برلين «عاصمة بديلة» للمثقفين السوريين... وأحلامهم

«الشرق الأوسط» ترصد إبداعاتهم في المدينة وتنافسها مع باريس

عازف العود السوري وسام مقداد أثناء تدريبات مع الأوركسترا في برلين (الشرق الأوسط)
عازف العود السوري وسام مقداد أثناء تدريبات مع الأوركسترا في برلين (الشرق الأوسط)
TT

برلين «عاصمة بديلة» للمثقفين السوريين... وأحلامهم

عازف العود السوري وسام مقداد أثناء تدريبات مع الأوركسترا في برلين (الشرق الأوسط)
عازف العود السوري وسام مقداد أثناء تدريبات مع الأوركسترا في برلين (الشرق الأوسط)

باريس كانت حلم المثقفين السوريين. منهم من اختار الدراسة هناك بحكم تأثير الانتداب الفرنسي، ومنهم من هرب من النظام على «أعناق» الإبداع إلى العالم الحر. لم تخيّب المدينة كثراً منهم وأصبحت «عاصمة النور» مدينتهم المختارة في المهجر. السنوات الأخيرة غيّرت المعادلة نسبياً. النزاع الأخير هجّر الناس والعقول وضخّم الشتات وضاعف المعاناة.
36 ألف سوري اختاروا الاستقرار في برلين، غريمة باريس. هذه الجارة التي لم تعد تشهد انقساماً منذ التسعينات، كسرت جدارها، وفتحت بابها مرحبة بتعددية الثقافات، فأصبحت جذابة لمثقفين وفنانين سوريين اعتبروها منبراً للإبداع. فهل أصبحت برلين مدينتهم المشتهاة؟
الموسيقى

الانتداب الفرنسي على سوريا جعل باريس مقصداً للمثقفين السوريين خلال القرن الماضي. هناك في «عاصمة النور» وجدوا ملجأً للحرية الفكرية، بعيداً عن تضييقات النظام حينذاك. وتعرضت المدينة لـ«غزوات ثقافية» عدة عبر العقود. نهل مثقفون من نهر المدينة. بعضهم عاد إلى دمشق. بعضهم الآخر استقر فيها مجبراً. لكن الحبل السري كان مربوطاً بين دمشق وباريس عبر شريان الثقافة خلال السنين: في المسرح والسينما والأدب والفلسفة.
ربما لم تكن تضم العدد ذاته من المبتعثين الذي ضمته موسكو، بسبب العلاقة السياسية بين سوريا والاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية، لكن باريس كانت دائماً مدخلاً لإلهام ثقافي نوعي.
الكاتب والمترجم والناقد بدر الدين عرودكي واحد منهم. أُرسل في مطلع السبعينات ببعثة إلى فرنسا، لدراسة الدكتوراه في علم الاجتماع، ليعود للتدريس في سوريا، كان معاصراً لأساتذة يعانون المرّ بسبب هيمنة أجهزة الأمن المتزايدة على عملهم وعلى مجمل الحياة الجامعية، وكان ينعكس سلباً على مستوى التعليم، الأمر الذي كشفه عرودكي في حوار مع «الشرق الأوسط»، قائلاً: «ما إن حصلت على درجة الدكتوراه حتى طلبت إجازة دراسية لمتابعة دراسة ابنتي، وحين رُفض طلبي، اعتذرت عن العودة وبقيت في فرنسا وسددت للحكومة ضعف ما صرف عليّ أثناء دراستي، مستعيداً بذلك حريتي». ترجم عرودكي أكثر من 30 كتاباً، وشغل مناصب عدة في معهد العالم العربي بباريس، فكان حاضراً في قلب المشهد الثقافي.
وعن ذلك قال: «لم تكن باريس تجذب المثقفين السوريين وحدهم، بل المثقفين من كل أنحاء العالم. كانوا يعتبرون العيش فيها لفترة من الزمن ضرورة لتنمية تجربتهم في الكتابة والثقافة والحياة».
يستذكر العرودكي سنواته الأولى في باريس، ويقول: «اقتصر وجود السوريين في باريس حتى نهاية سبعينات القرن الماضي، على طلبة الدراسات العليا، خصوصاً كبار التجار الذين كانوا قد غادروا سوريا إلى بيروت أولاً بعد قرارات التأميم أثناء الوحدة السورية المصرية، من ثمّ اضطروا إلى مغادرتها بعد بدء الحرب الأهلية عام 1975 إلى المغرب الأقصى أو إلى باريس». وأضاف: «لذا؛ لم يكن بالوسع الحديث عن (جالية) سورية منظمة بباريس آنذاك».
لكن هل لا يزال هذا المشهد الثقافي السوري واضحاً في باريس كما كان في السابق؟ يجيب العرودكي: «لا يزال موجوداً، بل وأكثر من أي وقت مضى؛ لكن مع كثير من الاختلاف في طبيعة الفعاليات والنشاطات التي نظمت ولا تزال نتيجة الثورة ومآلات الحدث السوري منذ ثماني سنوات».
وهل أصبحت برلين عاصمة الثقافة السورية في المهجر؟ يقول: «لا يمكن القول إن برلين أصبحت عاصمة الثقافة السورية في المهجر الجديد عوضاً عن باريس؛ لأن باريس تبقى ملتقى معظم ثقافات العالم ومنها السورية بالطبع»، ويضيف: «أفضل القول إن برلين أصبحت عاصمة أخرى وكبيرة للثقافة السورية في المهجر. وذلك نتيجة الكثير من الفعاليات والنشاطات التي ينظمها السوريون بدعم ومشاركة من المؤسسات الألمانية وكل المتعاطفين مع قضية الشعب السوري».
* الشتات السوري

