بروفايل: المحامي مصطفى بوشاشي «أيقونة» الحراك في الجزائر

مرشح لنقل البلاد إلى «الجمهورية الثانية» رغم زهده بالسلطة

بروفايل: المحامي مصطفى بوشاشي «أيقونة» الحراك في الجزائر
TT

بروفايل: المحامي مصطفى بوشاشي «أيقونة» الحراك في الجزائر

بروفايل: المحامي مصطفى بوشاشي «أيقونة» الحراك في الجزائر

في عزّ موجة الغضب العارم التي تجتاح الجزائر، منذ 22 فبراير (شباط) الماضي، قفز إلى ساحة النقاش اسم المحامي الشهير مصطفى بوشاشي، بديلاً محتملاً مؤقتاً أو دائماً للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي تخلى عن رغبته في تمديد حكمه تحت ضغط الشارع. واقترحه ناشطون بالحراك ليقود فترة انتقالية مدتها ستة أشهر، تنتهي بتسليم السلطة إلى رئيس جديد منتخب، في حين يراه آخرون رئيساً بكامل الصلاحيات في انتخابات تنظّم مباشرة، دونما حاجة إلى مراحل انتقالية تحيل الجزائريين إلى نماذج سيئة من تسيير البلاد في تاريخ غير بعيد.

في أحدث تصريحاته للصحافة، رفض بوشاشي كلتا الصيغتين؛ فهو يفضّل - كما قال - أن يظل «مناضلاً بسيطاً يدافع عن الحقوق والحريات». وعلى عكس بعض النشطاء، رفض بوشاشي مقترح الجيش تطبيق المادة 102 من الدستور، التي تتحدث عن عزل الرئيس بسبب مرض خطير ومزمن. وقال بهذا الخصوص: «المطلوب تطبيق المادة 7 من الدستور التي تقول إن الشعب هو مصدر السيادة. فالشعب طالب بالتحرر من هذا النظام، ولا يريده أن يشرف على ترتيبات تخص مستقبله. إن صرخة الشعب وصل صداها إلى كل بقاع العالم، من كندا إلى آسيا، إلا نظام الجزائر الذي يرفض أن يسمعها».
واعتبر بوشاشي أن «الشباب الذين خرجوا منذ 22 فبراير أعادوا لنا الكرامة والعزة التي افتقدناها، وكنا نخجل عندما نتحدث إلى شعوب العالم... يجب علينا جميعا أن نقدّس هذه الثورة السلمية ولا نختزلها في نقاش دستوري ولا في اختيار شخص يقود البلاد... إنها أكبر من ذلك بكثير». لكن هل هذا «الزهد» في المسؤولية، من جانب المحامي والناشط الحقوقي، يبعد عنه ضغط بعض أطراف الحراك الذي يريده رئيساً؟ يرفض بوشاشي الخوض في هذه المسألة نهائياً من منطلق «أنني لا أطلب شيئاً لنفسي وإنما أناضل من أجل أن يحكم بلدي شخص نزيه ونظيف اليد، صارم في تطبيق القانون على الجميع».

- البلد في حاجة إلى آليات وليس إلى أشخاص
يقول أستاذ التاريخ والناشط السياسي المعروف، محمد إرزقي فرّاد: «يمر الشعب الجزائري بمرحلة حاسمة، تتمثل في التحول نحو الجمهورية الثانية التي لا مفر منها، بعد خروجه إلى الشارع بالملايين». وإن كان فرّاد يرى أن بوشاشي «يملك المؤهلات ليكون قائداً للبلاد، لكن هذه المرحلة لا تحتاج إلى أسماء أشخاص، بقدر ما تحتاج إلى إيجاد ميكانيزمات عمل تترجم الانشغالات المطروحة في الشارع إلى خريطة طريق. ومما لا شك فيه أن بناء الجمهورية الثانية مهمة يشارك فيها الجميع، علماً بأن مسيرة 22 فبراير هي ثمرة تراكم نضال أجيال كثيرة، وعليه فمن الخطأ التصور بأن هذه الهبّة الشعبية هي وليدة الساعة. وما دمنا نعيش لحظة حاسمة (ميلاد جمهورية جديدة)، علينا أن نفتح حواراً واسعاً يشارك فيه الجميع بكل أطيافهم السياسية. وعلينا أن نتفادى العزل السياسي إزاء السلطة، اللهم إلا الأسماء التي ذكرت في المسيرات بصفتها رموزا للفساد».
ويعتقد الباحث في قضايا التاريخ أن «الإشكالية المطروحة الآن كالتالي: هل نبحث عن الحل في الدستور الحالي؟ أم نتجاوزه إلى الشرعية الشعبية الممارسة في الميدان؟ إن الدستور الحالي لا يتوافر على آليات تستجيب إرادة الشعب الذي يطالب بالقطيعة مع هذا النظام. لذا؛ أرى أن الحل يكمن في الشرعية الشعبية، وفي هذا السياق أقترح فتح حوار واسع تشارك فيه الفعاليات كافة (أحزاب - نقابات - جمعيات - مؤطرو الحراك - شخصيات وطنية...)، وغايته رسم معالم المرحلة الانتقالية عن طريق تعيين مجلس رئاسي يتولى مهام رئيس الدولة. يقوم المجلس الرئاسي بتعيين حكومة كفاءات لتصريف الأعمال، وتغيير قانون الانتخابات بنية احترام إرادة الشعب. وتشكيل لجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات وليس الإشراف عليها فقط. ووضع مجلس تأسيسي يعد مشروع دستور».

