الأغوار.. الصراع على «قاع العالم»

أسباب أمنية واقتصادية وسياسية وسيادية تجعل منها «قنبلة موقوتة» في وجه «السلام الفلسطيني - الإسرائيلي»

الأغوار.. الصراع على «قاع العالم»
TT

الأغوار.. الصراع على «قاع العالم»

الأغوار.. الصراع على «قاع العالم»

تحولت المعركة «الهادئة» بين الفلسطينيين والإسرائيليين على منطقة «الأغوار» الحدودية مع المملكة الأردنية، إلى «ساخنة وملتهبة»، وظهرت الخلافات بين الطرفين أخيرا، كعقبة كبيرة في طريق تحقيق تقدم في عملية السلام.
وربما لم يكن يتوقع الأب الروحي للعملية السلمية الحديثة، وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وهو يضع تصورات أولية لمستقبل المنطقة، في ظل اتفاق سلام نهائي، أن «قاع العالم» (المنطقة الأكثر انخفاضا عن سطح البحر) أكثر أهمية مما تخيل، ويشكل قنبلة موقوتة على طاولة المفاوضات.
ويتخذ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في منطقة الأغوار، شكلا مختلفا منذ عشرات السنين. إنه صراع يدور على كل متر مربع في المنطقة التي تشكل نحو 28 في المائة من مساحة الضفة الغربية المحتلة.
وخلال شهرين، جاء كيري للمنطقة عدة مرات، وقدم اقتراحات مختلفة لتجاوز الخلافات حول الأغوار، لكنها كانت في كل مرة تصدم برفض الطرفين معا، الفلسطيني والإسرائيلي.
ويقول الفلسطينيون إنهم لن يتنازلوا عن متر واحد من منطقة الأغوار، لأنها على الأقل أرض فلسطينية، وهي بوابة الدولة العتيدة إلى العالم، ويقول الإسرائيليون إنهم لن يتراجعوا عن المنطقة التي تشكل عمقا أمنيا وبوابة الحراسة والطمأنينة الشرقية لمواطنيها.
وتبلغ مساحة الأغوار، 2070 كيلومترا، بواقع 1.6 مليون دونم، وتمتد المنطقة على مسافة 120 كيلومترا، بعرض يتراوح بين ثلاثة كيلومترات و15 كيلومترا، من شمال البحر الميت جنوب فلسطين إلى بردلة عند مدخل بيسان شمالا. ويعيش فيها نحو 50 ألف فلسطيني مقابل 7000 مستوطن إسرائيلي يسيطرون على أغلبية الأراضي هناك.
وقال صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين، لـ«الشرق الأوسط»: «بعد قيام الدولة لن نقبل وجود جندي إسرائيل واحد في الضفة وفي الأغوار، لا برا ولا بحرا ولا جوا ولا على المعابر».
وكان عريقات يرد ضمنا على مقترحات لكيري تتحدث عن بقاء القوات الإسرائيلية في المنطقة لـ10 سنوات مع تخفيض عددها، وزرع أجهزة دفاعية وأخرى للإنذار المبكر، وإدارة مشتركة على المعابر، وهو ما رفضه الفلسطينيون. والمفارقة العجيبة أن الإسرائيليين رفضوا نفس المقترحات.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون: «الانسحاب من الضفة سيمس بحرية عمل الجيش الإسرائيلي، وسيؤدى إلى انهيار حكم الرئيس الفلسطيني محمود عباس». وأضاف: «إن من شأن تطبيق سيناريو الانسحاب من غزة، في الضفة، تثبيت أقدام حماس، والإطاحة بأبو مازن».
وتابع: «إن إسرائيل لن ترهن أمنها لأي جهة أجنبية.. الجيش لا يمكنه التنازل عن حرية الحركة في مدن الضفة الغربية، لأن من شأن ذلك تعزيز وجود قوى معادية».
كما انتقد وزير الشؤون الاستراتيجية والاستخبارية في الحكومة الإسرائيلية، مقترحات كيري، وقال إن إسرائيل ترفض مقترحات الولايات المتحدة حول ضمان أمن وادي الأردن» (الأغوار). وأضاف: «الأمن يجب أن يبقى بأيدينا.. أولئك الذين يقترحون حلا يقضي بنشر قوة دولية أو شرطيين فلسطينيين أو وسائل تقنية لا يفقهون شيئا في الشرق الأوسط».