نافذة على الشتات السوري، بل وعلى شرائح الداخل أيضاً أتاحها لقاء مع أنور البني، المحامي السوري ومدير المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، ليس فقط لإلمامه ونشاطاته، بل لرنين جواله. الجوال لم يهدأ. كل مكالمة أتته من داخل سوريا أو خارجها كانت لسوري يطلب مساعدة في تحضير أوراق لجوئه، وآخر يستفسر عن آلية إصدار تصريحات عمل في إحدى البلاد، وغيره يتصل لإعلام أنور بآخر مستجدات قضية قريبه المسجون، أو ليطمئن على بعض الإجراءات القانونية، أو ليغذي المحامي بمعلومات من الأرض. وفي حين جلس أنور وراء مكتبه وهو يحاول الموازنة بين الرد على الاتصالات وإجراء الحوار، ألمع التفاؤل عينيه.
في سوريا، شغل البني منصب رئيس مركز البحوث والدراسات القانونية بتمويل من الاتحاد الأوروبي الذي كان يهدف لتدعيم حقوق الإنسان وتعزيزه في البلد؛ لكن المركز أُغلق بأمر من السلطات السورية بعد اعتقاله عام 2006، ليُطلق سراحه في عام 2011. استمر في الدفاع عن حقوق المعتقلين واضطر إلى مغادرة سوريا عام 2014، ليستقر في العاصمة الألمانية، حيث عمل على فتح ملفات مجرمي الحرب في بلده. كما عمل على دعم العدالة الانتقالية.
يدير البني اليوم «المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية»، وكان له دور فاعل في إصدار مذكرات التوقيف الألمانية الفرنسية بحق عدد من رموز النظام السوري. عن ذلك قال: «الهدف الأساسي من مذكرات التوقيف إبعاد رموز النظام عن مستقبل سوريا، وألا يكون لنظام الأسد دور في مرحلة انتقالية».
يعود الجوال ليرنّ من جديد، يستأذن يرد، ثم يتابع الإجابة عن السؤال: «أعيش في برلين، لكن في داخلي أنا ما زلت في دمشق، أريد العودة».
علاقته مع الجالية السورية في برلين وطيدة وحيوية. قال: «عدد السوريين في برلين ليس كبيراً، لكنّهم نشيطون وباتوا ظاهرين في المجتمع».
إذن، هل تحولت هذه المدينة إلى عاصمة الثقافة السورية في المهجر مستبدلة باريس؟ يجيب: «باريس كانت منتدبة على سوريا وبالتالي بدايات المعارضة معظمها سافرت إليها، وبخاصة اليسارية». وأضاف: «الإخوان المسلمين تفرقوا بين ألمانيا وبلجيكا، لكن معظم السوريين كانوا في فرنسا»، لافتاً إلى أن «باريس عاصمة النور؛ لذا كانت المقصد».
اليوم، أصبحت برلين خياراً مناسباً بحكم أنها لم تعد منقسمة، وتحتضن تنوعاً هائلاً وهي «مدينة مفتوحة»، كما يراها أنور. هذه المدينة أصبحت بوابة للمثقفين السوريين، والفنانين والموسيقيين منهم.
* كتب «حرة» وذكريات
في حي شارلوتنبورغ السكني مطعم ومقهى يعبق برائحة المعجنات السورية والقهوة العربية. يضمّ صالة عربية عُلّق على أحد جدرانها لوحات تشكيلية لفنانين سوريين، ومكتبة مليئة بالروايات والإصدارات العربية. «النايا» واحة شامية ثقافية سافرت مع مؤسسها صافي علاء الدين واستقرت غرب برلين في حي معظم سكانه ألمان. على مدى الأشهر الأخيرة استطاع «النايا» جذبهم إلى جانب رواد سوريين يبحثون عن فسحة ثقافية في المهجر.
في الصالة الخلفية جلس الناشر وأحد مؤسسي منظمة «مدى» للثقافة والتنمية الفكرية في برلين يحتسي قهوته على وقع أغاني لينا شماميان. اتكأ على منضدة تطريزها شامي، محاطاً بجدران تزينت بلوحات فنية أبدعتها ريشة سورية. وكرونق الغرفة الحالم، تكلم صافي عن تجربته بكل هدوء. قال: «قدمت إلى برلين منذ أكثر من أربعة أعوام، احتضنتني الحكومة الألمانية بحكم علاقتي القديمة مع وزارة الثقافة لعملي في مجال النشر».
كانت صناعة النشر بسوريا مرتبطة بمراقبة الأجهزة الأمنية لها من خلال وزارة الإعلام السورية، وكان الأمن يراقب مخطوطات الكتب قبل الطباعة والنشر. قال صافي: «كانت الكتب التنويرية السياسية (تنام) لأشهر في أدراج الموظفين، بينما كانت الكتب الصفراء متوافرة في السوق، وبكثرة». لا يعني ذلك أن سوريا كانت تفتقر إلى الكتاب والأقلام، لكن المحاولات في الداخل باءت بالفشل بسبب التضييقات، وفق صافي الذي أضاف: إن «التعامل مع النظام كما صانع الألغام؛ فغلطته الأولى أخيرة». لذلك؛ وفّرت بيروت متنفساً لتلك الكتب الممنوعة لترى النور، الخلاص الذي لجأ إليه صافي حتى سفره إلى برلين.
