المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة: نتلاقى مع السعودية وسنعزز تعاوننا في كل المجالات

نيبينزيا لـ «الشرق الأوسط» في أول حديث مع وسيلة إعلامية عربية: إيران وتركيا سترحلان عن سوريا في نهاية المطاف... واللجنة الدستورية تتشكل قريباً

المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا (المركز الإعلامي للأمم المتحدة)
المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا (المركز الإعلامي للأمم المتحدة)
TT

المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة: نتلاقى مع السعودية وسنعزز تعاوننا في كل المجالات

المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا (المركز الإعلامي للأمم المتحدة)
المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا (المركز الإعلامي للأمم المتحدة)

اعتبر المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، في حديث مع {الشرق الأوسط} هو الأول له مع وسيلة إعلامية عربية، أن النظام العالمي «لا يزال على حاله» منذ إنشائه، بعد الحرب العالمية الثانية، رغم ظهور «مراكز جديدة للقوة». بيد أنه أقر بوجود «تحديات وتهديدات جديدة» مثل الإرهاب، وتهريب المخدرات، والهجرة غير الخاضعة للرقابة.
وإذ دافع عن «مشروعية» الوجود الروسي في سوريا، أكد أنه ينبغي للجميع، بما في ذلك الإيرانيون والأتراك وغيرهم، أن يرحلوا في نهاية المطاف عن هذا البلد. وشدد على أن الوضع الراهن في إدلب «لا يمكن إبقاؤه مجمداً إلى الأبد»، معتبراً أن «صيغة آستانة هي الآلية الفعالة الوحيدة لتحقيق الاستقرار» في سوريا، متوقعاً أن يتمكن المبعوث الدولي الخاص، غير بيدرسن «قريباً» من إعلان تشكيلة اللجنة الدستورية. وذكَّر بأن موسكو دعت إلى إنشاء «منصة» لمناقشة المشكلات على الصعيد الإقليمي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، معتبراً أن «ذلك سيحصل عاجلاً أم آجلاً»، وأن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، يدافع عن فكرة مشابهة لعملية من نوع هلسنكي لهذه المنطقة.
وكشف عن أن الاتصالات السياسية المكثفة بين القيادتين الروسية والسعودية، تُظهر أن كلاً من موسكو والرياض تعتبران أن هناك «إمكانات (...) لها تأثير سلبي للغاية، ليس فقط على الأمن الإقليمي؛ بل أيضاً على الأمن والاستقرار العالميين». وعبّر عن تقدير الاتحاد الروسي للدور الذي تقوم به المملكة العربية السعودية، وهي «أكثر دول الشرق الأوسط ومنطقة الخليج نفوذاً» في ملفات كثيرة، ولا سيما فيما يتعلق باليمن وسوريا وغيرهما من دول المنطقة، لافتاً - خصوصاً - إلى أن المملكة تضطلع بـ«دور بنَّاء للغاية» في الأزمة اليمنية. وفي حديثه المتشعب لـ«الشرق الأوسط» عن عودة روسيا في السنين العشر الماضية كقوة عظمى، تحدث الدبلوماسي الروسي الرفيع، الذي تتسلح بلاده بامتياز حق النقض (الفيتو)، عن ملفات أخرى، مثل ليبيا وفنزويلا، وغيرهما من الملفات الملتهبة حول العالم.

