مساعي أوروبا لإنقاذ {الاتفاق النووي} بين المطرقة الأميركية والسندان الإيرانيhttps://aawsat.com/home/article/1658176/%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D9%8A-%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7-%D9%84%D8%A5%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%B0-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%88%D9%88%D9%8A-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B7%D8%B1%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A
مساعي أوروبا لإنقاذ {الاتفاق النووي} بين المطرقة الأميركية والسندان الإيراني
بعد توقيع الاتفاق النووي في يوليو 2015
منذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب نيته الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، سعت البلدان الأوروبية الثلاثة الموقعة على الاتفاق (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) مداورة، لثنيه عن عزمه ولكن من غير نتيجة. وانتقل ترمب من القول إلى الفعل في 4 مايو (أيار) من العام الماضي وأعاد على دفعتين في مايو ونوفمبر (تشرين الثاني) فرض عقوبات اقتصادية وتجارية ومالية على طهران. وجاء الرد الأوروبي بدروه على دفعات أولها تأكيد فرنسا وألمانيا وبريطانيا تمسكها بالاتفاق والدفاع عنه ثم إعادة تفعيل قانون أوروبي سابق لمواجهة العقوبات الأميركية العابرة للحدود. وآخر حلقات الرد الأوروبي رأت مؤخرا النور عن طريق إطلاق العمل بـ«الآلية الأوروبية» لمواجهة العقوبات المسماة «أنستكس» والتي من شأنها مبدئيا أن تمكن إيران من الاستمرار في الاستفادة من منافع الاتفاق النووي وتصدير نفطها والإبقاء على تعاملات تجارية ومالية، وباختصار الالتفاف على العقوبات الأميركية.
بيد أن الدعم الأوروبي للاتفاق والوقوف في صف طهران ليس «مجانيا» وفق ما شرحت ذلك مصادر رسمية فرنسية رفيعة المستوى لـ«الشرق الأوسط». فقد نفت بداية أن تكون أوروبا قد اعتمدت هذا النهج «لأسباب آيديولوجية» بل لأن السياسة الأميركية تجاه إيران القائمة على الضغوط والمواجهة «لا يمكن أن تنجح». وإذا كانت أوروبا قد بقيت ثابتة في دعمها للاتفاق ورفض الخروج منه كما دعتها إلى ذلك واشنطن، فلأن هدفها إبقاء إيران داخله. والرسالة الأوروبية لطهران هي كالتالي: «عليكم التنفيذ الحرفي لبنود الاتفاق وإذا ابتعدتم عنه قيد أنملة، فإننا سنتخلى عنكم وسنعيد فرض العقوبات». وحذرت الأطراف الأوروبية طهران من «استفزاز» يمكن أن تقدم عليه كالتي تصدر أحيانا من قادة في «الحرس الثوري» أو مسؤولين آخرين. يضاف إلى ذلك استمرار الأوروبيين في توجيه انتقادات عنيفة لطهران بخصوص ثلاث مسائل رئيسية هي برنامجها النووي لما بعد عام 2025 وسياستها الإقليمية المزعزعة للاستقرار وبرامجها الصاروخية - الباليستية. وذهب وزير الخارجية الفرنسي لو دريان الذي تعد بلاده من أبرز المدافعين عن الاتفاق إلى تحذير طهران من الاستمرار في تطوير البرامج المذكورة التي يريد الأوروبيون (كما الأميركيون) احتواءها. ولوح لو دريان بفرض عقوبات جديدة على إيران مثلما تسببت في ذلك المحاولات الإرهابية التي اتهمت بها الأجهزة الإيرانية في فرنسا وبلجيكا وهولندا والدنمارك. ويجدر التذكير بأن فرنسا أولا ثم الأوروبيين مجتمعين فرضوا عقوبات «رمزية» في غالبيتها على إيران بسبب الأعمال أو المحاولات الإرهابية المنسوبة إليها.