درس صافي قوانين ألمانيا ومن ثمّ انطلق بمشروع جديد في المهجر لتكريس الحالة الثقافة السورية بحقيقتها بعيداً عن المحاذير السابقة. ومع مجموعة من أصدقائه رأت منظمة «مدى» النور عام 2016، وأصبحت منبراً لدعم الكتاب الشباب وحيزاً لأمسيات وندوات ثقافية في العاصمة الألمانية.
وحولت بلدية المنطقة (شارلوتنبورغ) وقتها فيلا مهجورة إلى مركز ثقافي بمسرح يتسع إلى 150 شخصاً، وسلّمت القسم العربي لـ«مدى» التي حرصت بدورها على تكريس أيام ثقافية سورية، بما فيها الثقافة الكردية، بفعاليات تتنوع بين الكتاب والمسرح والوثائقيات والفن. استطاع صافي أيضاً المساهمة في إحضار وعرض نحو 500 لوحة من أعمال 22 فناناً سورياً في الداخل إلى برلين. وقال: «ليست في حاجة إلى جواز سفر أو تأشيرة دخول أو حتى طلب لجوء، لكنها تبحث عن إقامة في برلين أو صالونات الفن».
خلال حديثه، تدخل جولييت كوريه إلى «النايا» وتجلس إلى جانب صافي لتستمع إلى الحكاية الثقافية السورية في برلين، التي كانت هي أيضاً جزءاً منها. جولييت السورية هي إحدى مؤسّسات منظمة «مدى»، لكنها مقيمة في العاصمة الألمانية منذ عام 2005، وكانت تعمل مسؤولة للمخطوطات باللغات القديمة في الجامعة. مع بدء موجة اللجوء، قرّرت مساعدة السوريين وتدريبهم مهنياً. هناك كانت التقت صافي أو «المتدرب رقم 4» حسب قولها، وانطلق التعاون بينهما.
بسمة تفاؤل ترتسم على وجهها، وتقول: «المشروع يعطي رسالة أننا ما زلنا قادرين على العطاء، نحن لسنا لاجئين فقط، لجوؤنا إنساني، وهذا يعني أن الناس حاملون لثقافة وليسوا فارغين». وأضافت: «من كان مقيّداً في سوريا استطاع أن يصبح حراً في برلين، واستطعنا بجميع الإمكانيات المتاحة لنا بناء هوية لنا، والمطالبة بأن نكون جزءاً من هذا المجتمع».
هل أصبحت برلين العاصمة الثقافية للسورين خارج البلاد؟ يقول صافي: «قياساً بالأنشطة، برلين هي حتماً هذه العاصمة التي تحوي نشاطات أسبوعية متنوعة ومتعددة رغم أن عدد السوريين فيها ليس كبيراً جداً (نحو 36 ألفاً)، لكنهم مهتمون جداً بالثقافة، وهذا عبارة عن تضافر جهود غير معلنة تشعرنا بسوريتنا». وأضاف: «برلين مدينة تشبه دمشق وعمّان وبيروت، تفتح يديها لمن يصل إليها وتحتضن كل غريب. إنها تحب الحياة وتعشق التعددية». وتابع قائلاً: «في دول اللجوء أعدنا صياغة أنفسنا من جديد، وأعدنا ترتيب ذواتنا، وتعلمنا احترام القانون وكيفية تطبيقه، ونريد نقله إلى سوريا؛ نحن في حاجة إلى إعادة إعمار البشر قبل الحجر».
للمشهد الثقافي السوري في برلين وجوه كثيرة، وتجارب متنوعة بين ناشر وآخر. عند حضوره معرض فرانكفورت للكتاب قرر ماهر خويص، الناشر السوري، تقديم أوراقه ليستقر في برلين، لكن حلم العودة إلى سوريا لا يفارقه، فجميع الأماكن الأخرى ليست دائمة بالنسبة له، قالها والعبوس عقد حاجبيه، من ثم أرخى جسده على الكرسي ليتبدد ضيقه ويتنهّد مكملاً حديثه: «كل الأماكن تتشابه في نظري، والطريق أوصلتني من بيروت إلى برلين». ومع أن ماهر لا تربطه علاقة حميمية بالعاصمة الألمانية، إلا أنه يتفق بأنها «تحتضن جنسيات وقوميات وثقافات كثيرة وتوفّر مساحة ثقافية واسعة لتفاعل الناس».
ساهم ماهر منذ استقراره في برلين في تأسيس مكتبة «بيناتنا» العربية هناك، التي تجمع المهتمين بالشأن الثقافي، وتنظم نشاطات متنوعة. كما هو عضو في الهيئة الإدارية للمنتدى الثقافي العربي، وعضو في منظّمة «أوشينا» الثقافية.