إذن، رفض الفلسطينيون التنازل عن المنطقة ورفض الإسرائيليون كذلك.
وبدت مهمة كيري أكثر تعقيدا مما تخيل، إذ تشكل الأغوار واحدة فقط من الملفات التي لا تقل أهمية، القدس اللاجئين الأسرى الحدود المياه.
واختصر عريقات المسألة بقوله: «سلامنا لن يكون بأي ثمن، لنا 37 كيلومترا على البحر الميت، لنا 97 كيلومترا من الحدود على نهر الأردن، لنا حقوق مائية في نهر الأردن، لنا القدس الشرقية، لنا ممر آمن بين الضفة وغزة تحت سيادتنا، لنا أربعة كيلومترات منطقة حراما في القدس، لنا 46 كيلومترا منطقة حراما في اللطرون (منطقة مهجرة شمال القدس)، ولنا مياه إقليمية على بحر غزة، وحق عودة اللاجئين».
ويقود كيري الآن مفاوضات مع الجانبين تشمل كل هذه الملفات. وقال كيري قبل يومين بعد أكثر من 25 ساعة من التفاوض مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: «الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني يحرزان قدرا من التقدم في محادثات السلام، لكن احتمال عدم التوصل لاتفاق لا يزال قائما».
وأضاف كيري: «إن فكرة الجانبين باتت أوضح بخصوص التنازلات اللازمة للتوصل إلى اتفاق».
وتابع: «المسار أصبح أكثر وضوحا. الأحجية أصبحت أكثر تحديدا. بات أكثر وضوحا للجميع ما هي الخيارات الصعبة المتبقية، لكن لا أستطيع إبلاغكم تحديدا بالموعد الذي قد تنتظم فيه القطع الأخيرة من الأحجية في مكانها أو تسقط على الأرض فلا يكتمل حل الأحجية».
ويسعى كيري إلى وضع «اتفاق إطار» استرشادي لاتفاق السلام النهائي. ولا يعرف بعد كيف يمكن أن يقدم كيري حلا وسطا مقبولا في الملفات الأكثر تعقيدا مثل القدس والحدود واللاجئين إذا كانت الخلافات حول منطقة «الأغوار» تراوح مكانها.
وفي حين يتصارع الطرفان على الطاولة، نقلت إسرائيل الصراع إلى الأرض بضربة استباقية، فأعلنت هذا الأسبوع عبر اللجنة الوزارية لسن القوانين في الكنيست، قانون ضم المستوطنات اليهودية في غور الأردن وتطبيق القانون الإسرائيلي عليها.
ووافق ثمانية من وزراء «الليكود» و«البيت اليهودي» و«إسرائيل بيتنا» على اقتراح القانون الذي تقدمت به عضو الكنيست ميري ريغف (الليكود)، بينما عارض الاقتراح وزراء حزب «الحركة» و«هناك مستقبل».
ويقترح القانون تطبيق نظام الحكم والإدارة التابعين لإسرائيل على المستوطنات في الغور وعلى الطرق المؤدية إليها. وكذلك عدم فرض تحديد البناء في مستوطنات الغور لأسباب سياسية إلا بقرار من الكنيست. وقالت ريغف، إن «الهدف من اقتراح القانون سياسي وأمني فقط لأن مستوطنات غور الأردن تشكل خط دفاع أمنيا استراتيجيا للحدود الشرقية الطويلة لدولة إسرائيل». ووصف عريقات الأمر بجريمة حرب.
وردت الحكومة الفلسطينية بعقد اجتماعها في الأغوار وخصصت ملايين الدولارات لدعم صمود الفلسطينيين هناك.
ونددت حركة فتح بقانون ضم مستوطنات منطقة الأغوار في الضفة الغربية. وقالت اللجنة المركزية، في بيان أصدرته عقب اجتماع لها برئاسة الرئيس محمد عباس في رام الله، إن مشروع القانون يعد «باطلا ولاغيا وجريمة ضد الإنسانية، ويهدف لإفشال كل الجهود الأميركية والدولية المبذولة لتحقيق تسوية عادلة وشاملة ودائمة في المنطقة».
كما استنكرت حركة حماس القرار الإسرائيلي، وعدته «قرارا عدوانيا سافرا، وشكلا من أشكال العدوان الإسرائيلي يستدعي مقاومته والتصدي له والعمل على إفشاله وبكل الطرق».
