مسلسلات رمضان على الشاشات اللبنانية... زحمة خيارات ونجوم

شركات الإنتاج تفرج عن الـ«بوسترات» الخاصة بالترويج لها

مسلسل «الكاتب» لباسل خياط ودانييلا رحمة يعرض على قناة «إل بي سي آي»  -  «بروفا» يغرد خارج السرب حاملاً الضحكة لمشاهديه 
في موسم رمضان  -  «دقيقة صمت» من المسلسلات التي تعرضها شاشة «الجديد» اللبنانية في رمضان
مسلسل «الكاتب» لباسل خياط ودانييلا رحمة يعرض على قناة «إل بي سي آي» - «بروفا» يغرد خارج السرب حاملاً الضحكة لمشاهديه في موسم رمضان - «دقيقة صمت» من المسلسلات التي تعرضها شاشة «الجديد» اللبنانية في رمضان
TT

مسلسلات رمضان على الشاشات اللبنانية... زحمة خيارات ونجوم

مسلسل «الكاتب» لباسل خياط ودانييلا رحمة يعرض على قناة «إل بي سي آي»  -  «بروفا» يغرد خارج السرب حاملاً الضحكة لمشاهديه 
في موسم رمضان  -  «دقيقة صمت» من المسلسلات التي تعرضها شاشة «الجديد» اللبنانية في رمضان
مسلسل «الكاتب» لباسل خياط ودانييلا رحمة يعرض على قناة «إل بي سي آي» - «بروفا» يغرد خارج السرب حاملاً الضحكة لمشاهديه في موسم رمضان - «دقيقة صمت» من المسلسلات التي تعرضها شاشة «الجديد» اللبنانية في رمضان