يقول ماهر: إن هذا الحراك الثقافي مهم للجميع، وليس حكراً على فئة معينة. موضحاً: «هناك موروث ثقافي مهم لا بد من إلقاء الضوء عليه. لم يكن ظاهراً لكثيرين؛ لذلك من المهم إعطاء الوجه الحقيقي لسوريا». واستطرد: «هذه المساحة أصبحت متاحة لنا اليوم، إلا أن الطاقات ذاتها كانت موجودة في سوريا ولم تولد هنا، لكن هذا البلد فتح المجال لإظهارها».
هل يرى ماهر أن برلين عاصمة الثقافة السورية في المهجر؟ «ليس فقط للسوريين إنما للمثقفين العرب عموماً». لكنه يضيف: «أرفض هذه التسمية، فليس من مكان يمثّل ثقافة أي مكان». ويستطرد: «عاصمة المكان هي التي تحمل كل البيئة الثقافية التي وجدت فيه؛ لذا قد أطلق عليها اسم بوابة، لكن أنا لا أطلق عليها عاصمة». ويختم حديثه بالتحذير من تحوّل حال الاندماج الثقافي لشعوب الشتات إلى انصهار لهويتهم. قائلاً: «لم تتشكّل لنا ذاكرة هنا في برلين، إبداعنا الثقافي في المدينة مبني على ذاكرتنا التي حملناها من سوريا».
* منامات على المسرح
فعاليات موسيقية ومسرحية وفنية تكثر وتختلف جداولها في برلين، وللسوريين حصة كبيرة منها، فهم نقلوا إبداعاتهم المتنوعة بين العزف والاستعراض والتمثيل والرقص وغيرها إلى هناك.
في مقهى صغير بحي «ميته» السكني وسط العاصمة كان اللقاء مع أول راقصة باليه سورية محترفة. بدأت مي سعيفان تعلُّم الباليه عام 1987، ولم تكن قد بلغت ربيعها السابع، وبعد تخرجها من المدرسة سافرت إلى فرانكفورت للتّخصص في مجال الرقص. تنقلت بين سوريا وألمانيا، وقررت بعدها الاستقرار في سوريا وتأسيس ملتقى دمشق للرقص المعاصر ضمن شبكة «مساحات» بشراكة مع لبنان والأردن ورام الله. لم تستطع الاستمرار بالملتقى بسبب اندلاع الثورة في عام 2011.
سافرت إلى ألمانيا في زيارة قصيرة؛ وبقيت هناك بعد أن أخبرها أصدقاؤها بأنها مطلوبة من قبل النظام لمشاركتها في تنظيم حراك ضدّه؛ ولأنها كانت على خلاف مع وزارة الثقافة. استقرت في ميونيخ من ثم انتقلت وعائلتها إلى برلين. تحمل مي الجنسية الألمانية، لكن هويتها، وفنها سوريان. تتحدث عنهما بشغف. لغة جسدها المتجانسة مع حديثها تؤكد إبداعاتها الفنية والمسرحية.
«بداية لم أستطع العمل في ألمانيا. كنت أنتظر العودة ودخلت بأسئلة وجودية، كما لم أرد أن أُصنف من بائعي الثورة»، هكذا لخصت مي أيامها الأولى في ألمانيا. لكنها سرعان ما استطاعت مشاركة اسئلتها الوجودية مع السوريين عبر «فيسبوك» لتحويلها إلى مشروع إبداعي مميز. وعن ذلك تقول: «دوّنت مناماتي وراقبت أحلامي، لألاحظ أنها اختلفت بعد الثورة. وقرّرت إنشاء صفحة على (فيسبوك) تحت عنوان (احكيلي شو حلمت مبارح)».
سرعان ما بدأ السوريون في تدوين مناماتهم في الصفحة حتى تحولت إلى أرشيف لبنات أفكار سوريا. تيمات المنامات تغيّرت مع تطور الثورة إلى سفك الدماء ورحلات الموت عبر البحر، بل أصبحت توثق الوضع السياسي. وفقاً لمي، تمحورت منامات السوريين في عام 2011 حول قصص الملاحقات الشخصية من قبل الأمن والهرب والاختباء وكتابات على الجدران وأحلام عن سقوط بشار الأسد. وقالت: «الحلم الذي تكرّر لسنوات هو أن الأسد لا يعرف ما يحصل في البلاد، نوع من الانكار من الناس حسب ظني».
الماء كان عنصراً بارزاً في الكثير من المنامات المدونة على الصفحة بين الغرق، والطوفان، وغرق المدينة، والضياع في البحر، تلك الكوابيس تزايدت بين عامي 2014 و2015، أي مع بداية موجة الهجرة عبر المتوسط.
هذا الأرشيف الغني أثمر عملاً فنياً لمي تحت عنوان «التخريب للمبتدئين». «العمل مثل حالة (السذاجة) في الإقبال على الثورة، ونحن لا نعرف ومبتدئون»، قالت مي. وأصبحت تنقل تلك المنامات سنوياً إلى المسرح البرليني.
تغيرت طبيعة عمل مي وفنها في برلين. ولاحظت أنها لأول مرة ترقص بخطوات ثابتة، على عكس عروضها السابقة. وأضافت: «تبددت الرهبة، ولم أعد أخاف من شيء. أصبحت عروضي أكثر عشوائية تركز على ترسيخ إحساس المشاهد بعيداً عن التفاصيل والجزئيات. وتسلط الضوء على جانب الكوميديا التي لجأ إليها السوريون أثناء الثورة للإبقاء على بعض من الإيجابية».
