«السترات الصفراء» مستمرون في حركتهم الاحتجاجية ولكن من غير أعمال العنف

مظاهرات في باريس والمدن الكبرى وسط إجراءات أمنية استثنائية

وحدات من قوى الشرطة ومكافحة الشغب في ساحة «تروكاديرو» المشرفة على «برج إيفل» (أ.ف.ب)
وحدات من قوى الشرطة ومكافحة الشغب في ساحة «تروكاديرو» المشرفة على «برج إيفل» (أ.ف.ب)
TT

«السترات الصفراء» مستمرون في حركتهم الاحتجاجية ولكن من غير أعمال العنف

وحدات من قوى الشرطة ومكافحة الشغب في ساحة «تروكاديرو» المشرفة على «برج إيفل» (أ.ف.ب)
وحدات من قوى الشرطة ومكافحة الشغب في ساحة «تروكاديرو» المشرفة على «برج إيفل» (أ.ف.ب)

أمضت جادة الشانزليزيه أمس، للمرة الثانية، يوماً هادئاً، استمتع فيه الباريسيون والسائحون بأشعة الشمس الربيعية، بعيداً عن أعمال الحرق والنهب، والمواجهات بين القوى الأمنية والمتظاهرين من السترات الصفراء، ومن انضم إليهم من مشاغبين. وأفضى هذا الوضع إلى «أزمة ثقة» بقدرة الحكومة على المحافظة على الأمن، الأمر الذي دفع الرئيس ماكرون إلى مطالبتها بإجراءات أمنية صارمة، أبرزها منع التظاهر في الجادة المذكورة، وفي محيط القصر الرئاسي والبرلمان، والاستعانة بوحدات من الجيش لحراسة المواقع الحساسة، وتحريك القضاء بفعالية أكبر. والإجراءات نفسها أتيح العمل بها في المدن الأخرى. وكانت النتيجة أمس أن مظاهرات «السترات الصفراء»، للسبت العشرين منذ انطلاق الحركة الاحتجاجية، جاءت سلمية، باستثناء «مناوشات» بقيت تحت السيطرة في مدينة بوردو (جنوب غرب) وأفينيون (جنوب شرق) وسان أتيان (وسط).
ومنذ الصباح الباكر، تمركزت وحدات من قوى الشرطة والدرك ومكافحة الشغب بكثافة في جادة الشانزليزيه، وتحت قوس النصر، والشوارع المتفرعة عنها، حيث منع التظاهر. وأقيمت نقاط تفتيش على مداخل الجادة التي لم تستطع بعد محو آثار يوم 16 مارس (آذار) الماضي الذي أطلق عليه «السبت الأسود». ونتيجة لذلك، كانت حركة السير فيها طبيعية، فيما المطاعم والمقاهي والمحلات فتحت أبوابها. لكن ليس بعيداً منها، تجمع آلاف المتظاهرين الذين تقاطرت موجاتهم في ساحة «تروكاديرو» المشرفة على «برج إيفل» الشهير، في مظاهرة سمحت بها مديرية الشرطة. وتميزت المظاهرة التي انطلقت من ساحة شاتليه، وسط باريس، ومن محطة القطارات المسماة «محطة الشرق»، بالهدوء وبالغياب الملحوظ لمجموعات المشاغبين تلك المسماة «بلاك بلوك» اليسارية الفوضوية التي استفادت أيام التعبئة السابقة من المناسبة لتعيث فساداً في العاصمة والمدن الأخرى. وكان لافتاً النظام والهدوء اللذين سادا المسيرة الطويلة التي مرت في جادات سياحية وتجارية ومناطق سكنية راقية، مثل الحي السابع من باريس، قبل الوصول إلى برج إيفل. بيد أن الأمور مالت إلى التوتر مع انتهاء المظاهرة في ساحة تروكاديرو التي شهدت مواجهات محدودة بين مجموعة صغيرة من مرتدي الثياب السوداء وقوى مكافحة الشغب التي أطلقت الغاز المسيل للدموع، وأقفلت جادة كليبير، والشوارع الأخرى المفضية إلى جادة الشانزليزيه. وكان الهم الأول للقوى الأمنية أن تمنع وصول المتظاهرين ومن يرافقهم إلى الجادة المذكورة.
