حرب التصريحات تشتعل بين البيض والسود بعد انسحاب الحرس الوطني من فيرغسون

حاكم ولاية ميسوري لـ «الشرق الأوسط» : خلفيات عنصرية لما حدث في فيرغسون

متظاهرون يحتجون على عمليات إطلاق النار في فيرغسون أول من أمس (إ.ب.أ)
متظاهرون يحتجون على عمليات إطلاق النار في فيرغسون أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

حرب التصريحات تشتعل بين البيض والسود بعد انسحاب الحرس الوطني من فيرغسون

متظاهرون يحتجون على عمليات إطلاق النار في فيرغسون أول من أمس (إ.ب.أ)
متظاهرون يحتجون على عمليات إطلاق النار في فيرغسون أول من أمس (إ.ب.أ)

أصدر حاكم ولاية ميسوري الأميركية، مساء أول من أمس، أمرا إلى قوات الحرس الوطني بالانسحاب من بلدة فيرغسون، إثر انحسار التوترات بعد نحو أسبوعين من احتجاجات غاضبة على مقتل الشاب الأسود مايكل براون (18 سنة) في التاسع من أغسطس (آب) الماضي برصاص ضابط شرطة أبيض.
وأمر جاي نيكسون، حاكم الولاية، قوات الحرس الوطني التي جرى نشرها في فيرغسون لمساعدة الشرطة في ذروة الاضطرابات، ببدء الانسحاب من البلدة، التي يبلغ عدد سكانها 21 ألف نسمة. وقال نيكسون في بيان: «نرى تحسنا مستمرا».
وجاء أمر الانسحاب بعد يوم من قيام وزير العدل الأميركي إريك هولدر بزيارة إلى فيرغسون للقاء والدي براون، وسكان آخرين، ومراجعة وضع تحقيق اتحادي نزيه بشأن الحقوق المدنية أمر به في قضية مقتل براون.
ولليلة الثانية على التوالي، لم تشاهد «الشرق الأوسط» اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة في هذه المدينة الصغيرة التي يشكل السود أغلبية سكانها، بينما لا يوجد غير عدد قليل من السود في شرطتها. واختفت الدبابات، والمصفحات، ورجال الشرطة الذين كانوا تحولوا إلى جنود، يحملون البنادق الأوتوماتيكية العملاقة، ويضعون على رؤوسهم قبعات عسكرية بها أجهزة اتصال لا سلكية ويضعون على عيونهم نظارات ليلية، مثل أولئك الذين كانوا يجوبون شوارع العراق أيام الاحتلال الأميركي.
وفي منتصف الليل، كعادته، عقد الكابتن رونالد جونسون قائد «هاي واي باترول» (شرطة الطرق البرية) التي تتولى الآن مسؤولية الأمن في المدينة، مؤتمره الصحافي وقال: «في الليلة الماضية، ساعدنا المطر على التعامل مع قلة المتظاهرين، وتهدئة الوضع. وهذه الليلة، ساعدنا المتظاهرون أنفسهم، إذ قل عددهم، وقل عنفهم. ولم يطلقوا قنبلة مولوتوف. ولم نطلق نحن قنبلة مسيلة للدموع».
وقبل يوميين فقط، كان الكابتن جونسون يجهز مائدة أمامه، ليضع عليها أنواع قنابل المولوتوف التي أطلقها المتظاهرون على الشرطة. لكن في الليلة الماضية وضع ورودا وزهورا، وبطاقات ودية قدمها متظاهرون إلى الشرطة. وفي الليلة الماضية، أيضا، ظهر لأول مرة رجال دين يدعون المتظاهرين إلى عدم استعمال العنف، ووزع بعضهم نسخا من الكتاب المقدس، وصلوا صلوات أمام مطاعم ومخازن احترقت خلال قمة الاشتباكات. ولأول مرة، أيضا، تحول متظاهرون من الهتافات المعادية للشرطة إلى الأغاني والرقص، ومع قلة البيض وسط المتظاهرين، ظهر مواطنان أبيضان: واحد يعزف على قيثارة، والثاني ينفخ في صفارة، ووراءهما سود يغنون ويرقصون. وقد كانت أغاني السود خلال الليالي الأولى متشددة، وكان معهم مغنو راب، غنوا أغنية راب تقول: «ليشاهدنا العالم. ليحسوا أحاسيس غضب الأجيال... (مع كلمات بذيئة)».
لكن هذا الجو المشحون تقلص يوم أمس عندما أعلن جاي نيكسون، حاكم ولاية ميسوري أنه أمر بسحب الحرس الوطني (التابع للولاية)، بفضل هدوء الوضع. وكان الحاكم قد أمر بعسكرة الحرس الوطني في المدينة، بعد أن أمر الشرطة بالبقاء في ثكناتها بسبب عملياتها المتشددة التي حولت المدينة، كما قال الحاكم نفسه، إلى «ساحة حرب». لكن يوم أمس، تحولت حرب الشوارع بين الفريقين إلى حرب تصريحات، خاصة بين شرطة المدينة ومؤيدين لهم، وبين المتظاهرين ومؤيدين لهم.
