عشرات القتلى في المواجهات الدامية بأفغانستان

TT

عشرات القتلى في المواجهات الدامية بأفغانستان

واصلت القوات الحكومية الأفغانية مدعومة من قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان قصفها لمواقع حركة طالبان في عدة ولايات شمالية بغية وقف تقدم قوات الحركة وعدم تمكينها من السيطرة على مديريات جديدة في ولايات الشمال، إضافة إلى قيام القوات الأفغانية وقوات حلف الأطلسي بقصف مواقع لتنظيم الدولة شرق أفغانستان.
وقالت مصادر رسمية حكومية لوكالة خاما بريس إن ما لا يقل عن 70 من عناصر تنظيم «داعش - خراسان»، قتلوا أو أصيبوا جراء عملية أجرتها قوات الجيش الأفغاني ضد المسلحين في ولاية ننكرهار شرقي البلاد، ونقلت الوكالة الأفغانية عن مصادر عسكرية مطلعة أن «عملية واسعة النطاق أجريت بهدف القضاء على معقل لتنظيم الدولة - خراسان بمديرية خوجياني، وأسفرت عن مقتل 70 من مقاتلي التنظيم وتدمير مخبأ للأسلحة». وشهد الوضع الأمني في ولاية ننكرهار تدهورا ملحوظا، خلال السنوات الأخيرة، وسط سعي كل من حركة «طالبان» و«تنظيم الدولة - ولاية خراسان» لتعزيز مواقعهما ونفوذهما العسكري في المنطقة.
وذكرت مصادر رسمية حكومية أن الغارات الجوية التي شنتها قوات الحكومة وطيران حلف الأطلسي في أفغانستان على مديرية بالا مرغاب في ولاية بادغيس أسفرت عن مقتل وإصابة 57 من قوات طالبان. وأصدرت وزارة الدفاع الأفغانية بيانا جاء فيه أن الغارات الجوية تركزت في منطقة اكازاي ومحيط قيادة الشرطة في ولاية بادغيس وأن 35 من قوات طالبان قتلوا فيما جرح 22 آخرون في الغارات الجوية، كما دمرت الغارات الجوية ـ حسب البيان الحكومي ـ 35 آلية لقوات طالبان. وأضاف بيان وزارة الدفاع الأفغانية أن الغارات الجوية من قبل القوات الأفغانية وقوات حلف الأطلسي تواصلت طوال الليلة الماضية، بما يشير إلى ضراوة المعارك في المنطقة وعدم تمكن القوات البرية من السيطرة على الأوضاع ووقف تقدم طالبان كما جاء في بيانات سابقة. وتخشى الحكومة الأفغانية من أن سقوط مديريتي بالا مرغاب وأب كماري في ولاية بادغيس سيفضي إلى سقوط عدد من المديريات الأخرى في الولاية وولاية فارياب المجاورة.
وقالت وكالة باجهواك الأفغانية إن 32 من قوات الأمن الأفغانية استسلمت لقوات طالبان في بالا مرغاب في ولاية بادغيس بعد أنباء عن ترنح المديرية للسقوط بيد قوات طالبان التي أحكمت حصارها على مركز المديرية. وأكد عبد الناصر نظري عضو مجلس الولاية استسلام العشرات من القوات الحكومية لقوات طالبان، لكنه أضاف أن القتال الضاري ما زال مستمرا بيد أن الإمدادات الحكومية الموعودة للدفاع عن مديرية بالا مرغاب لم تصب بعد. وأكد الناطق باسم طالبان قاري يوسف أحمدي استسلام 32 من قوات الحكومة لقوات حركة طالبان مضيفا أن خمسة من قوات الأمن الحكومية لقوا مصرعهم فيما جرح آخرون في الاشتباكات بعد هجوم طالبان على مقر قيادة الشرطة في المنطقة.
