طقس أبريل يميل إلى الكوميديا في مصر والرعب في أميركا

حكاية الفيل الطّائر لم تطر بعيداً في عروضه الأميركية. الارتفاع عن أرض الواقع كان عالياً، لكنّ ارتفاع الفيلم عن إيرادات سواه كان عادياً إلى منخفض.‬
اسم الفيل «دمبو»، وهو عنوان الفيلم المأخوذ عن فيلم كرتوني طويل أنتجته «ديزني» سنة 1941، عندما كانت معنية بصنع أفلام للصّغار فعلاً. احتوى على 64 دقيقة من حكاية ذلك الفيل الصغير الذي يطير والحيوانات الأخرى التي تستنجد به لحل أزماتها.
حينها، تقول مجلة «ذا فيلم دايلي»، في عددها الصّادر في نوفمبر (تشرين الثاني) من سنة 1941، «كل دقيقة تحمل بهجة صرفة». وتضيف مجلة «فارايتي» في نقدها له: «شركة ديزني تعود إلى البهجة التي أثارها (فيلمها السابق) (سنو وايت)، والنتيجة مُحكمة بحيث سيكون من الخطأ تفويت مشاهدة ذلك الفيلم».
بعد 78 سنة يبدو الفيلم الجديد خالياً من مفعول التجديد في حكايته، ونضج في استخدام مؤثراته الخاصة. هناك مشاهد يعلو فيها فعل الإدهاش مذكراً بما كان لمخرجه تيم بيرتون من تأثير في منحى السينما الفانتازية، وبقدرته على توظيف خياله بذكاء، لكن المشاهد التي يهبط فيها الفيلم إلى مجرد روتينيات عمل أكثرَ. إنّه كما لو أن «الفأر» الرامز لاستديو «وولت ديزني»، غلب «الفيل» الذي أراده بيرتون. بكلمات أخرى غلبت المؤسسة وطريقتها في التنفيذ مواهب المخرج الذي أراد أن يختلف لكنّه أذعن للتّقليد.
حكاية «لايكا»
هكذا، وبعد دفن 170 مليون دولار في صنعه، انجلت أرقام «الويك إند» الأول للفيلم عن 45 مليون دولار في كل من الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. حتى يطير «الفيل» عالياً، كما يصوّره الفيلم، عليه أن يتجاوز إيراده 550 مليون دولار. إن وصل إليها يكون حقق نجاحاً بسيطاً.
لكنّ «ديزني» لم تخطئ في اختيار الوقت المناسب. فهي أول من يدلي بدلوه بين الاستديوهات الأخرى بالنسبة للأفلام الفانتازية الحية هذا الشّهر. علماً بأنّنا على بعد أيام قليلة فقط من إطلاق شركة صغيرة، ولو أنّها أنجزت نجاحات عدة في العامين الماضيين، اسمها «أنابورنا»، فيلم رسوم متحركة بعنوان «ميسينغ لينك». الفيلم، وقد شوهد في عرض خاص، بارد في إيقاعه، لكنّه قد يجلب الصّغار أفواجاً وراء أفواج بسبب شخصيته المسماة «لايكا» التي تتصرّف بغباء ونبل في الوقت ذاته.
على أنّ معظم أفلام الشّهر الحالي ليست في وارد التوجه للصّغار، وتسليتهم، بل تطرق باب الكبار وتحثهم على زج أنفسهم تحت سماء ضبابية، نظراً لأنّها أفلام تشويق ورعب في غالبها. من بين ما سيعرض هذا الشهر «هلبوي» (Hellboy) الذي هو إعادة صنع لفيلم كان غيير مودل تورو (شكل الماء) حققه سنة 2017، الفيلم الجديد لمخرج جديد اسمه نيل مارشال، ويعد بأن يكون أشرس من الفيلم السابق. ديفيد هاربور يلعب دور المخلوق الذي يجمع الخير والشّر في ذاته مع ميلا جوفوفيتش وإيان ماكشين.
فيلمان سيدخلان معارك الوصول إلى القمة هذا الشّهر. أحدهما فانتازيا من الأكشن والكوميدي أسرت بعض النقاد بعنوان «شازام».
