عنف ديني وعرقي في جغرافيا الإرهاب

من دولة مالي إلى نيجيريا

الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا يتفقد الدمار الذي سببه هجوم لقبائل الفولاني بعد إحدى عملياتها الإرهابية (رويترز)
الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا يتفقد الدمار الذي سببه هجوم لقبائل الفولاني بعد إحدى عملياتها الإرهابية (رويترز)
TT

عنف ديني وعرقي في جغرافيا الإرهاب

الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا يتفقد الدمار الذي سببه هجوم لقبائل الفولاني بعد إحدى عملياتها الإرهابية (رويترز)
الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا يتفقد الدمار الذي سببه هجوم لقبائل الفولاني بعد إحدى عملياتها الإرهابية (رويترز)

يؤشر مسلسل العنف غير المتناهي بكل من مالي ونيجيريا، على وجود أزمة في بنية الدولة؛ ما يمنح فرصاً كبيرة لانتشار الجماعات المتطرفة وبروز قيادات إرهابية، تحت يافطات عرقية ودينية.
وفي سياق هذا التناحر العرقي القائم، قُتل يوم 8 أبريل (نيسان) 2019 ما لا يقل عن 20 شخصاً، في أحدث هجوم قام به رعاة يشتبه في أنهم من الفولاني في قرية أنغوان أكو، بمنطقة كاجورو للحكم المحلي بولاية كادونا. ويعد هذا الحدث الدموي واحداً من المؤشرات المبرزة للتشابك العضوي بين الصراع العرقي والظاهرة الإرهابية، التي تعيشها دول الساحل وغرب أفريقيا.

جغرافيا المجازر
تأتي هذه العملية الإجرامية، لعرقية الفولاني المسلمة ضد قبيلة أدارا المسيحية، في إطار سلسلة من عمليات الاقتتال الديني والعرقي، الذي شهد تزايداً كبيراً منذ سنة 2012 بمنطقة الساحل، وبلغ حسب الأمم المتحدة ذروته سنتي 2016 و2018 بغرب القارة السمراء خصوصاً نيجيريا. غير أن مسار الأحداث الأخيرة، بكل من دولتي مالي ونيجيريا، يدل على حصول تحول نوعي في النزاع القائم، خصوصاً أن عرقية الفولاني بمالي، تناصر تنظيم محمد ممادو كوفا، بينما تعتبر الهوسا وتوابعها من الفولاني بنيجيريا من مؤيدي تنظيم «بوكو حرام».
في سياق هذا التحول النوعي، تفاجأ العالم بوحشية العملية الإجرامية التي أودت بحياة 160 شخصاً من الفولاني المسلمة، في مذبحة مروعة نفذها مسلحون من قبيلة الدوجون، العاملة بالصيد، ضد أهالي قرية أوجوساجو، في 23 مارس (آذار) 2019. ويبدو أن وحشية هذه العملية تعيد إلى السطح، ارتباط العنف القبلي والديني، بالتطهير العرقي، والممارسة الإرهابية.
وقد أشار إلى ذلك مراسل صحيفة «لوموند» الفرنسية بالقول إن المهاجمين «لم يتركوا أحداً، وعمدوا إلى حرق كل شيء بالبنزين وقتلوا كل شيء يتحرك بالأسلحة». وكان المهاجمون قد وصلوا إلى المنطقة بدراجات نارية فجراً وحاصروا المكان، قبل أن يفصلوا الرجال عن غيرهم ويقتلوا الجميع، ويحرقوا كل الأكواخ التي كان يسكنها القتلى.
وإذا كانت الفولاني، كما أشرنا أعلاه، تناصر فرع «القاعدة في المغرب»، فإن قبيلة الدوجون التي نفذت المجزرة الأخيرة، كونت بإشراف من دولة مالي ميليشيات مسلحة، غير خاضعة للجيش الرسمي. وبدأت هذه المجموعة العسكرية في الدفاع عن الدوجون منذ تأسيسها سنة 2016 تحت اسم «دانا أماساغو»، وهذا الاسم يحمل دلالة لا تخلو من نبرة دينية، حيث يعني «الصيادين الموقنين بالإله» بلغة الدوجون.
ويشار إلى أن الفولاني عرقية وقبائل مسلمة منتشرة في دول غرب ووسط القارة الأفريقية، مثل نيجيريا ومالي الكاميرون وغينيا والسنغال وموريتانيا، وعدد أفرادها نحو 40 مليون نسمة. وما زالت الفولاني تعيش على حياة الرعي والترحال، ما يسبب لها مشاكل مع القبائل الأكثر استقراراً، التي تمارس الزراعة.
وهذا ما يفسر الارتفاع المطرد لأعمال العنف والاقتتال بين هذه القبائل وغيرها بنيجيريا ومالي، غير أن هذا العامل لا يمثل السبب الوحيد، حيث نجد أن تداخل الفولاني مع الجماعات الإرهابية، يعكس من جهة، رغبة هذه العرقية في الدفاع عن مصالحها، وضمان حرية التنقل والأمن عبر طرق الصحراء المختلفة، التي تعرف مراقبة أو إشرافاً من تلك الجماعات المتطرفة في الساحل والصحراء، ومن جهة أخرى، فإن الفولاني تعتبر الأقرب لعرقية الطوارق بزعامة إياد أغ غالي زعيم تنظيم «نصرة الإسلام والمسلمين»؛ وهذا يفسر دخول كوفا أمير «جبهة تحرير ماسينا» بمالي، في وحدة اندماجية مع التنظيم الجديد لإياد أغ غالي، في مارس 2017.
وبالعودة للعملية المشار إليها، صباح يوم الاثنين 8 أبريل 2019 بشمال وسط نيجيريا، نجد أن شهود عيان يشيرون إلى أن المهاجمين كانوا يتواصلون بلغة الفولاني، ويرتدون الزي العسكري ومسلحين ببنادق كلاشنيكوف والسواطير والعصي، وقد أطلقوا النار بشكل عشوائي ولاحقوا الفارين في الأحراش، وقتل بعضهم هناك.
ورغم أن السكان أبلغوا السلطات النيجيرية الرسمية قبل أيام من وقوع الحادث بإمكانية حدوث مجزرة في المنطقة، فإن السلطات لم تعمد لنشر قواتها في التماس بين القبيلتين، بل إن الشرطة التي وصلت إلى منطقة العملية لم تتوغل في الأحراش وفضلت العودة لمقراتها المركزية بالمدينة. وربما هذا ما دفع دانلادي ياريما، الرئيس السابق لجمعية أدارا للتنمية إلى اتهام محافظ المنطقة، ناصر الرفاعي، بالتحيز والتلكؤ في معالجة الأزمة، وبالتالي تكرار ما حدث بمنطقة كاجورو في 10 فبراير (شباط) 2019، عندما هاجم رعاة من الفولاني أنجوان باردي، وهي جماعة من أدارا، في الليل، وقتلوا 11 شخصاً.
وكان رد فعل أدارا المسيحية عنيفاً، حيث قتلت في سلسلة من الهجمات نحو 131 شخصاً من الفولاني، كما أعلن محافظ المنطقة. كما أسفر هذا الاقتتال عن تشريد نحو 4 آلاف شخص، وهو ما دفع الوكالة الوطنية للطوارئ ووكالة الطوارئ الحكومية إلى المساعدة في إعادة بناء المنازل التي دمرت خلال الهجمات المختلفة على المجتمعات المحلية لتمكين المشردين داخلياً من العودة إلى ديارهم.

