إعادة الاستقرار السياسي بداية الطريق لترميم الاقتصاد السوداني

كان الوضع المعيشي المتردّي في أساس قيام الاحتجاجات في السودان، بعدما شعر الناس بالغضب من ارتفاع الأسعار وتدنّي قيمة الجنيه وندرة فرص العمل. ومعلوم أن الشرارة انطلقت يوم 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي في عطبرة مقر حزب المؤتمر الوطني، فنزل إلى الشارع مواطنون من مختلف فئات المجتمع. ومع الوقت اتسعت الاحتجاجات وتحوّلت المطالبات إلى ضرورة تنحّي الرئيس عمر حسن البشير.
الآن بعد إطاحة البشير وتسلّم مجلس عسكري انتقالي الحكم، يجدر التساؤل عن مستقبل الاقتصاد في بلد يعاني 46 في المائة من سكانه من الفقر، وفق تقرير أصدرته الأمم المتحدة عام 2016.
وتكمن إحدى أكبر مشاكل الاقتصاد السوداني في السياسة النقدية الخارجة عن السيطرة، فطبع مزيد من الأوراق النقدية من دون تغطية كافية بعملات أجنبية أو معادن ثمينة، سبب انخفاضا حادا ومستمرا لقيمة العملة المحلية، علماً أنه طُبع نحو 47.7 مليار جنيه خلال العام الماضي وحده، وهو ما يفوق المطبوع خلال العامين السابقين.
وبالإضافة إلى الفساد المستشري في قطاعات الاقتصاد الوطني، يواجه السودان مشاكل اقتصادية جمة بعد خسارته ثلاثة أرباع إنتاجه النفطي إثر انفصال جنوبه عام 2011. كذلك، لم تستغل الخرطوم رفع الولايات المتحدة في أكتوبر (تشرين الأول) 2017 عقوباتها الاقتصادية والتجارية التي فرضتها على البلاد لأكثر من عقدين.
ومع تآكل القوة الشرائية بسبب ارتفاع التضخم، تراجع الاستهلاك وبالتالي تقلص الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 1.1 في المائة عام 2018، مما يشير إلى اتجاه الاقتصاد بسرعة نحو الركود.
ويأمل السودانيون أن تستقر الأوضاع السياسية والأمنية، لإطلاق عجلة الإصلاح الاقتصادي، وتنشيط القطاعات المنتجة، لكي تدور العجلة من جديد، وتتحسن قيمة العملة وبالتالي القدرة الشرائية بحيث يرتفع الاستهلاك ويعاود الاقتصاد النمو.
وفي هذا السياق، اعتبرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية أن على المجلس العسكري الحاكم أن يسارع إلى تاليف حكومة مؤقتة، تعمل على معالجة الوضع الاقتصادي، وخصوصاً إزالة آثار العقوبات الأميركية. وأضافت أن على الممسكين بالحكم التحرك باتجاه المجتمع الدولي لطلب المساعدة في إعادة الاستقرار إلى الوضع الاقتصادي قبل حصول انهيار شامل.