بلجيكا: تضاعف أعداد الأئمة المتطرفين... وأمن الدولة يراقبهم

رئيس رابطة الأئمة لـ «الشرق الأوسط»: نأسف لما وصلت إليه الأوضاع في ظل تزايد الكراهية

الشيخ محمد التوجكاني رئيس رابطة الأئمة في بلجيكا (الشرق الأوسط)
الشيخ محمد التوجكاني رئيس رابطة الأئمة في بلجيكا (الشرق الأوسط)
TT

بلجيكا: تضاعف أعداد الأئمة المتطرفين... وأمن الدولة يراقبهم

الشيخ محمد التوجكاني رئيس رابطة الأئمة في بلجيكا (الشرق الأوسط)
الشيخ محمد التوجكاني رئيس رابطة الأئمة في بلجيكا (الشرق الأوسط)

وصل عدد الأئمة المشتبه في علاقتهم بالفكر المتشدد في بلجيكا ويخضعون لرقابة جهاز أمن الدولة البلجيكي، خلال العام الماضي، إلى 72 إماماً، بينما كان الرقم 85 إماماً عام 2017 ، وكان 37 إماماً فقط عام 2016.
وبالتالي تكون الأرقام قد تضاعفت خلال العامين الأخيرين، مقارنةً بعام 2016 الذي عرف تعرض بلجيكا لتفجيرات 22 مارس (آذار)، التي شملت مطاراً ومحطة قطارات داخلية، وأسفرت عن مقتل 32 شخصاً وإصابة 32 آخرين.
وجاءت الأرقام التي قدمها وزير العدل جينس كوين في رد كتابي على استجواب داخل البرلمان من البرلمانية بربارا باس التي تنتمي إلى حزب «فلامس بلانغ» اليميني المتشدد، والتي قالت في رد فعل لها على هذه الأرقام: «لا أستطيع أن أفهم تقاعس الحكومة عن القيام بخطوات صارمة ضد هؤلاء الأئمة، وكان ينبغي اعتبارهم أشخاصاً غير مرغوب فيهم وإبعادهم خارج بلجيكا لأنهم من خلال الدعوات والخطاب الديني المتشدد يشكّلون خطراً كبيراً ومصدراً كبيراً لنشر الإسلام المتشدد في بلجيكا وكان لا بد على الدولة إذا كانت تريد إزالة هذا الخطر أن تتصرف بشكل صارم مع هذا الأمر».
وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» عبّر الشيخ محمد التوجكاني رئيس رابطة الأئمة في بلجيكا، عن شعوره بالأسف لما وصلت إليه أوضاع الأئمة والمساجد والأقلية المسلمة في أوروبا بسبب ما وصفه بتنامي الكراهية.
وعندما سألنا الشيخ التوجكاني حول حاجة الأئمة إلى التكوين أولا أم حل مشكلاتهم وإنهاء معاناة البعض منهم بسبب ما يتعرضون له من انتقادات واتهامات للبعض منهم بالتطرف، وتهديدات بإبعاد البعض منهم إلى خارج أوروبا، قال رئيس رابطة الأئمة: «نسمع كثيراً عن تكوين الأئمة وذلك على الرغم من أن هناك أئمة مكونين ومقتدرين ومتفوقين في مختلف المجالات». وأضاف: «لا يمكن للإمام أن يكون جامعاً لكل العلوم لأن هذا المطلب نوع من المستحيل، أما بالنسبة إلى التكوين فبطبيعة الحال مطلوب من الإمام أن يكون حريصاً دائماً على أن يطوّر من نفسه وأن يبذل جهداً ويتعاون مع غيره، كما أن المؤسسات المعنية بهذا الأمر يجب أن تفتح المجال للأئمة الذين يريدون الاستفادة». وتساءل الشيخ التوجكاني: «لكن هذا الإمام الذي تحط حوله الأنظار أين حقوقه؟ وأين إمكانية تقديم أو إنجاز شيء من قِبله؟».
وأضاف قائلاً: «الإمام ضائع وحقه مفرَّط فيه، وحتى قيمته ومكانته الاعتبارية لا تتحقق لا من خلال المؤسسات الرسمية داخل الدول الأوروبية، ولا من خلال دولهم الأصلية، ولا من خلال الجمعيات التي يعمل فيها هؤلاء الأئمة».
وعلت نبرة الإمام محمد التوجكاني وهو يضيف: «نحن في الحقيقة متأسفون جداً لأوضاع الأئمة وأوضاع المساجد بشكل عام وأوضاع الجالية أو الأقلية المسلمة في أوروبا، لأننا بدأنا نشعر بنوع من الحزن والأسف نظراً إلى تنامي هذا النوع من الكراهية، ونحن ندعو إلى المساواة وتوفير الحقوق، وتحقيق الخدمات الاجتماعية التي يمكن أن تمكّن الإمام من القيام بدوره، كما ندعو إلى التسامح والتعاون مع كل ما فيه مصلحة المجتمع».
وفي التوقيت نفسه من العام الماضي، قال وزير الدولة البلجيكية لشؤون الهجرة والأجانب ثيو فرانكين، وقتها، إن طلبات الحصول على تأشيرات لدخول بلجيكا من جانب الأئمة من خارج البلاد قد انخفضت بشكل ملحوظ خلال عام 2017، بعد أن رفضت السلطات منح تأشيرات دخول لأعداد من الأئمة في عام 2016 أرادوا دخول بلجيكا لقيادة مساجد غير معترف بها في البلد.
وتسعى السلطات البلجيكية إلى الحد من استقدام الأئمة من الخارج وفي الوقت نفسه تسعى إلى طرد أو إبعاد الأئمة التي تتوفر أي معلومات بشأن شكوك في خطابهم الديني.
ونجح الوزير فرانكين في بعض الحالات وفشل في حالات أخرى. ومع حلول ديسمبر (كانون الأول) 2017، قررت اللجنة القضائية المكلفة بالنظر في قضايا الأجانب في بروكسل، إلغاء قرار لوزير الدولة البلجيكي ثيو فرانكين المكلف بملف إدارة شؤون الهجرة والأجانب، إبعاد الشيخ المصري عبد الهادي سويف، إمام مسجد بروكسل الكبير.
وقال هشام شيباني محامي الإمام، إن اللجنة المختصة بالنظر في الملف قررت إلغاء قرار الوزير، وتضمن نص القرار الإشارة إلى أن قرار الوزير إبعاد الإمام استند إلى فرضيات وتكهنات ولم يستند إلى أدلة واضحة تؤكد أن الإمام يشكل تهديداً للأمن أو المجتمع بسبب آرائه. بينما نجح الوزير في إبعاد الإمام العلمي عاموش الذي سبق أن أبعدته السلطات البلجيكية بسبب خطاب الكراهية والتشدد في مساجد فرفييه الحدودية القريبة من هولندا، وفقاً لما جاء في مبررات الإبعاد.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