رهاب الأجانب والتعصب الأعمى

ترجمة عربية لـ«قلبي في ضيق» للروائية الفرنسية ماري ندياي

رهاب الأجانب والتعصب الأعمى
TT

رهاب الأجانب والتعصب الأعمى

رهاب الأجانب والتعصب الأعمى

أصدر مشروع «كلمة» للترجمة في دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي في عام 2018، الترجمة العربية لرواية «قلبي في ضيق» للروائية الفرنسية ماري ندياي (1967)، ضمن سلسلة «روائع الأدب الفرنسي الحديث»، التي يُعِدَّها ويراجع ترجماتها الأكاديمي والشاعر العراقي المقيم في باريس كاظم جهاد. وسبق أن قدَّم مشروعُ «كلمة» للكاتبة نفسها رواية «طقس سيئ» ورواية «ثلاث نساء قديرات» الفائزة بجائزة «غونكور» الفرنسية الرفيعة عام 2009. والترجمات الثلاث أنجزتها المترجمة اللبنانية ماري طوق (1963)، التي لها رصيد معتبر من الترجمات القيمة، من أهمها «كائن لا تحتمل خفته» لميلان كونديرا و«تاريخ بيروت» لسمير قصير.
ولدت ندياي في مدينة بيتيفييه الفرنسية لأم فرنسية وأب سنغالي، عاد إلى السنغال وعمرها لم يتعد السنة. كانت في الثامنة عشر عاماً حين نشرت أولى روايتها «أمَّا عن المستقبل الثري» (1985)، وبعدها تواصلت إبداعاتها، لتتنوع ما بين الرواية والقصة والمسرحية.
في رواياتها، يحضر لدى ندياي الاستلاب العنصري كعامل جوهري في التفاعلات المجتمعية، وإذ تطرح إحالات مستمرة لاندماج أولئك المختلفين في الطبقة والعرق في المجتمعات الغربية، لكنها لا تحصر نفسها في الإطار الفرانكوفوني الضيق.
تتتابع رواية «قلبي في ضيق» عبر 38 فصلاً قصيراً خالية من العناوين. تضطلع المعلِّمة ناديا بدور الساردة، التي تقول لنا منذ البداية في ثاني صفحة: «كنا نشعر بأننا بريئان، وبالخزي أيضاً». والخزي له مدعاة، فناديا تطوي بين حناياها ذكرى عائلة، ادعت ناديا موتها لبساطة حالها. خالت نفسها «واحدة من الناس» غير أنها ضحَّت في الواقع بالحقيقة وراحة البال طلباً للتباهي الزائف.
في مشهد أدبي معاصر كثيراً ما يرْسم المرأة ضحية مكسورة الجناح، مقهورة، لا قاهرة، لا تناصر ندياي نساءها. فحضورهن يتجلى بوصفهن آثمات، لا يتحلين بأي تقوى، مثل ناديا التي تخضع لاستجوابات عنيفة من قِبل مجتمعها، وليس لديها من الشجاعة ما يحْملها على مواجهة عالم كابوسي جاثم على الصدور.
يتعرض زوجها آنج لطعنة من مجهول، وينصحهما الآخرون ألا يقصد مستشفى خشية أن يقتله الطبيب! لا أحد يؤازرهما إلا جارهما نوجيه، جار احتقرته ناديا منذ الوهلة الأولى، وهو الآن يفرض نفسه عليهما فرضاً. سرعان ما يتفاقم التوتر، وتتسلل الحقيقة إلى وعي الزوجين. لا أحد يحبهما أو يحترمهما. الكل يسدد إليهما تحديقات نارية في حالة من الكراهية الاعتباطية: «كان يخامرني أحياناً الانطباع بأنهم ينظرون إليَّ شزراً. فهل كانوا حقاً مستائين مني أنا بالذات؟» لقد ادَّعت ناديا البرجوازية المثالية ردحاً حتى تناست حارتها الفقيرة، وتهيأ لها أنها برجوازية. خالت أنها أقوم خُلُقاً من «الآخر»، واعتدَّت بنفسها كذباً، فانتهى بها الحال إلى ابن كاره، وزوج أول مغدور، وزوج ثانٍ مطعون، وعائلة مهجورة.