> عادت روسيا إلى الظهور خلال السنين العشر الماضية كقوة عالمية كبرى، بما في ذلك في الشرق الأوسط. نسمع أناساً يتكلمون عن العودة إلى الحرب الباردة. وثمة من يعتقد أننا نتجه نحو نظام عالمي جديد. ما رؤيتك؟
- العنصر الرئيسي لنظام العلاقات العالمية الذي نشأ عقب الحرب العالمية الثانية، هو الأمم المتحدة وميثاقها. ولد نظام عالمي جديد في كل مرة بعد حروب مدمرة. هذه كانت هي الحال مع (معاهدة سلام) «صلح ويستفاليا» (القرن السابع عشر) ومؤتمر فيينا، ومحفل الأمم أو الأمم المتحدة. أكره حتى التفكير في سبب آخر مماثل لنظام عالمي جديد. كما قال ألبرت آينشتاين يوماً: «لا أعرف ما أسلحة الحرب العالمية الثالثة، ولكن في الرابعة سيتحاربون بالعصي والحجارة».
وقعت أحداث زلزالية في الماضي، مثل تداعي النظام الاستعماري، ونهاية الحرب الباردة، والانقسام الآيديولوجي المرتبط بها. ومع ذلك، لم يقل أحد إننا دخلنا في نظام عالمي جديد آنذاك. ولم ينته التاريخ كما ادعى فرنسيس فوكوياما. بالطبع، الأمور تتغير، توازنات القوة تتحول، ومراكز جديدة للقوة تظهر. ينعكس ذلك في النقاش الدائر حول إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ حيث نؤيد توسيعه المنظم مع البلدان النامية في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، التي لديها بشكل جلي تمثيل ناقص.
على أي حال، هناك اتجاه آخر مقلق. يجري التفريط بشدة في فن المساومة خلال السنوات الأخيرة. إن عدم الرغبة وعدم القدرة على إدراك أن العالم لم يعد أحادي القطب، وأن لا كتلة واحدة مهيمنة، تقود إلى محاولات إنشاء «ائتلافات راغبين» متنوعة، وتحالفات لذوي التفكير المتشابه تدافع شفهياً عن القانون الدولي، ولكن عملها يتجاهله بصورة تامة. هناك ابتكار لمفهوم جديد - «نظام يستند إلى قواعد» - يخدم إنشاء بعض «القواعد» التي يعتدّون بها في المجموعة المتشابهة التفكير، ولكنها غير مقبولة من جزء كبير من المجتمع الدولي، ناهيك عن تقبلها في أي مكان. وعلاوة على ذلك، تظهر تحديات وتهديدات جديدة، مثل الإرهاب وتهريب المخدرات والهجرة غير الخاضعة للرقابة. يجري توظيف تقنيات سياسية جديدة، مثل القذف والتشهير ببعض الدول؛ حيث تصير التهمة بمثابة حكم بالإدانة. نعيش فيما يسميه كثيرون: عالم «ما بعد الحقيقة». وبصرف النظر عن ذلك، فإن النظام العالمي لا يزال على حاله منذ إنشائه بعد الحرب العالمية الثانية.
> ربما تكون سوريا هي المظهر الأوضح لصعود روسيا في عالم اليوم. هل أنجزتم المهمة في الحرب السورية؟ هل تتوقع أن تقوم إيران وتركيا والولايات المتحدة وغيرها بمغادرة سوريا؟
- وجود روسيا في سوريا قانوني. نحن هناك بطلب من الحكومة الشرعية، من أجل مساعدتها على مواجهة التهديد الإرهابي. إيران، بالمناسبة، موجودة هناك بصورة قانونية أيضاً. لا أحد آخر مدعو، كما نعلم جميعاً. ينبغي لكل الموجودين في سوريا من دون دعوة أن يغادروا البلاد. رغم الأضرار الجسيمة التي ألحقت بـ«داعش» في سوريا، لم يحصل اجتثاث كامل للتهديد الإرهابي الذي لا يزال كبيراً. هناك جماعة إرهابية أخرى، هي «هيئة تحرير الشام» (المعروفة أيضاً باسم «النصرة»)، التي عززت مواقعها في شمال سوريا. وهي تتخذ من إدلب الآن معقلاً لها؛ حيث أقام مقاتلو «النصرة» قواعدهم، وتولوا بشكل أساسي مهمات السلطات المحلية. لا يمكن إبقاء هذا الوضع مجمداً إلى الأبد. تنبغي معالجته. لهذا السبب كثفنا أخيراً اتصالاتنا مع شركائنا الأتراك في منطقة خفض التصعيد في إدلب. ونحن ندرك تماماً أن إدلب موطن لعدد كبير من السكان المدنيين، وبينهم نازحون داخلياً من أجزاء أخرى من سوريا. ونعلم أنهم يعانون تحت حكم الإرهابيين، ويحلمون بتخليصهم من التسلط. ولكن ينبغي بالطبع ألا يصير المدنيون مجرد «أضرار جانبية» لحرب مشروعة ضد الإرهابيين. شركاؤنا يحضون السلطات السورية وضامني آستانة على احترام اتفاقاتهم وصون المدنيين، معبرين عن خشيتهم من كارثة إنسانية قد تحصل، في حال وقوع أعمال عدائية واسعة النطاق. وفي الوقت نفسه، ليسوا متسقين بالدرجة ذاتها، حين يقومون بعمليات عسكرية ضد الإرهابيين في شمال شرقي سوريا؛ حيث - كما تعلمون - وقع عدد كبير من المدنيين ضحية القصف الجوي للتحالف.