تقول مي: «تحولت برلين إلى عاصمة الثقافية السورية في المهجر اليوم». وتضيف: «كانت في سوريا حركة فنية قوية بدأت مع بداية الألفية وبدأت تتبلور وتقوى عندما اختيرت دمشق عاصمة للثقافة وكان هنالك فريق عمل رائع، وطاقات شبابية استطاعت تحدي ضغوط المجتمع ودراسة الفن حتى في الخارج، أغلبهم درس وعاد ليحدث تغييراً». وتابعت: «الفقاعة هذه كانت موجودة في دمشق، وكان للشباب حراك، لكنه بقي مقموعاً ومحدوداً». تتنهد بعد أن تسترق رشفة من عصير البرتقال الطازج وتجيب: «على الرغم من ذلك، أحلم أحياناً بأنني عدت إلى دمشق مع ابني الذي لم يرها بعد. ولا أعرف إن كانت ستعود لنا يوماً ما».
الموسيقى، لغة يفهمها الجميع ويتذوقها الكثيرون، توحّد الناس وتعبّر عن مشاعرهم وهوياتهم. النغم جانب حاضر من الثقافة، عابر للحدود ورسالة تحملها أوركسترا بابل المكونة من موسيقيين متعددي الآلات، والجنسيات، والثقافات.
وسيم مقداد، عازف عود من سوريا، استقر في برلين عام 2016، وهو يتكلّم الألمانية بطلاقة. التقته «الشرق الأوسط» على هامش بروفة للأوركسترا في مسرح بحي بيرغمانكيز. جلس يروي قصته بلغة «أهل الشام».
العودة إلى برلين تمثّل «ربطاً مع الجذور»، فوسيم ولد في مدينة لايبزيغ الألمانية وسافر مع أهله إلى سوريا وهو في الرابعة من عمره. ترعرع في دمشق، حيث درس الطب والموسيقى. وكان ناشطاً في الثورة وشارك في المظاهرات وعمل طبيباً ميدانياً يسعف الجرحى في المناطق التي كانت تحت سيطرة «الجيش الحر». اعتقله النظام ثلاث مرات، كما اعتقله تنظيم «جبهة النصرة». وسط المظاهرات والحراك نشأت قصة حب بين الطبيب وبريفان الكردية التي أضحت زوجته. قررا السفر إلى غازي عنتاب التركية وبعدها إلى برلين في يونيو (حزيران) 2016.
واظب الزوجان على تعلم اللغة الألمانية. دخل وسيم الجامعة ليكمل دراسة الموسيقى وتخلّى عن ردائه الأبيض. وتعليقاً على ذلك، قال: إن «الطب عملية بحث عن حقيقة مطلقة وجواب واحد ودقيق ليكون هنالك توجه للعلاج، بينما الموسيقى لا تحتوي على جواب واحد لأي سؤال، والإجابات عنها كثيرة، ومجال الحرية فيها لا نجده في الطّب الذي يتعامل مع الوجع ويقاومه، الموسيقى تتعامل مع الجمال وتعززه، وذلك يحاكي روحي أكثر».
يعمل وسيم اليوم مع عرب وأجانب من مختلف الأعمار، كما يساهم في إثراء المجال الموسيقي ضمن الجالية السورية في برلين من خلال تنظيم فعالية ثقافية شهرية في مركز «ورشة عمل للثقافات». وعن ذلك يقول: «التنوع يشبه التنوع في سوريا، أشعر بالأمان والراحة، وكأنني ما زلت هناك».
أتاحت برلين لوسيم فرصة بلورة ثقافة الفن داخله، فهل تمثل له عاصمة الثقافة السورية في المهجر؟ يقول: «إن وجود بضعة آلاف من السوريين في مدينة خارج البلاد يحوّلها بشكل رمزي إلى عاصمة لهم في المهجر، وهكذا كانت باريس. لكن في مرحلة الشّتات الحالية قد تمثّل بيروت أو إسطنبول أو غازي عنتاب العاصمة الثقافية للسوريين في المهجر». ويوضح أن «السوريين يتواجدون في مدن كثيرة بألمانيا، وتحديداً برلين؛ لأنها جاذبة ومنفتحة وترحب بالغريب. الشتات السوري وزّع عواصم السوريين في المهجر وبرلين اليوم تُعتبر أهمهم».
جولة في برلين، بعد خمس سنوات على وصول اللاجئ السوري الأول إلى هناك كان هدفها تقصي أوضاع نحو 36 ألف سوري في «الوطن الجديد». قد تكون الرحلات الشاقة، والذكريات الأليمة، والبدايات المتعثرة جمعت سوريي برلين في الأشهر الأولى. لكن، مع مرور الأيام أصبحوا يلتقون في أمسية شعرية، أو معرض فني، أو حفل موسيقي يعزز هويتهم.
وفي برلين، وجد الشتات واحة ثقافية سورية له، قد نسميها عاصمة في المهجر، أو بوابة على العالم، أو منبراً للحرية. قد تختلف المصطلحات والمعنى واحد.



