برلين «عاصمة بديلة» للمثقفين السوريين... وأحلامهم

«الشرق الأوسط» ترصد إبداعاتهم في المدينة وتنافسها مع باريس

عازف العود السوري وسام مقداد أثناء تدريبات مع الأوركسترا في برلين (الشرق الأوسط)
عازف العود السوري وسام مقداد أثناء تدريبات مع الأوركسترا في برلين (الشرق الأوسط)
TT

برلين «عاصمة بديلة» للمثقفين السوريين... وأحلامهم

عازف العود السوري وسام مقداد أثناء تدريبات مع الأوركسترا في برلين (الشرق الأوسط)
عازف العود السوري وسام مقداد أثناء تدريبات مع الأوركسترا في برلين (الشرق الأوسط)

باريس كانت حلم المثقفين السوريين. منهم من اختار الدراسة هناك بحكم تأثير الانتداب الفرنسي، ومنهم من هرب من النظام على «أعناق» الإبداع إلى العالم الحر. لم تخيّب المدينة كثراً منهم وأصبحت «عاصمة النور» مدينتهم المختارة في المهجر. السنوات الأخيرة غيّرت المعادلة نسبياً. النزاع الأخير هجّر الناس والعقول وضخّم الشتات وضاعف المعاناة.
36 ألف سوري اختاروا الاستقرار في برلين، غريمة باريس. هذه الجارة التي لم تعد تشهد انقساماً منذ التسعينات، كسرت جدارها، وفتحت بابها مرحبة بتعددية الثقافات، فأصبحت جذابة لمثقفين وفنانين سوريين اعتبروها منبراً للإبداع. فهل أصبحت برلين مدينتهم المشتهاة؟
الموسيقى

الانتداب الفرنسي على سوريا جعل باريس مقصداً للمثقفين السوريين خلال القرن الماضي. هناك في «عاصمة النور» وجدوا ملجأً للحرية الفكرية، بعيداً عن تضييقات النظام حينذاك. وتعرضت المدينة لـ«غزوات ثقافية» عدة عبر العقود. نهل مثقفون من نهر المدينة. بعضهم عاد إلى دمشق. بعضهم الآخر استقر فيها مجبراً. لكن الحبل السري كان مربوطاً بين دمشق وباريس عبر شريان الثقافة خلال السنين: في المسرح والسينما والأدب والفلسفة.
ربما لم تكن تضم العدد ذاته من المبتعثين الذي ضمته موسكو، بسبب العلاقة السياسية بين سوريا والاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية، لكن باريس كانت دائماً مدخلاً لإلهام ثقافي نوعي.
الكاتب والمترجم والناقد بدر الدين عرودكي واحد منهم. أُرسل في مطلع السبعينات ببعثة إلى فرنسا، لدراسة الدكتوراه في علم الاجتماع، ليعود للتدريس في سوريا، كان معاصراً لأساتذة يعانون المرّ بسبب هيمنة أجهزة الأمن المتزايدة على عملهم وعلى مجمل الحياة الجامعية، وكان ينعكس سلباً على مستوى التعليم، الأمر الذي كشفه عرودكي في حوار مع «الشرق الأوسط»، قائلاً: «ما إن حصلت على درجة الدكتوراه حتى طلبت إجازة دراسية لمتابعة دراسة ابنتي، وحين رُفض طلبي، اعتذرت عن العودة وبقيت في فرنسا وسددت للحكومة ضعف ما صرف عليّ أثناء دراستي، مستعيداً بذلك حريتي». ترجم عرودكي أكثر من 30 كتاباً، وشغل مناصب عدة في معهد العالم العربي بباريس، فكان حاضراً في قلب المشهد الثقافي.
وعن ذلك قال: «لم تكن باريس تجذب المثقفين السوريين وحدهم، بل المثقفين من كل أنحاء العالم. كانوا يعتبرون العيش فيها لفترة من الزمن ضرورة لتنمية تجربتهم في الكتابة والثقافة والحياة».
يستذكر العرودكي سنواته الأولى في باريس، ويقول: «اقتصر وجود السوريين في باريس حتى نهاية سبعينات القرن الماضي، على طلبة الدراسات العليا، خصوصاً كبار التجار الذين كانوا قد غادروا سوريا إلى بيروت أولاً بعد قرارات التأميم أثناء الوحدة السورية المصرية، من ثمّ اضطروا إلى مغادرتها بعد بدء الحرب الأهلية عام 1975 إلى المغرب الأقصى أو إلى باريس». وأضاف: «لذا؛ لم يكن بالوسع الحديث عن (جالية) سورية منظمة بباريس آنذاك».
لكن هل لا يزال هذا المشهد الثقافي السوري واضحاً في باريس كما كان في السابق؟ يجيب العرودكي: «لا يزال موجوداً، بل وأكثر من أي وقت مضى؛ لكن مع كثير من الاختلاف في طبيعة الفعاليات والنشاطات التي نظمت ولا تزال نتيجة الثورة ومآلات الحدث السوري منذ ثماني سنوات».
وهل أصبحت برلين عاصمة الثقافة السورية في المهجر؟ يقول: «لا يمكن القول إن برلين أصبحت عاصمة الثقافة السورية في المهجر الجديد عوضاً عن باريس؛ لأن باريس تبقى ملتقى معظم ثقافات العالم ومنها السورية بالطبع»، ويضيف: «أفضل القول إن برلين أصبحت عاصمة أخرى وكبيرة للثقافة السورية في المهجر. وذلك نتيجة الكثير من الفعاليات والنشاطات التي ينظمها السوريون بدعم ومشاركة من المؤسسات الألمانية وكل المتعاطفين مع قضية الشعب السوري».
* الشتات السوري

