ردود الأفعال العراقية حيال مجزرة المسجد تظهر عمق الهوة الطائفية في البلاد

الكثيرون لا يتوقعون إلا القليل من العملية السياسية.. لكنها تبقى الأمل الوحيد

جنود ومتطوعون ينتشرون الجمعة الماضية في قرية بمحافظة ديالى التي شهدت مجزرة في مسجد قضى فيها عشرات المصلين على أيدي مسلحين ورد أنهم من ميليشيا شيعية (رويترز)
جنود ومتطوعون ينتشرون الجمعة الماضية في قرية بمحافظة ديالى التي شهدت مجزرة في مسجد قضى فيها عشرات المصلين على أيدي مسلحين ورد أنهم من ميليشيا شيعية (رويترز)
TT

ردود الأفعال العراقية حيال مجزرة المسجد تظهر عمق الهوة الطائفية في البلاد

جنود ومتطوعون ينتشرون الجمعة الماضية في قرية بمحافظة ديالى التي شهدت مجزرة في مسجد قضى فيها عشرات المصلين على أيدي مسلحين ورد أنهم من ميليشيا شيعية (رويترز)
جنود ومتطوعون ينتشرون الجمعة الماضية في قرية بمحافظة ديالى التي شهدت مجزرة في مسجد قضى فيها عشرات المصلين على أيدي مسلحين ورد أنهم من ميليشيا شيعية (رويترز)

