حركة الشباب الصومالية تستعيد شبابها

حركة الشباب الصومالية تستعيد شبابها

قتلى وخراب ودمار عقب تفجير سيارة مفخخة وسط العاصمة مقديشو في مارس الماضي (إ.ب.أ)
قتلى وخراب ودمار عقب تفجير سيارة مفخخة وسط العاصمة مقديشو في مارس الماضي (إ.ب.أ)
TT

حركة الشباب الصومالية تستعيد شبابها

قتلى وخراب ودمار عقب تفجير سيارة مفخخة وسط العاصمة مقديشو في مارس الماضي (إ.ب.أ)
قتلى وخراب ودمار عقب تفجير سيارة مفخخة وسط العاصمة مقديشو في مارس الماضي (إ.ب.أ)

كثفت حركة «الشباب» الصومالية من هجماتها الإرهابية خلال الأشهر الأخيرة، في العاصمة الصومالية مقديشو وبعض الدول المجاورة، لتصبح واحدة من أكثر الحركات الإرهابية نشاطاً وخطورة في العالم، بعد انخفاض مستوى نشاط الحركات المتشددة في منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان، ويبعث النشاط المتزايد لحركة «الشباب» الصومالية برسائل كثيرة، بعضها داخلي والآخر خارجي، ولكنه قبل كل شيء يؤكد أن مركز الحرب العالمية على الإرهاب قد تحول بالفعل إلى القارة السمراء، وأول مناطقها تضرراً هي منطقة «القرن الأفريقي» التي يمكن وصفها بأنها الخاصرة الرخوة للقارة.
ولقد استفادت حركة الشباب الصومالية من حالة الوهن والضعف التي يعاني منها الجيش الصومالي، فخلال الأسابيع الماضية تمكن مقاتلون من الحركة الإرهابية من السيطرة على منطقة من إقليم «شبيلى السفلى» المجاور للعاصمة مقديشو، وذلك بعد أن انسحبت منها كتيبة من الجيش، يرفض جنودها البقاء في مراكزهم بسبب تأخر رواتبهم لعدة أشهر.
وتعد هذه المنطقة محورية بسبب مرور الطريق الساحلي منها، وهو الطريق الرابط بين العاصمة مقديشو ومدينة «مركا»، عاصمة وكبرى مدن إقليم «شبيلى السفلى»، ولكن تخلي الجيش عنها يكشف عمق الأزمة التي يعاني منها الصومال، وهي أزمة تبدأ من هرم السلطة لتصل إلى عمق المؤسسة العسكرية، ما تستغله الحركة الإرهابية لصالحها من أجل تحقيق مكاسب وانتصارات على الأرض، والتطلع نحو استعادة السيطرة على العاصمة مقديشو، التي لا يكاد يمر يوم من دون أن تشهد هجوماً دامياً.
لا تخفي الحركة الإرهابية خططها لاستعادة السيطرة على مقديشو، أكبر مدن الصومال وأهمها (2.2 مليون نسمة)، فعلى الرغم من أن الحركة أخرجت بالقوة من المدينة قبل ست سنوات، فإنه قبل عدة أشهر ظهر قيادي بارز في الحركة وهو يتجول في مقديشو، ويحضر نشاطاً لتوزيع الزكاة على السكان وسط المدينة، ما يؤكد تمتعها بحاضنة شعبية لم تنجح الحكومة في اختراقها.