مواجهة الدولة للعنف
وعلى أثر مقتل 20 شخصاً في النزاع العرقي بشمال نيجيريا تدخل مجلس الشيوخ الفيدرالي، عبر خطوات عملية. فمن جهة أولى، عبر عن إدانته جميع أعمال القتل بالبلاد وعن قلقه المتزايد، من انعدام الأمن بنيجيريا. ودعا لخطوات عملية لاستتبابه، ومنها إنشاء شرطة الولاية للقضاء على العنف من جذوره.
ومن جهة ثانية، قرر مجلس الشيوخ لمعالجة الأحداث المؤسفة، لا سيما في ولاية زمفارا، تخصيص 10 مليارات نيرة في ميزانية 2019 (الدولار الواحد يباع بنحو 160 نيرة)، كصندوق تدخل لمعالجة مشكلة انعدام الأمن في الدولة، ودعماً لتلبية احتياجات المشردين داخلياً وغيرهم من الأشخاص المتضررين من أنشطة العصابات المسلحة في الدولة. كما دعا الحكومة الفيدرالية إلى تشكيل لجنة مخصصة تُعرف باسم المبادرة الرئاسية لولاية زمفارا، لإدارة الصندوق المذكور والمخصصات اللاحقة، التي ستدفع للصندوق.
يشار إلى أن هذا التدخل من المجلس جاء كذلك للتفاعل مع مقتل 33 شخصاً في 3 مناطق حكومية محلية بولاية كاتسينا، منهم 11 قتلوا من طرف من يطلق عليهم «قطاع الطرق» المسلحون. ورغم أن جهود المؤسسات الرسمية، تعزز ببعض جهود المؤسسات المدنية مثل منتدى أريوا الاستشاري وغيرها، فإن معالجة حالة انعدام الأمن المتزايدة في البلاد، تبدو بعيدة المنال، خصوصاً أن الدولة والجيش عاجزان عن فرض السيطرة على كل المناطق الشمالية بنيجيريا.
ولذلك تتجه الدولة لجهود الوساطة، ووجهاء القبائل، والرموز الدينية، ومن ذلك ما يشير إليه، تعهد الزعيم الديني الكبير للهوسا سلطان سوكوتو بحشد الحكام التقليديين الشماليين لدعم الشرطة في مكافحة اللصوصية المسلحة، وغيرها من الجرائم في البلاد.
على الجانب المالي، اتخذت الدولة المالية، منذ اليوم التالي للهجوم الوحشي على قبيلة الفولاني يوم 23 مارس 2019، إجراءات بعضها ذات طابع سياسي وبعضها عملي؛ فقد أقال الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا في اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء، بعض الوزراء و8 مسؤولين كبار؛ بدءاً من رئيس الأركان العامة، قبل أن يزور قرية أوغوساغو التي تعرضت للإبادة من جماعة «الصيادين الموقنين بالله».
من جهتها، أصدرت الحكومة المالية قراراً يتم بموجبه حل جماعة «الصيادين». وأوضح رئيس الوزراء المالي، سميلو بوبايي ماغا، أن قرار الحل هذا الغرض منه «التوضيح للجميع أن حماية السكان ستظل حكراً على الدولة».
غير أن قرار الحل هذا فهم منه أن هناك علاقة عضوية بين الجيش المالي وجماعة «الصيادين»، حيث سبق للفولاني أن اتهمت الجيش بالتواطؤ مع الجماعات المسلحة المهاجمة لها في عدة مواقع.
ويستند زعم الفولاني هذا على سماح السلطات والجيش لميليشيا «الصيادين الموقنين بالله» باستعمال الدراجات النارية رغم أنها محظورة بالمنطقة بقرار رسمي. كما أن الأمم المتحدة أشارت سنة 2018، إلى أن ميليشيا قبيلة الدوجون، تستخدم بشكل منتظم الأسلحة نفسها والذخيرة المستعملة من طرف الجيش المالي.
ويبدو أنه من الصعب إقناع جزء من الجيش المالي وقبائل الدوجون بأن الفولاني ليست عرقية وجماعة إرهابية، وذلك ما يضعف فرص السلام بين الجانبين، ويقضي على الاتفاق المبرم بين الطرفين بوساطة الحكومة المالية سبتمبر (أيلول) سنة 2018.
ويمكن القول، استناداً على الخبرة التاريخية، إن هناك علاقات جدلية بين الإرهاب والعنف الديني بنيجيريا ومالي، وأن كلاً منهما ينعش الآخر. كما أن ضعف الدولة زاد من قدرة التنظيمات الإرهابية على التلاعب بالنسيج القبلي والعرقي وتناقضاته؛ الشيء الذي يرهق الدولة ويخلق فراغاً أمنياً ومؤسساتياً واسعاً. ومن هنا تعمل التنظيمات الإرهابية على استغلال الوضع والدفع بالعرف المحلي والفكر الديني المتشدد للواجهة.