نافذة على الشتات السوري، بل وعلى شرائح الداخل أيضاً أتاحها لقاء مع أنور البني، المحامي السوري ومدير المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، ليس فقط لإلمامه ونشاطاته، بل لرنين جواله. الجوال لم يهدأ. كل مكالمة أتته من داخل سوريا أو خارجها كانت لسوري يطلب مساعدة في تحضير أوراق لجوئه، وآخر يستفسر عن آلية إصدار تصريحات عمل في إحدى البلاد، وغيره يتصل لإعلام أنور بآخر مستجدات قضية قريبه المسجون، أو ليطمئن على بعض الإجراءات القانونية، أو ليغذي المحامي بمعلومات من الأرض. وفي حين جلس أنور وراء مكتبه وهو يحاول الموازنة بين الرد على الاتصالات وإجراء الحوار، ألمع التفاؤل عينيه.
في سوريا، شغل البني منصب رئيس مركز البحوث والدراسات القانونية بتمويل من الاتحاد الأوروبي الذي كان يهدف لتدعيم حقوق الإنسان وتعزيزه في البلد؛ لكن المركز أُغلق بأمر من السلطات السورية بعد اعتقاله عام 2006، ليُطلق سراحه في عام 2011. استمر في الدفاع عن حقوق المعتقلين واضطر إلى مغادرة سوريا عام 2014، ليستقر في العاصمة الألمانية، حيث عمل على فتح ملفات مجرمي الحرب في بلده. كما عمل على دعم العدالة الانتقالية.
يدير البني اليوم «المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية»، وكان له دور فاعل في إصدار مذكرات التوقيف الألمانية الفرنسية بحق عدد من رموز النظام السوري. عن ذلك قال: «الهدف الأساسي من مذكرات التوقيف إبعاد رموز النظام عن مستقبل سوريا، وألا يكون لنظام الأسد دور في مرحلة انتقالية».
يعود الجوال ليرنّ من جديد، يستأذن يرد، ثم يتابع الإجابة عن السؤال: «أعيش في برلين، لكن في داخلي أنا ما زلت في دمشق، أريد العودة».
علاقته مع الجالية السورية في برلين وطيدة وحيوية. قال: «عدد السوريين في برلين ليس كبيراً، لكنّهم نشيطون وباتوا ظاهرين في المجتمع».
إذن، هل تحولت هذه المدينة إلى عاصمة الثقافة السورية في المهجر مستبدلة باريس؟ يجيب: «باريس كانت منتدبة على سوريا وبالتالي بدايات المعارضة معظمها سافرت إليها، وبخاصة اليسارية». وأضاف: «الإخوان المسلمين تفرقوا بين ألمانيا وبلجيكا، لكن معظم السوريين كانوا في فرنسا»، لافتاً إلى أن «باريس عاصمة النور؛ لذا كانت المقصد».
اليوم، أصبحت برلين خياراً مناسباً بحكم أنها لم تعد منقسمة، وتحتضن تنوعاً هائلاً وهي «مدينة مفتوحة»، كما يراها أنور. هذه المدينة أصبحت بوابة للمثقفين السوريين، والفنانين والموسيقيين منهم.
* كتب «حرة» وذكريات
في حي شارلوتنبورغ السكني مطعم ومقهى يعبق برائحة المعجنات السورية والقهوة العربية. يضمّ صالة عربية عُلّق على أحد جدرانها لوحات تشكيلية لفنانين سوريين، ومكتبة مليئة بالروايات والإصدارات العربية. «النايا» واحة شامية ثقافية سافرت مع مؤسسها صافي علاء الدين واستقرت غرب برلين في حي معظم سكانه ألمان. على مدى الأشهر الأخيرة استطاع «النايا» جذبهم إلى جانب رواد سوريين يبحثون عن فسحة ثقافية في المهجر.
في الصالة الخلفية جلس الناشر وأحد مؤسسي منظمة «مدى» للثقافة والتنمية الفكرية في برلين يحتسي قهوته على وقع أغاني لينا شماميان. اتكأ على منضدة تطريزها شامي، محاطاً بجدران تزينت بلوحات فنية أبدعتها ريشة سورية. وكرونق الغرفة الحالم، تكلم صافي عن تجربته بكل هدوء. قال: «قدمت إلى برلين منذ أكثر من أربعة أعوام، احتضنتني الحكومة الألمانية بحكم علاقتي القديمة مع وزارة الثقافة لعملي في مجال النشر».
كانت صناعة النشر بسوريا مرتبطة بمراقبة الأجهزة الأمنية لها من خلال وزارة الإعلام السورية، وكان الأمن يراقب مخطوطات الكتب قبل الطباعة والنشر. قال صافي: «كانت الكتب التنويرية السياسية (تنام) لأشهر في أدراج الموظفين، بينما كانت الكتب الصفراء متوافرة في السوق، وبكثرة». لا يعني ذلك أن سوريا كانت تفتقر إلى الكتاب والأقلام، لكن المحاولات في الداخل باءت بالفشل بسبب التضييقات، وفق صافي الذي أضاف: إن «التعامل مع النظام كما صانع الألغام؛ فغلطته الأولى أخيرة». لذلك؛ وفّرت بيروت متنفساً لتلك الكتب الممنوعة لترى النور، الخلاص الذي لجأ إليه صافي حتى سفره إلى برلين.
