تحليل إخباري: نتنياهو، الفوز على جثة السلام

نتنياهو
نتنياهو
TT

تحليل إخباري: نتنياهو، الفوز على جثة السلام

نتنياهو
نتنياهو

يدخل المُعطى الأمني كعنصر مقرر في أكثرية الانتخابات حول العالم. وفي الحالة الإسرائيلية، يحتل الأمن موقعاً شديد الأهمية في تقرير اسم الحزب الفائز ورئيس الوزراء المقبل. لكن ما تشهده الأيام القليلة الفاصلة عن انتخابات التاسع من أبريل (نيسان) المقبل، التي يبدو أن رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو سيفوز فيها، يتراجع فيها الموضوع الأمني المباشر مقابل تقدم استخدام أوسع لما حققته إسرائيل في الأعوام الماضية. وليست نادرةً الحالات التي تلاعب فيها المرشحون إلى الانتخابات الإسرائيلية بمشاعر الخوف عند مواطنيهم، واستثمروا فيها إلى أقصى حدود لتحقيق غاياتهم السياسية، على غرار ضرب المفاعل النووي العراقي سنة 1981 قبل موعد الاقتراع بأسابيع قليلة، ما أمن انتصار مناحيم بيغن وحزبه «الليكود»، وحال دون عودة حزب العمل إلى السلطة، بعد الفوز التاريخي الأول لـ«الليكود» في 1977. نتنياهو أفلح في استغلال موجة العمليات الانتحارية التي ضربت إسرائيل سنة 1996، وأطاح بمنافسه شيمون بيريز، بعدما صوره عاجزاً عن التعامل مع الهجمات التي شنتها «حماس» في ذلك الحين، ومع الارتباك الذي أوقع بيريز، إسرائيل، به جراء الإدانة الدولية الواسعة لمجزرة قانا في جنوب لبنان أثناء حرب «عناقيد الغضب».
بيد أن تصاعد التوتر في غزة في الأسابيع الماضية، وإطلاق عدد من الصواريخ في اتجاه إسرائيل التي ردت بغارات جوية، لا يبدو أنه يعود بفائدة كبيرة على جدول الأعمال الانتخابي لنتنياهو الذي يشعر أنه حقق في الأعوام القليلة الماضية من الإنجازات الدبلوماسية والسياسية، ما يضمن له فوزاً مريحاً في الانتخابات المقبلة من دون خوض مغامرة عسكرية جديدة في القطاع. متابعة وسائل الإعلام الإسرائيلية تشير إلى انزعاج رئيس الوزراء الشديد من سقوط صاروخ شمال تل أبيب قبل قليل من اجتماعه بالرئيس الأميركي دونالد ترمب، حيث كان نتنياهو يسعى إلى تحويل اللقاء إلى احتفال عالمي بنجاحه في الحصول على الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتلة. أسئلة الصحافيين الذين رافقوه على متن الطائرة، التي أعادته إلى إسرائيل، بعد قطع الزيارة، تركزت حول غزة والخطوات الإسرائيلية المرتقبة لمعالجة الموقف هناك، وليس حول ما كان نتنياهو يرى فيه انتصاراً داخلياً وخارجياً باعتراف واشنطن بضم الجولان بعد نقلها سفارتها إلى القدس المحتلة وإلغاء الاتفاق النووي مع إيران. يُضاف إلى ذلك أن الاتهامات بالفساد، وتلقي الرشى، وإساءة الأمانة، وإعادة فتح ملف صفقة شراء الغواصات باهظة الثمن من ألمانيا، التي يقال إن نتنياهو حصل على أربعة ملايين دولار عمولة عليها، لا تنعكس انخفاضاً في تأييد الجمهور الإسرائيلي له.
عليه، تبدو معالجة نتنياهو لمسألة غزة هذه المرة أكثر روية وهدوءاً من المرات السابقة، وأكثر استجابة للوساطة المصرية التي أسفرت عن اتفاق مع «حماس» على إبقاء المتظاهرين في الذكرى الأولى لـ«مسيرات العودة» يوم السبت 31 مارس (آذار)، بعيداً عن السياج الفاصل، وبالتالي عن مرمى القناصة الإسرائيليين، في إطار جملة من الخطوات لنزع فتيل التفجير.
نقطة قد لا تقل أهمية في النهج الذي سار نتنياهو عليه حيال غزة هذه الأيام تتعلق بطبيعة المعركة الانتخابية ذاتها. ذلك أن خصمه زعيم تحالف «أزرق وأبيض» الجنرال بيني غانتس، وعلى الرغم من استخدامه مصطلحات اليمين التقليدي في حديثه عن «بقاء القدس بما فيها شرقها، عاصمة أبدية لإسرائيل»، وترويجه لإنجازاته العسكرية أثناء حرب 2014 ضد غزة، وتفاخره بعدد المسلحين الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي في تلك الحرب، إلا أنه لا يبدو مقنعاً للناخب الذي يميل إلى التطرف الممثل في تحالف «الليكود» مع الأحزاب الدينية واليمينية المتشددة. وحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، فإن «أزرق وأبيض» سيحصل على 31 مقعداً في الكنيست المقبل، في حين لن تتجاوز حصة «الليكود» 27 مقعداً. مع ذلك، سيكون نتنياهو هو الفائز في الانتخابات بفضل تحالفه مع اليمين المتطرف، فيما تظل الكتلة الناخبة لغانتس محصورة في يمين الوسط، وتذهب أصوات «العمل» و«ميرتس» وفلسطينيي 48 إلى حصص صغيرة لا تكفي لانتزاع الأكثرية من «الليكود» وحلفائه.
من العوامل التي تريح نتنياهو وتطمئنه إلى فوزه، حقيقة أن الجيل الجديد من الناخبين الإسرائيليين لم يعِ مرحلة مساعي السلام الفلسطينية - الإسرائيلية التي انتهت فعلياً، قبل نحو 19 عاماً، بفشل المفاوضات بين الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي حينذاك إيهود باراك، ثم اندلاع الانتفاضة الثانية، وبناء حاجز الفصل في الضفة، ثم الانقسام الفلسطيني وما تبع ذلك من أحداث دفنت العملية السياسية بين الجانبين إلى أجل غير منظور. هذه الخلفية من الناخبين الذين لا يعرفون سوى المواجهة ستكون ذخيرة طبيعية لمعسكر التشدد الإسرائيلي في الأعوام المقبلة، بعدما بات السلام مجرد جثة لا يبالي أحد بمشقة دفنها.