كما في موعده من كل عام، ينتظر اللبنانيون موسم رمضان التلفزيوني لما يحمل من شبكة برامج ومن أعمال دراما شيقة وضخمة في آن. ففي هذه الفترة من السنة تتنافس شركات الإنتاج على تقديم الأفضل على الشاشات الصغيرة، لجذب أكبر عدد من المتفرجين. وفي لبنان تنقسم الحصة الرمضانية الكبرى من شبكات البرامج بين شركتي الإنتاج «إيغل فيلمز» و«الصباح إخوان»، بحيث ارتبطت قناة «إل بي سي آي» مع الأولى، فيما وقع اختيار الـ«إم تي في» على الثانية. وتأخذ أحيانا هاتان المحطتان على عاتقهما إنتاجات درامية أخرى تنفرد بعرضها خلال هذا الموسم.
ويحمل موسم رمضان لعام 2019 مروحة خيارات واسعة، بحيث تعرض أعمال دراما لبنانية وأخرى عربية مختلطة متنوعة يتجاوز عددها الـ7 مسلسلات. وجميع هذه الأعمال يشارك فيها نجوم تمثيل اعتاد اللبنانيون انتظار إطلالتهم في هذا الموسم من عام إلى آخر.
وبعد أن أفرجت شركات الإنتاج مؤخرا عن الملصقات الإعلانية الترويجية لأعمالها وعن أسماء الفنانين الذين سينشدون تيتراتها، اتضحت الصورة الكاملة لشبكات برامج رمضان أمام المشاهد. وهو الأمر الذي يوقع عادة البعض في حيرة حول الخيار الأفضل الذي يجب أن يقوموا به.
وتزخر شاشة قناة «إم تي في» اللبنانية بمجموعة من الأعمال الدرامية القوية والتي سبق أن حقق نجومها نجاحات ملحوظة فحصدت أعمالهم نسب مشاهدة عالية عبر شاشتها.
ويأتي مسلسل «الهيبة - الحصاد» على القناة المذكورة في مقدمة الأعمال المنتظرة من قبل المشاهد العربي عامة واللبناني خاصة. كما أن حبكته الرومانسية التي تسود جزأه الثالث وقصته المكتوبة بقلم جديد، إضافة إلى بطولته النسائية المنتظرة لسيرين عبد النور، عناصر تساهم كلها ليكون في طليعة فوج الأعمال المنتظرة بحماس.
ويعد «الهيبة - الحصاد» تكملة للجزء الأول منه والذي لعب بطولته يومها نادين نسيب نجيم وتيم حسن، وتدور قصته التي يكتبها باسم السلكا ويخرجها سامر البرقاوي ضمن 30 حلقة تدور في قالب الدراما الرومانسية التشويقية المعاصرة. وهي ترصد تداعيات حادثة إصابة أحد أبطاله «شاهين». فتتوتر العلاقات بين أبناء العم عموما لتتحول إلى صراع تدخل عليه الصحافية نور رحمة التي تجسد شخصيتها الممثلة سيرين عبد النور. فتنشأ علاقة غريبة بينها وبين «جبل» (تيم حسن) لتشهد تطورات ومفارقات درامية بفعل الإشكالات التي تحدثها على العائلة كلها. ودائما ضمن قالب رومانسي يتلون بالإثارة (الأكشن) في الوقت ذاته. وتنطلق أحداث المسلسل من الضيعة اللبنانية الافتراضية «الهيبة» لتصل بعدها إلى العاصمة بيروت. ومن ناحية غناء تيتر الهيبة، فسيبقى بصوت المغني ناصيف زيتون. أما المفاجأة التي يحضرها تلفزيون «إم تي في» فهي إطلاق «برومو ترويجي» في 21 الحالي للعمل من خلال أغنية بعنوان «أزمة ثقة». يكشف بمشاهد حصرية بعض تفاصيل «الهيبة -الحصاد». وسيكون بمثابة فيديو كليب لهذه الدراما التي حققت نجاحا باهرا على الساحة الدرامية، دفع بمنصة «نتفليكس» الإلكترونية لإدراجه على لائحة مسلسلاتها العربية.
ومن المسلسلات المنتظرة أيضا من قبل اللبنانيين في هذا الموسم «خمسة ونص» لنادين نسيب نجيم والممثلين السوريين قصي الخولي ومعتصم النهار، وتعرضه أيضا قناة «إم تي في» في الموسم الرمضاني. وهو من تأليف إيمان سعيد وإخراج فليب أسمر. وتدور قصة العمل في إطار قصة حبّ يتنافس فيها كل من غمار الغانم (قصي الخولي) مع جاد (معتصم النهار) على حبّ طبيبة تعرف بإنسانيتها. وهي رئيسة قسم الأورام السرطانية بيان نجم الدين (نادين نسيب نجيم) في أحد المستشفيات اللبنانية في بيروت. وقد ورثت موهبتها هذه عن والدها الطبيب المتوفى. وتحاك القصة في إطار درامي يعكس الصراع ما بين الحب والمؤامرة والخيانة ودور السلطات السياسية والإعلامية في هذا الموضوع. واضطرت نادين نسيب نجيم من أجل تقديم أداء صادق وحقيقي بصفتها طبيبة أمراض سرطان إلى الاجتماع أكثر من مرة مع أطباء اختصاصيين في معالجة هذه الأمراض في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت.
أغنية مسلسل «خمسة ونص» ستكون بصوت الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب التي سجلتها مؤخرا تحت عنوان «يا بتفكر يا بتحس» لتكون أولى أغانيها باللبنانية، كتبها علي المولى ولحنها صلاح الكردي ووزع موسيقاها جيمي حداد.
وتطل كارين رزق الله أيضا على شاشة «إم تي في» وبإنتاج مشترك معها في مسلسل «انتي مين»، وهو من كتابتها وبطولتها إلى جانب الممثل عمار شلق ومن إخراج إيلي حبيب.
ومن المسلسلات الأخرى التي توقعها شركة «الصباح إخوان» وتعرض على شاشة «الجديد» اللبنانية «دقيقة صمت». ويلعب بطولته كل من عابد فهد وستيفاني صليبا كتبه سامر رضوان وأخرجه شوقي الماجري. وتدور قصة العمل حول السجينين أمير ناصري وأدهم منصور اللذين يحكم عليهما بالإعدام. وتحمل أحداث العمل تعقيدات ومفاجآت تؤدي إلى هروبهما من السجن. ومن هنا تتدخل الفتاة سمارة (ستيفاني صليبا) لتشكل عنصرا محوريا في القصة تساهم في مساندة الهارب أمير ناصري (عابد فهد) فتنشأ بينهما قصة حب هادئة يكتنفها الغموض. ومن المتوقع أن ينشد المغني معين شريف أغنية هذا المسلسل.
وتواكب المؤسسة اللبنانية للإرسال (إل بي سي آي) كعادتها كل عام موسم رمضان مع باقة من الأعمال الدرامية غالبيتها موقعة من قبل شركة «إيغل فيلمز». والمعروف أن هذه القناة عادة ما تحصد أعمالها الدرامية نسب مشاهدة عالية في موسم رمضان بحسب شركات الإحصاء المختصة.
ومن الأعمال المعروضة على شاشتها في الفترة المذكورة «أسود» وهو من كتابة كلوديا مرشيليان وإخراج سمير حبشي. ويحكي عن رئيس عصابة (باسم مغنية) يرتبط بعلاقة حب مع امرأة (ورد الخال) لديها ابنة (داليدا خليل). وهو من نوع الدراما المشوقة وتعيش معظم شخصياته حالة من السواد بسبب مشاكلها الكبيرة.
أما مسلسل «الكاتب» وهو أيضا من إنتاج شركة «إيغل فيلمز»، فيلعب بطولته كل من دانييلا رحمة وباسل خياط الثنائي الذي اشتهر في العام الماضي في مسلسل «تانغو». ويشاركهما التمثيل ندى بوفرحات ومجموعة من الممثلين اللبنانيين. وهو يحكي قصة كاتب (باسل خياط) يتهم بقتل ممثلة فتدافع عنه باستبسال إحدى المحاميات (دانييلا رحمة) لتنشأ بينهما قصة حب وطيدة. وهو من كتابة ريم حنا وإخراج رامي حنا.
ومن الأعمال الضخمة التي تعرضها شاشة «إل بي سي آي» «حرملك». ويضم إضافة إلى بطلته الرئيسية كارمن لبس مجموعة من النجوم السوريين أمثال جمال سليمان وسلافة معمار وباسم ياخور وجيني أسبر وكذلك درة التونسية والمصري أحمد فهمي وغيرهم. وتدور قصته حول وصول المماليك إلى السلطة والتحكم بمفاصل المشهد السياسي العام وإلحاق الهزيمة لأعداء الأمة المفترضين. وهو من تأليف سليمان عبد العزيز وإخراج سامر إسحاق وإنتاج شركة «كلاكيت» السورية. وحده مسلسل «بروفا» لماغي بو غصن وأحمد فهمي سيغرّد خارج السرب فيأخذ المشاهد إلى عالم الضحك والكوميديا وهو من إنتاج «إيغل فيلمز» ومن كتابة يم مشهدي وإخراج رشا شربتجي. وكشفت المخرجة أن المسلسل عمل اجتماعي يلامس العائلة العربية والمشاكل التي تصادفها مع أفرادها من المراهقين وهم بمثابة 7 تلامذة شباب يتعلمون في مدرسة يديرها أحمد فهمي مع مجموعة من الأساتذة وبينهم ماغي بو غصن وألكو داود وتاتيانا مرعب ونهلة داود. وستؤدي أغنية المسلسل الفنانة نوال الزغبي.
ولم تتخذ القناة بعد قرارها النهائي بشأن عرض مسلسل خامس على شاشتها «بالقلب». ويلعب بطولته كل من بديع أبو شقرا وسارة أبي كنعان ويتناول قصة رومانسية وهو من إنتاج شركة (جي 8) لمي أبي رعد.