وأكدت وكالة باجهواك نقلا عن مسؤولين في ولاية بادغيس سيطرة قوات طالبان على مديرية أب كامري بعد هجوم مباغت شنته قوات طالبان على المديرية وسيطرتهم على مركزها، لكن الوكالة قالت إن القوات الحكومية استعادت السيطرة على المديرية في وقت لاحق».
من جانبها أكدت حركة طالبان استمرار سيطرة قواتها على مديرية أب كمري في ولاية بادغيس وإيقاعها خسائر فادحة في قوات الحكومة وحلفائها. وذكر بيان لطالبان أن قوات الحركة سيطرت على مبنى القيادة الأمنية والاستخبارات والنقاط الدفاعية في مديرية أب كمري بعد قصفها بالأسلحة الثقيلة طوال الليل، وإيقاع خسائر فادحة في صفوف القوات الحكومية والميليشيات الموالية لها. وقال بيان طالبان إن القوات الحكومية شنت هجوما بالدبابات والمدرعات وتحت غطاء قصف جوي متواصل على مواقع طالبان في محاولة لاستعادة السيطرة على مديرية أب كمري لكن القوات الحكومية فشلت في مساعيها.
وقال نائب المتحدث باسم وزارة الدفاع، زبير عارف إن القوات الخاصة للجيش تقاتل ضد طالبان وتم طرد المسلحين من أجزاء رئيسية من المنطقة، بما يعني الاعتراف بسيطرة طالبان على مناطق في المديرية، وأضاف عارف «ستستمر العمليات حتى إخلاء المناطق بشكل كامل من العدو»، فيما قالت بعثة الدعم الحازم، التابعة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) في بيان إن الغارات الجوية الأميركية استهدفت مواقع لطالبان بدعم من قوات الأمن الأفغانية في منطقة «بالا مرغاب» بإقليم بادغيس الليلة الماضية. وأضاف البيان أنه تم إرسال تعزيزات جوية إلى المنطقة اليوم لمواصلة ذلك الدعم، وهو ما يشير إلى ضراوة المعارك المحتدمة في المنطقة، وأكدت المصادر أن نحو 36 عضوا من القوات الأفغانية قُتلوا في الاشتباكات التي استمرت يومين في منطقة «بالا مرغاب» والتي بدأت الأربعاء. وقال قيس منجل، المتحدث باسم وزارة الدفاع إن «قوات الدفاع والأمن الأفغانية تنفذ عمليات إخلاء وعمليات جوية، بقيادة النائب الأول بوزارة الدفاع، ياسين ضياء بمنطقة بالا مرغاب وأب كمري بإقليم بادغيس، والتي أسفرت عن سقوط خسائر هائلة في صفوف العدو». وأضاف أن العمليات مستمرة وستستمر حتى إخلاء المسلحين من المنطقة».
ونقلت وكالة باجهواك الأفغانية عن أمان الله إبراهيمي مسؤول الشرطة في ولاية قندوز الشمالية قولهم إن ستة من رجال الشرطة وخمسة من مقاتلي طالبان لقوا مصرعهم في اشتباكات بين الطرفين في مديرية إمام صاحب في الولاية.
وفي مواجهات أخرى قالت طالبان إن قواتها دمرت سيارة نقل وأصابت ثلاثة جنود في مركز ولاية لوجر جنوب العاصمة كابل». كما شهدت ولاية كونر شرق أفغانستان هجمات من مقاتلي طالبان على الجيش الحكومي في منطقة كشتور مما أسفر عن مقتل جنديين وإصابة أخرين بجراح.
وشهدت ولاية نيمروز غرب أفغانستان اشتباكات بين قوات الحكومة وقوات طالبان بعد شن قوات طالبان هجوما على قافلة عسكرية حكومية في منطقة خاشرود، استخدمت فيه الأسلحة الثقيلة، ولم تعرف نتائج الهجمات والاشتباكات بين قوات الطرفين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