مالي تسابق الزمن
وفي إطار تكملة الإجراءات المصاحبة لمواجهة العنف والإرهاب بالساحل، ترأس الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا يوم 8 أبريل، في باماكو، دورة طارئة للمجلس الأعلى للدفاع الوطني، الذي يضم الوزير الأول وزير الدفاع والمحاربين القدماء ووزير الأمن والحماية المدنية والمسؤولين السامين للجيش. وقد خصصت الدورة الطارئة لدراسة دور العدالة في تثبيت الاستقرار في كل من ولايتي موبتي وسيغو، وتقييم تنفيذ خطة التأمين المندمجة لمناطق الوسط، وعملية «دامبي» التي وضعت سنة 2018 وتتكون من 4 محاور: هي الأمن والحكامة والتنمية الاجتماعية - الاقتصادية والتواصل. وتهم الخطة المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة وعمليات إرهابية، بقصد القضاء عليها خصوصاً في ولايات موبتي في الوسط وبعض مناطق شمال سيغو، وتومبوكتو وغاو في الشمال وكيدال في أقصى الشمال، وكوليكورو في الشمال الغربي.
*أستاذ زائر للعلوم السياسية - جامعة محمد الخامس


مقالات ذات صلة

مقتل 10 أشخاص في هجوم بأفغانستان

آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم بأفغانستان

قال متحدث باسم وزارة الداخلية الأفغانية لوكالة «رويترز» للأنباء، اليوم (الجمعة)، إن 10 أشخاص على الأقل لقوا حتفهم في هجوم بإقليم بغلان.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)
أوروبا القاتل النرويجي أندرس بيرينغ بريفيك (إ.ب.أ)

«سفاح النرويج» يطلب الإفراج المشروط للمرة الثانية

مَثُل القاتل النرويجي، أندرس بيرينغ بريفيك، الذي قتل 77 شخصاً في حادث تفجير وإطلاق نار عشوائي عام 2011، أمام المحكمة، الثلاثاء، لحضور جلسة استماع بشأن إطلاق

«الشرق الأوسط» (أوسلو)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».