تقنيات علمية في خدمة الآثار المصرية

تحافظ على الماضي وتكشف أسراره

مجسم يوضح نظام خفض منسوب المياه الجوفية في معبد كوم أمبو
مجسم يوضح نظام خفض منسوب المياه الجوفية في معبد كوم أمبو
TT

تقنيات علمية في خدمة الآثار المصرية

مجسم يوضح نظام خفض منسوب المياه الجوفية في معبد كوم أمبو
مجسم يوضح نظام خفض منسوب المياه الجوفية في معبد كوم أمبو

ورّث المصريون القدماء أحفادهم حضارة لا تزال آثارها شاهدة على نبوغ الأجداد في مجالات التشييد والبناء والزراعة والطب والفلك. وإذا كان الأجداد نبغوا في تلك المجالات، فلا أقل من أن يسعى الأحفاد للعمل على صيانة الآثار التي تشهد بذلك، والسعي من ناحية أخرى لكشف الأسرار التي لم تبح بها كتابات الأجداد على أوراق البردي وجدران المعادن.
واتُهم المصريون في عقود سابقة بالتقصير في هذه المهمة، لكنهم نجحوا أخيراً في تحقيق نجاحات في هذا الاتجاه. وقد وظفت أحدث التقنيات في وسائل التعرف على الآثار القديمة، وفي وضع مشروع لحماية الآثار من تهديدات المياه الجوفية.
فحص شعاعي للآثار
لا يمر أي اكتشاف لمومياوات فرعونية دون محاولة معرفة هويتها وأسباب وفاتها. ويعين التحليل الباثولوجي والفحص بالأشعة كثيرا في مهمة الكشف عن أسباب الوفاة، وهو ما تم في دراسة أُجريت على 1087 هيكلا عظميا، تم العثور عليها في مقابر بواحة الداخلة جنوب مصر، وانتهت تلك الدراسة التي نشرت في أغسطس (آب) العام الماضي بدورية «إنترناشيونال جورنال أوف باليوباثولوجي» (International Journal of Paleopathology) إلى إصابة ستة منهم بالسرطان.
وإذا كانت مهمة كشف أسباب الوفاة أصبحت سهلة، فإن مهمة معرفة هوية الشخص تعتمد على عدة عوامل يشير إليها الدكتور محمد التهامي، أستاذ الأنثربولوجيا البيولوجية بالمركز القومي للبحوث بمصر، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كانت المومياء عثر عليها في مقبرة تشير النقوش إلى هوية صاحبها، وتوجد له مومياء أمكن التعرف عليها، فيمكن في هذه الحالة إجراء اختبار الحمض النووي DNA للمومياء مجهولة الهوية ومقارنتها بمعلومات الحمض النووي لصاحب المقبرة، عندها يمكن معرفة صلة القرابة، وقد تكون هذه الطريقة مفيدة أيضا في تصحيح معلومات تاريخية».
ومن أبرز الإنجازات في هذا الاتجاه دراسة نشرت في دورية «أركييولوجيكال ساينس» في فبراير (شباط) الماضي، كانت مفيدة في تصحيح معلومة تاريخية حول مومياوتين هما «خنوم نخت» و«نخت عنخ»، عثر عليهما عالم المصريات الإنجليزي فلندز بتري في منطقة جبل الرفة بأسيوط، جنوبي مصر. ويقول التهامي «كان يعتقد أن هاتين المومياوتين لشقيقين، لكن الدراسة التي اعتمدت على تحليل الحمض النووي باستخدام الجيل الثاني من تقنية تسلسل «دي إن إيه» DNA sequencing، كشفت وجود اختلاف بينهما في (الكروموسوم الذكري)، ما يشير إلى اختلاف أبويهما، وأثبتت أنهما يشتركان في القرابة من ناحية الأم فقط».