هجمات أكثر تنظيماً ودموية
وبدا واضحاً أن هجمات الحركة الإرهابية أصبحت أكثر تنظيماً ودموية، وتستخدم تكتيكات متطورة جديدة على أساليب الحركة، من ضمنها تفجير العبوات الناسفة، والكمائن على القوافل، والهجمات الانتحارية، والسيارات المفخخة، بالإضافة إلى الاغتيالات وعمليات التصفية، وأكثر من نصف هجماتها خلال العام الماضي استهدف مواقع ترمز لسيادة الدولة كالوزارات والجيش والشرطة، في محاولة لزعزعة ثقة الصوماليين في دولتهم التي تعاني من أزمات خانقة، كما تريد الحركة أن تثير الرعب في صفوف جنود الجيش وعناصر الشرطة.
وتستفيد الحركة الإرهابية من حالة التجاذب السياسي التي تشهدها الصومال، في ظل توتر العلاقة بين الحكومة الفيدرالية في مقديشو والولايات الإقليمية، وهي أزمة تعيق الرفع من مستوى التنسيق لمحاربة الإرهاب في الصومال، فالولايات الإقليمية تتهم الحكومة المركزية بالسعي نحو قلب الأنظمة الفيدرالية، بينما لا تبذل الحكومة المركزية أي جهد لتكذيب هذه التهمة، بل إنها تتخذ قرارات تعزز تلك الشكوك، على غرار مساعيها لتشكيل قوات مشتركة تقلص نفوذ الولايات، هذا الشرخ الحاصل بين مقديشو والولايات الأخرى منح الحركة الإرهابية مساحة تتحرك فيها.
يقول رولاند مارشال، وهو خبير وباحث في شؤون القرن الأفريقي، إن «حركة الشباب الصومالية تزيد قوتها لأن من يحاربونها على الأرض أكثر ضعفاً وأقل تنظيماً»، في إشارة إلى مستوى الضعف الذي تعاني منه السلطات المركزية في الصومال، ويضيف الباحث أنه «منذ انتخاب الرئيس الحالي مطلع عام 2017، ومقديشو لم تضع أي استراتيجية على المدى البعيد لمحاربة حركة الشباب».
ويذهب الباحث إلى أبعد من ذلك حين يؤكد أن الرئيس الصومالي الجديد محمد عبد الله محمد ارتكب الكثير من الأخطاء على غرار «تسييسه لوكالات الأمن الوطني، ما قلص من فعاليتها، لأنها فقدت ثقة المواطنين فيها، ثقة كانت تتمتع بها الحكومة السابقة».

حرب الأميركيين
وإن كان الصوماليون يواجهون مشكلات كبيرة في حربهم على حركة الشباب المجاهدين، إلا أن قوات دولية تساعدهم في تلك الحرب، على غرار الأميركيين الذين يشكلون رأس الحربة في مواجهة الحركة الإرهابية، فقد شنت الطائرات الأميركية أكثر من 100 غارة جوية ضد مقاتلي الحركة منذ أوائل عام 2017، فقد تضاعف النشاط العسكري الأميركي في الصومال عدة مرات منذ وصول دونالد ترمب إلى الحكم، وهو الذي أعلن جنوب الصومال «منطقة عمليات عدائية فعلية».
وقد أثمرت الاستراتيجية الأميركية الجديدة في الصومال 34 غارة في الصومال خلال الأشهر التسعة الأخيرة من 2017، أي أكثر مما كانت عليه في الفترة من 2012 إلى 2016، وفي العام الماضي وصلت إلى 47 غارة، أما في الشهرين الماضيين فقد وصلت إلى 24 غارة، ما يؤكد تصاعد الحرب الأميركية على حركة الشباب المجاهدين في الصومال، وهو ما يأتي في وقت تصمت الأسلحة الأميركية في سوريا وأفغانستان، ويتحدث الأميركيون عن تقليص نشاطهم العسكري في الخارج.
وتشير الكثير من التقارير إلى أن الأميركيين استخدموا في غاراتهم طائرات من طراز (AC - 130)، وهي طائرة تستخدم عادة في الدعم الجوي المباشر للمشاة، وليست معهودة لشن غارات جوية خاطفة ومعزولة، ما يرجح إمكانية انخراط الأميركيين في عمليات على الأرض، في ظل وجود 500 من عناصر القوات الخاصة الأميركية في الصومال، يتولون مهمة تدريب القوات الصومالية على محاربة الإرهاب، وتحسين قدراتهم على مواجهة حركة «الشباب».
وتقول القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) إنها «بالتنسيق مع الحكومة الفيدرالية في الصومال، نفذت ضربات جوية ضد مقاتلي حركة الشباب وذلك من أجل تدمير قدرتهم الحركة على التخطيط لعمليات إرهابية وتنفيذها ضد شعب الصومال»، والضربات الجوية الأميركية لم تعتد تقتصر على ذوي القيمة العالية من بين كبار قادة حركة الشباب، وإنما أصبحت تستهدف أي مقاتل من حركة الشباب، ما ضاعف من عدد القتلى، كما قلص الأميركيون من سلسلة إجراءات السماح بالقصف عن طريق طائرات «الدرون»، ليصبح الأمر سريعاً وسلساً وفعالاً.
وبحسب وثيقة رسمية تم نشرها في العشرين من شهر مارس (آذار) الجاري، فإن الجيش الأميركي باستخدام القصف الجوي، المنفذ في الغالب عن طريق طائرات «درون»، تمكن من القضاء على 800 إرهابي، منذ يونيو (حزيران) 2017، وهو ضعف ما قتله الجيش الأميركي في الصومال، خلال ولايتين رئاسيتين قضاهما باراك أوباما في البيت الأبيض، من 2009 وحتى 2017.
وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أعلن تقليص مستوى النشاط العسكري الأميركي في القارة الأفريقية، وفي الكثير من مناطق العالم (سوريا وأفغانستان)، فإن ما يحدث في الصومال على العكس من ذلك، فالأميركيون يضاعفون أنشطتهم العسكرية في هذه المنطقة من العالم، وقال مؤخراً قائد «أفريكوم» الجنرال توماس والدهزير: «إننا نحتفظ بقدرتنا على التدخل في هذه المنطقة».
وهناك حديث عن خطط جديدة لدى واشنطن ستفضي إلى تقليص نشاطها العسكري في الصومال، وخاصة ضرباتها الجوية ضد حركة «الشباب»، بدعوى أن الحركة الإرهابية لا تشكل خطرا مباشرا على الولايات المتحدة، رغم أنها لا تزال تمثل تهديدا للحكومة الصومالية والدول المجاورة، ونقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤوليْن أميركيين قولهما إن «وكالة الاستخبارات الأميركية ستتولى مسؤولية قصف العناصر الإرهابية في الصومال بدلا من الجيش الأميركي، في إطار الخطة الجديدة». ولكن انخراط الأميركيين المباشر في الحرب على «حركة الشباب» في الصومال، ووجود قوات أفريقية يبلغ قوامها 22 ألف جندي، كل ذلك لم يمنع حركة الشباب المجاهدين من التمدد خلال الأشهر الأخيرة، فقد تضاعفت هجماتها في مدينة مقديشو ومحيطها القريب، كما احتفظت الحركة بالسيطرة على نحو خمس مساحة البلاد، وهي في أغلبها مناطق ريفية، ويبلغ عدد مقاتلي الحركة ما بين 7 و9 آلاف مقاتل، من ضمنهم نحو ألف مقاتل أجنبي، من باكستان ودول عربية.