درس صافي قوانين ألمانيا ومن ثمّ انطلق بمشروع جديد في المهجر لتكريس الحالة الثقافة السورية بحقيقتها بعيداً عن المحاذير السابقة. ومع مجموعة من أصدقائه رأت منظمة «مدى» النور عام 2016، وأصبحت منبراً لدعم الكتاب الشباب وحيزاً لأمسيات وندوات ثقافية في العاصمة الألمانية.
وحولت بلدية المنطقة (شارلوتنبورغ) وقتها فيلا مهجورة إلى مركز ثقافي بمسرح يتسع إلى 150 شخصاً، وسلّمت القسم العربي لـ«مدى» التي حرصت بدورها على تكريس أيام ثقافية سورية، بما فيها الثقافة الكردية، بفعاليات تتنوع بين الكتاب والمسرح والوثائقيات والفن. استطاع صافي أيضاً المساهمة في إحضار وعرض نحو 500 لوحة من أعمال 22 فناناً سورياً في الداخل إلى برلين. وقال: «ليست في حاجة إلى جواز سفر أو تأشيرة دخول أو حتى طلب لجوء، لكنها تبحث عن إقامة في برلين أو صالونات الفن».
خلال حديثه، تدخل جولييت كوريه إلى «النايا» وتجلس إلى جانب صافي لتستمع إلى الحكاية الثقافية السورية في برلين، التي كانت هي أيضاً جزءاً منها. جولييت السورية هي إحدى مؤسّسات منظمة «مدى»، لكنها مقيمة في العاصمة الألمانية منذ عام 2005، وكانت تعمل مسؤولة للمخطوطات باللغات القديمة في الجامعة. مع بدء موجة اللجوء، قرّرت مساعدة السوريين وتدريبهم مهنياً. هناك كانت التقت صافي أو «المتدرب رقم 4» حسب قولها، وانطلق التعاون بينهما.
بسمة تفاؤل ترتسم على وجهها، وتقول: «المشروع يعطي رسالة أننا ما زلنا قادرين على العطاء، نحن لسنا لاجئين فقط، لجوؤنا إنساني، وهذا يعني أن الناس حاملون لثقافة وليسوا فارغين». وأضافت: «من كان مقيّداً في سوريا استطاع أن يصبح حراً في برلين، واستطعنا بجميع الإمكانيات المتاحة لنا بناء هوية لنا، والمطالبة بأن نكون جزءاً من هذا المجتمع».
هل أصبحت برلين العاصمة الثقافية للسورين خارج البلاد؟ يقول صافي: «قياساً بالأنشطة، برلين هي حتماً هذه العاصمة التي تحوي نشاطات أسبوعية متنوعة ومتعددة رغم أن عدد السوريين فيها ليس كبيراً جداً (نحو 36 ألفاً)، لكنهم مهتمون جداً بالثقافة، وهذا عبارة عن تضافر جهود غير معلنة تشعرنا بسوريتنا». وأضاف: «برلين مدينة تشبه دمشق وعمّان وبيروت، تفتح يديها لمن يصل إليها وتحتضن كل غريب. إنها تحب الحياة وتعشق التعددية». وتابع قائلاً: «في دول اللجوء أعدنا صياغة أنفسنا من جديد، وأعدنا ترتيب ذواتنا، وتعلمنا احترام القانون وكيفية تطبيقه، ونريد نقله إلى سوريا؛ نحن في حاجة إلى إعادة إعمار البشر قبل الحجر».
للمشهد الثقافي السوري في برلين وجوه كثيرة، وتجارب متنوعة بين ناشر وآخر. عند حضوره معرض فرانكفورت للكتاب قرر ماهر خويص، الناشر السوري، تقديم أوراقه ليستقر في برلين، لكن حلم العودة إلى سوريا لا يفارقه، فجميع الأماكن الأخرى ليست دائمة بالنسبة له، قالها والعبوس عقد حاجبيه، من ثم أرخى جسده على الكرسي ليتبدد ضيقه ويتنهّد مكملاً حديثه: «كل الأماكن تتشابه في نظري، والطريق أوصلتني من بيروت إلى برلين». ومع أن ماهر لا تربطه علاقة حميمية بالعاصمة الألمانية، إلا أنه يتفق بأنها «تحتضن جنسيات وقوميات وثقافات كثيرة وتوفّر مساحة ثقافية واسعة لتفاعل الناس».
ساهم ماهر منذ استقراره في برلين في تأسيس مكتبة «بيناتنا» العربية هناك، التي تجمع المهتمين بالشأن الثقافي، وتنظم نشاطات متنوعة. كما هو عضو في الهيئة الإدارية للمنتدى الثقافي العربي، وعضو في منظّمة «أوشينا» الثقافية.