بيدرسن وعملية آستانة

> ما الذي تتوقعه تحديداً من المبعوث الخاص الجديد للأمم المتحدة غير بيدرسن؟
- نحن نحافظ على الحوار مع المبعوث الخاص غير بيدرسن، حول التسوية السياسية في سوريا، سواء على المستوى الثنائي أو من خلال عملية آستانة. اتضح أن صيغة آستانة هي الآلية الفعالة الوحيدة لتحقيق الاستقرار «على الأرض» في سوريا. نحن مستعدون لتقديم مزيد من المساعدة للمبعوث الخاص، في جعل التسوية السياسية مستدامة. نتوقع أن يتمكن قريباً من إعلان تشكيل اللجنة الدستورية وبدء عملها. نحن نعول على المبعوث الخاص، ونأمل في أن يبني الثقة مع جميع أصحاب المصلحة، مع الحفاظ على الحياد. هذا هو مفتاح النجاح لأي وسيط.
> قلت إن عملية آستانة باتت الآلية الوحيدة الفعالة على الأرض. هل تريدون للمبعوث الخاص أن يتبناها؟
- عملية آستانة جزء من الصورة الأوسع للتسوية، بدءاً من قرار مجلس الأمن رقم 2254، وعبر مؤتمر الحوار الوطني، الذي وُلدت اللجنة الدستورية من رحمه. المبعوث الخاص بيدرسن مستعد للمشاركة في آستانة؛ لأن هذه العملية تناقش مواضيع مهمة، وهو تحديداً يهتم بها، مثل تبادل الأسرى على سبيل المثال. على حد علمي، يخطط للمشاركة في الاجتماع المقبل في آستانة، نور سلطان الآن، يومي 25 و26 من هذا الشهر الجاري.
> على ذكر اسم عاصمة كازاخستان، هل سيتم تغيير اسم العملية؟
- لا، سيحافظون على اسم «عملية آستانة».
> ذكرتَ أيضاً أن اللجنة الدستورية ستشكل قريباً، متى ينبغي أن نتوقع ذلك؟
- لا يوجد جدول زمني محدد؛ لكن المبعوث الخاص نفسه قال إن هناك قليلاً من «الرتوش» (التعديلات) قبل أن يعلن الانتهاء من الموضوع، وبدء عمل اللجنة.
> ما الذي تقوله حول ما حدث أخيراً بخصوص اعتراف الولايات المتحدة بالجولان، كجزء من إسرائيل؟ هل تحاولون في روسيا عدم المس بأي شيء يتعلق بإسرائيل، بما في ذلك عندما تضرب هدفاً في عمق سوريا؟ الجيش الروسي موجود ولكنه لا يحمي سيادة سوريا عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. ثم أنت تطلب من جميع غير المدعوين أن يغادروا سوريا باستثناء الروس والإيرانيين والإسرائيليين.
- أعتقد أنناً عملياً سنرحل أيضاً عندما يحين الوقت، وعندما تنضج الظروف، وسنفعل ذلك بالتشاور مع الحكومة السورية. الإيرانيون هناك أيضاً بشكل شرعي؛ لأنهم تلقوا دعوة. سيرحلون أيضاً عندما تقرر الحكومة السورية أن مساعدتهم لم تعد ضرورية.
> سيغادرون؟
- أعتقد أنه عملياً يجب أن يغادر الجميع عندما تستقر سوريا؛ لكن هناك أطرافاً في سوريا لم تدع على الإطلاق، مثل الولايات المتحدة وفرنسا والبعض الآخر. إن وجود إسرائيل في الجولان بدأ قبل النزاع السوري. هذه قصة طويلة. نحن لم نعترف قط بالجولان كجزء من إسرائيل. إنه جزء من سوريا. وأيدنا كل القرارات التي تؤكد ذلك. في الواقع، نددنا بالقرار الأميركي. ولكن لدينا علاقات جيدة مع إسرائيل. وإسرائيل شريكتنا في الشرق الأوسط، مثلها مثل كل الدول العربية. نحن محظوظون وفخورون بأننا إحدى القوى الكبرى التي تتمتع بعلاقات جيدة مع أي طرف وكل طرف في المنطقة، من دون استثناء.
> ماذا عن تركيا؟
- نعم، تركيا لم تكن مدعوة أيضاً. هذا صحيح؛ لكن تركيا شريكة مهمة في عملية آستانة، وفي عملية التسوية السورية. تركيا لديها مخاوفها الخاصة فيما يتعلق بأمنها؛ لكن بالطبع نعتقد أنه سيتعين عليهم في نهاية المطاف أن يغادروا سوريا، كأي وجود أجنبي آخر في البلاد.
> ماذا يمكنك أن تخبرنا عن رفات الجندي الإسرائيلي الذي قتل في لبنان عام 1982؟ ماذا حدث؟
- لا أعرف التفاصيل، ولكن كما قال الرئيس (فلاديمير) بوتين علناً: كانت تلك عملية للقوات الروسية الخاصة التي تمكنت من تحديد مكان الرفات ونبشه.
> من لبنان؟
- بصراحة، لا أعرف من أين. كانت تلك لفتة إنسانية عظيمة، وموضع تقدير كبير من الإسرائيليين.

