قبل شهور، وبينما كنت في القطار متوجها إلى العمل، جاء رجل حاملا صحيفة كبيرة مضجة، وجلس بقربي. وبينما كنت أراقبه يقلب صفحاتها، وإذ بقشعريرة من التنميل تنتابني خلف رأسي، الأمر الذي جعلني أشعر بالراحة، وأدخلني في سكينة عذبة.
وهذه ليست المرة الأولى التي شعرت بها بمثل هذا الإحساس على خشخشة الورق، لكن تبادر إلي فجأة، أنه يمكنني الاستفادة من ذلك عن طريق توليد مثل هذا الشعور، وتجربة ذلك رقميا، كلما تعذر علي النوم، لكونني أعاني طوال حياتي الأرق والسهاد. ووضعت تحت شراشف سريري في تلك الليلة بعض السماعات، وقمت بفتح تطبيق «يوتيوب» على هاتفي، وبحثت عن أصوات الورق. وما اكتشفته أذهلني فعلا! فقد كان هناك نحو 2.6 مليون فيديو تحاكي كلها ما يسمى ظاهرة «الاستجابة الحسية الزوالية الذاتية»، (ASMR) (autonomous sensory meridian response) التي تثير هذا الإحساس بالتنميل والقشعريرة، التي تنتقل من فروة الرأس إلى الأجزاء الأخرى من الجسم، استجابة إلى أشكال التحفيز السمعي والشمي والبصري كافة.
* نظم تخفيف التوتر
يبدو أن صوت خشخشة، أو حفيف الورق، هو واحد من المحفزات التي تطلق ظاهرة «ASMR». ومن أكثر المحفزات الشائعة: الهمس، والنقر، والحك، والعمل التكراري، والعمليات العادية المملة، مثل تطوية المناشف، والتصوير الفيديوي، كأن تقوم امرأة مثلا، وهي تلهث، بالتحدث بنعومة إلى كاميرا، والتظاهر بأنها تقوم بقص شعر امرأة أخرى، أو تفحص عيونها.
ويبلغ طول الفيديو 30 دقيقة كمعدل عام، وأحيانا يدوم ساعة.
وقد تبدو هذه الفيديوهات، ودور شخصياتها، الذين أنتجوها (يطلقون عليها أحيانا أسماء مثل ASMRtist أو «تنغل - سميثس») غريبة، متطفلة، ومملة، (كمراقبة شخص ألماني يقوم ببطء وبهدوء ممل، بتجميع أجزاء كومبيوتر لمدة 30 دقيقة). ومن هذه الفيديوهات «ماريا» من شركة «جنتل ويسيرنغ»، التي لها أكثر من 250 ألف مشترك ومتابع، و«هيذر فيذر» التي لها نحو أكثر من 146 ألف مشترك أيضا، وغالبيتهم يشكرون مثل هذه الخدمات، لأنها خففت عليهم توترهم، وتعذر نومهم، وكآبتهم.
ويقول الدكتور كارل باسل المتخصص باضطرابات النوم في جامعة كولومبيا، إن فيديوهات «ASMR» قد تؤمن لنا أساليب مبتكرة لإقفال عقولنا. «والناس الذين يعانون الأرق، يكونون في حالة عالية جدا من الإثارة. وتنحصر العلاجات السلوكية هنا بتخيلات موجهة، والتنويم المغناطيسي، والتأمل وغيرها، وترمي كلها إلى التحايل على اللاوعي، وجعله يقوم بما ترغب فيه أن يقوم، ففيديوهات (ASMR) قد تكون نوعا مختلفا من أساليب العثور على طرق لإغلاق العقل»، كما يقول.
* علاج الأرق
وحتى الآن، يبدو أن هذه الأمور تعمل معي، فأنا على غرار الكثير من الذين يعانون السهاد، جربت الكثير من مشروبات الأعشاب المهدئة كالناردين، أو مادة الميلاتونين، أو الحمية الغذائية، والأقراص المساعدة على النوم. لكن عبثا، فلا شيء أفادني، مثل مشاهدة شخص في فيديو «ASMR» وهو يقلب مجموعة من الطوابع.
لكن العثور على الأساسات العصبية لهذا النوع من الإحساسات ليس سهلا. فالكثير من العلماء الذين اتصلت بهم لينأوا عن الموضوع ويتفادوه، يقولون إنه من العلوم الزائفة التي تنقصها دراسات منشورة.
وأحد هؤلاء بريسون لوختي، الزميل في المعهد القومي لسوء استخدام العقاقير، الذي نظر في ظاهرة «ASMR» في أطروحته المقدمة إلى جامعة «دارموث كوليج»، التي نشرتها مجلة علمية، وقد جاء فيها: «لقد ركزنا على تلك المناطق من الدماغ التي لها علاقة بالدوافع، والعواطف، للتعمق في تأثير ((ASMR على نظام المكافأة، الذي هو عبارة عن تركيبات عصبية من شأنها تحفيز الدوبامين، والمواد الأخرى التي تطلق السرور والحبور، مثل الطعام والجنس». وقد قارن بين «ASMR» والتحسسات الغريبة الأخرى، كالرعشة الموسيقية مثلا، التي تنتاب الجسم، عندما يهزه الطرب، لكن الألحان التي قد توقد مثل هذه الرعشات والأحاسيس في بعض الأشخاص، قد لا توقدها في أشخاص آخرين.
* خدمة «نيويورك تايمز»