وزير المال متفاهم مع الحريري على إجراءات لخفض عجز الموازنة

تلازُم الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد ضروري لتمديد الإفادة من «سيدر»

TT

وزير المال متفاهم مع الحريري على إجراءات لخفض عجز الموازنة

لم يتردّد رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، في تعاطيه بجدية إلى أقصى الحدود مع التحذير الذي أطلقه نائب رئيس البنك الدولي فريد بلحاج، في جولته على أركان الدولة، من عدم ارتقاء الحكومة إلى المستوى المطلوب في تحقيق الإصلاحات المالية والإدارية التي تشكل الممر الإلزامي لوضع لبنان على السكة الصحيحة للإفادة من مقررات مؤتمر «سيدر» لمساعدته للنهوض من أزماته الاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما ظهر جلياً من خلال اللقاءات الماراثونية التي عقدها الحريري مع وزير المال علي حسن خليل، من أجل الوصول إلى تفاهم غير قابل للنقض يدفع في اتجاه ترشيق الموازنة للعام الحالي بغية خفض العجز فيها الذي يؤدي إلى خفض تدريجي لخدمة الدين العام.
ومن نتائج هذه اللقاءات ما قاله وزير المال أخيراً إنه ورئيس الحكومة على موجة واحدة في نظرتيهما إلى التدابير والإجراءات الرامية إلى خفض العجز في الموازنة، إنما حسابياً هذه المرة وليس ورقياً.
لكن التفاهم بين الحريري وخليل يبقى في حاجة إلى تكريسه في مشروع الموازنة الذي يستدعي، كما قال مصدر وزاري لـ«الشرق الأوسط»، الارتفاع إلى مستوى المسؤولية وصولاً إلى إعلان حالة من التضامن الوطني يشارك فيها الجميع بعيداً عن الحسابات السياسية الضيقة والمزايدات الشعبوية التي لا تخدم الالتفات إلى التحذير الذي أطلقه بلحاج.
ويلفت المصدر الوزاري إلى أن التعامل بمسؤولية مع ما قاله بلحاج من شأنه أن يقطع الطريق على تفويت الفرصة المتاحة للبنان للإفادة من مؤتمر «سيدر»، خصوصاً أن المجتمع الدولي لا يمانع ولو لمرة واحدة وبصورة استثنائية في تمديد هذه الفرصة لفترة زمنية محدودة. ويشدد المصدر على أهمية التلازم بين مكافحة الفساد ووقف الهدر وبين الإصلاحات المالية والإدارية، ويؤكد أنه لا إمكانية للفصل بينهما لأنهما يصبّان أولاً وأخيراً في الاتجاه الصحيح لإنقاذ لبنان قبل فوات الأوان.
ويرى أن الحكومة اللبنانية تقف حالياً أمام استحقاق مصيري يتطلب منها اتخاذ إجراءات وتدابير موجعة يراد منها تهيئة البلد للدخول في مرحلة جديدة عنوانها شد الحزام، شرط ألا يقتصر دفع الأثمان على السواد الأعظم من اللبنانيين بغية تفادي الاقتراب من الهاوية بدلاً من توفير الشروط لمنعه من السقوط لاحقاً فيها.
ويتوقف المصدر الوزاري أمام الصحوة المفاجئة التي يراد منها مكافحة الفساد ووقف الهدر لمصلحة تشديد الرقابة على الإنفاق العام، ويقول إن هذه الصحوة ضرورية وإن جاءت متأخرة، لكنه يحذّر من إقحام المؤسسات والإدارات العامة في مبارزةٍ أقل ما يقال فيها إنها استعراضية لا لزوم لها. ويشدد على دور الأجهزة الأمنية والقضائية والرقابية في هذا المضمار بعيداً عن العراضات الأمنية والعسكرية التي لم يكن بعض الأجهزة الأمنية في حاجة إليها. في إشارة إلى أنه لم تكن هناك ضرورة لما حصل أخيراً في دائرة الميكانيك وتسجيل السيارات في الدكوانة، وكان الأجدى التقيُّد بالأصول وملاحقة المشتبه بهم بصمت بعيداً عن الأضواء.
ولا يتردد المصدر في التنويه بدور «شعبة المعلومات» التابعة لقوى الأمن الداخلي وبفاعليتها في إعداد الملفات الموثّقة والتحقيقات المقرونة بالأدلة تمهيداً لإحالتها إلى النيابات العامة المالية المسؤولة عن تحديد المسؤول عن هدر المال العام. ويؤكد أن «شعبة المعلومات» كغيرها من الأجهزة تعمل من دون ضجة لتحقيق الأمن الاجتماعي بعد أن نجحت في وضع اليد على معظم الشبكات الإرهابية والتفجيرية وإحالتها إلى القضاء المختص.
ترشيق الموازنة وإصلاحات
وبالنسبة إلى ترشيق الموازنة، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر وزارية أن لقاءات الحريري - خليل أدت إلى التوافق على إعداد رزمة من الإصلاحات المالية يُفترض أن تتلازم مع إصلاحات إدارية لئلا يتعامل معها البعض وتحديداً المجتمع الدولي على أنها موسمية للإفادة من توظيف مقررات مؤتمر «سيدر» لمساعدة لبنان للنهوض من أزماته الاقتصادية والاجتماعية.
