إسقاط جنسيات {الإرهابيين العائدين»

إنهاء للتهديد أم دفع نحو «القتال الفردي»؟

عناصر «داعش» في سوريا
عناصر «داعش» في سوريا
TT

إسقاط جنسيات {الإرهابيين العائدين»

عناصر «داعش» في سوريا
عناصر «داعش» في سوريا

فيما عده مراقبون اتجاهاً مستقبلياً للتصدي لخطر «العائدين» من دول الصراعات، تقوم دول أوروبية بتحركات لسحب الجنسية عن «الإرهابيين» مزدوجي الجنسية. هذه الدول ترى أن هذه الخطوات فعالة لإنهاء تهديدات المقاتلين «العائدين»، إلا أن خبراء أمنيين ومختصين في الحركات الأصولية أكدوا أن «سحب الجنسية من (الإرهابيين) ليس عقاباً، بل هو وسيلة لتصدير أزمات جديدة»، موضحين أن «سحب الجنسية من الإرهابي يدفعه ليتحول إلى (ذئب منفرد)... والحل الأكثر نفعاً دمجه في المجتمع».

يُشار إلى أن الهزائم الكبيرة التي مُني بها تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا والعراق خلال الأشهر الماضية، فرضت ضغوطاً قوية على هؤلاء «المقاتلين»، خصوصاً في ظل إجراءات أمنية مشددة اتخذتها دولهم الأصلية، بهدف منع عودتهم مرة أخرى إليها، على نحو يُمكن أن يهدد استقرارها الأمني، ويزيد من احتمالات تنفيذ عمليات إرهابية على أراضيها. وبالفعل خطت بعض الدول خطوات لسحب الجنسية من «العائدين». فبلجيكا قررت سحب الجنسية من أي شخص يصدر ضده حكم بالسجن لمدة تزيد على 5 سنوات في أي قضية متعلقة بالإرهاب. وفرنسا اقترحت سحب جواز السفر من الأشخاص المرتبطين بتنظيمات إرهابية، مع ترحيلهم من أراضيها. وأقرّت كل من ألمانيا، وأستراليا، وبلجيكا، وكندا، وهولندا، وسويسرا، سلسلةً من الإجراءات والقوانين تفتح الباب أمام سحب جنسية رعاياها المنضمين إلى تنظيمات إرهابية، لقطع الطريق أمام عودتهم إلى بلادهم. أما هولندا فقد نزعت بالفعل جنسيتها عن 7 أشخاص في عام 2017. وبريطانيا ألغت جنسية 150 شخصاً منذ عام 2010.

خطر كبير

اللواء الدكتور محمد قشقوش، المحلل العسكري والاستراتيجي، أستاذ الأمن القومي الزائر بأكاديمية ناصر العسكرية العليا في مصر، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن سحب الجنسية من الإرهابي يدفعه ليتحول إلى «ذئب منفرد»... صحيح أن المتطرف ترك بلده، وأخذ موقفاً آخر بالانضمام لأحد التنظيمات، لكن عند عودته وسحب الجنسية، من المرجح أن يقوم بعمليات إرهابية بمفرده من دون أي تكليفات من أي تنظيم، وهذا هو الأخطر، لأن دولته الأم في هذا الوقت ستكون من وجهة نظره عدواً له، لافتاً إلى أن «سحب الجنسية من العائد للوطن الأم تصدير للأزمة إلى جهة أخرى، مثل القضاء».
وتحفّظ عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أيضاً، على إجراءات بعض الدول بسحب الجنسية من «الإرهابيين»، مؤكداً أن سحبها ليس حلاً، وأمراً غير مؤثر، لأن «المتشدد» بعيد كل البعد عن فكرة الإيمان بأمر الجنسية أو الوطن، فهو مؤمن بـ«الأمة»، و«الخلافة»، و«المرجعية الدينية» لكل شيء، ومن ثم «سوف تجد أن فكرة سحب الجنسية ليست عقاباً له، بل هي تكئة يحفظ بها وجوده في أي مكان بالدول الغربية، عبر استغلاله لقوانين هذه الدول، التي تحترم الجنسية».
وقال عبد المنعم لـ«الشرق الأوسط» إن سحب الجنسية من الإرهابي ليس عقاباً له، بل وسيلة لتصدير أزمة من قبل «الإرهابيين» لدول أخرى، النرويج مثلاً سلمها العراق 12 «إرهابياً» وتدرس الآن إسقاط الجنسية عنهم، مضيفاً أن الإرهابي سوف يتحول لـ«ذئب منفرد» ويفكّر في القيام بعملية إرهابية قد تُحدث فوضى، لذلك فـ«الجهاد الفردي» أخطر من المواجهات الجماعية... وتنظيم «داعش» وصل الآن إلى مرحلة قتال «العملية الجهادية الواحدة» عن طريق «ذئب منفرد»، وقتال «العملية الواحدة» إما يكون عبر تعليمات مباشرة لعناصر التنظيم بالتنفيذ، أو عبر تعليمات غير مباشرة بأن يقوم بها «الانفرادي» عندما تكون الظروف متاحة له في الدولة التي يقيم بها، أو من خلال التجنيد اللحظي، عبر ترصُّد شخص مُعين وإقناعه بأفكار التنظيم ليقوم بتنفيذ عملية إرهابية.