وبينما تعهد وزراء اليمين بتمرير القرار في الكنيست، توقع وزراء إسرائيليون معارضون للقانون فشله وعدم قبوله من قبل الحكومة أيضا. وصرح الوزيران؛ وزيرة القضاء تسيبي ليفني ووزير المالية يائير لبيد، بأنهما سيستأنفان ضد القرار.
ولا يعد القرار الإسرائيلي أول أو آخر الخطوات التي تنفذها إسرائيل في الأغوار في سبيل السيطرة عليها. ومنذ عشرات السنين نفذت إسرائيل خططا كثيرة في سبيل تهجير الفلسطينيين من الأغوار، وفي الأعوام الأخيرة تحولت الهجمة الإسرائيلية إلى مسعورة ومجنونة، راحت إسرائيل معها تجرب كل شيء ممكن من أجل التخلص من الفلسطينيين نهائيا.
أعلنت الأراضي هناك منطقة عسكرية مغلقة وأراضي دولة، وحولت الأراضي إلى مستوطنات ومصانع ومزارع ومواقع للتدريب الحي، منعت المزارعين والبدو والأهالي من استثمار أراض كثيرة للرعي أو الزراعة أو البناء، قطعت المياه عن تجمعات الفلسطينيين وأراضيهم، وسيطرت على كل الآبار الجوفية في المكان، هدمت بيوتا وأنذرت الأخرى، وعزلت المنطقة عن بقية الضفة الغربية، وأخذت تمنع دخولها لغير أهلها الذين يحملون هويتها.
وفي زيارة سريعة للمكان، قال فتحي خضيرات، منسق اللجان الشعبية لمناهضة الاستيطان في الأغوار ومسؤول حملة «أنقذوا الأغوار»، لـ«الشرق الأوسط»، إن الاهتمام الإسرائيلي في منطقة الأغوار يوازيه اهتمام فلسطيني للأسباب نفسها، موضحا: «إنها تشكل ثلث مساحة الضفة الغربية، وهي أحد أقطاب مثلث الماء الفلسطيني وتشكل نحو 47 في المائة من مصادر المياه الجوفية الفلسطينية، وهي المعبر الوحيد للفلسطينيين نحو العالم الخارجي، وهي عصب الاقتصاد الفلسطيني المستقبلي الذي يتمثل في الزراعة، وهي المكان الذي يمكن فيه توسيع القدس الشرقية، وهي المكان الذي يمكن فيه أيضا استيعاب اللاجئين حال عودتهم».
ويرفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس التصديق بحاجة إسرائيل الأمنية في الأغوار.
وقال غير مرة، إن إسرائيل تجني 620 مليون دولار سنويا من استثمارها للأغوار الفلسطينية، وإن ادعاءاتها بالسيطرة على الأغوار لدوافع أمنية كاذبة، مضيفا: «إنه استثمار استيطاني».
وحتى رئيس الموساد الأسبق، الذي يعد أحد أقوى رجال المخابرات في إسرائيل، مائير داغان، فقد دعم وجهة النظر التي تقول إنه لا حاجة أمنية لإسرائيل في الأغوار.
وقال داغان معقبا على الأزمة الحالية: «ليست لدي مشكلة مع طلب سياسي بأن يكون غور الأردن جزءا من دولة إسرائيل.. من الشرعي أن يكون هناك موقف كهذا. ويزعجني أن يجري عرض ذلك وكأنما هو مشكلة أمنية. ليس هناك جيش عراقي، وليست ثمة جبهة شرقية. هناك سلام مع الأردن. لا أحب الحديث عن أن غور الأردن هو أمر أساسي لأمن إسرائيل.. هذه مناورة واستخدام للاعتبارات الأمنية ليس أكثر».
وتدعم الأرقام وجهة نظر الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وقال تقرير استراتيجي صدر أخيرا في إسرائيل عن «مجلس السلام والأمن»، الذي يضم مجموعة واسعة من كبار الضباط والمسؤولين الأمنيين السابقين، إنه لا يوجد أي أهمية استراتيجية عسكرية للأغوار، بعدها ليست ذات صلة بالواقع مقارنة بالتهديدات الحالية، وذلك لتغير شكل وتقنيات القتال والحرب المقبلة.
