عبد المهدي يوفد نائبه لشؤون الخدمات إلى كركوك لتهدئة الأوضاع

المحافظ منع أعضاء مجلس المحافظة من لقاء الوفد

TT

عبد المهدي يوفد نائبه لشؤون الخدمات إلى كركوك لتهدئة الأوضاع

أعلن نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة، وزير النفط، ثامر عباس الغضبان، اهتمام الحكومة الاتحادية بمحافظة كركوك واستقرارها الأمني، والتطور في مجال الخدمات. وقال الغضبان في مؤتمر صحافي أثناء زيارته للمحافظة، أمس، على رأس وفد وزاري كبير نيابة عن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، إن الوفد جاء للاطلاع على أوضاع محافظة كركوك، مشيراً إلى أن «ما يهم الحكومة أن يكون وضع كركوك في أفضل ما يكون على مستوى تقديم الخدمات والاستقرار الأمني».
وأضاف الغضبان أن «الحكومة تدعم المحافظة من خلال بناء قدرتها على تنفيذ المشروعات وتقديم الخدمات للمواطنين»، مؤكداً أن «الوفد سيعقد اجتماعات مكثفة، وسيستمع إلى ما سيتم عرضه من قبل المحافظ ومجلس المحافظة وأعضاء مجلس النواب الممثلين عن المحافظة؛ حيث ستتم مناقشة الأمور الضرورية والمهمة، وستتم تلبية الطلبات المشروعة، وسنعمل على متابعة ما يتم الاتفاق عليه».
من جانبه، رحب محافظ كركوك، راكان الجبوري، بزيارة الوفد الوزاري، شاكراً مبادرة الحكومة الاتحادية للاطلاع على واقع محافظة كركوك، وتقديم الدعم في مجال الإعمار وإعادة الاستقرار.
من جهته، أكد حسن توران، نائب رئيس الجبهة التركمانية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «محافظة كركوك، نظراً لتشابك المشهد السياسي والعرقي فيها، تحتاج في الواقع إلى مثل هذه الزيارات من قبل الحكومة الاتحادية، للوقوف على حجم المشكلات التي تعانيها المحافظة، سواء المشكلات الموروثة من الفترات السابقة أو مع إدارة المحافظة الحالية». وأضاف توران أن «الوفد الحكومي يضم النائب التركماني أحمد حيدر، بالإضافة إلى عدد من كبار المسؤولين، وهو يعكس بلا شك اهتماماً حكومياً؛ حيث إن وجود الوزراء في كركوك ضروري للتعرف على واقع دوائرهم ومشكلات كركوك الخدمية»، مضيفاً أن «كركوك أُهملت في السابق، والإدارة كانت لا ترغب في وجود الحكومة الاتحادية». وأوضح توران أن «الفرصة اليوم باتت مناسبة لتصحيح الأوضاع في هذه المحافظة، وتحقيق التوازن بالإدارة، فضلاً عن زيادة الخدمات». وبشأن أولويات المكون التركماني، قال توران إن «أولوياتنا هي مطار كركوك، وحل مشكلة الأراضي والتوازن في الإدارة المحلية في المحافظة».
في السياق نفسه، أكد عاصم جهاد، المتحدث الرسمي باسم وزارة النفط والمرافق للوفد الحكومي إلى كركوك، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «أهمية هذه الزيارة تكمن في كونها بمثابة رسالة من الحكومة الاتحادية إلى محافظة كركوك، كونها تمثل صورة مشرقة للتعايش السلمي بين مكونات الشعب العراقي»، مبيناً أن «كركوك تحتاج بالفعل إلى كثير من الإجراءات الحكومية فيما يتعلق بالواقع الخدمي والأمني؛ حيث إن تحسن مثل هذه الأوضاع ينعكس بالتأكيد على المواطن، وينعكس على النشاط الاقتصادي». وأضاف أنه «لهذا السبب جاء هذا التوجيه بزيارة هذا الوفد الذي يترأسه نائب رئيس الوزراء وزير النفط، مع عدد من الوزراء، بهدف الاطلاع على الأوضاع من داخل المحافظة؛ حيث تم تشكيل عدة ورش خلال هذه الزيارة؛ حيث التقى كل وزير ضمن الوفد بعدد من الجهات المعنية بمشاركة أعضاء مجلس المحافظة والمحافظ، لتدارس واقع مختلف القطاعات في المحافظة، مثل البلديات والكهرباء والنفط والواقع الأمني». وأوضح أن «نائب رئيس الوزراء أكد على أهمية الوصول إلى نتائج لمختلف القضايا التي تمت مناقشتها والاطلاع عليها».
وفيما يتعلق بوزارة النفط، أكد جهاد: «نستطيع القول إنه لا تواجه هذا القطاع مشكلات؛ حيث إن هناك تلبية لاحتياجات المحافظة من المشتقات النفطية، ومع ذلك تمت زيادة حصتها من البنزين وغيرها من المشتقات، بالإضافة إلى تفعيل لجنة المنافع الاجتماعية»، مبيناً أنه «تم الاتفاق على بناء مصفى كبير في محافظة كركوك».
إلى ذلك، انتقدت كتلة التآخي في مجلس محافظة كركوك بشدة منع رئيس الحكومة المحلية بالوكالة راكان سعيد الجبوري، أعضاء المجلس من لقاء الوفد الحكومي. وقال رئيس الكتلة أحمد العسكري في مؤتمر صحافي، إن هذا المنع «انتقام من رئيس الحكومة المحلية من أعضاء المجلس، بسبب عقدهم الأسبوع الماضي جلسة لم يستجيبوا فيها لعدة طلبات قدمها الجبوري»، مؤكداً أن «الحكومة المحلية كانت تعمل طيلة المدة الماضية بلا رقابة ومحاسبة، والأمر لم يعد كذلك بعد الآن».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.