مقاربات مشتركة لحل المشكلات

> كيف تصف وضع الدول العربية مع روسيا؟ وكيف ستعالج موسكو مخاوف العرب من التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لدولهم؟
- كما قلت، روسيا تتبوأ موقعاً متميزاً بين قوى رئيسية، كي تحتفظ بعلاقات ودية وثيقة مع كل الدول العربية من دون استثناء. نتفاعل على الصعيدين الثنائي، وفي أشكال أخرى، مثل: روسيا - جامعة الدول العربية، وروسيا - مجلس التعاون الخليجي. أنشأنا حواراً سياسياً فعالاً، ونتبادل وجهات النظر في شأن تسوية الأزمات الإقليمية. علاقاتنا التجارية والاقتصادية تتطور بسرعة. نحن مهتمون بوحدة العالم العربي، التي ندافع عنها بلا هوادة. القوة تنمو من الوحدة. والمشكلات الإقليمية يمكن حلها بفاعلية فقط على أساس المقاربات المشتركة.
> هناك كثير من التساؤلات حيال دور إيران في المنطقة. ترفع الإدارة الأميركية الصوت حيال تهديدات إيران لدول أخرى، بما فيها إسرائيل. هل أنتم قلقون من أي مواجهات خطيرة؟
- إيران جزء من المنطقة، وليست كياناً غريباً عنه. لإيران مصالح مشروعة تتجاوز حدودها الوطنية، وهي تهدف - من بين أمور أخرى - إلى ضمان أمنها القومي. الدول العربية أو إسرائيل أو تركيا، لديها مصالح كهذه. ويكمن السبب في الطبيعة عبر الوطنية للتهديدات العالمية اليوم. تتحدث عن التهديدات التي تمثلها إيران، لكن لا تنسى التهديدات التي تواجهها إيران. هذه التهديدات واضحة ووشيكة اليوم. يجري إعلانها والتصريح بها جهاراً. هل تعتقد أنه لا ينبغي لإيران أن تأخذها على محمل الجد؟ لسوء الحظ، فإن الخطوات والخطابات الأخيرة من واشنطن، بما في ذلك الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي بين الدول الكبرى وإيران) وبدء ضغط العقوبات على نطاق واسع، تزيد فقط من أخطار تصاعد التوترات، وتجعل التطورات الأخرى للوضع غير متوقعة على الإطلاق.
وبالنسبة إلى الهواجس من تدخل إيران في الشؤون الداخلية للدول في الشرق الأوسط، هناك آراء متباينة حول هذا الأمر، حتى بين العرب أنفسهم. إن مقاربتنا يمكن أن توصف بأنها بسيطة للغاية؛ بل هي معيارية. كل بلدان المنطقة لديها مصالحها الخاصة، وينبغي أن تؤخذ في الاعتبار. الشرط الوحيد هو أن تكون هذه المصالح مشروعة. إذا كانت هناك أي مخاوف، فيجب حلها بالوسائل السياسية والدبلوماسية. ولذلك، نحن بحاجة إلى منصة مناسبة لمناقشة مجموعة كاملة من المشكلات القائمة. روسيا اقترحت قبل سنوات كثيرة مفهوماً أمنياً للخليج (...) برؤية منصة حوار لكل بلدان المنطقة، تنضم إليها في نهاية المطاف دول أخرى من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. هذه قد تكون خطوة أولى نحو إنشاء هيكلية أمنية إقليمية، تساعد في الحفاظ على السلام والأمن في هذا الجزء من العالم. نحن نناقش هذه الفكرة مع أصدقائنا العرب. لم توضع على قيد الحياة بعد؛ لكن ذلك سيحصل عاجلاً أم آجلاً. الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يدافع عن فكرة مشابهة لعملية من نوع هلسنكي لـلشرق الأوسط.