يقول ماهر: إن هذا الحراك الثقافي مهم للجميع، وليس حكراً على فئة معينة. موضحاً: «هناك موروث ثقافي مهم لا بد من إلقاء الضوء عليه. لم يكن ظاهراً لكثيرين؛ لذلك من المهم إعطاء الوجه الحقيقي لسوريا». واستطرد: «هذه المساحة أصبحت متاحة لنا اليوم، إلا أن الطاقات ذاتها كانت موجودة في سوريا ولم تولد هنا، لكن هذا البلد فتح المجال لإظهارها».
هل يرى ماهر أن برلين عاصمة الثقافة السورية في المهجر؟ «ليس فقط للسوريين إنما للمثقفين العرب عموماً». لكنه يضيف: «أرفض هذه التسمية، فليس من مكان يمثّل ثقافة أي مكان». ويستطرد: «عاصمة المكان هي التي تحمل كل البيئة الثقافية التي وجدت فيه؛ لذا قد أطلق عليها اسم بوابة، لكن أنا لا أطلق عليها عاصمة». ويختم حديثه بالتحذير من تحوّل حال الاندماج الثقافي لشعوب الشتات إلى انصهار لهويتهم. قائلاً: «لم تتشكّل لنا ذاكرة هنا في برلين، إبداعنا الثقافي في المدينة مبني على ذاكرتنا التي حملناها من سوريا».
* منامات على المسرح
فعاليات موسيقية ومسرحية وفنية تكثر وتختلف جداولها في برلين، وللسوريين حصة كبيرة منها، فهم نقلوا إبداعاتهم المتنوعة بين العزف والاستعراض والتمثيل والرقص وغيرها إلى هناك.
في مقهى صغير بحي «ميته» السكني وسط العاصمة كان اللقاء مع أول راقصة باليه سورية محترفة. بدأت مي سعيفان تعلُّم الباليه عام 1987، ولم تكن قد بلغت ربيعها السابع، وبعد تخرجها من المدرسة سافرت إلى فرانكفورت للتّخصص في مجال الرقص. تنقلت بين سوريا وألمانيا، وقررت بعدها الاستقرار في سوريا وتأسيس ملتقى دمشق للرقص المعاصر ضمن شبكة «مساحات» بشراكة مع لبنان والأردن ورام الله. لم تستطع الاستمرار بالملتقى بسبب اندلاع الثورة في عام 2011.
سافرت إلى ألمانيا في زيارة قصيرة؛ وبقيت هناك بعد أن أخبرها أصدقاؤها بأنها مطلوبة من قبل النظام لمشاركتها في تنظيم حراك ضدّه؛ ولأنها كانت على خلاف مع وزارة الثقافة. استقرت في ميونيخ من ثم انتقلت وعائلتها إلى برلين. تحمل مي الجنسية الألمانية، لكن هويتها، وفنها سوريان. تتحدث عنهما بشغف. لغة جسدها المتجانسة مع حديثها تؤكد إبداعاتها الفنية والمسرحية.
«بداية لم أستطع العمل في ألمانيا. كنت أنتظر العودة ودخلت بأسئلة وجودية، كما لم أرد أن أُصنف من بائعي الثورة»، هكذا لخصت مي أيامها الأولى في ألمانيا. لكنها سرعان ما استطاعت مشاركة اسئلتها الوجودية مع السوريين عبر «فيسبوك» لتحويلها إلى مشروع إبداعي مميز. وعن ذلك تقول: «دوّنت مناماتي وراقبت أحلامي، لألاحظ أنها اختلفت بعد الثورة. وقرّرت إنشاء صفحة على (فيسبوك) تحت عنوان (احكيلي شو حلمت مبارح)».
سرعان ما بدأ السوريون في تدوين مناماتهم في الصفحة حتى تحولت إلى أرشيف لبنات أفكار سوريا. تيمات المنامات تغيّرت مع تطور الثورة إلى سفك الدماء ورحلات الموت عبر البحر، بل أصبحت توثق الوضع السياسي. وفقاً لمي، تمحورت منامات السوريين في عام 2011 حول قصص الملاحقات الشخصية من قبل الأمن والهرب والاختباء وكتابات على الجدران وأحلام عن سقوط بشار الأسد. وقالت: «الحلم الذي تكرّر لسنوات هو أن الأسد لا يعرف ما يحصل في البلاد، نوع من الانكار من الناس حسب ظني».
الماء كان عنصراً بارزاً في الكثير من المنامات المدونة على الصفحة بين الغرق، والطوفان، وغرق المدينة، والضياع في البحر، تلك الكوابيس تزايدت بين عامي 2014 و2015، أي مع بداية موجة الهجرة عبر المتوسط.
هذا الأرشيف الغني أثمر عملاً فنياً لمي تحت عنوان «التخريب للمبتدئين». «العمل مثل حالة (السذاجة) في الإقبال على الثورة، ونحن لا نعرف ومبتدئون»، قالت مي. وأصبحت تنقل تلك المنامات سنوياً إلى المسرح البرليني.
تغيرت طبيعة عمل مي وفنها في برلين. ولاحظت أنها لأول مرة ترقص بخطوات ثابتة، على عكس عروضها السابقة. وأضافت: «تبددت الرهبة، ولم أعد أخاف من شيء. أصبحت عروضي أكثر عشوائية تركز على ترسيخ إحساس المشاهد بعيداً عن التفاصيل والجزئيات. وتسلط الضوء على جانب الكوميديا التي لجأ إليها السوريون أثناء الثورة للإبقاء على بعض من الإيجابية».