وأضاف التقرير: «وحتى في السيناريو الأقل معقولية ويحاكي حربا كلاسيكية تقليدية ينبغي أن نذكر: 1 - إن الغور لا يوفر عمقا استراتيجيا، فعرض دولة إسرائيل مع الغور وفي المكان الأكثر ضيقا هو 50 كيلومترا فقط، ولذلك فإن ثمة حاجة لرد آخر وهو ليس إقليميا. 2 - إذا تعين أن يوفر الغور ردا على هجوم عسكري بري، فإن المنطقة البالغة الأهمية لانتشار عسكري إسرائيلي، هي السفوح التي تقود إلى قمم الجبال. والانتشار هناك يحول الغور إلى مكان مقتل القوة المهاجمة. 3 - إن القوة الإسرائيلية التي ستمكث بشكل دائم في الغور ستكون بالضرورة محدودة الحجم، وموجودة في منطقة متدنية طوبوغرافيا، وتتعرض لخطر المحاصرة بشكل دائم. 4 - توجد لخط نهر الأردن أهمية تتعلق بالحفاظ على الأمن ومراقبة الحدود في الفترات العادية وليس أكثر من ذلك».
ومع انعدام الأهمية العسكرية وفي ظل عدم وجود أهمية دينية لليهود في المنطقة، تبرز الأسباب الاقتصادية كأهم الأسباب وراء تمسك إسرائيل بقاع العالم.
وتقيم إسرائيل المنطقة أكبر مزارع نخيل في البلاد، ومشاتل ورود وخضراوات وفواكه، إضافة مزارع ضخمة للدواجن والأبقار والديك الرومي، وخمس برك اصطناعية لتربية التماسيح من أجل استخدام جلودها في الأحذية والحقائب.
وعلى سبيل المثال، احتفل الإسرائيليون عام 2010 بزراعة النخلة رقم 1.000000 مليون في الأغوار.
وحسب تقرير مجلس المستوطنات لعام 2012 فقد ربحت المستوطنات من الأغوار نحو 650 مليون دولار سنويا.
وقال عريقات في جولة حديثة مع سفراء وقناصل دول أوروبية: «تريد إسرائيل البقاء 40 سنة في الأغوار، لماذا لا تبقى هناك 400 سنة إضافية، مع كل هذه الأرباح».
* الأغوار
* تشكل منطقة الأغوار 28 في المائة من مساحة الضفة الغربية (2070 كم2)، وتمتد على الجهة الشرقية للضفة الغربية، من عين جدي (البحر الميت) جنوبا إلى ما يعرف بـ«تل مقحوز» على حدود بيسان شمالا داخل الخط الأخضر، ومن نهر الأردن شرقا حتى السفوح الشرقية للضفة الغربية غربا.
تعد منطقة الأغوار جزءا من حفرة الانهدام الأفرو آسيوية وهي من أكثر بقاع الأرض انخفاضا. وتقع على انخفاض نحو 380م تحت سطح البحر.
قسمت مناطق الأغوار إلى مناطق «أ» و«ب» و«ج» حسب اتفاق أوسلو عام 1993، وأغلب الأراضي هناك هي مناطق «ج» ومناطق تدريب عسكرية.
تعد المنطقة بوابة الفلسطينيين الوحيدة في الضفة الغربية نحو العالم، وتوصف بأنها سلة غذاء الفلسطينيين، وأكثر المناطق غنى بالموارد الطبيعية والمياه الجوفية في باطن الأرض.
بدأت إسرائيل منذ 1967، أي منذ الاحتلال، خطة ممنهجة، تستهدف إفراغ الأغوار من سكانها الفلسطينيين، وإحكام السيطرة على أرضها ومواردها.
أنشأت إسرائيل 36 مستوطنة في المنطقة يعيش فيها نحو 7000 مستوطن يسيطرون على خيرات المنطقة، وأقدم المستوطنات هي «جفاعوت»، و«بينيت» منذ 1972 و«روتم» و«منجون» و«تيرونوت» و«روعي» و«شدمان» و«منجولا».
أما التجمعات العربية الفلسطينية فلا يزيد سكانها على 5130 نسمة وأهمها أبزيق والمالح وخربة الحمصة وكردلة وبردلة وخربة الرأس الأحمر وعين البيضا والحديدية والفارسية والحمة والعقبة وغيرها، في حين كان العدد يزيد على 300 ألف فلسطيني قبل الاحتلال.
وقال تقرير لمحافظة طوباس والأغوار الشمالية: «إن المستوطنات والمجلس الإقليمي الاستيطاني تحتل مساحة 1.344.335 مليون دونم من أراضي الأغوار، أي ما يعادل 83.4 في المائة من أراضي المنطقة المعنية و24 في المائة من مساحة الضفة و95 في المائة من أراضي المنطقة «ج» في الأغوار.