وكما تفيد الأشعة المقطعية في معرفة أسرار البشر في الماضي، فإن تقنية الميون الإشعاعي تهدف إلى كشف أسرار الحجر. واستخدمت تلك التقنية في شهر مايو (أيار) من عام 2015 لتصوير هرم سنفرو في دهشور بالجيزة، وكشف المسح بالميون عن البنية الداخلية للهرم لأول مرة.
واكتشف هذا الفريق في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2016 اثنين من الفراغات في الهرم الأكبر، الأول يقع خلف المدخل الأصلي للهرم عند أحجار الجمالون أعلى فتحة الممر المنحدر، والثاني بالزاوية الشمالية الشرقية للهرم، وكانوا يعتقدون أنها غرف سرية، قبل أن يتبين أنها مجرد فراغات.
وقادت وزارة الآثار المصرية أخيرا مشروعا طموحا يهدف لإصلاح منظومة الصرف المحيطة بالآثار الفرعونية، بعد أن باتت المياه الجوفية قريبة من تهديد وجود تلك الآثار.
ومنذ سنوات تظهر من حين لآخر تقارير تحذر من تأثيرات المياه الجوفية، إلى أن حصلت الحكومة المصرية أخيراً على تمويل دولي من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية مكنها من المضي قدما في محاصرة المياه الجوفية.
آثار مهددة
ومن أبرز قصص النجاح في اتجاه حماية الآثار مشروع معبد كوم أمبو، الواقع عند منعطف في نهر النيل بالطرف الشمالي لمنطقة من الأراضي الزراعية، بين مدينتي أسوان وإدفو جنوب مصر. وكانت آثار المياه الجوفية بدت واضحة على أساسات المعبد التي تأثرت بالرطوبة والأملاح الموجودة بالمياه، بفعل النشاط الزراعي للزمام المحيط بالمعبد، وتغير منسوب مياه نهر النيل على مدار العام، بالإضافة لوجود الخزان الجوفي الارتوازي بطبقة الرمال المشبعة بمنطقة المعبد، كما أدت ظاهرة «الخاصية الشعرية» لارتفاع المياه الجوفية في التربة تحت أساسات المعبد. ونتيجة لهذه الظاهرة فإن المياه في النباتات مثلا تـُسحب في المسامات الشعرية ذات الأقطار الصغيرة في اتجاه معاكس للجاذبية فوق مستوى المياه الجوفية.
يقول الدكتور عبد المنعم سعيد مدير عام آثار أسوان والنوبة لـ«الشرق الأوسط» إن «الوزارة تعاونت في حل هذه المشكلة مع فريق من المتخصصين الأثريين من مركز البحوث الأميركي، حيث تم بناء مجموعة من الخنادق العميقة بعمق يتراوح بين 8 و12 متراً حول المعبد، وآبار بعمق 33 مترا مزودة بوحدات رفع قدرتها 100 متر مكعب في الساعة».
وأوضح «الخنادق تم تصميمها وفق قياسات لتتجمع فيها المياه، وتقوم ثلاث محطات تتراوح سعتها من 103 لـ226 مترا مكعبا في الساعة برفع مياه الخندق ليتم صرفها، ويتم التحكم في هذه العملية عبر أجهزة تحكم ونظام يعمل بالكومبيوتر في وحدة للتحكم تابعة للمشروع».
وبنفس الكيفية التي تمت في أسوان، نفذت الآثار المصرية في منطقة كوم الشقافة الأثرية بالإسكندرية مشروعا بدأ في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2017. لتجفيف وحماية المنطقة الأثرية من خطر التلف بسبب المياه الجوفية، كما نفذت مشروعا في منطقة «حمام الأوزيريون» بمعبد أبيدوس بسوهاج جنوب مصر.