هذه المآخذ تقرب المسافة بين واشنطن من جهة وباريس ولندن وبرلين من جهة ثانية، مع فارق رئيسي مزدوج قوامه، من جهة، أن أوروبا تريد «الضغوط من أجل العودة إلى المفاوضات»، ومن جهة ثانية التمسك بدعم الاتفاق والفصل بينه وبين الملفات الخلافية مع طهران، أي بعكس المقاربة الأميركية. والدليل على ذلك أن باريس سمت سفيرها في طهران (فيليب تييبو) وقبلت تسمية سفير إيراني لديها (بهرام قاسمي). ويدافع الأوروبيون عن مبدأ أنه «لا حلول لأزمات الشرق الأوسط الضالعة طهران فيها من غير تسوية إقليمية» بمعنى أنه يتعين على جميع الأطراف أن تخفف من حدة مواقفها من أجل إيجاد مخارج للأزمات المشتعلة. ويفسر هذا العنصر جانبا من المواقف الأوروبية فيما الجانب الآخر المهم يتمثل في رغبة الأوروبيين في استمرار التعاطي مع إيران والاستفادة من سوقها الواسعة.
غير أن هذه الرغبة تصطدم، من جهة، بالعقوبات الأميركية التي دفعت بالشركات الأوروبية الكبرى إلى التعجيل بالانسحاب من السوق الإيرانية تلافيا للعقوبات، ومن جهة أخرى بـ«فقدان صبر» المسؤولين الإيرانيين، وفق تعبير وزير الخارجية محمد جواد ظريف مؤخرا. وقد انتقدت السلطات الإيرانية على كل المستويات «البطء» الأوروبي وعدم كفاية ما تقوم به البلدان الثلاثة فيما ذهب المرشد الأعلى علي خامنئي إلى التنديد بـ«الرياء» الأوروبي و«عبث» التعويل عليهم. ورغم هذه المآخذ (الإيرانية) والتحفظات (الأوروبية) فإن الطرفين ما زالا يعملان على دفع الآلية المالية التي يستغرق العمل على إخراجها إلى النور ما يزيد على أربعة أشهر. لكن يتعين التذكير بأن الأوروبيين يشترطون على طهران اتخاذ التدابير الضرورية واللازمة في موضوعي غسل الأموال وتمويل الإرهاب قبل الانتقال إلى المرحلة اللاحقة. وحتى اليوم، هم يحصرون التعاملات مع إيران بالمواد الإنسانية غير المشمولة بالعقوبات الأميركية. وتقول المصادر الأوروبية إنه، في كل حال: «لا يتعين على إيران أن تنتظر منها تعويض خسائرها كافة» بسبب العقوبات. وهذه الخسائر أصبحت ملموسة. فقد تراجعت صادرات النفط الإيراني بنحو 1.5 مليون برميل في اليوم، في حين هبطت الميزانية الحكومية بنحو النصف وأصيبت العملة المحلية بتراجع حاد.
لكن وضع طهران نفطيا سيكون أكثر صعوبة مع انتهاء فترة السماح التي أعطتها واشنطن لثمانية بلدان، بينها أكبر مشتري النفط الإيراني «الصين والهند واليابان وتركيا وإيطاليا واليونان وكوريا الجنوبية وتايوان». وتنتهي هذه المهلة في 4 مايو المقبل. وليس سرا أن جدلا يدور حاليا داخل الإدارة الأميركية لتقرير ما إذا كان من المناسب تمديد العمل بفترة السماح لإبقاء أسعار لنفط على حالها أم يتعين إلغاؤها لتشديد الضغوط الاقتصادية على طهران. ولخص المبعوث الأميركي الخاص، المكلف الملف الإيراني، الموقف كالتالي: «لقد اضطررنا لمنح ثماني دول إعفاءات لتجنب صدمة في أسواق النفط العالمية تؤدي إلى زيادة هائلة في أسعار النفط وقد نجحنا في منع مليون نصف برميل من النفط الإيراني من النفاذ إلى السوق دون زيادة في أسعار النفط وسيكون عام 2019 سوقا أفضل في إمدادات النفط العالمية». وأضاف هوك أنه استنادا إلى آراء الخبراء فإن «المعروض سيكون أكبر من الطلب وهذا يعطينا ظروفا أفضل لتسريع الطريق إلى تصفير الصادرات النفطية الإيرانية».