ولاء لـ«القاعدة»
تعد حركة «الشباب» في الصومال واحدة من الحركات الإرهابية التي احتفظت ببيعتها لتنظيم «القاعدة»، رغم الصعود القوي لتنظيم ««داعش»» الإرهابي خلال السنوات الأخيرة، ومبايعته من طرف تنظيمات إرهابية كثيرة في أفريقيا، على غرار جماعة «بوكو حرام» النيجيرية، إلا أن حركة «الشباب» ظلت متمسكة بتبعيتها لتنظيم «القاعدة»، رغم ما أصاب الأخير من وهن وضعف.
وتأسست حركة الشباب عام 2006 بصفتها «الذراع العسكري» لاتحاد المحاكم الإسلامية، وهو الاتحاد الذي كان يسيطر على العاصمة الصومالية مقديشو آنذاك، ويحاول فرض تطبيق فهم متشدد للشريعة، وقد نجحت الحركة الشابة في تحقيق انتصارات على الأرض، ولكنها سرعان ما تكبدت الخسائر بعد تدخل عسكري إثيوبي مدعوم من قوات الاتحاد الأفريقي التي استعادت السيطرة على العاصمة مقديشو عام 2008.
وتبعية حركة «الشباب» لتنظيم «القاعدة» طبخت لسنوات على نار هادئة، فمنذ 2006 وحتى 2009 ظل الوسطاء يتحركون بين الطرفين، حتى انتهت هذه الاتصالات بإعلان حركة الشباب مبايعتها لتنظيم «القاعدة» الإرهابي بشكل رسمي، وهو الولاء الذي تجدد تأكيده عام 2014، عندما قتل الأميركيون في غارة جوية زعيم الحركة «أحمد عمر أبو عبيدة»، وتم تنصيب قائد جديد كانت مهمته الأولى هي إعلان الولاء لتنظيم «القاعدة».
اليوم قامت الحركة بتجديد خطابها لتجنيد أكبر عدد ممكن من المقاتلين الشباب في الصومال، مستغلة وجود قوات أجنبية على الأراضي الصومالية، وانتشار الفساد والفقر والجهل والمرض، وهي بيئات خصبة لمثل هذا النوع من التنظيمات الإرهابية، وفق ما يقول الخبراء، ولكن الأهم هو أن حركة الشباب المجاهدين استفادت من الخسائر الكبيرة التي تكبدتها الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، والتي أدت إلى فرار آلاف المقاتلين الأجانب، تشير التقارير إلى أن أغلبهم توجه نحو القارة الأفريقية، المركز الجديد للحرب العالمية على الإرهاب.



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.