مقالات ذات صلة

«إقامة جبرية» يراهن على جاذبية «دراما الجريمة»

يوميات الشرق هنا الزاهد بطلة المسلسل (الشركة المنتجة)

«إقامة جبرية» يراهن على جاذبية «دراما الجريمة»

يراهن صناع مسلسل «إقامة جبرية» على جاذبية دراما الجريمة والغموض لتحقيق مشاهدات مرتفعة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق خالد النبوي ويسرا اللوزي مع المخرج أحمد خالد خلال التصوير (الشركة المنتجة)

خالد النبوي يعوّل على غموض أحداث «سراب»

يؤدي خالد النبوي في مسلسل «سراب» شخصية «طارق حسيب» الذي يتمتّع بحاسّة تجعله يتوقع الأحداث قبل تحققها.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق أحمد زكي مجسداً شخصية عبد الحليم حافظ (يوتيوب)

دراما السيرة الذاتية للمشاهير حق عام أم خاص؟

تصبح المهمة أسهل حين تكتب شخصية مشهورة مذكراتها قبل وفاتها، وهذا ما حدث في فيلم «أيام السادات» الذي كتب السيناريو له من واقع مذكراته الكاتب الراحل أحمد بهجت.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق أحمد مكي يقدم شخصية «شمس الغاوي» في رمضان 2025 (حسابه بموقع فيسبوك)

«الغاوي» رهان أحمد مكي الجديد في الدراما الرمضانية

يراهن الفنان المصري أحمد مكي على خوض ماراثون «الدراما الرمضانية» المقبل بمسلسل «الغاوي» الذي يشهد ظهوره بشخصية مختلفة عما اعتاد تقديمه من قبل.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تخرج أمل بوشوشة من ذلك الصندوق الذي يصوّر الحياة بحجم أصغر (حسابها في «فيسبوك»)

أمل بوشوشة... «شوطٌ كبير» نحو الذات

تعلم أمل بوشوشة أنّ المهنة قد تبدو جاحدة أسوة بمجالات تتعدَّد؛ ولا تنتظر دائماً ما يُشبع الأعماق. أتاح «المهرّج» مساحة لعب أوسع. منحها إحساساً بالخروج من نفسها.

فاطمة عبد الله (بيروت)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)