الحقيقة بين حَربَيْن: يوليو 2006 - أكتوبر 2023

رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
TT

الحقيقة بين حَربَيْن: يوليو 2006 - أكتوبر 2023

رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)

المحنة الخطيرة التي تعرّض لها لبنان في عام 2006، بالمقارنة مع المحنة التي لا يزال يتعرّض لها منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وحتى الآن، تبينان أن هناك أوجه شبه متعددة في جذورهما، كما أن هناك فروقات شاسعة بينهما، لا سيما بسبب تغير الظروف والأحوال.

منذ اللحظة التي قام بها العدو الإسرائيلي بعدوانه على لبنان في شهر يوليو (تموز) 2006، بحجة العملية العسكرية لـ«حزب الله» واختطافه عنصرين من الجيش الإسرائيلي، دعوتُ مجلس الوزراء للانعقاد والبحث في مخاطر هذا العدوان وتداعياته، واتخاذ التدابير، لحماية الأمن الوطني وحماية أمن اللبنانيين وسلامتهم، في المناطق التي أصبح يستهدفها، وللحؤول دون إفراغ الجنوب اللبناني من أهله.

لقد طرحتُ الأمر على مجلس الوزراء، وقلتُ بوضوح، إننا كحكومة فوجئنا ولم نكن على علم مسبّق بهذه العملية، وإننا لا نتبناها، ونستنكر عدوان إسرائيل على لبنان، وعلى سيادته وعلى الشعب اللبناني، وعلينا تقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن، والمطالبة بوقف إطلاق النار.

المسافة بين الدولة و«الحزب»

بذلك نجحت الحكومة آنذاك في إيجاد مسافة واضحة بين الدولة اللبنانية و«حزب الله»، وهو ما أفسح المجال أمامها في مخاطبة المجتمعين العربي والدولي، والتواصل معهما من أجل مساعدة لبنان وتعزيز صموده. وهذا أيضاً ما أهّلها ومكّنها بعد ذلك، وفي ظل عنف الجرائم التي باتت ترتكبها إسرائيل إلى أن تكتسب دور الضحية الذي حاولت إسرائيل أن تلبس رداءه منذ صباح الثاني عشر من يوليو (تموز).

حرصت منذ ذلك الوقت على أن تكون الدولة اللبنانية بكل مكوناتها وإمكاناتها هي المسؤولة عن كل ما يجري، وعن معالجة نتائج ما حصل وما سيحصل، وأنها ستتحمل مسؤولياتها باتخاذ كل القرارات والإجراءات التي تحمي لبنان واللبنانيين، وتوفير مقومات صمودهم والاهتمام بالنازحين اللبنانيين.

منذ ذلك اليوم، تحوّل السراي الحكومي إلى ورشة عمل وطنية لا تهدأ، كما تحول أعضاء الحكومة إلى فريق عمل واحد للدفاع عن لبنان، والعمل على استنهاض الجهود في كل إدارات الدولة ومرافقها وإمكاناتها من أجل توفير مقومات الحياة للبنانيين، كما استنهاض المجتمع المدني للقيام بدورهم بواجب الدفاع عن لبنان.

على المستوى الخارجي، تكثّفت الاتصالات اليومية وبالتعاون مع وزير الخارجية اللبناني بكبار المسؤولين في العالم، من الأمين العام للأمم المتحدة، ومروراً برؤساء الدول العربية الشقيقة، وكذلك الدول الصديقة ممن يملكون القرار، ولهم القوة والنفوذ والتأثير الدولي، وكان مطلبنا الأساسي والأول من مجلس الأمن الدولي وقف إطلاق النار.