كما تحتل أراضي الدولة 748.965 دونم، ما يعادل 48.7 في المائة من أراضي الأغوار و14 في المائة من مساحة الضفة، و55.5 في المائة من مساحة المنطقة «ج» في الأغوار، أما المناطق العسكرية المغلقة فتصل إلى 743.626 دونم ما يعادل 46.1 في المائة من مساحة الأغوار و13.3 في المائة من مساحة الضفة و52.6 في المائة من مساحة المنطقة «ج» وتقع 334.614 دونم ضمن ما يسمى محميات طبيعية ما يعادل 20.7 في المائة من الأغوار وستة في المائة من الضفة و23.6 في المائة من المنطقة «ج»، أما المناطق التي أغلقت بفعل الجدار العنصري فتصل إلى 2.505 دونم و0.16 في المائة من مساحة الأغوار و0.04 في المائة من مساحة الضفة و0.20 في المائة من مساحة المنطقة «ج»، ليصبح المجموع الصافي 1.372.695 دونما ما يعادل 85.17 في المائة من مساحة الأغوار وشمال البحر الميت و24.5 في المائة من مساحة الضفة و97 في المائة من مساحة المنطقة «ج» ليبقى الباقي الممزق وغير المتواصل والمحروم من الخدمات والموارد في يد الفلسطينيين في تجمعات معزولة تنازع على البقاء والصمود في وجه الجرافات الإسرائيلية.
* أهم ملفات المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية
* القدس: تريد إسرائيل الاحتفاظ بالسيطرة على المدينة موحدة، أي بشقيها الشرقي والغربي، بينما يقول الفلسطينيون إنهم لن يقبلوا ولن يقيموا دولة من دون القدس «الشرقية» عاصمة لهم.
* اللاجئون: تعارض إسرائيل أي حق لعودة اللاجئين الفلسطينيين الذين غادروا قراهم في عام 1948 أو في وقت لاحق، وتقول إن العودة يمكن أن تكون محددة، لكن إلى الضفة الغربية وقطاع غزة وليس إلى إسرائيل، ويعرض الفلسطينيون عودة نحو 10 آلاف لاجئ إلى إسرائيل وتعويض البقية ضمن الحق في تقرير المصير.
* الحدود: يقول الفلسطينيون إنهم سيقيمون الدولة على حدود 1967، وإن هذه الحدود يجب أن تكون مرجعية المفاوضات، وترفض إسرائيل هذه الحدود، وتعدها «ساقطة» أمنيا وتطلب تعديلات حدودية تمكنها من حفظ الأمن.
* تبادل الأراضي: تريد «إسرائيل» الاحتفاظ بنحو سبعة في المائة من أراضي الضفة الغربية، حيث يمكنها ضم مستوطنات إليها، ويوافق الفلسطينيون على نحو اثنين في المائة فقط، لكن بعد الاعتراف بسيادتهم، ويرفضون بقاء مستوطنات في أراضيهم.
* المستوطنات: تقول إسرائيل إنها مستعدة لإخلاء بعض المستوطنات، لكنها ستحتفظ بأربع كتل استيطانية في الضفة الغربية ضمن أي تسوية، من بينها «معاليه أدوميم» قرب القدس، و«أريئيل» في نابلس، و«غوش عتصيون» جنوب بيت لحم، ويقول الفلسطينيون إن كل الاستيطان باطل ولاغ وغير شرعي.
* المياه: يريد الفلسطينيون حقوقهم المائية في نهر الأردن والبحر والميت وبحر غزة، وثمة نقاش حاد حول المسألة، والحق في المياه الجوفية في مناطق الضفة (مشكلات حول حفر الآبار سحب المياه سعر المياه وكميتها أيضا).
* الأغوار: تصر إسرائيل على بقاء جنودها على امتداد المنطقة لضمان أمنها، ويسعى الفلسطينيون للسيطرة الكاملة هناك مع الموافقة على حضور قوات متعددة الجنسيات لطمأنة إسرائيل.
* المعابر: يصر الإسرائيليون على مراقبة المعابر وإبقاء نقاط لهم، ويرفض الفلسطينيون أي مشاركة لهم ويقولون إن ذلك يمس السيادة
* يهودية الدولة الإسرائيلية: يقول الإسرائيليون إنهم لن يوقعوا اتفاقا من دون اعتراف الفلسطينيين بيهودية إسرائيل، ويرفض الفلسطينيون ذلك رفضا قاطعا.
* الممر الآمن: يطالب الفلسطينيون بممر آمن بين الضفة وغزة من دون مراقبة، ولم يجب الإسرائيليون على الأمر.
* الأسرى: عدتهم القيادة الفلسطينية من ملفات الحل النهائي وقالت إنها لن توقع أي اتفاق من دون تبييض السجون.