الفيلم الثاني سيعرض قرب نهاية الشّهر بعنوان «أفنجرز: نهاية اللعبة»، وبه ستعاود «ديزني» طرق باب السباق واثقة، هذه المرّة، من فوز كبير. ليس فقط أنّ كل أفلام «أفنجرز» أنجزت ما وعدت به من نجاح، بل لأنّ «ديزني» وصانعي الفيلم يردّدون بأنّ هذا الفيلم، الذي يتحدث عن أم المعارك بين أهل الأرض وأهل الفضاء، سيكون الأخير في السلسلة.
مقبرة ستيفن كينغ
هناك حزمة كبيرة من أفلام الرّعب ستتسلّل إلى عروض هذا الشّهر. والوضع هنا أنّ سينما الرّعب الأميركية تماثل، من حيث تعددها كل سنة، ما كانت «سينما الوسترن» تنتجه من أفلام في الأربعينيات والخمسينيات عندما كان كل فيلم منتج من أصل اثنين أو ثلاثة هو فيلم «كاوبوي».
هذا كلّه يبدأ بفيلم آخر من نوع إعادة الصنع هو «مقبرة الحيوانات الأليفة» (Pet Sematary)، وهو الفيلم المبني على خيالات الكاتب الشهير ستيفن كينغ الذي قال عن الرواية التي وضعها في سنة 1983 إنّها «من بين جميع ما كتبت، هي أكثر الروايات التي أرعبتني».
نسخة 1989 أخرجتها ماري لامبرت، وأسندت أدوارها إلى رهط من غير المعروفين باستثناء ستيفن كينغ نفسه الذي أذكر أنّه لعب دوراً صغيراً ككاهن. هذا لم يمنع من نجاحها، بل أيضاً، تحقيق المخرجة جزءاً ثانياً بعد ثلاث سنوات.
غني عن القول إنّه فيلم رعب، وإنّ موضوعه لا يزال النبش في مقبرة حيوانات أليفة. بطل الفيلم (جايسون كلارك) وعائلته ينتقلون للعيش في منزل ويكتشفون شيئين؛ الأول أنّ هناك مقبرة بجانب منزلهم والثاني أنّ أحداً لم يخبرهم المثل العربي الذي يقول «لا تنام بين القبور وتشكو من المنامات الوحشة».
الأفلام المرعبة الأخرى تتكفّل بجوانب مختلفة مما هو مفزع، أو بما هو راغب في الإفزاع، لكنّه يتحوّل غصباً عنه، إلى ضحك ساخر ومكتوم.
في «لعنة لورونا»، حيث الأم الشريرة، وربما المسكونة، تقرّر مواجهة امرأة تعمل في الخدمات الاجتماعية كونها حاولت مساعدتها من ثمّ إنقاذ أطفال مهددين بسببها.
في «شارون تايت الممسوسة» (العنوان الإنجليزي أقرب إلى المعنى المنشود وهو «The Haunting of Sharon Tate»)، يدور حول المجزرة المروعة التي تعرّضت لها الممثلة الصاعدة (في السبعينيات) شارون تايت عندما اقتحم تشارلز مانسون وزبانيته منزلها في لوس أنجليس، وقتلها وجنينها وعدداً من الموجودين الآخرين في البيت. طبعاً هي زوجة رومان بولانسكي، ومن المثير للاهتمام معرفة رد فعله على فيلم لا ريب يريد توظيف المأساة إلى صندوق شباك التذاكر.
ولدينا فيلم رعب رابع بعنوان «الصّمت»، وهو نسخة غير بعيدة عن فيلم جون كازينسكي «مكان هادئ» الذي خرج للعروض في صيف العام الماضي. فالوحوش المخيفة هنا تستدل على ضحاياها عبر الصّمت… ما يضفي قدراً من التلاعب بالصّوت والصّمت طوال الوقت. الفيلم الجديد يجعل ميدان أفلام التشويق والرّعب مليئة بحالات الإعاقة. هو مثل الفيلم السّابق، يحتوي على فتاة في دور رئيسي، لكنّها في «مكان هادئ» لا تتكلّم، وهنا لا تسمع، وفي فيلم «نتفلكس» المعروف «بيرد بوكس» على الناجين ألّا يروا… ربما في غد قريب نجد أن النجاة هي حكر لمن يجمع الصّفات الثلاث العمى والخرس والطّرش.
اللعبة أميركية في مصر
هذا يسحبنا إلى ما تعرضه صالات السينما المصرية من أفلام تعكس حالات.