في ذلك الوقت، استمرّ العدو الإسرائيلي في شن الحرب على لبنان، وفي استهداف المنشآت والمرافق، وتدمير الجسور والطرقات والمدارس والأبنية في القرى والبلدات، بينما جهدت الحكومة من أجل استنهاض العالم والمنظمات الدولية لإدانة ووقف ما يعانيه لبنان، وما يتعرّض له من مخاطر.

مهجرون في حرب تموز 2006 يعودون إلى مناطقهم بعد وقف إطلاق النار (غيتي)

خطة النقاط السبع

في ذلك الوقت، بادرت مع مجلس الوزراء، وبحضور رئيس الجمهورية ومشاركته الفعالة إلى بلورة صيغ الحلول للبنان، ووضعها بمتناول رؤساء دول العالم ومجلس الأمن من أجل وقف الحرب على لبنان ولإنهاء العدوان الإسرائيلي، حيث أقرت الحكومة خطة النقاط السبع التي عرضْتُها في مؤتمر روما، والتي اعتمدها مجلس الأمن من ضمن بناءاته في إصدار القرار الدولي بوقف إطلاق النار.

صدر القرار رقم 1701 عن مجلس الأمن، وتوقفت الحرب، وعاد النازحون إلى ديارهم وقراهم ابتداء من يوم 14 أغسطس (آب) 2006، وأنجزت ورشة البناء والإعمار للبنى التحتية وللأبنية المدمرة والمتضررة على أعلى درجات الكفاءة والصدقية والفاعلية والسرعة، وبفضل المساعدات الكريمة التي قدمتها الدول العربية، لا سيما دول الخليج، والدول الصديقة، والتي استند لبنان في الحصول عليها على الثقة التي رسختها الحكومة اللبنانية في علاقاتها مع جميع الأشقاء والأصدقاء. وبناء على ذلك، فقد عاد لبنان من جديد إلى نهوضه وازدهاره، ولممارسة دوره الطبيعي عربياً وعالمياً، وحيث استطاع لبنان خلال السنوات من 2007 إلى 2010 أن يحقق أعلى نسبة نمو في تاريخه الحديث لـ4 سنوات متوالية، وأن يحقق فائضاً سنوياً كبيراً في ميزان المدفوعات، وكذلك فائضاً إيجابياً كبيراً في مجموع الاحتياط من العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي، وخفضاً نسبياً كبيراً في نسبة الدين العام اللبناني إلى ناتجه المحلي.

لقاء رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للاتفاق على مشاركة ألمانيا في قوات "يونيفيل" في 2006 (غيتي)

وحدة ساحات بلا مقوّمات

بالمقارنة، فإنَّ ما حصل في 8 أكتوبر عام 2023، نتيجة مبادرة «حزب الله» مستنداً إلى نظريته بوحدة الساحات، وهو قد قام بذلك منفرداً وعلى مسؤوليته، ومن دون اطلاع أو معرفة السلطات الشرعية في لبنان إلى إشعال الجبهة على حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وأيضاً دون الأخذ بالحسبان الظروف شديدة الصعوبة التي بات يعاني منها لبنان آنذاك، ولا يزال.

صباح اليوم التالي، في 8 أكتوبر 2023، أصدرتُ بياناً شدّدت فيه على أن لبنان لا يستطيع، ولا يمكن أن يُزجَّ به في هذه المعركة العسكرية، وعددت 5 أسباب أساسية فحواها الأزمة الوطنية والسياسية لعدم انتخاب رئيس للجمهورية، وعدم تأليف حكومة مسؤولة، والضائقة الاقتصادية الخانقة، وأزمة النازحين السوريين، وانحسار الصلات الوثيقة مع دول الاحتضان العربي، وعدم توفر شبكة الأمان العربية والدولية التي حمته في عام 2006، وكذلك عدم وجود عطف أو تأييد لدى غالبية اللبنانيين لدعم مثل هذا التدخل العسكري.

الآن، ولأنّ القرار 1701 لم يطبق كما يجب، ولأنَّ الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لم يلعبا دورهما في السهر على تطبيق جميع القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان وبالقضية الفلسطينية كما يجب، وحيث أثبتت إسرائيل أنها لا تسعى لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة، ولا تعترف بالقانون الدولي، ولا بالشرعية الدولية، ولا بالحقوق الإنسانية، وتمعن في جرائم الإبادة والقتل والتدمير في غزة والضفة الغربية، وترتد اليوم على لبنان لتعود وتقتل المدنيين وتهجر الآمنين وتدمر المنازل والمنشآت، وتَستعْمِل وسائل التكنولوجيا الحديثة واصطياد الناس الآمنين.