بين عشية وضحاها تنقلب الحظوظ ليَسقط ما تخيلته في العثار، وينكشف ماض يلطخه العار والبغضاء، بحيل عقلية وصُدَف غرائبية وعلاقات عدائية، تتأرجح كلها على أرجوحة الشك. فيشيع جوٌ من البارانويا، كان في حدته أشبه باختلال جمعي للمنطق، اُبتلِي به المجتمع بأسره. ثمة غريبٌ يبصق في وجهها! آخر يدمدم بكلمات عنصرية. الشوارع نفسها تجافيها، إذ تبدو متعرجة على غير العادة عصية على التعرف. هل ارتكبت جريمة ما نكراء؟
وفي رحلتها لاكتشاف الذات، تزور ابنها رالف، وبينها وبينه جفوة أي جفوة. لا يخبرنا السرد إن كانت الغاية من الرحلة هجران زوجها أم إنقاذه. المقلق أننا نسمع الرواية بصوتها الخاص، هي دليلنا، إلا أنها تسجننا بتوجساتها. لا نستريح إلى أحكامها، وتراودنا الريبة في كل كشف. تُبلغنا بشبه الحقيقة، ونصف الحقيقة، الكذبة الشنيعة، ونصف الكذبة! هل تلم بالواقع وتتغابى عنه، أم أنها تكره اكتناهه؟
ولكن أقل إيماءة أو تبدل في الصوت يطردان أشباح الماضي من مخبأها، في عالم مضطرب ونثر يتخذ خصائص سيريالية وآيدلوجية في آن واحد. إن ما بين أيدينا حكي لا يتقن التوازن أو الموائمات، أجواؤه كفكاوية تجنح إلى أخطر الخواطر. وإذ يحتد الغموض والالتباس، نتوه في أحاج لا واعية تناجي بها ناديا نفسها. إيقاع السرد نفسه فاقد للعقل مثله مثل البطلة التي نشك بحق في سلامة قواها العقلية. وعلى طول هذه الرواية العصابية، تنتاب البطلة مشاعر شبيهة بمشاعر إيزابيل أدجاني في فيلم الرعب الشهير «استحواذ» (1981) للمخرج البولندي أندريه زولاوسكي حين تختلط عليها الحواس، وتنطلق أوهامها غاصة بالقسوة والترقب وجنون الارتياب.
إن ندياي كاتبة من طراز فريد ذات رؤى وفلسفات بعيدة النظر. وكانت قد قررت في عام 2007 الانتقال إلى برلين إثر تصاعد اليمين المتطرف في فرنسا وانتخاب نيكولا ساركوزي رئيساً. وفي العام نفسه نشرت الأصل الفرنسي لنص «قلبي في ضيق»، أي قبل سنوات من استفحال كراهية الأجانب وتصاعد القومية الشعبوية في العالم الغربي.
إن الرواية تُصَعِّد إلى منطقة الضوء قضية رهاب الأجانب والتعصب الأعمى. والكاتبة، إذ ترتعب بطلتها ناديا من أن تغدو هي «الآخر»، لا تكف عن التساؤل، هل يحتاج الإنسان حقاً إلى «آخر» يخالفه ويناقضه؟ هل لا بد من وجود «آخر» قد يختلف عنا في العرق أو الدين أو الجندر أو الجنسية؟ ليصبح أحدهما بالضرورة فرداً منبوذاً في المجتمع غصباً عنه؟! لدى ندياي قدرة فذة على التعبير عن تفتت الأوصال الاجتماعية، وهلعنا من الدونية، وتوقنا المحموم إلى التسلق الاجتماعي.


مقالات ذات صلة

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
ثقافة وفنون الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» في قطر الفائزين بدورتها العاشرة خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد وشخصيات بارزة ودبلوماسية وعلمية.

ميرزا الخويلدي (الدوحة)

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.