وما شهدته باريس أمس عرفت مثله المدن الكبرى الأخرى، وتحديداً مدينة بوردو التي دعا رئيس بلديتها أصحاب المتاجر والمطاعم والمقاهي إلى الامتناع عن استقبال الزبائن، كما دعا السكان للبقاء في منازلهم، في إطار ما سماه «مدينة ميتة»، تلافياً لأحداث الشغب وأعمال العنف التي اعتادت عليها هذه المدينة التي تعد المركز الاحتجاجي الأول في منطقة جنوب غربي فرنسا. وبالتوازي مع هذه الدعوة، أمر مدير الشرطة بمنع التظاهر في قلب المدينة وعلى واجهتها النهرية، بيد أن هذه التدابير كافة لم تحل دون قيام مظاهرة سارت في شارع سانت كاترين، أكبر الشوارع التجارية في المدينة، حيث جرت بعض المناوشات مع رجال الدرك ووحدات مكافحة الشغب. وهاجم ملثمون فرع مصرف محلي، وأضرموا النيران في مكان قريب منه، الأمر الذي استدعى تدخل رجال الأمن، واللجوء إلى القنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع. وفي السياق عينه، ذهب مدير الشرطة في مدينة أفينيون التاريخية الشهيرة، التي يطلق عليها اسم «مدينة الباباوات»، إلى إجراءات أكثر صرامة، إذ منع المظاهرات والمسيرات داخل المدينة وخارجها، مما حمل السترات الصفراء إلى التجمع على طريق سريع قريب، حيث تعرقل السير، مما استدعى تدخل القوى الأمنية. وحصلت مسيرات ومظاهرات في كثير من المدن الأخرى، وساعد على ذلك الطقس الجميل الذي خيم على فرنسا يوم أمس.
وتأتي أهمية استمرار الحراك، وفق المراقبين، من اقتراب موعد إعلان الحكومة عن الإجراءات التي تنوي اتخاذها رداً على المطالب التي رفعت خلال جلسات «الحوار الوطني الكبير» الذي أطلقه رئيس الجمهورية في يناير (كانون الثاني) الماضي، ودام أكثر من شهرين. وقد انتهى الحوار رسمياً في 15 مارس (آذار)، ومن المنتظر أن يعلن الرئيس ماكرون عن الخلاصات التي سيأخذ بها منتصف الشهر الجاري. والحال أن الكثيرين من المراقبين يرون أن ماكرون «ليس في وضع يتيح له الاستجابة» للمطالب الرئيسية التي رفعتها «السترات الصفراء» خلال أكثر من 4 أشهر من التعبئة، خصوصاً لجهة زيادة القدرة الشرائية، وتخفيف أعباء الضرائب، وإعادة فرض ضريبة الثروة، وإلغاء الزيادات على المحروقات، التي عادت أسعارها إلى الارتفاع، وإقرار العمل بالاستفتاء بمبادرة شعبية. والتخوف الذي يؤرق السلطات أن تدفع الخيبة من الإجراءات الحكومية المنتظرة الناس مجدداً، وبشكل أقوى، إلى الشارع، واعتبار أن الحوار المذكور لم يكن سوى وسيلة لكسب الوقت وتمييع التعبئة. وفي أي حال، فإن ماكرون استبق الاستحقاق الرئيسي، 15 أبريل (نيسان)، بالتأكيد أكثر من مرة أنه ليس مستعداً لإعادة فرض ضريبة الثروة، كما أنه يرفض استحداث شريحة جديدة للرواتب المرتفعة في عملية احتساب ضريبة الدخل. ولذا، فالسؤال المطروح يتناول بالدرجة الأولى كيفية تمويل التدابير التي يمكن أن يعلنها، باستثناء تلك التي لا تكلف الخزينة شيئاً، مثل الإصلاحات المؤسساتية والاجتماعية.
أما المشكلة الثانية التي يواجهها الرئيس، ومعه الحكومة، فعنوانها الانتخابات الأوروبية المقبلة التي ستجرى نهاية مايو (أيار) المقبل. وتتنافس لائحة الحزب الرئاسي (الجمهورية إلى الأمام)، التي تقودها وزيرة الشؤون الأوروبية السابقة ناتالي لوازو، مع لائحة اليمين المتطرف، الذي تقوده المرشحة الرئاسية السابقة مارين لوبن. وتبين استطلاعات الرأي أن اللائحتين تتجاوران في نسبة الأصوات التي ستحصلان عليها، وبالتالي فإن النقمة المتأتية عن عدم الرضا على قرارات ماكرون المنتظرة ستكون لها انعكاساتها في صندوق الانتخاب، وعلى توازن القوى السياسية في الساحة الفرنسية.



كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

TT

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)
ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (53 عاماً) استقالته من منصبه، الاثنين، في مواجهة ازدياد الاستياء من قيادته، وبعدما كشفت الاستقالة المفاجئة لوزيرة ماليته عن ازدياد الاضطرابات داخل حكومته.

