الفنون البصرية الأفريقية في «حوارية تشكيلية» بالقاهرة

بمشاركة 60 فناناً وفنانة من القارة السمراء

الشاعرة لطفية القذافي أمام أعمال الفنان الليبي عصام الصابري
الشاعرة لطفية القذافي أمام أعمال الفنان الليبي عصام الصابري
TT

الفنون البصرية الأفريقية في «حوارية تشكيلية» بالقاهرة

الشاعرة لطفية القذافي أمام أعمال الفنان الليبي عصام الصابري
الشاعرة لطفية القذافي أمام أعمال الفنان الليبي عصام الصابري

شارك فنانون مصريون وأفارقة، في لقاء ثقافي دولي بعنوان «الفنون البصرية... حوار بين مصر وأفريقيا»، ومعرض «مصر - أفريقيا... ثقافة ممتدة» في دار الأوبرا المصرية، مؤكدين أن الفن لغة التواصل والحوار الأولى التي لا تعترف بالحدود الجغرافية واللغوية، يأتي ذلك في إطار الفعاليات المصاحبة لرئاسة مصر للاتحاد الأفريقي، والتي تضم أنشطة ومهرجانات تجسد ما وصلت إليه الفنون والآداب في القارة السمراء.
من جانبها، قالت الشاعرة الليبية لطفية القذافي، مستشار الاتحاد الدولي للمرأة الأفريقية؛ على هامش المعرض الفني: إن «الثقافة والفنون الأفريقية جزء من هذا العالم»، لافتة إلى أن «شمال أفريقيا كانت بوابة القارة للتواصل مع الحضارات العالمية القديمة، وحظيت بمكونات ثقافية ناجمة عن التداخل الثقافي مع الرومانيين والفينيقيين»، وأضافت: «في أقصى الغرب الليبي تظل مدينة سبراطة خير شاهد على التبادل الثقافي بين حضارات العالم القديم في المدينة الأثرية بها بما تضمه من منحوتات ومخطوطات»، مضيفة أن «القارة حالة من حالات الموزاييك بديعة في تنوعها الثقافي والفني».
بينما أكد الفنان السوداني معتز الإمام، أن «ثورة التواصل الاجتماعي قاربت بين الفنانين الأفارقة لمتابعة أعمال بعضهم بعضاً». واعتبر أن نهر النيل يمثل «مشتركاً إبداعياً أكثر منه مشتركاً جيوغرافياً بين الأفارقة».
وتحدث الفنان الإريتري محمود أبوبكر عن دور الفن في التواصل بين الشعوب الأفريقية في 50 دولة، مؤكداً أن الجغرافيا ليست ضماناً للتواصل، بل إن الدول المتجاورة تجد بينها أحياناً حدوداً أقوى من المعابر الحدودية، لافتاً إلى أن «النزاعات والحروب والسياسية فرقت بين الشعوب حدودياً ومكانياً، لكن الفنون كانت دائماً حلقة الوصل بين أبناء القارة».
وضم معرض «مصر - أفريقيا... ثقافة ممتدة»، لوحات ومنحوتات ونسيجيات تعكس مختلف المدارس الفنية التشكيلية. وقالت الفنانة سهير عثمان لـ«الشرق الأوسط»: «المعرض يجمع أشكال الفنون البصرية كافة المعبرة عن الفن الأفريقي، وشارك به نخبة من الفنانين من مختلف الأجيال من الرواد وجيل الوسط والشباب؛ لإقامة حوار فكري بالفن، يضم المعرض أعمالاً لـ60 فناناً وفنانة من مختلف أنحاء القارة».
غلب على لوحات المعرض الحضور القوي للمرأة الأفريقية والطبيعة الخلابة التي تتمتع بها القارة السمراء وملامح أبنائها المشعة بالأمل والإصرار. وشارك الفنان والناقد الكبير الدكتور مصطفى الرزاز بلوحتين نسيجيتين من الصوف الخالص باللونين الأبيض والأسود، تعبران عن الطبيعة الأفريقية بطيورها وحيواناتها، كذلك شاركت الفنانة سهير عثمان بلوحة نسيجية لنساء بالزي الأفريقي، في وضعية جلوس المرأة في مصر القديمة أثناء تقديم القرابين، في حين عبرت اللوحة الأخرى عن الإنسان الأفريقي وقدرته على مواجهة التحديات مع تضخيم نِسب القدم كصورة رمزية للرسوخ، فيما تتوسط المعرض لوحة جدارية للفنان فرغلي عبد الحفيظ رسمها برمال دهشور ورمال سيوة.
وشارك الدكتور الطيب الحضيري من السودان بلوحة تجريدية عن الحياة الأفريقية بألوانها المتداخلة، بينما شاركت باونينا قمبا بلوحتين تجسدان الرقص الفلكوري الأفريقي، وشارك أنتوني ميشنجو بلوحتين بورتريه لسيدتين أفريقيتين، كما شارك الفنان الكبير عز الدين نجيب بلوحة عن المرأة النوبية، والفنان عصام الصابري من ليبيا بلوحتين تجريدتين، وشارك فنان الكاريكاتير المصري عمرو فهمي بلوحة تجسد حواراً بين سيدة مصرية وأخرى أفريقية تسيران في مياه النيل. وضم المعرض أيضاً لوحتين لنقيب التشكيليين المصريين حمدي أبو المعاطي، ومنحوتة للنحات المصري طارق الكومي.
«الشرق الأوسط» التقت الفنان باتريس لاكي، من جمهورية جنوب السودان، وهو مشارك بلوحتين، يقول عنهما: «حاولت من خلال اللوحتين تجسيد الحياة اليومية للسيدة الأفريقية ومعاناتها في توفير الأمن والغذاء لأسرتها»، رسم لاكي في كل لوحة 3 نساء تتوسطهن سيدة تحمل طفلها، واستلهم أزياءهن من أزياء نساء قبيلة باري التي توجد بجوبا، وتشير اللوحات إلى اهتمام هذه القبيلة بصناعة الحلي المتنوعة التي ترتديها النساء، وجاءت خلفيات اللوحتين لتعبر عن موسم الحصاد أو موسم الجفاف.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».