ويعتقد المصدر أن الاجتماعات المفتوحة التي تعقدها اللجنة الوزارية برئاسة الحريري لمناقشة خطة الكهرباء التي أعدتها وزيرة الطاقة ندى البستاني، يجب أن تنتهي إلى تفاهم، وتقول إنّ الحريري وإنْ كان يحرص على ضرورة تأمين التوافق حولها، فإنه في المقابل لا يحبّذ الإبقاء على بعض النقاط من الخطة عالقة لإحالتها إلى مجلس الوزراء للبت فيها، خصوصاً أن جميع المكونات التي تتشكل منها الحكومة ممثَّلةٌ في اللجنة. ويرى أن التوصل إلى إنجاز خطة الكهرباء يشكل أول اختبار ميداني لجدية الحكومة في خفض العجز في هذا القطاع الذي سيُدرج في صلب التدابير التي يراد منها ترشيق الموازنة التي تتيح للبنان أن يتقدّم للمجتمع الدولي بأوراق اعتماده التي تدفع في اتجاه إطلاقه الضوء الأخضر للدول والمؤسسات التي كانت وراء القرارات التي صدرت عن «سيدر».
ومع أن المصدر نفسه يستبعد، من خلال ما توفر له من معطيات، أن يأتي مشروع الموازنة على إعادة النظر في التدبير رقم «3» الذي تستفيد منه الأسلاك الأمنية والعسكرية لجهة منح العاملين فيها ثلاثة أشهر كتعويض في مقابل سنة خدمة، وأيضاً في سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام من دون أن يعني المس ببعض التقديمات التي يمكن لجميع هؤلاء أن يتحمّلوها، لكنه يتوقّع إعادة النظر في رواتب أركان الدولة والوزراء والنواب الحاليين والسابقين ممن يتقاضون تعويضات مالية شهرية تخضع لعدد الدورات النيابية التي أمضوها تحت قبة البرلمان، إضافة إلى إمكانية خفض عدد السفارات اللبنانية في الخارج سواء بالنسبة إلى العاملين فيها أو إلى بعض السفارات التي لا ضرورة لوجودها، ويمكن لسفارات أخرى تقع في دول قريبة منها أن تقوم بمهامها.
كما يتوقع المصدر الوزاري خفض الزيارات إلى الخارج، وتحديداً للوزراء للمشاركة في مؤتمرات تُعقد هناك شرط أن تبقى محصورة بالضروري منها وأن ينوب عنهم السفراء لتمثيل لبنان فيها. ويشدّد أيضاً على تعزيز دور أجهزة الرقابة وتفعيل دور القضاء في إعادة الانتظام لمؤسسات الدولة وإداراتها خصوصاً، وأمام مجلس القضاء الأعلى مسؤولية في محاسبة من يثبت ضلوعهم في الاتهامات الموجّهة حالياً إلى المشتبه فيهم بهدر المال العام، ويرى أن هناك أكثر من ضرورة لدور دائرة المناقصات في تلزيم المشاريع، وأنه لا مانع من تعديل بعض القوانين التي ترفع منسوب مراقبتها لها، لقطع الطريق على الرشى والتأكد من إنجازها وفقاً للمواصفات الواردة في دفاتر الشروط.
ويسأل المصدر عن دوافع الإبقاء على الإعفاءات الجمركية بشكل فضفاض لأن البعض يوظّفها لحسابه الخاص تحت ستار خدمة المنفعة العامة، ويكشف أن عدم وضع ضوابط صارمة لها يؤدي إلى خفض واردات الخزينة على كل ما هو مستورد من الخارج على خلفية عدم سريان إلزام هؤلاء المستوردين بدفع ضرائب ورسوم بذريعة أنها تابعة لجمعيات خيرية وينطبق عليها ما ينطبق على الهبات التي تقدّم للدولة من مؤسسات ودول. ويرى أن هناك ضرورة للتدقيق في تحصيل الضريبة على القيمة المضافة (T.V.A) لأن هناك من يلتفّ على تطبيقها بذريعة إعادة تصدير ما استورده من الخارج وأحياناً بعيداً عن التدقيق في البيانات.
وأخيراً يشدد المصدر الوزاري على ضبط استيراد البضائع سواء عبر مطار بيروت أو المرفأ لوقف عمليات التهريب، إضافة إلى ضبط الحدود اللبنانية المتاخمة لسوريا وتحديداً في البقاعين الشرقي والشمالي، إضافة إلى إعادة النظر في الجسم الإداري العامل في القطاع العام نظراً لوجود فائض بات يكبّد الخزينة تكاليف مالية باهظة زادت أخيراً بنسبة عالية بسبب معظم التوظيفات التي سبقت إجراء الانتخابات النيابية في مايو (أيار) الماضي.
ويبقى السؤال: هل تُترجَم الصحوة حتى لو جاءت متأخرة ويراد منها ترشيق الموازنة إلى خطوات ملموسة أم تبقى حبراً على ورق ما يُنذر باقتراب لبنان من الكارثة؟