دور وطني يبحث عن أبطال

الآن، وقد أصبحنا على ما نحن عليه، من إرغامات ومن عوائق، وكذلك من نوافد يمكن الولوج منها نحو إخراج لبنان من نير هذا العدوان الإسرائيلي، فإنّه باعتقادي أن في لبنان الآن دوراً وطنياً كبيراً، يبحث عن أبطاله وفي غياب رئيس للجمهورية، وهما بنظري الرئيس نبيه بري بكونه رئيس السلطة التشريعية، والرئيس نجيب ميقاتي بكونه رئيس حكومة تصريف الأعمال، وعليهما أن يكتسبا بجهودهما وتفانيهما، شرف وأجر هذا الدور وهذه البطولة، وعلى جميع المسؤولين والحريصين على إنقاذ لبنان، أن يبادروا إلى مساعدتهما عبر تبني النقاط الست الآتية:

أولاً: إنَّ الواجب الوطني يقتضي من جميع اللبنانيين التضامن والتماسك والتصرف على قاعدة الوحدة والأخوة الوطنية الواحدة، وأن الشعب اللبناني بِرُمَّته يشجب ويدين هذا العدوان الإسرائيلي الغاشم الذي يستهدف لبنان كله والصيغة اللبنانية، بتآلف عناصرها وتفاعلها، والتي لا تحتمل غالباً أو مغلوباً.

بري متوسطاً ميقاتي وجنبلاط في لقاء عين التينة الأربعاء (إ.ب.أ)

ثانياً: إنَّ الحلول للبنان لن تكون ويجب ألا تكون إلا عبر الحلول الوطنية الجامعة، التي تركّز على التمسك بحسن واستكمال تطبيق اتفاق الطائف والدستور اللبناني، وبالدولة اللبنانية وسلطتها الواحدة والحصرية، وبقرارها الحر ودورها المسؤول في حماية الوطن والسيادة الوطنية، ومسؤوليتها الكاملة تُجاه شعبها وأمنه واستقراره.

ثالثاً: بما أنّ العدوان يطال كل لبنان ويصيب كل اللبنانيين، وليس من أحد منهم يتوسَّل العدوان الإسرائيلي، لكي يستفيد أو يدعم موقفه السياسي، فإنّ التفكير والبحث يجب أن ينصبَّ على ضرورة أن تعود الدولة اللبنانية لتأخذ على عاتقها زمام الأمور والمسؤولية، وما يقتضيه ذلك من موقف وطني جامع، بحيث يحتضن اللبنانيون بعضهم بعضاً ويكون همهم الوحيد إنقاذ لبنان وإخراجه من أتون هذه الأزْمة المستفحلة والخطيرة، التي تهدّد كيان الوطن ووحدة اللبنانيين وتماسكهم ومصيرهم.

رابعاً: مطالبة مجلس الأمن الدولي بإصدار قرارٍ بوقفٍ فوري لإطلاق النار في لبنان، وتَحَمُّلِ مسؤولياته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، عبر التزام جميع الأطراف بالتطبيق الكامل والفوري للقرار الدولي 1701 بمندرجاته كافة، واحترام جميع القرارات الدولية ذات الصلة.

خامساً: مبادرة رئيس المجلس النيابي بدعوة المجلس إلى الانعقاد لمناقشة المخاطر التي تتربص بالدولة اللبنانية وبالشعب اللبناني بما يحفظ الكيان اللبناني، ويحترم الدستور اللبناني، ويحافظ على وحدة لبنان وسلامة أراضيه. كما الدعوة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية دون أي إبطاء. رئيس يستطيع أن يجمع اللبنانيين، وبالتالي لتشكيل حكومة مسؤولة تتولى التنفيذ الكامل للقرار 1701، وتعمل لاستعادة العافية والسيادة اللبنانية وتعزيز دور الدولة اللبنانية الكامل في الحفاظ على استقلال وسيادة، وحرية لبنان، واستعادة نهوضه، واستقراره.

سادساً: السعي مع جميع الأشقاء العرب وجامعة الدول العربية بكونهم أشقاء الدم والهوية، وكذلك مع جميع الدول الصديقة والمؤسسات الدولية الإنسانية لتقديم كلّ المساعدات اللازمة والعاجلة لصيانة كرامة النازحين المنتزعين من بلداتهم وقراهم والحفاظ على كرامة اللبنانيين، وكذلك لتأمين العودة العاجلة والفورية لعودة النازحين إلى بلداتهم وقراهم ووضع الآليات ورصد المبالغ اللازمة لإعادة إعمار ما تهدم وما تضرر.

لقد أثبتت هذه المحنة الجديدة أن لبنان لم يستفِد من تجربة ودروس عام 2006، وأنه بات مكشوفاً بتفاصيله أمام العدو الإسرائيلي الذي استثمر تفوقه الناري والجوي والتكنولوجي والاستخباراتي والدعم الدولي اللامحدود له بالترخيص بالقتل والتدمير، وهو الذي لا يزال يُراهن على التسبب بالانقسام، والفتنة بين اللبنانيين، التي لا ولن تحصل بإذن الله، وهو لذلك لم يتورع عن ارتكاب المجازر والاغتيالات، التي كان آخرها اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله.

اليوم لبنان والعالم كله أمام الامتحان، فهل تقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن لمناصرة الحق، وهل يبادر اللبنانيون بكل قواهم، للدفاع عن حق لبنان واللبنانيين في الوجود الكريم والآمن، وتلقين إسرائيل درساً في معنى الحق والإنسانية واحترام حقوق الإنسان؟!