تقول مي: «تحولت برلين إلى عاصمة الثقافية السورية في المهجر اليوم». وتضيف: «كانت في سوريا حركة فنية قوية بدأت مع بداية الألفية وبدأت تتبلور وتقوى عندما اختيرت دمشق عاصمة للثقافة وكان هنالك فريق عمل رائع، وطاقات شبابية استطاعت تحدي ضغوط المجتمع ودراسة الفن حتى في الخارج، أغلبهم درس وعاد ليحدث تغييراً». وتابعت: «الفقاعة هذه كانت موجودة في دمشق، وكان للشباب حراك، لكنه بقي مقموعاً ومحدوداً». تتنهد بعد أن تسترق رشفة من عصير البرتقال الطازج وتجيب: «على الرغم من ذلك، أحلم أحياناً بأنني عدت إلى دمشق مع ابني الذي لم يرها بعد. ولا أعرف إن كانت ستعود لنا يوماً ما».
الموسيقى، لغة يفهمها الجميع ويتذوقها الكثيرون، توحّد الناس وتعبّر عن مشاعرهم وهوياتهم. النغم جانب حاضر من الثقافة، عابر للحدود ورسالة تحملها أوركسترا بابل المكونة من موسيقيين متعددي الآلات، والجنسيات، والثقافات.
وسيم مقداد، عازف عود من سوريا، استقر في برلين عام 2016، وهو يتكلّم الألمانية بطلاقة. التقته «الشرق الأوسط» على هامش بروفة للأوركسترا في مسرح بحي بيرغمانكيز. جلس يروي قصته بلغة «أهل الشام».
العودة إلى برلين تمثّل «ربطاً مع الجذور»، فوسيم ولد في مدينة لايبزيغ الألمانية وسافر مع أهله إلى سوريا وهو في الرابعة من عمره. ترعرع في دمشق، حيث درس الطب والموسيقى. وكان ناشطاً في الثورة وشارك في المظاهرات وعمل طبيباً ميدانياً يسعف الجرحى في المناطق التي كانت تحت سيطرة «الجيش الحر». اعتقله النظام ثلاث مرات، كما اعتقله تنظيم «جبهة النصرة». وسط المظاهرات والحراك نشأت قصة حب بين الطبيب وبريفان الكردية التي أضحت زوجته. قررا السفر إلى غازي عنتاب التركية وبعدها إلى برلين في يونيو (حزيران) 2016.
واظب الزوجان على تعلم اللغة الألمانية. دخل وسيم الجامعة ليكمل دراسة الموسيقى وتخلّى عن ردائه الأبيض. وتعليقاً على ذلك، قال: إن «الطب عملية بحث عن حقيقة مطلقة وجواب واحد ودقيق ليكون هنالك توجه للعلاج، بينما الموسيقى لا تحتوي على جواب واحد لأي سؤال، والإجابات عنها كثيرة، ومجال الحرية فيها لا نجده في الطّب الذي يتعامل مع الوجع ويقاومه، الموسيقى تتعامل مع الجمال وتعززه، وذلك يحاكي روحي أكثر».
يعمل وسيم اليوم مع عرب وأجانب من مختلف الأعمار، كما يساهم في إثراء المجال الموسيقي ضمن الجالية السورية في برلين من خلال تنظيم فعالية ثقافية شهرية في مركز «ورشة عمل للثقافات». وعن ذلك يقول: «التنوع يشبه التنوع في سوريا، أشعر بالأمان والراحة، وكأنني ما زلت هناك».
أتاحت برلين لوسيم فرصة بلورة ثقافة الفن داخله، فهل تمثل له عاصمة الثقافة السورية في المهجر؟ يقول: «إن وجود بضعة آلاف من السوريين في مدينة خارج البلاد يحوّلها بشكل رمزي إلى عاصمة لهم في المهجر، وهكذا كانت باريس. لكن في مرحلة الشّتات الحالية قد تمثّل بيروت أو إسطنبول أو غازي عنتاب العاصمة الثقافية للسوريين في المهجر». ويوضح أن «السوريين يتواجدون في مدن كثيرة بألمانيا، وتحديداً برلين؛ لأنها جاذبة ومنفتحة وترحب بالغريب. الشتات السوري وزّع عواصم السوريين في المهجر وبرلين اليوم تُعتبر أهمهم».
جولة في برلين، بعد خمس سنوات على وصول اللاجئ السوري الأول إلى هناك كان هدفها تقصي أوضاع نحو 36 ألف سوري في «الوطن الجديد». قد تكون الرحلات الشاقة، والذكريات الأليمة، والبدايات المتعثرة جمعت سوريي برلين في الأشهر الأولى. لكن، مع مرور الأيام أصبحوا يلتقون في أمسية شعرية، أو معرض فني، أو حفل موسيقي يعزز هويتهم.
وفي برلين، وجد الشتات واحة ثقافية سورية له، قد نسميها عاصمة في المهجر، أو بوابة على العالم، أو منبراً للحرية. قد تختلف المصطلحات والمعنى واحد.



السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
TT

السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)

حين أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه سيتوّجه إلى غزة في خضّم الحرب المسعورة التي تشنها إسرائيل، كان يعرف أكثر من غيره أنها خطوة شبه مستحيلة، لكنه أراد إطلاق رسائله الخاصة، وأهمها على الإطلاق أن السلطة الفلسطينية «موجودة»، وهي «صاحبة الولاية» على الأراضي الفلسطينية،

سواء في غزة التي تئن تحت وطأة حرب مدمّرة، وتضع لها إسرائيل خططاً شتى لما تسميه «اليوم التالي»، من غير أن تأخذ السلطة بالحسبان، أو الضفة الغربية التي ترزح تحت وطأة حرب أخرى، تستهدف من بين ما تستهدف تفكيك السلطة.

وبعد عام على الحرب الأكثر مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، تخوض السلطة أصعب معركة عرفتها يوماً، وهي معركة «البقاء».

ولم تقتصر رسائل عباس على إسرائيل وحدها، بل شملت أولاً الولايات المتحدة التي انخرطت في نقاشات واسعة مع إسرائيل حول احتمالات انهيار السلطة، وراحت تتحدث عن سلطة متجددة، وثانياً، دولاً إقليمية وعربية تناقش مستقبل السلطة وشكل الهيئة التي يفترض أن تحكم قطاع غزة بعد الحرب، وأخيراً الفصائل الفلسطينية التي تهاجم و«تزايد» على السلطة، وترى أنها غير جديرة بحكم غزة، وتدفع باتجاه حلها.

الأيام الأصعب منذ 30 عاماً

تعيش السلطة الفلسطينية، اليوم، واحدة من أسوأ مراحلها على الإطلاق منذ تأسست قبل 30 عاماً.

فبعدما تقلصت المساحات التي تسيطر عليها في الأراضي الفلسطينية، وفيما هي تكابد بلا انتخابات رئاسية، وبلا مجلس تشريعي، أو أفق سياسي واقتصادي، وبالتزامن مع أزمة مالية خانقة، وأخرى أمنية، ومشاكل داخلية لا تحصى، وجدت هذه السلطة نفسها في مواجهة «طوفان» جديد؛ طوفان تغذيه أكثر حكومة يمينية تشن هجوماً منظماً وممنهجاً ضدها، وضد شعبها، وفيه كثير من المس بهيبتها وبرنامجها السياسي ووظيفتها، إلى الحد الذي يرتفع فيه السؤال حول إمكانية نجاتها أصلاً في الضفة، قبل أن تعود لتحكم غزة ثانية.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال كلمته في الأمم المتحدة بنيويورك (إ.ب.أ)

وبين الفينة والأخرى يتردد سؤال معقد بعض الشيء، ويبدو منطقياً أحياناً، وغير بريء أحياناً أخرى، وهو: لماذا لا تحل السلطة نفسها؟

هذا سؤال يبرز اليوم مجدداً، مع توسيع إسرائيل حربها ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة، وإن كان في صيغة مختلفة كالقول: لماذا لا تسلم السلطة المفاتيح لإسرائيل، وتزيد عليها الضغوط؟

الأكيد أن السلطة لا تُخطط لحل نفسها، وهذا ينطلق من «قناعة وطنية» بأنها وجدت لنقل الفلسطينيين من المرحلة الانتقالية إلى إقامة الدولة، وأنها لا تعمل وكيلاً لدى لاحتلال.