وإذا سارت الأمور على هذا المنوال ووفق الخطط الأميركية، فإن أوضاع الاقتصاد الإيراني ستكون أكثر سوءا وبالتالي سوف تستدير طهران أكثر فأكثر نحو البلدان الأوروبية وعندها ستتبين حقيقة قدرة الأوروبيين على الاستجابة وإنقاذ الاتفاق النووي إذا وجدت طهران أن «مصالحها الحيوية» لم تعد مؤمّنة.
إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»https://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/5088685-%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%AD%D9%85%D8%A7%D8%B3-%D9%85%D9%84%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A6%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%82%D8%AA-%D8%B6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%81%D9%82%D8%A9
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
غزة:«الشرق الأوسط»
TT
غزة:«الشرق الأوسط»
TT
إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بعد أكثر من 420 يوماً على أطول حرب مدمرة عرفها الفلسطينيون، لا يزال الغزيون الذين فقدوا بلدهم وحياتهم وبيوتهم وأحباءهم، لا يفهمون ماذا حدث وماذا أرادت حركة «حماس» حقاً من هجومها المباغت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، الهجوم الذي غير شكل المنطقة وفتح أبواب الحروب والتغييرات.
الشيء الوحيد الواضح حتى الآن هو أن غزة تحولت إلى منطقة غير قابلة للحياة، ولا شيء يمكن أن يصف ألم الباقين على قيد الحياة الذين فقدوا نحو 50 ألفاً في الحرب المستمرة، وأكثر من 100 ألف جريح.
وإذا كان السكان في قطاع غزة، وآخرون في الضفة الغربية وربما أيضا في لبنان ومناطق أخرى لم يفهموا ماذا أرادت «حماس»، فإنهم على الأقل يأملون في أن تأتي النتائج ولو متأخرة بحجم الخسارة، ولا شيء يمكن أن يعوض ذلك سوى إقامة الدولة. لكن هل أرادت «حماس» إقامة الدولة فعلاً؟
هاجس الأسرى الذي تحول طوفاناً
في الأسباب التي ساقتها، تتحدث حركة «حماس» عن بداية معركة التحرير، لكنها تركز أكثر على «تحريك المياه الراكدة في ملف الأسرى الإسرائيليين الذين كانت تحتجزهم الحركة قبيل الحرب»، و «الاعتداءات المتكررة من قبل المنظومة الأمنية الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين»، إلى جانب تصاعد العدوان باتجاه المسجد الأقصى والقدس وزيادة وتيرة الاستيطان.
ولا تغفل الحركة عن أنها أرادت توجيه ضربة استباقية تهدف لحرمان تل أبيب من مباغتة غزة، وإعادة القضية إلى الواجهة.
وقالت مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأسباب كانت صحيحة وكافية بالنسبة للحركة لاتخاذ قرار شن الهجوم، لكن خرج المخطط عن السيطرة».
وأضاف: «الهدف الرئيسي كان أسر جنود إسرائيليين وعقد صفقة تاريخية. ثم تأتي الأسباب الأخرى. لكن لم يتوقع أحد حتى المخططون الرئيسيون، أن تنهار قوات الاحتلال الإسرائيلي بهذه الطريقة، ما سمح بالدفع بمزيد من المقاومين للدخول لمناطق أخرى في وقت وجيز، قبل أن يتسع نطاق الهجوم بهذا الشكل».
ويعد تحرير الأسرى الفلسطينيين بالقوة، هاجس «حماس» منذ نشأت نهاية الثمانينات.
ونجحت الحركة بداية التسعينات أي بعد تأسيسها فوراً باختطاف جنود في الضفة وغزة والقدس وقتلتهم دون تفاوض. وفي عام 1994 خطف عناصر «حماس» جندياً وأخذوه إلى قرية في رام الله وبَثُّوا صوراً له ورسائل، وطلبوا إجراء صفقة تبادل، قبل أن يداهم الجنود المكان ويقتلوا كل من فيه.
