تكهنات بخفض رواتب موظفي القطاع العام ومخاوف من ثورة اجتماعية

رفض سياسي وشعبي... والعسكريون يقطعون الطرقات

مظاهرة العسكريين المتقاعدين قطعت الطريق المؤدية إلى الجنوب أمس (الوكالة الوطنية)
مظاهرة العسكريين المتقاعدين قطعت الطريق المؤدية إلى الجنوب أمس (الوكالة الوطنية)
TT

تكهنات بخفض رواتب موظفي القطاع العام ومخاوف من ثورة اجتماعية

مظاهرة العسكريين المتقاعدين قطعت الطريق المؤدية إلى الجنوب أمس (الوكالة الوطنية)
مظاهرة العسكريين المتقاعدين قطعت الطريق المؤدية إلى الجنوب أمس (الوكالة الوطنية)

قطع العسكريون المتقاعدون الطرق في مختلف المناطق اللبنانية، أمس الثلاثاء، بالإطارات المشتعلة، رافضين خفض رواتب العسكريين في الخدمة الفعلية والمتقاعدين، مشددين على عدم المس بالمكتسبات والحقوق. ويأتي هذا التحرك بعد تلميحات متكررة على لسان وزراء ومسؤولين اقتصاديين تفيد بأن الحكومة اللبنانية ستكون مضطرة إلى اتخاذ إجراءات موجعة تطول رواتب الموظفين وتعويضاتهم.
وكانت الحكومة قد أقرت زيادات للموظفين في إطار سلسلة الرتب والرواتب للتعويض عن غلاء المعيشة الذي تقارب نسبته 130 في المائة، وذلك عشية الانتخابات النيابية العام الماضي. لكنها لم تستطع توفير الإيرادات لسدّ قيمة السلسلة، لأن واقعها لم يأت مطابقاً للأرقام التي اعتمدتها وزارة المال.
كما أوصت شركة ماكنزي التي كلفت دراسة الوضع الاقتصادي اللبناني، بخفض الرواتب والأجور وتجميد التوظيف في القطاع العام، بالإضافة إلى إصلاحات تطال قطاعات كثيرة.
وبدأت المخاوف منذ إعلان وزير الخارجية جبران باسيل خلال جولته في الجنوب يوم السبت الماضي، أنه «على موظفي الدولة القبول بأنهم لا ‏يستطيعون الاستمرار على هذا المنوال، ومَن يحزن أنه سيخسر نسبة معينة من التقديمات التي يحصل عليها، فليفكر ‏إذا لم نقم بذلك، فلن يحصل بعدها على شيء». وعارضت كتل سياسية تخفيض الرواتب، وفي مقدمها «حزب الله» و«حركة أمل» التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، فيما قال مسؤولون في «القوات» إن الأنباء عن خفض رواتب الموظفين «غير دقيقة»، في وقت أبدى النائب شامل روكز، وهو صهر رئيس الجمهورية ميشال عون أيضاً (كما باسيل)، معارضته خفض رواتب وتعويضات العسكريين.
ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور توفيق كسبار لـ«الشرق الأوسط»، إن «التركيز على الرواتب والأجور لا يعكس الجدية في الإجراءات لخفض الإنفاق، لأنها تستهدف الفئات الأضعف من اللبنانيين، وتترك مرافق الهدر الكثيرة في القطاع العام في غياب المساءلة المالية والنقدية وتحميل مسؤولية الهدر والفساد لهذه الفئات».
ويوضح كسبار أن «الأرقام الرسمية لوزارة المالية منذ عام 1993 تشير إلى أن الدولة صرفت مبلغ 244 مليار دولار، تبلغ النفقات الاستثمارية منها نحو 8 في المائة بما فيها الهدر والفساد، بالتالي القسم الكبير من المبلغ هو نتيجة نفقات جارية لتلبية مصالح الطبقة السياسية. والمطلوب لخفض الإنفاق إجراءات في مختلف قطاعات الهدر، كالأملاك البحرية والجمارك والكهرباء، لتلحق بها تكاليف التنقيب عن النفط. والحديث عن تحميل المواطن تكاليف العجز من خلال خفض الرواتب يجنب تحميل الطبقة السياسية أدنى مسؤولية».
وإضافة إلى تحرك العسكريين المتقاعدين في الشارع، دعت هيئة التنسيق النقابيّة في حضور روابط أساتذة التعليم الثانوي والأساسي والمهني والتقني ونقابة المعلمين ومتقاعدي الثانوي والأساسي الرسمي وموظفي الإدارة العامّة إلى «تنفيذ الإضراب العام والشامل في الإدارات العامة وفي المدارس والثانويات الرسمية والخاصة والمعاهد والمهنيات والمؤسسات العامة والبلديات غداً الأربعاء، على أن تبقي اجتماعاتها مفتوحة، محتفظة بحقها في أعلى درجات التصعيد».
ويقول عميد متقاعد لـ«الشرق الأوسط» إن «مد اليد إلى رواتب العسكريين يهدد باحتمال اندلاع ثورة اجتماعية. وقد يفجر مشكلة كبيرة في لبنان، ليس على صعيد الضباط، ولكن على صعيد الجنود. لدينا أكثر من 40 ألف عسكري متقاعد، غالبيتهم لا يستطيعون العثور على عمل، ولديهم عائلات ومسؤوليات، لأنهم يتقاعدون في سن الخامسة والأربعين، كما أن معظمهم ملتزمون بقروض إسكان من مؤسسة الجيش لشراء الشقق التي يسكنون فيها، ويدفعون نصف رواتبهم شهرياً لتسديد القروض. وإذا خفضت رواتبهم التي بالكاد تبلغ ألف دولار شهرياً، بنسبة 25 في المائة، فسيعجزون عن دفع أقساط قروض الإسكان للمصارف، وستضع هذه المصارف يديها على منازلهم، أو سيكتفون بنحو 200 دولار شهرياً بما يتبقى من رواتبهم، والأمر غير منطقي وفقاً للحد الأدنى من تكاليف الحياة في لبنان».
كذلك يشير العميد المتقاعد إلى غياب العدالة في حصول شرائح واسعة من العسكريين على مستحقاتهم وتعويضاتهم، ممن تقاعدوا قبل إقرار السلسلة، وممن سيتقاعدون بعد إقرار التخفيض إذا حصل. ويضيف: «يمكن تخفيض بعض التقديمات، لا سيما تلك المتعلقة بتعويضات رسوم المدارس والجامعات الخاصة، لأن بالإمكان التوجه إلى التعليم الرسمي المدرسي والجامعي، بحيث لا يتأثر المتقاعدون الذين يحصلون حالياً على 50 في المائة من هذه الأقساط». كما ينتقد غياب التخطيط لدى الدولة. ويقول: «ثلاثة أرباع الموظفين في القطاع العام، أصبحوا من المتقاعدين. ولم يتم درس عددهم وتكاليف تقاعدهم مع تعاقب السنين؛ ما أدى إلى هذه الأزمة مع الانهيار المتسارع للوضع الاقتصادي».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.