«متلازمة ريت»... حدتها تختلف عند الإناث عن الذكور

«متلازمة ريت»... حدتها تختلف عند الإناث عن الذكور
TT

«متلازمة ريت»... حدتها تختلف عند الإناث عن الذكور

«متلازمة ريت»... حدتها تختلف عند الإناث عن الذكور

كشفت دراسة حديثة أجراها معهد البحث الطبي في اضطرابات النمو العصبي بجامعة كاليفورنيا الأميركية، عن فروق مهمة في كيفية ظهور «متلازمة ريت» التي تكون عادة أثر شيوعاً في الإناث. ويميل الذكور المصابون بالمتلازمة إلى إظهار أعراض أكثر حدة تظهر في وقت مبكر من الحياة بسبب كروموسوم «إكس» X الأنثوي الوحيد لديهم. وفي العادة تمتلك الإناث كروموسومي «إكس».

«متلازمة ريت»

«متلازمة ريت» Rett syndrome اضطراب وراثي نادر يصيب الفتيات في المقام الأول، حيث تبدأ المتلازمة الناجمة عن طفرات في جين MECP2 على الكروموسوم «إكس» عادة بعد فترة من النمو الطبيعي في مرحلة الطفولة؛ ما يؤدي لاحقاً إلى أعراض مثل فقدان وظيفة اليد وصعوبات التنفس والنوبات وضعف كبير في الكلام والحركة والأكل.

ويحتاج الأطفال والبالغون المصابون بـ«متلازمة ريت» إلى المساعدة في أداء معظم المهام اليومية، مثل تناول الطعام والمشي واستخدام الحمَّام، ويمكن أن تكون هذه الرعاية المستمرة واضطراب النوم أمراً منهكاً ومسبباً للتوتر للعائلات، ويمكن أن تؤثر على صحة أفراد العائلة ورفاهيتهم. وفي الدراسة التي نُشرت في عدد 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 في مجلة Communications Biology، وأشرفت عليها جانين لاسال، الباحثة من قسم الأحياء الدقيقة الطبية والمناعة كلية الطب بالجامعة، فحص الباحثون نماذج الفئران الذكور والإناث لـ«متلازمة ريت».

وركَّزت الدراسة على كيفية تحول التعبير الجيني في خلايا المخ عبر ثلاث مراحل، هي: قبل ظهور الأعراض وعند ظهورها وفي المرض المتقدم، حللت التعبير الجيني في 14 نوعاً من خلايا الدماغ لفهم الاختلافات في كيفية تقدم المرض في كلا الجنسين. خلل تنظيم الجينات

وأظهرت الفئران الإناث «تأثيراً متأرجحاً» عند حدوث خلل في تنظيم الجينات، حيث حاولت الخلايا التي تعبّر عن الجين الطبيعي تعويض الخلايا التي تحتوي على الجين المتحور.

وهذا التوازن في التعبير الجيني ذهاباً وإياباً الذي يُرى بشكل أساسي في الخلايا العصبية في وقت مبكر أو مع تطور الأعراض في المراحل اللاحقة، يسلط الضوء على كيفية محاولة أدمغة الإناث للحفاظ على التوازن مع تقدم المرض، حيث يكون الاختلال أسوأ في المراحل المبكرة، لكنه يستقر بمرور الوقت.

كما أظهرت الدراسة أيضاً أن الفئران الإناث لديها عدد أكبر من الجينات غير المنظمة قبل ظهور الأعراض مقارنة بالوقت الذي تظهر فيه لاحقاً، حيث تحتوي خلايا الدماغ في الإناث المصابات بـ«متلازمة ريت» على نمط فسيفسائي من التعبير الجيني يعبّر نصف خلاياها عن جين MECP2 الطبيعي ويعبّر النصف الآخر عن الجين المتحور.وهذا يتناقض مع التوقعات بأن اختلال تنظيم الجينات يرتبط ارتباطاً مباشراً بشدة الأعراض؛ ما يشير إلى وجود عملية تنظيمية معقدة.

وأكدت جانين لاسال أن نماذج الفئران الأنثوية أكثر أهمية للبحوث البشرية؛ لأنها تعكس بشكل أفضل التعبير الفسيفسائي لجين MECP2 الموجود لدى الفتيات المصابات بـ«متلازمة ريت». ولا تلتقط الفئران الذكور التي تُستخدم غالباً في الأبحاث هذا التعقيد الفسيفسائي، حيث لا يمتلك الذكور سوى كروموسوم «إكس» واحد؛ ما يعني أن جميع خلاياهم تتأثر بطفرة الجين MECP2.

جين يرتبط بأمراض أخرى

وربط الباحثون أيضاً طفرة MECP2 بمسارات أخرى مثل تلك التي تشارك في مرض ألزهايمر والإدمان؛ وهو ما يشير إلى أن الطفرة قد يكون لها آثار أوسع نطاقاً تتجاوز «متلازمة ريت»، وقد تؤثر على حالات عصبية أخرى.