«حماس» ترفض اتهامات «العفو الدولية» بارتكاب جرائم ضد الإنسانية

عناصر من «حماس» برفقة أعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر يتوجهون إلى حي الزيتون في مدينة غزة للبحث عن رفات الرهائن المتوفين (أ.ب)
عناصر من «حماس» برفقة أعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر يتوجهون إلى حي الزيتون في مدينة غزة للبحث عن رفات الرهائن المتوفين (أ.ب)
TT

«حماس» ترفض اتهامات «العفو الدولية» بارتكاب جرائم ضد الإنسانية

عناصر من «حماس» برفقة أعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر يتوجهون إلى حي الزيتون في مدينة غزة للبحث عن رفات الرهائن المتوفين (أ.ب)
عناصر من «حماس» برفقة أعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر يتوجهون إلى حي الزيتون في مدينة غزة للبحث عن رفات الرهائن المتوفين (أ.ب)

رفضت حركة «حماس»، الخميس، التقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية، والذي اتهمتها فيه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، واعتبرت أن ما ورد فيه ما هو إلا «أكاذيب»، وأن الدوافع خلفه «مغرضة ومشبوهة»، فيما قالت إسرائيل إن التقرير لا يعكس الحجم الواسع لهذه الجرائم.

خلص تقرير جديد لمنظمة العفو الدولية إلى أن «حماس» ارتكبت جرائم ضد الإنسانية خلال هجومها على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وبحق الرهائن الذين احتجزتهم في قطاع غزة.

وقالت المنظمة التي تتخذ من لندن مقراً إن تقريرها الذي نُشر الأربعاء حلّل أنماط الهجوم والاتصالات بين المقاتلين أثناء الهجوم، وبيانات أصدرتها حركة «حماس»، وتصريحات من قادة جماعات مسلحة أخرى.

ووفقاً لـ«رويترز»، أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع 70 شخصاً، منهم ناجون وعائلات قتلى وخبراء طب شرعي وعاملون احترافيون في القطاع الطبي، وزارت بعض مواقع الهجوم، وراجعت أكثر من 350 مقطع فيديو وصورة فوتوغرافية لمشاهد الهجوم وللرهائن أثناء أَسرهم. وخلص تحقيق المنظمة إلى أن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية شملت القتل والإبادة والسجن والتعذيب والاغتصاب، إضافة إلى أشكال أخرى من الاعتداء الجنسي والأفعال اللاإنسانية.

وقالت المنظمة في بيان: «ارتُكبت هذه الجرائم في إطار هجوم واسع النطاق وممنهج على سكان مدنيين. خلص التقرير إلى أن المقاتلين تلقوا تعليمات بتنفيذ هجمات تستهدف مدنيين».