ويعرف المسؤولون الفلسطينيون أنه لطالما أرادت إسرائيل أن تجعل السلطة وكيلاً أمنياً لها، لكنهم يقولون في العلن والسر، إنهم ليسوا قوات «لحد» اللبنانية، وإنما هم في مواجهة مفتوحة لإنهاء الاحتلال، وهذا سبب الحرب التي تشنّها تل أبيب على السلطة سياسياً وأمنياً ومالياً.

وفي حديث مع «الشرق الأوسط»، قال توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول جهاز المخابرات السابق: «إن السلطة لا تنهار لأنها نتاج طبيعي لنضال طويل للثورة الفلسطينية، وستبقى حتى إقامة الدولة».

هل هو قرار فلسطيني وحسب؟

ربما يرتبط ذلك أكثر بما ستؤول إليه الحرب الحالية الآخذة في الاتساع، وهي حرب يتضح أنها غيّرت في عقلية الإسرائيليين قبل الفلسطينيين، وفي نهج وسلوك وتطلعات الطرفين، وماضية نحو تغيير وجه الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يمتنع حتى الآن عن وضع خطة واضحة لما بعد الحرب، لا في الضفة ولا في غزة، يجاهر أركان حكومته وحلفاؤه بما سيأتي، وهي خطة على الأقل واضحة جداً في الضفة الغربية، وتقوم على تغيير الواقع والتخلُّص من السلطة وإجهاض فكرة إقامة الدولة.

وقد بدأ الانقلاب على السلطة بوضوح بعد شهرين فقط من بدء الحرب على القطاع، نهاية العام الماضي، عندما خرج نتنياهو ليقول إن جيشه يستعد لقتال محتمل مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي تصريحات فهمتها الرئاسة الفلسطينية فوراً، قائلة إنها تعبر عن نياته المبيتة لاستكمال الحرب على الفلسطينيين من خلال السلطة بعد «حماس»، وفي الضفة بعد غزة.

تصريحات نتنياهو التي جاءت في جلسة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أعقبها توضيح بالغ الأهمية من نتنياهو ومفاده أن «الفارق بين السلطة و(حماس) هو أن الأخيرة تريد إبادتنا حالاً، أما السلطة فتخطط لتنفيذ ذلك على مراحل».

فلسطينيون في وقفة احتجاجية في مدينة رام الله بالضفة الغربية الثلاثاء طالبوا بالإفراج عن جثامين أسراهم في سجون إسرائيل (أ.ف.ب)

ويفسر هذا الفهم لماذا عَدّ نتنياهو أن اتفاق «أوسلو» كان خطأ إسرائيل الكبير، موضحاً أن «السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و(حماس) في غزة يريدان تدمير إسرائيل... طرف يقول ذلك صراحة، والآخر يفعل ذلك من خلال التعليم والمحكمة الجنائية الدولية».

وهجوم نتنياهو على السلطة ليس جديداً، لكنه الأوضح الذي يكشف جزءاً من خطته القائمة على تقويض السلطة. ومنذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تتعامل إسرائيل مع السلطة كأنها غير موجودة.

الضفة مثل غزة ولبنان

وصعّدت إسرائيل في الضفة الغربية منذ بدء الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، وقتلت أكثر من 720 فلسطينياً، في هجمات متفرقة، تميّزت بإعادة استخدام الطائرات في عمليات اغتيال، وتنفيذ عمليات واسعة.

وكان لافتاً أن التصعيد في الضفة كان مبادرة إسرائيلية، إذ هاجم الجيش مدناً ومخيمات وبلدات، وراح يقتل الفلسطينيين قصفاً بالطائرات ويعتقلهم، كما يدمر البنى التحتية، مستثيراً الجبهة الضفَّاوية، بحجة ردع جبهة ثالثة محتملة.

اليوم لا تكتفي إسرائيل بالمبادرة، بل تريد أن تجعل الضفة أحد أهداف الحرب، مثل غزة ولبنان. ولم يتردد وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، بالقول إن الحرب التي تخوضها إسرائيل «ليست فقط ضد غزة وضد (حزب الله) اللبناني، بل هي أيضاً في الضفة»، مؤكداً أنه طلب من رئيس الوزراء أن يدرج ضمن أهداف الحرب تحقيق النصر في الضفة أيضاً.

