارس عمله في الصحيفة بصفته قائداً لهذه التحقيقات في الوقت الذي يحاول فيه التأكد من أن أصابع الاتهام لن تطاله، وهي لن تطاله إذا ما نجح في الكشف عن القاتل الحقيقي.
كاتب الرواية التي تم اقتباس الفيلم عنها هو الشاعر كينيث فيرينغ الذي كان عمل صحافياً في إحدى مؤسسات شيكاغو الإعلامية. وكان على خلاف مع الناشر؛ ما دفعه إلى كتابة تلك الرواية. دور المخرج هو دفع الأحداث باتجاه واحد ومحدد وسريع مثل قطار سريع يبدأ لاهثاً وينتهي على هذا الوضع حتى النهاية.
الشخصيات كثيرة. هناك زوجة جورج المحرومة من وقت نوعي يقضيه زوجها معها حتى عندما يعدها بأنه سيمضي شهر عسل معها (متأخراً بعض سنوات بعد زواجهما) وعدد كبير من الصحافيين والشهود الموزعين في أرجاء الحكاية. كذلك من تلك الشخصيات الساعة الكبيرة التي يفتخر بها الناشر والمنصّبة في القاعة الأرضية من المبنى. الأحداث في جزء الفيلم الأخير تستخدم الساعة موازياً تشويقياً، لكن الفيلم بأسره يستخدم الوقت في إيقاع هيتشكوكي بالغ الدقة.
تمثيل الجميع رائع يجد المشهد نفسه إزاءه تحت سحر أداء تلقائي جيد يتلو حواراً يخرج مثل الدرر مع تصوير لا يدخل بينه وبين الفيلم وبإدارة مخرج يعرف مفرداته كما يعرف المرء كفه.
ساحرة تلك الدقائق التي يتألف منها الفيلم سواء أكانت قبل أو خلال ولوجه الصراع لأجل البقاء. كل مشهد له دلالاته ومبني على حرفة فنية متكاملة يلتقي عندها كل عنصر يتضمنه المشهد (تصوير، تصميم مناظر، صوت، تمثيل وعملية التوضيب بأسرها) بتآلف نموذجي.
قيمة تاريخية (5*)
قيمة فنية: (5*)
تشارلز لوتون وراي ميلاند: الجلاد والضحية



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.