وخلال العقود القليلة الماضية، لم تكل «حماس» أو تمل حتى نجحت عام 2006 في أسر الجندي جلعاد شاليط على حدود قطاع غزة، محتفظة به حتى عام 2011 عندما عقدت صفقة كبيرة مع إسرائيل تم بموجبها تحرير شاليط مقابل ألف أسير فلسطيني، بينهم يحيى السنوار الذي فجر فيما بعد معركة السابع من أكتوبر من أجل الإفراج عمن تبقى من رفاقه في السجن.
وتعد الحركة، الوحيدة التي نجحت في خطف إسرائيليين داخل الأراضي الفلسطينية، فيما نجح الآخرون قبل ذلك خارج فلسطين.
وقال مصدر في «حماس»: «قيادة الحركة وخاصةً رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، كانت تولي اهتماماً كبيراً بملف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وظلت تبحث عن كل فرصة لإخراج أكبر عدد ممكن منهم».
وأضاف: «السنوار وعد رفاقه عندما خرج في صفقة شاليط بالإفراج عنهم».
وفعلاً حاول السنوار التوصل إلى صفقة من خلال مفاوضات على 4 أسرى لدى الحركة، وهم الجنود: هدار غولدن، وآرون شاؤول، اللذان تم أسرهما عام 2014، وأفراهام منغستو بعدما دخل الحدود بين عسقلان وغزة في العام نفسه، وهشام السيد بعد تسلله هو الآخر من الحدود.
تكتيكات «حماس» قبل وبعد
منذ 2014 حتى 2023 جربت «حماس» كل الطرق. عرضت صفقة شاملة وصفقة إنسانية، وضغطت على إسرائيل عبر نشر فيديوهات، آخرها فيديو قبل الحرب لمنغتسو، قال فيه: «أنا أفيرا منغيستو الأسير. إلى متى سأبقى في الأسر مع أصدقائي»، متسائلاً: «أين دولة إسرائيل وشعبها من مصيرهم».
ونشْر الفيديوهات من قبل «حماس» ميَّز سياسة اتبعتها منذ نشأتها من أجل الضغط على إسرائيل لعقد صفقات تبادل أسرى، وهو نهج تعزز كثيراً مع الحرب الحالية.
وخلال أكثر من عام نشرت «حماس» مقاطع فيديو لأسرى إسرائيليين بهدف الضغط على الحكومة الاسرائيلية، وعوائل أولئك الأسرى من جانب آخر، وكان آخر هذه المقاطع لأسير أميركي - إسرائيلي مزدوج الجنسية يدعى إيدان ألكسندر.
وظهر ألكسندر قبل أسبوع وهو يتحدث بالإنجليزية متوجهاً إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وبالعبرية متوجهاً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مطالباً إياهم بالعمل على الإفراج عنه وعن الأسرى ضمن صفقة تبادل، مؤكداً أن حراسه من عناصر «حماس» أخبروه بأنهم تلقوا تعليمات جديدة إذا وصل الجيش الإسرائيلي إليهم، في إشارة لإمكانية قتله، داعياً الإسرائيليين للخروج والتظاهر يومياً للضغط على الحكومة للقبول بصفقة تبادل ووقف إطلاق النار في غزة. مضيفاً: «حان الوقت لوضع حد لهذا الكابوس».
وكثيراً ما استخدمت «حماس» هذا التكتيك، لتظهر أنها ما زالت تحافظ على حياة العديد منهم وأنهم في خطر حقيقي، وللتأكيد على موقفها المتصلب بأنه لا صفقة دون وقف إطلاق نار.
وفي الأيام القليلة الماضية، نشرت «حماس» فيديو جديداً عبر منصاتها أكدت فيه أن 33 أسيراً قتلوا وفقدت آثار بعضهم بسبب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجيشه، وأنه باستمرار الحرب قد تفقد إسرائيل أسراها إلى الأبد.
إذن من أجل كل هذا وبعدما فشلت «حماس» في الوصول إلى صفقة، هاجمت في السابع من أكتوبر.
وقال مصدر مطلع: «لم تجد قيادة (حماس) أمامها سوى الخيار العسكري لتحريك هذا الملف، بعدما أهملت إسرائيل الملف ومطالبات الحركة بإتمام صفقة».