> هل يمكن أن تصف العلاقات بين روسيا ودول الخليج، وخصوصاً المملكة العربية السعودية؟ كيف يمكن أن يتعاون البلدان لحل الأزمات الراهنة، وأن يعززا العلاقات سياسياً واقتصادياً؟
- تحافظ روسيا على علاقات ودية مع كل الدول العربية، بما في ذلك دول الخليج. أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التزامنا تكثيف التفاعل مع هذه الدول، خلال رحلته الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة. خلال السنوات الأخيرة، قمنا بزيادة تعاوننا الاقتصادي والسياسي بشكل كبير مع المملكة العربية السعودية. نحن ننسق موقفنا من وضع سوق النفط العالمية من خلال عملية «أوبك زائد». وزير الخارجية لافروف ناقش آفاق تنمية العلاقات خلال زيارته للمملكة العربية السعودية، من 4 مارس (آذار) إلى 5 منه، حين استقبله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، واجتمع مع زميليه (وزير الخارجية) إبراهيم العساف و(وزير الدولة للشؤون الخارجية) عادل الجبير.
إن الاتصالات السياسية المكثفة بين القيادتين الروسية والسعودية تُظهر أن كلاً من موسكو والرياض تنطلقان من افتراض أن إمكانات النزاع المتبقية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لها تأثير سلبي للغاية، ليس فقط على الأمن الإقليمي؛ بل أيضاً على الأمن والاستقرار العالميين. كلانا يلتزم بشكل حاسم بمكافحة الإرهاب بكل مظاهره، والقضاء على الآيديولوجيا الإرهابية.
تتلاقى وجهات النظر الروسية والسعودية حول التسوية في الشرق الأوسط، مما يضع أساس العمل لمزيد من التفاعل. نحن نؤيد حل الدولتين للقضية الفلسطينية الذي يستند إلى الأساس القانوني الدولي ومبادرة السلام العربية. ونحن ننسق النشاطات المتعلقة بتسوية الأزمات الإقليمية. ونقدر جهود الرياض في تسهيل التسوية السياسية في سوريا، وخصوصاً فيما يتعلق بتوحيد المعارضة السورية. نحن نتقاسم الفهم حول أن العملية السياسية السورية ينبغي أن تستند إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254. ونحن نحترم آراء المملكة العربية السعودية، ونطلع أصدقاءنا على آخر المستجدات حول عمل الجهات الضامنة لعملية آستانة، بما في ذلك النشاطات المتعلقة بإنشاء اللجنة الدستورية.
منذ بداية الأزمة في اليمن، حافظنا على حوار بناء مع المملكة العربية السعودية والأعضاء الآخرين في التحالف العربي. وأطلقنا العنان واستخدمنا باستمرار إمكانات اتصالات العمل التي أنشأها الجانب الروسي مع أصحاب الشأن في النزاع، بما في ذلك «أنصار الله»، من أجل إعادة السلام إلى البلاد. تدعم موسكو والرياض جهود المبعوث الخاص للأمين العام مارتن غريفيث. ونأمل في أن يتمكن من إحراز تقدم قريباً. سنقوم بتعزيز تعاوننا على كل المسارات. إن المملكة العربية السعودية واحدة من أكثر دول الشرق الأوسط ومنطقة الخليج نفوذاً.