- رجل التوافق
عبد الغني بادي، وهو محامٍ وناشط بالحراك، عرف بوشاشي عن قرب واحتك به. يقول عنه: «أعتقد أن الأستاذ بوشاشي، بما يملكه من قبول واسع لدى الرأي العام والطبقة السياسية وداخل النخب، يمكنه أن يلعب دوراً مهماً في مرحلة انتقالية. فالرجل تتوفر فيه مواصفات لا تجتمع عند غيره؛ فهو شخصية توفيقية يقبل جميع الحساسيات، وسبق له أن تفاعل معها، سواء داخل المحيط السياسي أو الوسط الحقوقي... بوشاشي يملك الكاريزما، وقوة الشخصية والكفاءة العلمية ويحظى بالاحترام... وأهم ما يملكه هو أنه يقبل جميع الأفكار ولا يتطرف أو ينحاز إلى لون سياسي معين». ويضيف: «طبعاً يمكنه أن يكون رجل إجماع في هذه المرحلة الحساسة، وبخاصة أن اسمه طُرح بقوة لهذا الدور، كما أن الاقتراب من هذه الشخصية للذين لا يعرفونه من الشباب، ليس أمراً معقداً. كثير من الناس راح يبحث عن تفاصيل تخص بوشاشي في المواقع و(يوتيوب) ومحركات البحث. سياسياً، هو لم يتورّط في أي شيء يخص النظام ورموزه، بل أبان عن موقف تاريخي وهو يستقيل من البرلمان، عندما كان كثيرون من الذين يزعمون أنهم معارضون، يدفعون أموالاً طائلة للحصول على كرسي الحصانة. أعتقد أن بإمكانه أن يؤدي دور رجل التوافق في المرحلة المقبلة».
وبالنسبة إلى الصحافي الجزائري المقيم بتونس، عثمان لحياني، «بروز اسم بوشاشي في صدارة الأسماء الفاعلة في الحراك، يرتبط بعوامل عدة تتعلق برصيده في ساحة النشاط الحقوقي والمدني، ودفاعه منذ عقود عن الدولة المدنية والحريات واستقلالية القضاء... وربما استكملت استقالته من البرلمان، قبل فترة، صورته معارضاً للسلطة من خارج المؤسسات وداخلها. يضاف إلى ذلك أنه ظلّ سياسياً على مسافة واحدة من مجموع القوى السياسية المعارضة، ولم يؤثر ترشحه باسم جبهة القوى الاشتراكية في انتخابات مايو (أيار) 2017 على نضاله وسمعته».
وقال لحياني أيضاً: «مجمل هذه العوامل وتخصصه كحقوقي متزن، وغير انفعالي، وغياب سوابق له في الاحتكاك بالسلطة، تجعله رجلاً محورياً في المرحلة المقبلة. بوشاشي يملك بروفايل رجل تتقاطع عنده قوى المعارضة، بغض النظر عن تباين المرجعيات الآيديولوجية، سواء لرئاسة مؤتمر وفاق وطني، أو عضوية هيئة رئاسية بحسب مخرجات الحراك الشعبي. في المقابل، يجب الانتباه إلى أنه في مراحل الانتقال الديمقراطي التي عرفتها دول شبيهة بالجزائر، يكون المجتمع في حاجة إلى بروفايل قائد مثل ما يتميز به بوشاشي، لكن مع توافر ميزات أخرى كثقافة الدولة التي تكسب الشخص فاعلية في تأطير الانتقال الديمقراطي».