لكن النتائج جاءت عكس ما اشتهت السفن.
وأغلب الظن أن حركة «حماس» كانت تخطط لأسر عدد محدود من الإسرائيليين، تدخل بعدها في معركة قصيرة مع إسرائيل تجبر فيها الأخيرة على الإذعان لصفقة تبادل، على غرار ما جرى بعد اختطاف شاليط.
فالطوفان الذي خططت له «حماس»، جلب طوفانات على الفلسطينيين، وتحديداً في غزة التي تدمرت ودفعت ثمناً لا يتناسب مطلقاً مع الهدف المنوي جبايته.
خارج التوقعات
بدأت أصوات الغزيين ترتفع ويجاهر كثيرون بأن إطلاق سراح الأسرى لا يستحق كل هذا الدمار، ويقولون إن عدد الضحايا أصبح أضعاف أضعاف أعداد الأسرى، الذين بلغ عددهم قبل الحرب نحو 6 الآف.
وقال فريد أبو حبل وهو فلسطيني من سكان جباليا نازح إلى خان يونس جنوب القطاع: «كل ما نريده أن تتوقف هذه الحرب، لا شيء يمكن أن يكفر عن الثمن الباهظ جداً الذي دفعناه ولا حتى تبييض السجون بأكملها يمكن أن يعيد لنا جزءاً من كرامتنا المهدورة ونحن في الخيام ولا نجد ما نسد به رمق أطفالنا».
وتساءل أبو حبل: «من المسؤول عما وصلنا إليه؟! لو سئل الأسرى أنفسهم عن هذه التضحيات لربما كانوا تخلوا عن حريتهم مقابل أن يتوقف هدر الدماء بهذا الشكل».
لكن منال ياسين، ترى أن من يتحمل مسؤولية استمرار هذه الحرب هو الاحتلال الإسرائيلي وخاصةً نتنياهو الذي يرفض كل الحلول، معربةً عن اعتقادها أن «حماس» قدمت ما عليها، وحاولت تقديم كثير من المرونة، لكن من ترفض الحلول هي إسرائيل.
وتؤكد ياسين أن جميع سكان غزة يريدون وقف هذه الحرب.
ولا يقتصر هذا الجدل على آراء الناس في الشارع، بل امتد لشبكات التواصل الاجتماعي. وكتب الكاتب محمود جودة على صفحته على «فيسبوك»: «الموضوع صار خارج منطق أي شيء، مطر وجوع وقتل وخوف، أهل غزة الآن بيتعذبوا بشكل حقير وسادي، مقابل اللاشيء حرفياً. الجرحى بينزفوا دم، والمطر مغرقهم، والخيام طارت، والطين دفن وجوه الناس، ليش كل هذا بيصير فينا، ليش وعشان شو بيتم استنزافنا هيك بشكل مهين».
وقال الطبيب فضل عاشور، إن «كل محاولات حماس للحفاظ على البقاء محكومة بالفشل، والعناد اليائس ثمنه دمنا ولحم أطفالنا». فيما كتب الناشط الشبابي أيمن بكر: «ما هذا الخرب يا حماس؟ هل كل هذا يستاهل ما نحن فيه؟ نحن نموت جوعاً وقتلاً».
جدل عام وتهم جاهزة
هذا الجدل سرعان ما انتقل إلى السياسيين ورجال الدين.
فقد أثار الشيخ سليمان الداية عميد كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية التابعة لـ«حماس»، وأبرز الشخصيات المعروفة مجتمعياً ومن القيادات المؤثرة دينياً داخل الحركة، وجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، جدلاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعد نشره حلقات متتالية حول ما آلت إليه الحرب من نتائج صعبة على واقع الغزيين سياسياً واقتصادياً ودينياً واجتماعياً.
وكان الداية بالأساس يرد على تساؤلات دفعته لنشر هذه الحلقات، حول تصريحات للقيادي في «حماس» أسامة حمدان، حين قال إن ما يعيشه سكان غزة واقع عاشه كثيرون في العالم على مر التاريخ، مدافعاً عن هجوم 7 أكتوبر، ومبرراً حاجة حركته للتمسك بمواقفها رغم العدد الكبير من الضحايا والدمار الذي لحق بغزة.