كان السياسيون العراقيون يجتهدون للوفاء بالمهلة الدستورية من أجل تشكيل الحكومة الجديدة، عندما دخل رجلان ملثمان إلى مسجد سني في قرية بعيدة وفتحا النار الجمعة الماضية، مما أسفر عن مقتل العشرات من المصلين.
وخلال ساعات، أعلن زعماء السنة انسحابهم من المفاوضات، وتجمدت العملية السياسية مرة أخرى وعلى نحو مفاجئ إثر ذات الانقسامات الطائفية التي أفسدت هذا البلد من قبل.
ويعد تشكيل حكومة جديدة وجامعة يمكنها أن تحظى ببعض الدعم من السنة والشيعة على حد سواء من الخطوات الحيوية والضرورية لمواجهة مسلحي تنظيم «داعش» الذين اكتسحوا العراق، واستولوا على الأراضي وسيطروا على المدن الكبرى في الشمال والغرب. وقد أشاد الرئيس باراك أوباما بتعيين رئيس الوزراء الجديد، حيدر العبادي، ويأمل العديد من المراقبين أن يعمل العبادي على إبطال سياسات خلفه، نوري المالكي، الذي وجهت له اتهامات بتهميش الأقلية السنية وفتح الطريق، فعليا، أمام تقدم الجماعات المتشددة.
لكن لا يمكن إبطال تلك السياسات، التي تضمنت تنشيط الميليشيات الشيعية واعتقال العديد من السنة وتوجيه ضربات عسكرية ضد المناطق السنية تحصد أرواح المدنيين، إلا من خلال حكومة جديدة. وتكمن المشكلة هنا الآن، والتي أبرزتها تداعيات الهجوم الأخير على المسجد، في أن الاستقطاب الطائفي ازداد عمقا، مما يجعل من العسير تشكيل مثل تلك الحكومة المنشودة.
ويميل السنة والشيعة إلى مشاهدة العديد من القضايا الداخلية الأكثر إلحاحا من زوايا متباينة بصورة كبيرة، مما يجعل من فرضية الحل الوسط أمرا عسيرا. إذ يتكلم الزعماء الشيعة عن تنظيم «داعش» بوصفه تنظيما إرهابيا تتعين مقاتلته بكل الوسائل المتاحة. وقد اتهم بعضهم الزعماء السنة بتوفير الغطاء السياسي لأولئك المتشددين.
وقال قيس الخزعلي، وهو قائد ميليشيا «عصائب أهل الحق» الشيعية التي يراها السنة الأكثر رعبا «يتحمل السياسيون المسؤولية عن انهيار الأمن في بعض المحافظات. لا يزالون في مرحلة الموالاة لأحزابهم، وليس للعراق».
وبينما يدين زعماء السنة تنظيم «داعش» فإنهم يقولون إن الجماعة قد استغلت حالة الفراغ التي أحدثتها الحكومة عن طريق تهميش مناطقهم وإساءة معاملة السكان. ويقول أحمد الدليمي، محافظ الأنبار، التي يسيطر تنظيم «داعش» على مساحات واسعة منها، إن «الوسيلة الوحيدة لمحاربة تنظيم (داعش) هي عن طريق دعم المواطنين الذين فقدوا كرامتهم وحقوقهم في ظل الحكومة القديمة».
وبدت الخلافات المماثلة بينة وجلية أول من أمس في استجابة الزعماء السياسيين للهجوم الذي خلف عشرات القتلى من المصلين السنة في مسجدهم بمحافظة ديالى. فقد دعا سالم الجبوري، الرئيس السني للبرلمان العراقي، إلى الوحدة السياسية، وقال إن ذلك الهجوم يهدف إلى «إحباط كل الجهود التي بذلت لتشكيل الحكومة الجديدة».
وقد اختفى المسلحان الملثمان اللذان نفذا الهجوم داخل الريف بعد ذلك، ولم تتضح هويتهما. لكن الجبوري وغيره يبدو أنهم يعتقدون أن القاتلين ينتميان للميليشيات الشيعية. وقال الجبوري إنه تم إيفاد لجنة للتحقيق في الهجوم، ومن المفترض أن ترفع تقريرها خلال يومين. وأضاف «في الوقت الذي ندين فيه ما يفعله تنظيم (داعش) فإنه يتحتم علينا كذلك إدانة ما تقوم به الميليشيات».
على النقيض من ذلك، اتهم الزعماء الشيعة تنظيم «داعش» بالتسبب في الهجوم على المسجد. وقال رجل الدين مقتدى الصدر إن الحادثة تعتبر «تصعيدا طائفيا واضحا، وتحمل لمسات تنظيم داعش».
كانت المفاوضات لتشكيل الحكومة الجديدة يشوبها الكثير من المشاكل بالفعل قبل وقوع الهجوم، حيث دفع السياسيون السنة بمطالب يعتبرونها ضرورية لكنها لا تتمتع بفرصة كبيرة من حيث القبول ومن بينها: إيقاف القصف والغارات الجوية الحكومية على المناطق السنية التي ينتشر فيها تنظيم «داعش»، وانسحاب الميليشيات الشيعية من المدن ذات الغالبية السكانية السنية، وإطلاق سراح المعتقلين من السنة الذين لم يدانوا بارتكاب أي جرائم، وإسقاط التهم الجنائية عن عدد من السياسيين السنة التي يصفونها بالجرائم ذات الدوافع السياسية، وإلغاء القانون الذي يحظر على الأعضاء السابقين في نظام صدام حسين تولي مناصب حكومية.
وأعرب دبلوماسيون في بغداد عن قلقهم من أن تلك المطالب قد تحول دون التوصل إلى اتفاق، وحثوا الزعماء السنة على التحلي بقدر أكبر من المرونة. وقال زيد العلي، وهو مستشار قانوني سابق لدى منظمة الأمم المتحدة في العراق وصاحب كتاب حول مستقبل العراق، إن الإصرار الأميركي على السياسة العراقية الجامعة أمر مضلل، مشيرا إلى أن الحكومات العراقية الأخيرة ضمت ممثلين من كل الأطياف الرئيسة في البلاد. وأضاف « لكن هذا ليس حلا.. إذ لم يترجم إلى واقع يحس الجميع بمزاياه بخلاف ما كان يفترض».
ويقر المسؤولون الغربيون في بغداد بأن الحكومة الجديدة لن تكون سوى خطوة أولى ومتواضعة على طريق طويل من عملية إصلاح ضرورية. ومع تسليط الضوء على حالة عدم الثقة المتبادل، فإن العديد من السنة ألقوا بلائمة الاتهام بشأن هجوم المسجد على الميليشيات الشيعية. وقال أحد السكان السنة الذي يعيش بالقرب من المسجد، والذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه خوفا من الانتقام «ما حدث ليس إلا إعداما جماعيا بدم بارد. وكانت رسالة إلينا بأن وقتنا على هذه الأرض قد انتهى».
ويقول عبد السلام هاشم (55 عاما)، وهو سني من أصحاب المتاجر في بغداد «إنني أؤيد أي نوع من أنواع الانتقام ضد تلك الجريمة الجبانة. هذا ما تركه المالكي للعراق، ولن ينتهي ذلك بسهولة».
وكانت الميليشيات الشيعية، التي شكلت في الأساس لقتال القوات الأميركية، تحظى بدعم السيد المالكي. وقد استدعيت مرة أخرى للخدمة لمحاربة «داعش». غير أن السنة لا يعتبرونهم أكثر من عصابات مسلحة تعمل خارج القانون، وقد اتهمتهم جماعات حقوق الإنسان بقتل واعتقال المواطنين المدنيين من السنة.
لكن هذه الميليشيات تعتبر جزءا لا يتجزأ من الواقع السياسي الحالي، حتى إن وزير النقل الحالي، هادي العامري، يرأس بنفسه ميليشيا شيعية قوية.
الشيخ عبد الصمد الزركوشي، وهو زعيم إحدى الميليشيات الشيعية المحلية في منطقة تقع بالقرب من المسجد الذي تعرض للهجوم، اصطدم بأولئك الذين يرغبون في تفكيك جماعته، ويرى أن وجودها ضروري لمحاربة «داعش». وتساءل «كيف يجرؤ السياسيون على إبلاغنا بما نفعل وما لا نفعل، في الوقت الذي لا يعرفون فيه ما يجري في منطقتنا؟ إذا انسحبت قواتي من المنطقة، فسيكون ذلك بمثابة الوداع للجميع هنا. سيستولي عليها (داعش) في سويعات قليلة».
ورغم أن الكثيرين من العراقيين لا يتوقعون سوى القليل للغاية من العملية السياسية الجارية حاليا، إلا أنهم مع ذلك يعتبرونها السبيل الوحيد لإصلاح البلاد. وفي هذا السياق، يشبه حامد المطلك، وهو عضو سني في البرلمان العراقي عن محافظة الأنبار، السياسيين بغريق يتعلق بقطعة من الخشب. ويقول «قد لا تنقذه قطعة الخشب تلك، لكنه يحاول إنقاذ نفسه. هذا ما نقوم بفعله الآن».
* خدمة « نيويورك تايمز»



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.