- كانوا يقذفونه بالنفايات من شرفات العمارات
ويعد الحقوقي حسن بوراس من أكثر العارفين ببوشاشي؛ فخلال فترات سجنه كان المحامي الذي دافع عنه والصديق الذي وقف بجنبه. يقول عنه: «حين تقدم مصطفى بوشاشي صفوف المتظاهرين، من أجل الحرية والديمقراطية في فبراير 2011 (مظاهرات في سياق أحداث ما عُرف بـ«الربيع العربي») كان الجنرال توفيق مدير المخابرات في منصبه (تم عزله عام 2015)، وفي كامل سطوته، وبوتفليقة في كامل صحته، وكان الكثير ممن يهاجمونه اليوم ويشوهون صورته يقذفوننا معه بالقمامات من شرفات ونوافذ العمارات بالعاصمة، وبالمفرقعات الحارقة في الشوارع ويهتفون: يحيا بوتفليقة... يحيا بوتفليقة. أتمنى من قلبي ألا تستسلم الجماعة الحاكمة بسهولة، وأن تلجأ إلى القمع والبطش حتى يتم تمحيص هذا الحراك الشعبي وغربلته؛ لأن من سيثبت في آخر المطاف هم أصحاب القضايا العادلة... وبوشاشي واحد منهم بكل تأكيد».
عبد الرحمن صالح، وهو محامٍ من الجيل الجديد، درس الحقوق في الجامعة على يدي بوشاشي. يقول عنه: «عرفته أستاذاً لمادة حقوق الإنسان والقانون الدولي الخاص سنة 1997، كنت آنذاك طالباً في السنة الثالثة حقوق. هو شخص يتمتع بكل مواصفات الأستاذ الجامعي التقليدي، تكويناً وشخصية. ثم جمعنا العمل الحقوقي بعد ذلك، في قضايا عدة منذ 2004. مفهوم الدولة عند مصطفى بوشاشي مثالي، ربما يتفوق على نظرة مونتسكيو وعقده الاجتماعي. الدولة بالأساس هي ضامنة للحريات والقيم. يتفق مع النظرة إلى العدل كحصن الأمة، ودائماً يقول إن الدول الديمقراطية لا تُهزم، معدداً الحروب التي عرفتها الإنسانية منذ البدء؛ إذ لم يحدث أن انهزمت دولة ديمقراطية في حرب ضد دولة ديكتاتورية، بدءاً من حروب أثينا ضد إسبارطة في اليونان القديمة إلى الحرب العالمية الثانية».
وبرأي المحامي، أن «الجزائر لا يمكنها أن تتقدم وتتطور وسط جو قمعي ديكتاتوري مغلّف بقناع ديمقراطي مزيف. إن نظرة بوشاشي إلى المعارضة أنها ظُلمت كثيراً، تحت نظام شمولي منعها من الحركة لدرجة أن هياكلها الداخلية لا تحصل على الرخص اللازمة لعقد نشاطاتها، كما حدث لطلب طلائع الحريات (حزب رئيس الوزراء سابقاً علي بن فليس) الترخيص بعقد دورة استثنائية للجنتها المركزية؛ إذ قوبل بالرفض. فلا مسيرات ولا تجمعات ولا مظاهرات مرخصة، فكيف يمكن للمعارضة أن تعمل باستثناء ما توفر لها من بيانات تصدرها؟ شخصياً، وهذا تقييمي الخاص، الأستاذ بوشاشي يتميز بشخصية غير صدامية، أي أنه يميل إلى المنافسة لا المواجهة. وإذا ما رأى أن الظروف التي تجري فيها المنافسة غير عادلة، لا يتردد في الانسحاب (والاستقالة من البرلمان نموذج لذلك). ومن خلال تكوينه وشخصيته، يمكنه أن يكون رئيساً للمرحلة الانتقالية، حيث يستطيع العمل على إرساء دستور جديد للبلاد وإصلاح الهياكل الموجودة كالمجلس الدستوري وتقليص صلاحيات الرئيس، وتعديل قانون الانتخاب بما يتماشى مع دولة ديمقراطية حقيقية».

- «كأن الجزائر لم تنجب إلا هؤلاء»
على عكس ما ذكر من إشادة ببوشاشي، وقدرته على أن يكون بديلاً لرجال الحكم، يرى أحمد شنّة، أمين عام «أكاديمية المجتمع المدني الجزائري»، منظمة غير حكومية قريبة من الحكومة، أنه «ليس صدفة أبداً أن تكون الأسماء التي يقدمها الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، في صورة الزعامات المثالية للحراك الشعبي، من مدرسة سياسية واحدة، وإن اختلفوا في انتماءاتهم الحزبية والمهنية والمعرفية، وأن يكون أغلب أفرادها من فضاء اجتماعي واحد، وكأن الجزائر لم تنجب إلا هؤلاء!». ويتابع: «الغريب أنهم مثلما هم موجودون في واجهة الحراك، فإنهم أيضاً موجودون في دواليب السلطة، وموجودون أيضاً في أحزاب المعارضة، وموجودون في صف دعاة التقسيم والانفصال! فمتى يفهم هؤلاء الحالمون بقيام وهم الجمهورية الثانية، أن اللعب الآن صار على المكشوف؟ ومتى يدركون أن الشعب الذي لطالما اعتبروه قطيعاً يسوقونه حيثما شاءوا، قد استعاد المبادرة وأمسك بزمام القيادة، ولا توجد اليوم قوة على الأرض ستثنيه عن الشروع في بناء جمهورية ثورة التحرير العظيمة؟».
ويخاطب شنّة، ضمناً، بوشاشي والحالمين برؤيته يوماً رئيساً، بالقول: «لا تفرحوا كثيراً بالزعامات والألقاب الوهمية التي أطلقتها عليكم بعض الفضائيات والمواقع الافتراضية. فالزعامة ليست ظاهرة صوتية أو إعلامية، وليست أيضاً جرأة على الثوابت واعتداء على المقدسات، من دين ولغة وانتماء حضاري، وإنما هي أخلاق وقيم ووفاء لثورة التحرير، قبل أي شيء آخر. وما عدا ذلك، فإنها ودون شك، قبض ريح وباطل الأباطيل!».


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»