وقال ترودو إنه أصبح من الواضح له أنه لا يستطيع «أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة بسبب المعارك الداخلية». وأشار إلى أنه يعتزم البقاء في منصب رئيس الوزراء حتى يتم اختيار زعيم جديد للحزب الليبرالي.

وأضاف ترودو: «أنا لا أتراجع بسهولة في مواجهة أي معركة، خاصة إذا كانت معركة مهمة للغاية لحزبنا وبلدنا. لكنني أقوم بهذا العمل لأن مصالح الكنديين وسلامة الديمقراطية أشياء مهمة بالنسبة لي».

ترودو يعلن استقالته من أمام مسكنه في أوتاوا الاثنين (رويترز)

وقال مسؤول، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن البرلمان، الذي كان من المقرر أن يستأنف عمله في 27 يناير (كانون الثاني) سيتم تعليقه حتى 24 مارس، وسيسمح التوقيت بإجراء انتخابات على قيادة الحزب الليبرالي.

وقال ترودو: «الحزب الليبرالي الكندي مؤسسة مهمة في تاريخ بلدنا العظيم وديمقراطيتنا... سيحمل رئيس وزراء جديد وزعيم جديد للحزب الليبرالي قيمه ومثله العليا في الانتخابات المقبلة... أنا متحمّس لرؤية هذه العملية تتضح في الأشهر المقبلة».

وفي ظل الوضع الراهن، يتخلف رئيس الوزراء الذي كان قد أعلن نيته الترشح بفارق 20 نقطة عن خصمه المحافظ بيار بوالييفر في استطلاعات الرأي.

ويواجه ترودو أزمة سياسية غير مسبوقة مدفوعة بالاستياء المتزايد داخل حزبه وتخلّي حليفه اليساري في البرلمان عنه.

انهيار الشعبية

تراجعت شعبية ترودو في الأشهر الأخيرة ونجت خلالها حكومته بفارق ضئيل من محاولات عدة لحجب الثقة عنها، ودعا معارضوه إلى استقالته.

ترودو وترمب خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ 8 يوليو 2017 (رويترز)

وأثارت الاستقالة المفاجئة لنائبته في منتصف ديسمبر (كانون الأول) البلبلة في أوتاوا، على خلفية خلاف حول كيفية مواجهة الحرب التجارية التي تلوح في الأفق مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وهدّد ترمب، الذي يتولى منصبه رسمياً في 20 يناير، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة على السلع الكندية والمكسيكية، مبرراً ذلك بالأزمات المرتبطة بالأفيونيات ولا سيما الفنتانيل والهجرة.

وزار ترودو فلوريدا في نوفمبر (تشرين الثاني) واجتمع مع ترمب لتجنب حرب تجارية.

ويواجه ترودو الذي يتولى السلطة منذ 9 سنوات، تراجعاً في شعبيته، فهو يعد مسؤولاً عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، بالإضافة إلى أزمة الإسكان والخدمات العامة.

ترودو خلال حملة انتخابية في فانكوفر 11 سبتمبر 2019 (رويترز)

وترودو، الذي كان يواجه باستهتار وحتى بالسخرية من قبل خصومه قبل تحقيقه فوزاً مفاجئاً ليصبح رئيساً للحكومة الكندية على خطى والده عام 2015، قاد الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

واتبع نجل رئيس الوزراء الأسبق بيار إليوت ترودو (1968 - 1979 و1980 - 1984) مسارات عدة قبل دخوله المعترك السياسي، فبعد حصوله على دبلوم في الأدب الإنجليزي والتربية عمل دليلاً في رياضة الرافتينغ (التجديف في المنحدرات المائية) ثم مدرباً للتزلج على الثلج بالألواح ونادلاً في مطعم قبل أن يسافر حول العالم.

وأخيراً دخل معترك السياسة في 2007، وسعى للترشح عن دائرة في مونتريال، لكن الحزب رفض طلبه. واختاره الناشطون في بابينو المجاورة وتعد من الأفقر والأكثر تنوعاً إثنياً في كندا وانتُخب نائباً عنها في 2008 ثم أُعيد انتخابه منذ ذلك الحين.

وفي أبريل (نيسان) 2013، أصبح زعيم حزب هزمه المحافظون قبل سنتين ليحوله إلى آلة انتخابية.

وخلال فترة حكمه، جعل كندا ثاني دولة في العالم تقوم بتشريع الحشيش وفرض ضريبة على الكربون والسماح بالموت الرحيم، وأطلق تحقيقاً عاماً حول نساء السكان الأصليين اللاتي فُقدن أو قُتلن، ووقع اتفاقات تبادل حرّ مع أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك.