كرونولوجيا مأزق الولاية الخامسة

كرونولوجيا مأزق الولاية الخامسة
TT

كرونولوجيا مأزق الولاية الخامسة

كرونولوجيا مأزق الولاية الخامسة

لم يكن المحيطون بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة يتوقعون أن تقديم ترشحه لعهدة خامسة سيفتح عليهم شلالاً من السخط. كانت تكفي رسالة منسوبة للرئيس، بتاريخ 11 فبراير (شباط) 2019، يعرب فيها عن رغبته في تمديد حكمه، لينفجر الشارع في كامل مدن الجزائر، رافضاً «الزج بالبلاد في متاهات». فبالنسبة إلى مئات الآلاف من الجزائريين، لم يكن مقبولاً على الإطلاق أن يقودهم رئيس لم يحدثهم منذ 7 سنوات، لـ5 سنوات جديدة.
وشعرت السلطة وأركانها، وبخاصة أقرب الموالين للرئيس من مدنيين وعسكريين، أن الأرض بدأت تهتز من تحت أرجلهم. واشتد الخناق عليهم في منتصف فبراير، عندما سافر بوتفليقة إلى سويسرا «بغرض إجراء فحوصات طبية روتينية»، حسب ما ذكرته الرئاسة. فموعد إيداع ملفات الترشيحات للرئاسة بالمجلس الدستوري اقترب، بينما الرئيس غير موجود في الجزائر. وطال علاجه بجنيف، ومع كل يوم يمر كان الضغط يشتد على محيط الرئيس، وازدادت شكوك الجزائريين في قدرة سابع رؤساء البلاد منذ الاستقلال، على الاستمرار في الحكم.
ومع الشكوك، نما شعور قوي بأن «الجماعة (المحيطة بالرئيس) ربما تخفي شيئاً عن الجزائريين... قد يكون الرئيس مغيّباً، وربما عاجزاً تماماً عن الحركة». وفي هذه الفترة ترددت شائعات بأن الرئيس «يوجد رهينة بين يدي فريق من المسؤولين، يتحدثون باسمه ويتخذون القرارات نيابة عنه. فبدأت شبكة التواصل الاجتماعي تضج بالدعوات والنداءات إلى التظاهر في الشارع ضد وضع لم يعد يحتمل، أدخل البلاد فيه نظام يقاوم التغيير منذ مدة طويلة، وقد دقت ساعة الحسم معه».
في 22 فبراير، فوجئ النظام بسيول بشرية تتدفق على شوارع العاصمة، التي ظلت عصية على المظاهرات والمسيرات طيلة 18 سنة كاملة بذريعة الوضع الأمني السيئ، وأن «المتطرفين يتحينون الفرصة لارتكاب عملية إرهابية». لم يدر بخلد بعض الموالين للرئيس أن شريحة كبيرة من الجيل الذي ولد في تسعينيات القرن الماضي، الذي غضت به الشوارع أيام الحراك، لا يولي أي اعتبار لخطاب التخويف من العودة إلى سنوات الإرهاب. هذا الوتر لعبت عليه السلطة بقوة في انتخابات 2014 لتبرير التصويت لصالح بوتفليقة، مع أنه لم يشارك في الحملة الانتخابية، وقد نجحت في ذلك، ولكنها أجلت هزيمتها وخروجها «من تحت الباب»، حسب ما يقول معارضون.
ومما زاد في مأزق النظام الذي أوقع نفسه فيه، تصريحات مستفزة من مسؤولين بارزين أثناء فترة غياب بوتفليقة. ومن هؤلاء رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، الذي صرّح من الخارج بأن «الشعب سعيد بترشح رئيسه». وقد نال أويحيى حقه من السخط في أول مسيرة، ثم في مسيرة 1 مارس (آذار)، وبعدها في مسيرة 9 مارس، وحتى عندما استقال في 10 مارس كان الاستنكار يلاحقه في الشارع وعلى صفحات المنصات الرقمية، وفي صحف وبرامج فضائيات حتى خيّل للبعض أنه هو صاحب فكرة العهدة الخامسة.
وبعودة بوتفليقة من سويسرا، تأكدت الجماعة المحيطة بالرئيس أن العهدة الخامسة باتت ضرباً من الانتحار، فسارعت عن طريق رسالة منسوبة إليه إلى إعلان سحب ترشحه وتأجيل الرئاسية التي كانت مقررة في 18 أبريل (نيسان). ورغم ذلك لم يهدأ الشارع، لأن الرئيس من خلال هذا القرار مدد ولايته الرابعة، بينما يريد الجزائريون المشاركون في الاحتجاجات رحيله فوراً مع رموز النظام، وبخاصة رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، الذي كان هاجم المتظاهرين في 26 فبراير، ووصفهم بـ«المغرر بهم».
في 15 مارس، عبّر الجزائريون بالملايين عن رفضهم خطة بوتفليقة تنظيم «ندوة وطنية»، التي اعتبروها التفافاً على مطلبهم. فاستنجد الرئيس بالدبلوماسي الأممي سابقاً الأخضر الإبراهيمي ليكون وسيطاً بينه وبينه الحراك الثائر، ولكنه فشل وعاد إلى باريس حيث يقيم. أمام تأزم الوضع، تراجعت حدة مواقف قايد صالح وأظهر انحيازاً لمطالب الحراك. وفي 26 من مارس، أطلق قنبلة ضد رئيسه المباشر في الجيش، وزير الدفاع بوتفليقة، بأن طالب بتطبيق المادة 102 من الدستور التي تتحدث عن عزل الرئيس بسبب المرض.


مقالات ذات صلة

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل
TT

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ) و«الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، فإنه كان غالباً «الشريك» المطلوب لتشكيل الحكومات الائتلافية المتعاقبة.

النظام الانتخابي في ألمانيا يساعد على ذلك، فهو بفضل «التمثيل النسبي» يصعّب على أي من الحزبين الكبيرين الفوز بغالبية مطلقة تسمح له بالحكم منفرداً. والحال أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم ألمانيا حكومات ائتلافية يقودها الحزب الفائز وبجانبه حزب أو أحزاب أخرى صغيرة. ومنذ تأسيس «الحزب الديمقراطي الحر»، عام 1948، شارك في 5 حكومات من بينها الحكومة الحالية، قادها أحد من الحزبين الأساسيين، وكان جزءاً من حكومات المستشارين كونراد أديناور وهيلموت كول وأنجيلا ميركل.

يتمتع الحزب بشيء من الليونة في سياسته التي تُعد «وسطية»، تسمح له بالدخول في ائتلافات يسارية أو يمينية، مع أنه قد يكون أقرب لليمين. وتتمحور سياسات

الحزب حول أفكار ليبرالية، بتركيز على الأسواق التي يؤمن بأنها يجب أن تكون حرة من دون تدخل الدولة باستثناء تحديد سياسات تنظيمية لخلق أطر العمل. وهدف الحزب الأساسي خلق وظائف ومناخ إيجابي للأعمال وتقليل البيروقراطية والقيود التنظيمية وتخفيض الضرائب والالتزام بعدم زيادة الدين العام.

غينشر

من جهة أخرى، يصف الحزب نفسه بأنه أوروبي التوجه، مؤيد للاتحاد الأوروبي ويدعو لسياسات أوروبية خارجية موحدة. وهو يُعد منفتحاً في سياسات الهجرة التي تفيد الأعمال، وقد أيد تحديث «قانون المواطنة» الذي أدخلته الحكومة وعدداً من القوانين الأخرى التي تسهل دخول اليد العاملة الماهرة التي يحتاج إليها الاقتصاد الألماني. لكنه عارض سياسات المستشارة السابقة أنجيلا ميركل المتعلقة بالهجرة وسماحها لمئات آلاف اللاجئين السوريين بالدخول، فهو مع أنه لا يعارض استقبال اللاجئين من حيث المبدأ، يدعو لتوزيعهم «بشكل عادل» على دول الاتحاد الأوروبي.

من أبرز قادة الحزب، فالتر شيل، الذي قاد الليبراليين من عام 1968 حتى عام 1974، وخدم في عدد من المناصب المهمة، وكان رئيساً لألمانيا الغربية بين عامي 1974 و1979. وقبل ذلك كان وزيراً للخارجية في حكومة فيلي براندت بين عامي 1969 و1974. وخلال فترة رئاسته للخارجية، كان مسؤولاً عن قيادة فترة التقارب مع ألمانيا الديمقراطية الشرقية.

هانس ديتريش غينشر زعيم آخر لليبراليين ترك تأثيراً كبيراً، وقاد الحزب بين عامي 1974 و1985، وكان وزيراً للخارجية ونائب المستشار بين عامي 1974 و1992، ما جعله وزير الخارجية الذي أمضى أطول فترة في المنصب في ألمانيا. ويعتبر غينشر دبلوماسياً بارعاً، استحق عن جدارة لقب «مهندس الوحدة الألمانية».