المهمة المستحيلة في اليمن

> هل تتجنب التنديد بشحنات الأسلحة إلى الحوثيين في اليمن، أو ذكر القرار 2216، أو حتى استهداف المملكة العربية السعودية بالصواريخ الباليستية من قبل الحوثيين؟
- نحن ندين استهداف السعودية بالصواريخ. نقول ذلك في كل مرة يحدث ذلك؛ لأنه غير مقبول. بالنسبة إلى القرار 2216، نحن امتنعنا عن التصويت لأننا لم نوافق تماماً على بعض أجزاء القرار، ولكن جرى اعتماده. لم نعطله. فيما يتعلق بالحصول على الأسلحة، اليمن بلد كان مليئاً بالأسلحة منذ ما قبل النزاع، ولم يقدم أحد حتى الآن الدليل بنسبة مائة في المائة على أنهم لا يزالون يحصلون على الأسلحة مباشرة من إيران. لديهم وسائل أخرى لتجهيز أنفسهم. هم مسلحون فوق حاجاتهم. اليمن بلد كان سوقاً للأسلحة حتى في العصور القديمة. كان الجميع يتنافسون على تزويد اليمن بالأسلحة، بما في ذلك الاتحاد السوفياتي. لذلك هم ليسوا بحاجة ماسة إلى الأسلحة.
> هل تأمل في حل للوضع؟
- كل الأمور هناك صعبة للغاية بالطبع. ولكن ما يلعب دوراً إيجابياً هو وحدة مجلس الأمن حولها، والضغط القوي من مجلس الأمن لحل النزاع سياسياً. المقاربة التي اعتمدها التحالف، وخصوصاً في الآونة الأخيرة. نحن نعلم أن التحالف، المملكة العربية السعودية بالتحديد، تلعب دوراً بناءً للغاية. ندعم ما يفعله مارتن غريفيث. إنه عمل شبه مستحيل، مهمة مستحيلة؛ لكنه يحاول تجاوز هذه الظروف الصعبة للغاية، والتي تفاقمت بسبب انعدام الثقة التام والكامل بين الأطراف، مما تسبب في عدم تنفيذ اتفاقات استوكهولم حتى يومنا هذا في موانئ الحديدة وغيرها. بالطبع، من المهم للغاية مواصلة الخطوات نحو التسوية السياسية. ولا ينبغي أن تكون هذه الخطوات رهينة التوصل إلى تنفيذ الاتفاق على الحديدة؛ لكن تنفيذ اتفاق الحديدة مهم جداً. نحن نعمل بجد لتحقيق ذلك.