هل من باب المصادفة أنّ فيلم «122» يقدّم حكاية فتاة خرساء وبكماء؟ وأنّ فيلم «قصة حب» تدور أحداثه حول شاب أعمى؟ ثم هل دارت عجلة هذا النوع من الأفلام بتأثير ما من فيلم «يوم الدين» الذي حققه أبو بكر شوقي وعرضه مهرجان «كان» في السنة الماضية؟
شيء واحد مؤكد، هو أنّ فيلم «يوم الدين» الذي يدور حول رجل كان أصيب بمرض الجذام الذي تركه هشاً ومشوّهاً، كان فيلماً جاداً، في حين يأتي «قصة حب» كعمل عاطفي عن الشّاب الذي فقد البصر، لكنّ هذا لا يمنعه من الحب وتلقي الحب.
«122» و«قصة حب» فيلمان عاطفيان لتمضية الوقت. الأول من تحقيق ياسر الياسري، والثاني من إخراج عثمان أبو لبن.
بعيداً عن الأفلام التي تتعاطى الإعاقات البدنية، نجد أنّ هناك فيلمين آخرين معروضان في القاهرة هذه الأيام يلتقيان عند خاصرة أخرى هما «كفرناحوم» و«قرمط بيتمرمط»؛ الأول للمخرجة نادين لبكي والثاني لأسد فولدكار. الفارق أنّ «كفرناحوم» حكاية لبنانية جادة، والثاني حكاية مصرية كوميدية.
الإقبال على هذين الفيلمين كان عادياً في عمومه، لكنّ هذا ليس غريباً على عاصمة تعرض عدة أفلام عربية (مصرية غالباً) ومتنوعة في كل أسبوع. ومن المثير أنّ باقي الأفلام لا تخلو من أعمال تتراءى، والنّاقد لم يشاهدها بعد واعدة.
هذا الوعد يتبدّى في فيلم «اللعبة الأميركاني» للمخرج مصطفى أبو سيف، وهو ابن المخرج محمد أبو سيف الذي هو ابن أحد أهم مخرجي السينما المصرية الراحل صلاح أبو سيف. الشّائع هنا أنّ الفيلم يتناول، كوميدياً، الوضع الاقتصادي، وما يعانيه شاب وفتاة على أهبة الزواج منه.
فيلم آخر من النوع الطارح لمواضيع اجتماعية - اقتصادية معروض حالياً (بإقبال طفيف) بعنوان «الحلم البعيد».
جرت مشاهدته على أنه دراما اجتماعية مصاغة بأسلوب وثائقي، وإخراجه موزع بين اثنين، المصري مروان عمارة والألمانية جوهانا دومكي. ميزانية صفر مع مزج بين حكاية درامية وشكل تسجيلي يتناول أوقات عاملين في فندق يقع في شرم الشيخ.
حتى سنوات قليلة، كان الفندق (والمنطقة) يعجّ بالسّياح. الآن هناك قليلون بسبب الظّروف الأمنية والحال المضطربة. يتابع الفيلم حياة وأحاديث وبعض أعمال فريق من الموظفين وما يتداولونه من مشكلات واهتمامات. الممثلون غير محترفين والحوار بينهم يجري طبيعياً، لكنّه لا يحتوي على صنعة أو احتراف، كذلك شؤون مختلفة من شؤون العمل السينمائي.
المشاهد ممثلة، لكن الصياغة أو المعالجة تسجيلية. وهذا ما يجعل الفيلم يفقد ناصية الاهتمام به كفيلم روائي من دون أن يكسب وضعه كفيلم تسجيلي. بعض المفادات مطروحة بتكرار واضح والمشاهد، كونها لا تريد أن ترتفع بوتيرة ما، خالية من المواقف الفعلية. نتعرّف على الشّخصيات التي سريعاً ما تنطوي على حالاتها وتفشل في إثارة اهتمام بها أو بالمواضيع التي تطرحها، ولو أنّ الفيلم، في بعض أوجهه، يرمي إلى طرح مسائل إنسانية واجتماعية وبعض ثقافة الوضع الحاضر.
باقي الأفلام المصرية من نوع الأكشن الصّافي أو الممتزج بالنّوع الكوميدي، مثل «عيش حياتك» لتامر بسيوني، و«خط الموت» لمحمد عادل، و- مؤخراً - «حرب كرموز» لبيتر ميمي.