ووفقاً لإحصاءات إسرائيلية، ولمنظمة العفو الدولية، قُتل نحو 1200 معظمهم من المدنيين، في هجوم «حماس»، وجرى احتجاز 251 رهينة، من بينهم أطفال. وجرى الإفراج عنهم جميعاً باستثناء واحد منذ ذلك الحين، معظمهم في إطار وقف إطلاق النار، وبعضهم في عمليات عسكرية إسرائيلية.

وخلص تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية في ديسمبر (كانون الأول) 2024 إلى أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة. ورفضت إسرائيل اتهامات الإبادة الجماعية، وقالت إن حربها ضد «حماس» وليس ضد الفلسطينيين.

رفض «حماس»

وقالت «حماس» في بيان: «ترديد التقرير أكاذيب ومزاعم حكومة الاحتلال حول الاغتصاب والعنف الجنسي وسوء معاملة الأسرى، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هدف هذا التقرير هو التحريض وتشويه المقاومة عبر الكذب وتبني رواية الاحتلال الفاشي، وهي اتهامات نفتها العديد من التحقيقات والتقارير الدولية ذات العلاقة».

وذكرت «حماس»: «نرفض ونستهجن بشدة التقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية، والذي يزعم ارتكاب المقاومة الفلسطينية جرائم». وأضافت: «نطالب منظمة العفو الدولية بضرورة التراجع عن هذا التقرير المغلوط وغير المهني».

ولم يعلق المسؤولون الإسرائيليون بعدُ على تقرير المنظمة.

«لا يعكس حجم الفظائع»

من جهتها، قالت إسرائيل إن التقرير لا يعكس الحجم الواسع لهذه الجرائم.
وكتب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية أورين مارمورشتاين على منصة «إكس»: «احتاجت منظمة العفو الدولية إلى أكثر من عامين للحديث عن جرائم حماس الشنيعة، وحتى الآن لا يعكس تقريرها إلى حد بعيد حجم الفظائع المروعة لحماس»، متهماً المنظمة الحقوقية بأنها «منظمة منحازة».


العليمي يدعو لاحتواء التصعيد في شرق اليمن ويشيد بدور السعودية

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
TT

العليمي يدعو لاحتواء التصعيد في شرق اليمن ويشيد بدور السعودية

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، رشاد العليمي، الخميس، القوى السياسية والقبلية والاجتماعية في محافظتي حضرموت والمهرة (شرق) إلى توحيد الصف خلف جهود الدولة والسلطات المحلية، بهدف احتواء تداعيات التصعيد الأمني والعسكري في المحافظتين.

وفي حين أشاد العليمي بالدور السعودي لإنهاء التوتر، حذر من انعكاسات هذه التوترات على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، التي بدأت مؤشراتها بالظهور، مع إعلان صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته الحيوية في اليمن نتيجة تفاقم البيئة الأمنية.

ونقل مصدر في مكتب رئاسة الجمهورية أن العليمي شدّد، خلال اتصالَين هاتفيَين مع محافظَي حضرموت سالم الخنبشي، والمهرة محمد علي ياسر، على ضرورة انسحاب جميع القوات الوافدة من خارج المحافظتين، وتمكين السلطات المحلية من أداء دورها الأمني والخدمي وفقاً للدستور والقانون.

كما أعاد التأكيد على توجيهاته السابقة بإجراء تحقيق شامل في جميع انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بما وصفها بـ«الإجراءات الأحادية» للمجلس الانتقالي الجنوبي، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، مع التشديد على مبدأ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وحذّر العليمي من خطورة أي تصعيد إضافي قد يؤدي إلى إراقة مزيد من الدماء ويعمّق الأزمة الاقتصادية والإنسانية، مشدداً على أن الأولوية الوطنية يجب أن تبقى منصبّة على مواجهة الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، باعتبارها التهديد الأكبر للأمن والاستقرار.

وأشاد بجهود السعودية في خفض التوتر ودعم الاستقرار في محافظتَي حضرموت والمهرة، مؤكداً دعم الدولة الكامل لهذه الجهود، وحرصها على تعزيز دور السلطات المحلية في حماية السلم الاجتماعي ورعاية مصالح المواطنين.

إعادة الأمور إلى نصابها

حسب المصدر الرئاسي، شدد العليمي على ضرورة إعادة الأوضاع في المحافظتين إلى ما كانت عليه قبل التصعيد، واحترام مرجعيات المرحلة الانتقالية، وتمكين الحكومة والسلطات المحلية من أداء واجباتها الدستورية.