ودفع كلام الداية، الكثيرين من المؤيدين لفكرة إنهاء الحرب أو رفضها من الأساس، بينما هاجمه كثيرون من عناصر «حماس» ووصفوه بأنه أحد «المتخاذلين أو المستسلمين».
وكتب الأسير المحرر والمختص بالشؤون الإسرائيلية عصمت منصور على صفحته في «فيسبوك» معلقاً على هذا الجدل: «لا تتهموا كل من يختلف أو يجتهد أو يحاول إثارة نقاش بجمل مسبقة وجاهزة ووضعه في خانة معادية للمقاومة وتحويل المقاومة إلى سيف مسلط على ألسن الناس».
ويرى المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن هذا الخلاف، طبيعي في ظل الظروف التي تحكم الفلسطينيين، لكنه يعتقد أنه كان من الصواب لو اعترفت «حماس» بأنها ربما قد تكون أخطأت التقدير في ظروف ردة الفعل الإسرائيلية على مثل الهجوم الذي شنته، وكان من الممكن أن يكون بشكل مغاير يخفف من مثل ما يجري على الأرض من مجازر ترتكب يومياً.
وأضاف: «الفلسطينيون بحاجة لنقاش جدي حول كثير من القضايا خاصةً فيما يتعلق بما وصلت إليه القضية الفلسطينية على جميع المستويات».
وتجمع غالبية من الفلسطينيين على أن حركة «حماس» كانت قادرة على أن يكون الهجوم الذي نفذته في السابع من أكتوبر 2023، أكثر حكمةً وأقل ضرراً بالنسبة للغزيين في ردة فعلهم.
ويستدل الفلسطينيون خاصةً في غزة، على العديد من الهجمات التي كانت تنفذها «حماس» لمحاولة خطف إسرائيليين، بشكل يظهر حكمتها، كما جرى في عملية أسر جلعاد شاليط عام 2006.
وتقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، إن ما جرى كان خارج التوقعات، ولم يشمل المخطط الحقيقي للعملية، على الأقل أسر هذا العدد الكبير من الإسرائيليين.
وتعتقد مصادر أخرى أن القائمين على مخطط الهجوم، لو كانوا يدركون أنه سيسير بهذا الشكل، وتحديداً فيما يتعلق بردة الفعل الإسرائيلية، لصرفوا النظر أو أوقفوا الهجوم أو غيروا من تكتيكاته.
وإذا كان ثمة نقاش حول الثمن المدفوع الذي أرادت «حماس» أن تجبيه فإنها حتى الآن لم تُجبِه.
ويبدو أن التوصل لصفقة بين «حماس» وإسرائيل، أعقد مما تخيلت الحركة، في ظل رفض الأخيرة لكثير من الشروط التي وضعتها الأولى، خاصةً فيما يتعلق بالانسحاب من قطاع غزة بشكل كامل، وعودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، والأزمة المتعلقة بشكل أساسي باليوم التالي للحرب.
وينوي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حتى الآن، المضي في حربه، من أجل مصالح سياسية وشخصية بشكل أساسي، وهو الأمر الذي تؤكده عوائل الأسرى الإسرائيليين وغيرهم وحتى جهات من المؤسسة الأمنية في تل أبيب، التي تشير إلى أن نتنياهو هو من يعرقل أي اتفاق مع «حماس».
وأكد المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن «نتنياهو يفضل استمرار الحرب في غزة من أجل كسب الوقت للحفاظ على حكمه سياسياً ومنع تفكك ائتلافه الحكومي من جهة، ومنع مقاضاته من جهة أخرى، ولذلك طلب مؤخراً عدة مرات تأجيل شهادته في قضايا الفساد المتهم بها، كما أنه يسعى لسن قوانين تسمح له بعدم الوجود في أماكن معينة لوقت طويل خشيةً من استهدافه بالطائرات المسيّرة، بهدف المماطلة في جلسات المحاكمة».