من جهته، نفى روبرت ماكولوك المتحدث باسم المدعي العام للمقاطعة التي توجد فيها المدينة، والذي سيقدم القضية إلى محكمة في الأسبوع المقبل، اتهامات عن انحياز المدعي (الأبيض) ضد المتظاهرين السود، وقال: «مكتب المدعي العام يمثل كل المواطنين، ولا يفرق بينهم حسب ألوانهم، أو الأمكنة التي جاءوا منها، أو أصولهم». وأضاف: «نحن نجمع المعلومات والوثائق، وسنقدمها إلى القضاء، ولنترك القضاء يقول كلمته». وكانت جميلة نشيد، السوداء المسلمة الوحيدة في مجلس شيوخ ولاية ميسوري، قد قالت لـ«الشرق الأوسط» أول من أمس، إنها تجمع توقيعات لعزل المدعي العام. كما أكد القس دوغلاس هوليز لـ«الشرق الأوسط» أن «أغلبية المتظاهرين سلميون. لكن توجد عناصر مشاغبة هي سبب المشاكل. وطبعا، عندما تتشدد الشرطة مع المتظاهرين، يتشدد المتظاهرون مع الشرطة». وأضاف: «جاءت عناصر مشاغبة من خارج فيرغسون. ولذلك وجب منعهم من التغلغل وسط المواطنين هنا».
وقال أكبر محمد، عضو قادة جماعة «أمة الإسلام» للأميركيين المسلمين السود، التي يرأسها الزعيم لويس فرقان لـ«الشرق الأوسط»: «جئت إلى هنا بتعليمات من الزعيم فرقان لأساند الإخوة والأخوات. جئت لأدعو إلى المقاومة السلمية، ولنبذ العنف». لكن محمد رفض التعليق على توتر العلاقة بين فرقان والرئيس باراك أوباما.
وفي مقابلة في تلفزيون «سي إن إن»، قال نيكسون، حاكم الولاية: «أنا سياسي طوال حياتي، ولا أستطيع نفي وجود خلفيات عنصرية لما حدث في فيرغسون. من جهة، أعرف أحاسيس سكان فيرغسون، وأدرك عدم وجود ثقة في الشرطة هناك، خاصة بعد أحداث الأسبوعين الماضيين. ولهذا، أمرت بسحب شرطة المدينة، وبأن يحل الحرس الوطني محلهم». وأضاف: «لكن، في الجانب الآخر، أنا حاكم الولاية والمسؤول الأول عن القانون والنظام».
وبدأت عبارات الحاكم ودية بالمقارنة مع تصريحات سابقة، خاصة في قمة المظاهرات، حيث تحدث في ذلك الوقت عن «جماعات تعمل على ارتكاب الجرائم، وتعريض المواطنين للخطر. وهذا غير مقبول». ووصف المنطقة بأنها صارت مثل «ساحة حرب». غير أن قادة سودا انتقدوا الحاكم، ووصفوه بأنه «ديمقراطي وكأنه جمهوري». لكن لم يتهموه بالعنصرية، وهو الذي فاز على منافسه الجمهوري اعتمادا على أصوات السود. لكن، كما قال أحد هؤلاء القادة السود: «نحن لم نره في شوارع فيرغسون يحمي المتظاهرين من الدبابات والمصفحات».
غير أن حديث الحاكم عن الاختلافات العنصرية كان دبلوماسيا، حسب بعض المراقبين، على اعتبار أنها حقيقة في فيرغسون (وفي كل أميركا). ففي فيرغسون مثلا، يمثل البيض نسبة 29 في المائة من المجموع الكلي للسكان، ويمثل السود نسبة 67 في المائة. مع زيادة السود تدريجيا على حساب البيض. وفي عام 1990 كانت نسبة البيض 74 في المائة ونسبة السود 25 في المائة فقط.
وقد بدأت اضطرابات فيرغسون يوم 9 أغسطس (آب) الحالي، عندما قتل صبي أسود غير مسلح، يدعى مايكل براون، برصاص شرطي أبيض، هو دارين ويلسون. وفي الحال، قالت شرطة فيرغسون إن الصبي تورط في حادث سرقة قبل إطلاق النار عليه بدقائق. وأضافت أن الضابط ويلسون اتجه بسيارته نحو الصبي براون الذي كان يقف مع صبي آخر يدعى دوريان جونسون.. أمرهما بالتجمع على جانب الطريق، وحدثت مشادة كلامية بين الضابط والصبيين، ثم هرب الصبيان، فطارد الشرطي براون، واشتبك معه، ثم أطلق الشرطي عددا من الرصاصات وقتل براون.
وبينما قالت الشرطة إن إطلاق النار حدث خلال الاشتباك، بعد أن هدد الصبي الشرطي، قال زميله إن الشرطي طارد براون، وقتله من الخلف، وأيده في ذلك عدد من الشبان السود.
وكان الشرطي ويلسون (28 سنة) الذي يعيش في مدينة غير فيرغسون قد تسلم في فبراير (شباط) الماضي، خطاب مدح بسبب «جهود غير عادية في عمله». لكن في الوقت الحالي، يختفي ويلسون، وذلك بعد أن هدد سود بقتله.
وفي الأسبوع الماضي، قام د. مايكل بادن، الذي يعد من أشهر الأطباء الشرعيين في أميركا، حسب طلب عائلة براون، بتشريح جثة براون، وذلك لأن العائلة لم تقتنع بنتائج التشريح المحلي. وقال بادن إن براون تعرض لست طلقات نارية كلها من الأمام. أربع منها في ذراعه اليمنى، وواحدة دخلت في عينه اليمنى، والسادسة في الجمجمة. لكن، قال كثير من السود إن الرصاصات كانت في الخلف، لأن الشاب هرب من الشرطي.
وأول من أمس، قال وزير العدل إريك هولدر (زار مكان الاحتجاجات) إن وزارة العدل ستجري تشريحا جديدا للجثمان.
وهكذا، تتضارب التصريحات حول عدد الرصاصات، وحول اتجاهاتها، وحول المشادة بين الشرطي والصبي، وحول سجل جرائم الصبي، وحول الموضوع الأكبر في البلد: الصراع العنصري بين البيض والسود في فيرغسون، وفي كل أميركا.



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.