لسنا مع أحد في ليبيا

> رأينا تقارير إعلامية تفيد بأن روسيا تدعم المشير خليفة حفتر في ليبيا. هل هذا صحيح؟
- لا تصدق وسائل الإعلام (ضحك). روسيا تدعم المصالحة والوحدة الوطنية في ليبيا. حفتر لاعب مهم للغاية؛ لكن هناك أطرافاً أخرى في هذا البلد تلعب أدواراً مهمة. نحن لسنا مع أي طرف محدد في ليبيا. نأمل في ألا تؤدي التطورات الأخيرة إلى العنف، وأن تحل بصورة سلمية من خلال الحوار السياسي.
> لدى روسيا ذكريات مريرة في ليبيا بسبب كيفية إطاحة الغرب بنظام العقيد معمر القذافي عام 2011. هناك هذا الخلاف.
- لم يتبق كثير من الشروخ بيننا وبين الدول الغربية على ليبيا. هناك كثير من عدم اليقين وعدم فهم كيفية إعادة توحيد البلاد التي تحطمت كآنية من زجاج، والآن علينا استعادة كل تلك القطع الصغيرة التي كانت مبعثرة. ليست لدينا تناقضات كبيرة في ليبيا مع زملائنا في مجلس الأمن. لقد قلنا باستمرار إن ما يحصل في ليبيا كان نتيجة للسياسات التي اعتمدتها الدول الغربية عام 2011، عندما خدعونا أساساً في مجلس الأمن، وقصفوا البلد وجعلوه يتدمر. ليبيا ليست وحدها من عانى في أعقاب ذلك، ولكن كل المنطقة جنوبها. ما حصل في بلدان الساحل، وكثير من بلدان غرب أفريقيا ووسط أفريقيا هو نتيجة للتدخل في ليبيا. توجه الجهاديون جنوباً. هذا معترف به علناً من الزعماء الأفارقة أنفسهم.
> ماذا يفعل المستشارون والخبراء العسكريون الروس في فنزويلا؟
- لدينا اتفاق للتعاون العسكري. ذهبوا لخدمة ما قدمناه لهم من قبل. إنهم متخصصون عسكريون جاؤوا لصيانة معدات قدمناها سابقاً للفنزويليين.

عالم غير أحادي

> يتعرض النظام الدولي المتعدد لتحديات جدية. هل تعتقد أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن لا يزالان ذوا صلة؟ ولماذا؟
- لا يوجد بديل عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن، الذي هو الهيئة الرئيسية المسؤولة عن صون السلم والأمن الدوليين. إنهما ذوا صلة اليوم كما كانا من قبل. لا يمكننا دائماً أن نجد الحلول في المجلس (رغم أننا نستطيع ذلك في معظم القضايا). بيد أن ذلك ليس لأن مجلس الأمن غير فعال أو غير ذي صلة، ولكن لأن هذا العجز يعكس الانقسامات التي يواجهها العالم. على أي حال، لا بديل لهذه الآلية. ينبغي أن نتعلم مرة أخرى فن التسوية وحسبان المصالح المتبادلة، وهما الأمران المنسيان بعض الشيء اليوم. ينبغي أن نبني عملنا على ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. وينبغي أن يدرك الجميع ويقبلوا أن العالم لم يعد أحادياً. إنه متعدد الأقطاب بمراكز قوة جديدة مستعدة للاعتراف بها وسماعها واحترامها. سيساعد هذا الفهم في إعادة التعددية إلى مركز التعاون الدولي.
> ماذا تتوقع من السفيرة الجديدة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة؟
- لم ألتق بها قط. لكننا مستعدون للعمل مع أي سفير أميركي يعين في الأمم المتحدة. أنا متأكد من أننا سنكون قادرين على العمل سوياً لحل القضايا ذات الاهتمام المشترك.
> كانت لديكم لحظات عصيبة مع نيكي هايلي.
- لحظات صعبة مع نيكي هايلي في مجلس الأمن. ولكن أيضاً لحظات حلوة خارج مجلس الأمن (ضحك).



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.