إسرائيل تعترض صاروخاً حوثياً عشية «هدنة غزة»

عنصر حوثي يحمل مجسم صاروخ وهمي خلال تجمع في جامعة صنعاء (أ.ف.ب)
عنصر حوثي يحمل مجسم صاروخ وهمي خلال تجمع في جامعة صنعاء (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تعترض صاروخاً حوثياً عشية «هدنة غزة»

عنصر حوثي يحمل مجسم صاروخ وهمي خلال تجمع في جامعة صنعاء (أ.ف.ب)
عنصر حوثي يحمل مجسم صاروخ وهمي خلال تجمع في جامعة صنعاء (أ.ف.ب)

اعترضت إسرائيل صاروخين باليستيين أطلقتهما الجماعة الحوثية في سياق مزاعمها مناصرة الفلسطينيين في غزة، السبت، قبل يوم واحد من بدء سريان الهدنة بين تل أبيب وحركة «حماس» التي ادّعت الجماعة أنها تنسق معها لمواصلة الهجمات في أثناء مراحل تنفيذ الاتفاق في حال حدوث خروق إسرائيلية.

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تشن الجماعة المدعومة من إيران هجمات ضد السفن في البحرين الأحمر والعربي، وتطلق الصواريخ والمسيرات باتجاه إسرائيل، وتهاجم السفن الحربية الأميركية، ضمن مزاعمها لنصرة الفلسطينيين.

وقال المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، يحيى سريع، في بيان متلفز، عصر السبت، بتوقيت صنعاء، إن جماعته نفذت عملية عسكرية نوعية استهدفت وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب بصاروخ باليستي من نوع «ذو الفقار»، وإن الصاروخ وصل إلى هدفه «بدقة عالية وفشلت المنظومات الاعتراضية في التصدي له»، وهي مزاعم لم يؤكدها الجيش الإسرائيلي.

وأضاف المتحدث الحوثي أن قوات جماعته تنسق مع «حماس» للتعامل العسكري المناسب مع أي خروق أو تصعيد عسكري إسرائيلي.

من جهته، أفاد الجيش الإسرائيلي باعتراض الصاروخ الحوثي، ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» أن صافرات الإنذار والانفجارات سُمعت فوق القدس قرابة الساعة 10.20 (الساعة 08.20 ت غ). وقبيل ذلك دوّت صافرات الإنذار في وسط إسرائيل رداً على إطلاق مقذوف من اليمن.

وبعد نحو ست ساعات، تحدث الجيش الإسرائيلي عن اعتراض صاروخ آخر قبل دخوله الأجواء، قال إنه أُطلق من اليمن، في حين لم يتبنّ الحوثيون إطلاقه على الفور.

ومع توقع بدء الهدنة وتنفيذ الاتفاق بين إسرائيل و«حماس»، من غير المعروف إن كان الحوثيون سيتوقفون عن مهاجمة السفن المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا في البحر الأحمر، وخليج عدن؛ إذ لم تحدد الجماعة موقفاً واضحاً كما هو الحال بخصوص شن الهجمات باتجاه إسرائيل، والتي رهنت استمرارها بالخروق التي تحدث للاتفاق.