ويعتقد إبراهيم أنه كان من الممكن سابقاً التوصل لاتفاق جزئي يضمن في نهايته انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، إلا أن المشهد المعقد أيضاً في عملية اتخاذ القرار الفلسطيني داخل حركة «حماس» بشكل خاص، كان له أثر سلبي على ذلك، ما أضاع العديد من الفرص للتوصل لصفقة.
ويتفق إبراهيم مع الآراء التي تؤكد أن التوصل لصفقة يصبح أكثر تعقيداً وصعوبةً مع مرور الوقت.
وبانتظار أن ترى صفقة «حماس» النور أو لا... لم تكن «حماس» مخترعة العجلة في هذا الأمر.
صفقات تبادل سابقة
ونجح الفلسطينيون عبر تاريخ طويل في عقد عدة صفقات تبادل أسرى.
وكانت صفقة الجندي جلعاد شاليط هي الأولى بالنسبة لحركة «حماس»، وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، كانت الصفقة الثانية بالنسبة لـ«حماس» خلال الحرب الحالية، بإطلاق سراح نحو 50 إسرائيلياً مقابل 150 فلسطينياً.
ويعود التاريخ الفلسطيني في صفقات التبادل، إلى يوليو (تموز) 1968، وهي الصفقة الأولى بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، حين نجح عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إحدى فصائل المنظمة، باختطاف طائرة إسرائيلية تابعة لشركة العال، التي كانت متجهة من روما إلى تل أبيب وأجبرت على التوجه إلى الجزائر وبداخلها أكثر من مائة راكب، وتم إبرام الصفقة من خلال «الصليب الأحمر الدولي» وأفرج عن الركاب مقابل 37 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية من ضمنهم أسرى فلسطينيون كانوا قد أسروا قبل عام 1967.
وفي يناير (كانون الثاني) 1971، جرت عملية تبادل أسير مقابل أسير ما بين حكومة إسرائيل وحركة «فتح»، وأطلق بموجبها سراح الأسير محمود بكر حجازي، مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي اختطف في أواخر عام 1969.
وفي مارس (آذار) 1979، جرت عملية تبادل أخرى بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، سراح جندي إسرائيلي كانت قد أسرته بتاريخ 5 أبريل (نيسان) 1978، في كمين قرب صور، وقتلت حينها 4 جنود آخرين، وأفرجت إسرائيل مقابل الجندي عن 76 معتقلاً فلسطينياً من بينهم 12 سيدة.
وفي منتصف فبراير (شباط) 1980 أطلقت حكومة إسرائيل سراح الأسير مهدي بسيسو، مقابل إطلاق سراح مواطنة عملت جاسوسة لصالح إسرائيل كانت محتجزة لدى حركة «فتح»، وتمت عملية التبادل في قبرص وبإشراف اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر».
وفي 23 نوفمبر 1983، جرت عملية تبادل جديدة ما بين الحكومة الإسرائيلية، وحركة «فتح»، أفرج بموجبها عن جميع أسرى معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم (4700) أسير فلسطيني ولبناني، و (65) أسيراً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود إسرائيليين أسروا في منطقة بحمدون في لبنان، فيما أسرت الجبهة الشعبية – القيادة العامة، جنديين آخرين.
وفي 20 مايو (أيار) 1985، أجرت إسرائيل عملية تبادل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، أطلق بموجبها سراح 1155 أسيراً كانوا محتجزين في سجونها المختلفة، مقابل ثلاثة جنود أسروا في عمليتين منفصلتين.
لكن ليس كل الصفقات تمت بمبادلة.
ولعل أبرز صفقة حصلت عليها «حماس» لم تشارك فيها بشكل مباشر، وكانت عام 1997، حين جرت اتفاقية تبادل ما بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة الأردنية وأطلقت بموجبها الحكومة الأخيرة سراح عملاء الموساد الإسرائيلي الذين حاولوا اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» حينها خالد مشعل، فيما أطلقت حكومة إسرائيل سراح الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، الذي كان معتقلاً في سجونها منذ عام 1989 وكان يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة، وكان لهذا الإفراج دور مهم في ارتفاع شعبية الحركة على مدار سنوات تلت ذلك، وخاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.