وحذر رئيس مجلس القيادة الرئاسي من أن الأوضاع المعيشية الصعبة التي يمر بها المواطنون «لا تحتمل فتح مزيد من الجبهات الداخلية»، داعياً جميع الأطراف إلى تغليب المصلحة العامة وعدم التفريط بالمكاسب الوطنية المحققة خلال السنوات الماضية، بما يضمن تركيز الجهود على المعركة الرئيسية ضد الحوثيين والتنظيمات الإرهابية المتخادمة معهم.

وتأتي دعوة العليمي في سياق أوسع من الرفض للإجراءات الأحادية في الشرق. فقد أصدر مجلس النواب بياناً عبّر فيه عن رفضه القاطع لأي تحركات عسكرية خارج إطار التوافق الوطني والمرجعيات السياسية، معتبراً التطورات الأخيرة «مخالفة صريحة للشرعية الدستورية وصلاحيات مجلس القيادة الرئاسي».

وفد سعودي زار حضرموت في شرق اليمن للتهدئة وتثبيت الاستقرار (سبأ)

وكان اللواء محمد القحطاني، الذي ترأس وفداً سعودياً زار حضرموت، قد شدد على أن الرياض ترفض «أي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة» في المحافظتين، وتؤيد عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل التصعيد.

وأكد القحطاني أن السعودية، بصفتها قائدة لتحالف دعم الشرعية، تعمل على حلّ الأزمة عبر حزمة من الإجراءات تم الاتفاق عليها مع مختلف الأطراف، بما يشمل المجلس الانتقالي الجنوبي.

وأوضح أن هذه الإجراءات تهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار، ومنع انزلاق شرق اليمن إلى صراعات جديدة. ووفق الإعلام الرسمي اليمني، فقد شملت مباحثات الوفد ترتيبات عاجلة للتهدئة ووقف التحشيدات، بالتوازي مع دعم السلطات المحلية وتمكينها من أداء مهامها.


الأمم المتحدة تطلب 2.5 مليار دولار للاحتياجات الإنسانية في اليمن

مجموعة من الصبية النازحين يتجمعون داخل مخيم مؤقت وسط طقس بارد في صنعاء (إ.ب.أ)
مجموعة من الصبية النازحين يتجمعون داخل مخيم مؤقت وسط طقس بارد في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الأمم المتحدة تطلب 2.5 مليار دولار للاحتياجات الإنسانية في اليمن

مجموعة من الصبية النازحين يتجمعون داخل مخيم مؤقت وسط طقس بارد في صنعاء (إ.ب.أ)
مجموعة من الصبية النازحين يتجمعون داخل مخيم مؤقت وسط طقس بارد في صنعاء (إ.ب.أ)

حذّرت الأمم المتحدة من اتساع غير مسبوق في رقعة الاحتياجات الإنسانية باليمن خلال العام المقبل، مؤكدة أن البلاد تتجه نحو إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم ما لم يتوفر التمويل العاجل لخطة الاستجابة.

وأظهر أحدث البيانات الأممية أن 23.1 مليون يمني (نحو ثلثي السكان) سيحتاجون إلى مساعدات منقذة للحياة، في وقت أعلنت فيه المنظمة الدولية حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لتمويل خطة لن تصل إلا إلى أقل من نصف هذا العدد.

وجاء هذا التحذير في سياق نداء تمويلي جديد شددت فيه الأمم المتحدة على أن خطة الاستجابة للعام المقبل ستستهدف فقط 10.5 مليون شخص، وأن التدخلات ستركز بشكل صارم على الجوانب الأشد إلحاحاً، مثل منع المجاعة، وعلاج سوء التغذية، واحتواء تفشي الأمراض، خصوصاً في المناطق النائية والمحرومة من الخدمات.

إلا إن الخطة لم تقدم توضيحات بشأن كيفية تنفيذ الأنشطة في مناطق سيطرة الحوثيين التي تشهد قيوداً متصاعدة، بعد أن أغلقت الجماعة مكاتب تابعة للأمم المتحدة ومنظمات دولية منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، واعتقلت العشرات من موظفيها، بينهم 59 موظفاً أممياً.

23.1 مليون يمني سيكونون دون مساعدات مع حلول العام الجديد (إعلام محلي)

وفي سياق استعراضها الأوضاع، أكدت الأمم المتحدة أن استمرار الصراع، وتدهور الاقتصاد، والصدمات المناخية، إلى جانب القيود المفروضة على الوصول الإنساني، ونقص التمويل... كلها عوامل عمّقت الاحتياجات الإنسانية بدرجة غير مسبوقة.