1255 صاروخاً ومسيّرة

زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي استعرض، الخميس، في خطبته الأسبوعية إنجازات جماعته و«حزب الله» اللبناني والفصائل العراقية خلال الـ15 شهراً من الحرب في غزة.

وقال الحوثي إنه بعد بدء سريان اتفاق الهدنة، الأحد المقبل، في غزة ستبقى جماعته في حال «مواكبة ورصد لمجريات الوضع ومراحل تنفيذ الاتفاق»، مهدداً باستمرار الهجمات في حال عودة إسرائيل إلى التصعيد العسكري.

جزء من حطام صاروخ حوثي وقع فوق سقف منزل في إسرائيل (أ.ف.ب)

وتوعّد زعيم الجماعة المدعومة من إيران بالاستمرار في تطوير القدرات العسكرية، وقال إن جماعته منذ بدء تصعيدها أطلقت 1255 صاروخاً وطائرة مسيرة، بالإضافة إلى العمليات البحرية، والزوارق الحربية.

وأقر الحوثي بمقتل 106 أشخاص وإصابة 328 آخرين في مناطق سيطرة جماعته، جراء الضربات الغربية والإسرائيلية، منذ بدء التصعيد.

وفي وقت سابق من يوم الجمعة، أعلن المتحدث الحوثي خلال حشد في أكبر ميادين صنعاء، تنفيذ ثلاث عمليات ضد إسرائيل، وعملية رابعة ضد حاملة الطائرات «يو إس إس ترومان» شمال البحر الأحمر، دون حديث إسرائيلي عن هذه المزاعم.

وادعى المتحدث سريع أن قوات جماعته قصفت أهدافاً حيوية إسرائيلية في إيلات بـ4 صواريخ مجنحة، كما قصفت بـ3 مسيرات أهدافاً في تل أبيب، وبمسيرة واحدة هدفاً حيوياً في منطقة عسقلان، مدعياً أن العمليات الثلاث حقّقت أهدافها.

كما زعم أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «ترومان» شمال البحر الأحمر، بعدد من الطائرات المسيرة، وهو الاستهداف السابع منذ قدومها إلى البحر الأحمر.

5 ضربات انتقامية

تلقت الجماعة الحوثية، في 10 يناير (كانون الثاني) 2025، أعنف الضربات الإسرائيلية للمرة الخامسة، بالتزامن مع ضربات أميركية - بريطانية استهدفت مواقع عسكرية في صنعاء وعمران ومحطة كهرباء جنوب صنعاء وميناءين في الحديدة على البحر الأحمر غرباً.

وجاءت الضربات الإسرائيلية الانتقامية على الرغم من التأثير المحدود للمئات من الهجمات الحوثية، حيث قتل شخص واحد فقط في تل أبيب جراء انفجار مسيّرة في شقته يوم 19 يوليو (تموز) 2024.

مطار صنعاء الخاضع للحوثيين تعرض لضربة إسرائيلية انتقامية (أ.ف.ب)

وإلى جانب حالات الذعر المتكررة بسبب صفارات الإنذار وحوادث التدافع في أثناء الهروب للملاجئ، تضررت مدرسة إسرائيلية بشكل كبير، جراء انفجار رأس صاروخ حوثي، في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كما أصيب نحو 20 شخصاً جراء صاروخ آخر انفجر في الـ21 من الشهر نفسه.

واستدعت الهجمات الحوثية أول رد من إسرائيل، في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وفي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، قصفت إسرائيل مستودعات للوقود في كل من الحديدة وميناء رأس عيسى، كما استهدفت محطتَي توليد كهرباء في الحديدة، إضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات، وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً.

دخان يتصاعد في صنعاء الخاضعة للحوثيين إثر ضربات غربية وإسرائيلية (أ.ف.ب)

وتكررت الضربات، في 19 ديسمبر الماضي؛ إذ شنّ الطيران الإسرائيلي نحو 14 غارة على مواني الحديدة الثلاثة، الخاضعة للحوثيين غرب اليمن، وعلى محطتين لتوليد الكهرباء في صنعاء، ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص، وإصابة 3 آخرين.

وفي المرة الرابعة من الضربات الانتقامية في 26 ديسمبر 2024، استهدفت تل أبيب، لأول مرة، مطار صنعاء، وضربت في المدينة محطة كهرباء للمرة الثانية، كما استهدفت محطة كهرباء في الحديدة وميناء رأس عيسى النفطي، وهي الضربات التي أدت إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة أكثر من 40، وفق ما اعترفت به السلطات الصحية الخاضعة للجماعة.