لكن لماذا تخشى إسرائيل الضفة إلى هذه الدرجة؟ يقول مسؤول فلسطيني -فضّل عدم الكشف عن اسمه- لـ«الشرق الأوسط»: «إنهم يستهدفون الضفة لضرب المشروع الوطني الفلسطيني، ويسعون إلى تقويض السلطة».

وأضاف: «يصعّدون هنا حتى يثبتوا للفلسطينيين أن السلطة ضعيفة وواهنة ولا تحميهم، ويجب أن ترحل، لأنها غير جديرة بهم».

قوات إسرائيلية خلال عملية اقتحام لمخيم فلسطيني قرب رام الله بالضفة مارس الماضي (أ.ف.ب)

وخلال الأسابيع القليلة الماضية فقط، حذّرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن الوضع الأمني في الضفة قد يتطور إلى انتفاضة؛ ولذلك دفع الجيش بـ3 كتائب احتياط إلى الضفة، لأهداف «تشغيلية ودفاعية» على ما قال، وللقيام بمهام «عملياتية».

وجاء القرار الذي تحدّث عن تعزيز الدفاع، وسط تصاعد الصراع في المنطقة وقبيل ذكرى السابع من أكتوبر، لكن إذا كانت هذه خطة الحكومة الإسرائيلية، فيبقى من السابق لأوانه معرفة إن كانت نجحت في مهمتها أم لا.

يكفي لجولة صغيرة على مواقع التواصل الاجتماعي أن تشير إلى أن السلطة في وضع لا تحسد عليه. فهي عاجزة عن خلق أفق سياسي وأفق اقتصادي وتوفير الأمن، وأساسيات أخرى من بينها رواتب الموظفين للعام الثاني على التوالي.

واليوم، الجميع على المحك في مواجهة حرب ممنهجة، تسعى إلى تغيير الواقع مرة وإلى الأبد.

خطة قديمة جديدة

كان الوزير الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموترتيش، واضحاً عندما قال إنه لا يفعل شيئاً سرياً، وهو يعمل ضد السلطة في الضفة، ويسعى لمنع إقامة دولة.

وتعهد سموتريتش نهاية الشهر الماضي، بأن تكون «مهمة حياته» إحباط قيام دولة فلسطينية، وكتب في منشور على منصة «إكس»: «أخذت على عاتقي، إضافة إلى منصب وزير المالية، مسؤولية القضايا المدنية في يهودا والسامرة (الضفة)».

وأضاف: «سأواصل العمل بكل قوتي حتى يتمتع نصف مليون مستوطن موجودين في الضفة بحقوق كل مواطن في إسرائيل وإثبات الحقائق على الأرض، التي تمنع قيام دولة إرهابية فلسطينية يمكن أن تكون قاعدة إيرانية أمامية للمجزرة المقبلة».

فلسطينيون يحتفلون فوق صاروخ إيراني صقط في رام الله (أ.ف.ب)

وكان تسجيل مسرب لسموتريتش قبل شهرين فضح خطة حكومية رسمية لفرض السيطرة الإسرائيلية المدنية على الضفة الغربية، قال خلاله الوزير المسؤول عن الإدارة المدنية الإسرائيلية، إن الحكومة منخرطة في جهود سرية لتغيير الطريقة التي تحكم فيها إسرائيل الضفة الغربية.

وخطة سموترتيش الماضية، ستعني حتماً تفكيك السلطة، لكن المحلل السياسي محمد هواش يرى أن العالم لن يسمح بذلك.

وقال هواش لـ«الشرق الأوسط»: «إن السلطة مرتبطة بالمشروع القائم على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، وهذا جزء من تسوية دولية. مشروع دولي بالأساس، وهناك حتى الآن رعاية دولية له، ومن الصعب التراجع عنه».

وأضاف هواش: «التراجع يعني إعادة الاحتلال، وهذا غير مقبول فلسطينياً ودولياً، وإسرائيل لن تقبل، لأنها ستذهب إلى دولة واحدة ونظام (أبرتهايد)».

وتابع هواش: «لا توجد مصلحة لإسرائيل بإنهاء السلطة بالكامل، بل في إضعافها حتى تتوقف مطالبها بإنهاء الاحتلال، وتغير العلاقة مع إسرائيل». وحذر من أن «إسرائيل ستتحمل العبء الأكبر من غياب عنوان سياسي للشعب الفلسطيني».

الثابت الوحيد اليوم أنه لا أحد يملك وصفة سحرية، سواء أذهبت السلطة أم بقيت، قويت «حماس» أم ضعفت، امتدت الحرب أم انتهت، تطرفت إسرائيل أكثر أم تعقّلت، سيظل يوم السابع من أكتوبر شاهداً على أن الطريق الأقصر للأمن والاستقرار هو بصنع السلام، وليس بطائرات حربية ومدافع ورشاشات.