خلايا نائمة

الكلام السابق اتفَقَ مع دراسة حديثة لمركز «المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة» في أبوظبي، أكدت أن «قوى اليمين في أوروبا أيدت سحب الجنسية من (الإرهابيين)، لا سيما بعد تصاعد عدد (الإرهابيين) من مزدوجي الجنسية، الذين كثيراً ما يتم استقطابهم من جانب المجموعات الإرهابية، وإقناعهم بالعودة إلى دولهم الأصلية بهدف زرعهم كـ«خلايا نائمة» قد تقوم بعمليات إرهابية مستقبلية... ومن ثم يؤكد البعض أن «هذه القرارات لا تمس سوى المقاتلين الأجانب مزدوجي الجنسية، لدفعهم إلى الرحيل لبلدانهم الأصلية».
المراقبون قالوا إنه حال تضييق الغرب على عناصر «داعش» سوف تنحصر مهمتهم في تجنيد عناصر جديدة... وقد يظن البعض أن رجوع عناصر التنظيم لدولهم قد يُثنيهم عن تطرف أفكارهم وإعلان التوبة، لكنهم للأسف يتسللون ويتخفّون لإيجاد مناخ يناسب تكتيكهم العسكري المتطرف.
فـ«العائدون» مصطلح شهد تغيّراً كبيراً بعد هزيمة «داعش» في سوريا والعراق، فقد كان يُطلق في البداية (قبل هزيمة التنظيم) على بعض المنضمين إليه ممن خُدعوا بدعايته ثم سرعان ما اكتشفوا (بعد انضمامهم إليه أن الأوضاع على أرض الواقع تختلف اختلافاً جذرياً عما يروجه التنظيم، لذا قرروا تركه والعودة إلى بلادهم). وبعد هزيمة التنظيم في سوريا والعراق أصبح المُصطلح يحمل معنى مغايراً تماماً؛ إذ لا يُمكن الجزم بما إذا كان هؤلاء «العائدون» لا يزالون يحملون الفكر الداعشي أم لا؟ وقد أعربت كثير من حكومات الدول الغربية عن خوفها الشديد من هؤلاء «المقاتلين العائدين».
وقال المراقبون إن «بعض هؤلاء المقاتلين كانوا يتولون مهام رئيسية داخل تنظيم (داعش) لقدراتهم القتالية والتنظيمية الكبيرة، خصوصاً في العمليات الانتحارية، أو الانغماسية، التي يكون الهدف منها الإيقاع بأكبر عدد من الخسائر البشرية».
دراسة «مركز المستقبل» قالت إن اليسار الأوروبي عارَض إجراءات التجريد من الجنسية، انطلاقاً من أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد الحق في امتلاك الجنسية، فضلاً عن اتفاقية صادرة عن الأمم المتحدة عام 1961 حظرت سحب الجنسية في الحالات التي يؤدي فيها سحبها إلى ترك الشخص بلا هوية.
وتساءلت الدراسة نفسها: هل تساعد إجراءات التجريد من الجنسية في تحجيم الإرهاب بأوروبا؟! وأجابت: «هُنا تبرز أطروحات تؤكد أن إجراءات نزع الجنسية عن (الإرهابيين) تمثل خطراً على الأمن العالمي، حيث سيبقون طُلقاء بعيدين عن مراقبة الأمن المحلي، كما أن الآراء التي تطالب بنزع الجنسية عن المواطنين الأوروبيين (الإرهابيين) تعني أن يتم إرسال التهديدات لدولة أخرى».

المناطق الفارغة

عبد المنعم حذّر من أنه حال سحب الجنسية من الإرهابي، فسوف يذهب إلى «المناطق الفارغة»، خصوصاً في صحراء دول أفريقيا، وسوف يتعامل مع الموقف بطريقة مختلفة، فـ«العائدون» من «داعش» كارثة تهدد الدول، والإحصائيات تقول إننا أمام 40 ألف مقاتل بعائلاتهم (زوجاتهم وأطفالهم) من دول أوروبا، و«داعش» أعلن من قبل أن «القتال والمعارك ستكون في عقر داركم»... ويتوعّد «داعش» الغربيين دائماً بهجمات «تنسيهم» (على حد زعمه) هجمات نيويورك في 11 سبتمبر (أيلول) من عام 2001.
وعن أفضل الحلول لمواجهة «العائدين»، أوضح اللواء قشقوش، أن علاج أزمة «العائدين» بالذوبان في المجتمع، وهذا الكلام ليس سهلاً، لأن معظم «العائدين» من الجيلين الثاني والثالث من الأفارقة والعرب، وهم ليسوا أوروبيي الأصل، فأوروبيو الأصل نسبة قليلة جداً، قد يكونون قد دخلوا الإسلام حديثاً، لافتاً إلى أن «بعض المجتمعات مُضطرة لأن تستوعب (العائدين)، مثل السويد والنرويج، لكن في فرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، الأمر مختلفاً»، مضيفاً: «لا بد من الاستيعاب المجتمعي لـ(العائدين)، وتعديل الفكر السلوكي الإنساني لهم، مشيراً إلى أن (المهاجرين) أيضاً يمثلون إشكالية للدول مثل (العائدين)».
أما عمرو عبد المنعم، فقد فنّد الخيارات المطروحة لمواجهة «المقاتلين العائدين»، إما بالدمج في المجتمع، أو العقاب بالسجن على ما ارتكبوه بهروبهم من دولهم والانضمام لتنظيمات إرهابية وتنفيذ عمليات قتل، أو بالمراقبة، أو بردّهم بالكلية وطردهم وعدم الاعتراف بهم... وفي تصوري أن «الدول لا بد أن تستخدم أياً من تلك الخيارات».


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.