وكشفت بيانات خطة الاستجابة عن وجود 18.1 مليون شخص يواجهون بالفعل انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، منهم 5.8 مليون شخص يعيشون مستويات جوع طارئة، و40 ألف شخص معرضون لخطر المجاعة المباشرة.

كما يعاني 2.5 مليون طفل دون الخامسة و1.3 مليون امرأة حامل ومرضعة من سوء التغذية الحاد، وسط تراجع كبير في برامج التغذية والدعم الغذائي خلال الأشهر الماضية.

تفاقم انهيار الخدمات

أوضحت الأمم المتحدة أن الخدمات الحيوية، مثل الرعاية الصحية، والمياه، والصرف الصحي، والمأوى... تعرضت لانهيار كبير خلال العامين الماضيين، مشيرة إلى أن 8.41 مليون شخص يواجهون صعوبة في الحصول على الرعاية الصحية الأساسية، فيما يعيش 15 مليوناً في ظل انعدام الأمن المائي، ويُحرم 17.4 مليون شخص من خدمات الصرف الصحي والنظافة.

كما تسبب ضعف البنية الأساسية والاجتماعية في زيادة الاحتياج إلى خدمات الحماية لأكثر من 16 مليون شخص، بينهم 4.7 مليون نازح داخلي يتوزعون على مئات المخيمات ومواقع النزوح، إلى جانب 6.2 مليون شخص (غالبيتهم نساء وفتيات) يحتاجون إلى خدمات الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي.

1.3 مليون يمنية يواجهن سوء التغذية الحاد مع تراجع الدعم الدولي (إعلام محلي)

ويضاف إلى ذلك 2.6 مليون طفل خارج المدرسة؛ بسبب النزوح، والفقر، والتدهور المستمر في البنية التعليمية، فيما تأثر أكثر من 1.5 مليون شخص بالصدمات المناخية، مثل الفيضانات والعواصف خلال العام الحالي.

وتوضح هذه المؤشرات أن الوضع في اليمن يسير نحو مزيد من الانهيار ما لم يُتعامل معه بحزمة عاجلة من التمويل والتدخلات الميدانية، مع رفع القيود التي تعرقل وصول المساعدات إلى الفئات الأضعف.

قيود الحوثيين

ومنذ أغسطس (آب) الماضي، تضاعفت القيود التي يفرضها الحوثيون على أنشطة الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الأخرى في مناطق سيطرتهم، حتى وصلت إجراءاتهم إلى اقتحام مكاتب أممية ومصادرة أصولها وإغلاقها؛ مما أدى إلى توقف برامج أساسية، مثل «برنامج الأغذية العالمي» الذي كان يوفر مساعدات لنحو 13 مليون يمني.

وتقول الأمم المتحدة إن هذه الإجراءات حرمت ملايين اليمنيين من التدخلات الأساسية، خصوصاً مع تقييد حركة العاملين الإنسانيين واعتقال موظفين أمميين منذ فترات طويلة دون إجراءات قانونية.

الحوثيون أغلقوا مكاتب الأمم المتحدة واعتقلوا 59 من موظفيها (إعلام محلي)

وفي هذا السياق، جدد الأمين العام للأمم المتحدة الإعراب عن «قلقه البالغ» من استمرار احتجاز الحوثيين 59 من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات العاملين في منظمات غير حكومية وبالمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

وقال المتحدث باسمه، ستيفان دوجاريك، إن المحتجزين يخضعون للعزل عن العالم الخارجي؛ «بعضهم منذ سنوات»، دون أي إجراءات قانونية، في انتهاك واضح للقانون الدولي الذي يكفل لهم الحصانة، خصوصاً بشأن مهامهم الرسمية.

ودعا دوجاريك سلطات الحوثيين إلى التراجع عن إحالة هؤلاء الموظفين إلى محكمتهم الجنائية الخاصة، والعمل فوراً وبحسن نية على الإفراج عن جميع المحتجزين من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والسلك الدبلوماسي.

وأكد أن الأمم المتحدة ستظل ملتزمة دعم الشعب اليمني وتقديم المساعدات الإنسانية «وفق مبادئ الحياد وعدم التحيز»، رغم التحديات الكبيرة التي تواجه عملها في البلاد.