«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
TT

«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)

تقف مصر على مقربة من تحقيق «الحلم النووي»، الذي راودها منذ خمسينات القرن الماضي، عقب خطوات جادة وثابتة لتنفيذ «مشروعها الاستراتيجي»، وإنشاء أول محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في مدينة الضبعة بمحافظة مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد نحو 289 كيلومتراً شمال غربي القاهرة، بتمويل وتكنولوجية روسيين. وبينما يأتي المشروع في سياق خطة مصر لتنويع مصادر الطاقة ورؤيتها الاستراتيجية لامتلاك الطاقة النووية السلمية، فإن مشروع «محطة الضبعة النووية» تتجاوز أبعاده حدود الاقتصاد، لتمتد إلى السياسة والبيئة والمجتمع.

بالتزامن مع الاحتفال بالعيد السنوي الخامس للطاقة النووية، الذي يوافق التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، في مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة النووية، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي، ليدخل «الحلم النووي» المصري مرحلة حاسمة.

وعد الرئيس الروسي، في كلمته حينها عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، التعاون القائم بين مصر وروسيا في بناء المفاعل النووي «نجاحاً بارزاً»، مشيراً إلى أن «المشروع سيوفر الكهرباء اللازمة لدعم الاقتصاد المصري المتنامي».

وقال السيسي في كلمته إنه «في ظل ما يشهده العالم من أزمات متلاحقة في قطاع الطاقة، وارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، تتجلى بوضوح أهمية وحكمة القرار الاستراتيجي، الذي اتخذته البلاد، بإحياء البرنامج النووي السلمي، باعتباره خياراً وطنياً، يضمن تأمين مصادر طاقة مستدامة وآمنة ونظيفة، دعماً لأهداف رؤية مصر 2030».

وتقدر الطاقة الكهربائية المتوقع توليدها من محطة الضبعة النووية بنحو 4800 ميغاواط، عبر أربعة مفاعلات من الجيل الثالث من طراز VVER-1200، وهو ما يمثل 10 في المائة من إنتاج الكهرباء في مصر.

وخطت مصر أولى خطواتها الجادة نحو تنفيذ المشروع في نوفمبر 2015 بتوقيع اتفاقية مبدئية بين الرئيسين المصري والروسي لإقامة أول محطة نووية لتوليد الكهرباء، تنفذها شركة «روساتوم» الحكومية الروسية، لتتخذ مصر من يوم التوقيع عيداً وطنياً للطاقة النووية.

وبعد عامين، وتحديداً في نوفمبر 2017، تم التوقيع على العقود الرئيسية لبناء الوحدات الأربع للمحطة، بطاقة 1200 ميغاواط لكل وحدة، لتنطلق بعدها الأعمال التحضيرية والإنشائية للمشروع بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 28.75 مليون دولار، 85 في المائة منها قرض حكومي روسي ميسّر بفائدة 3 في المائة سنوياً يبدأ سداده عام 2029، والباقي تمويل ذاتي مصري.

«تشيرنوبل» جمد الحلم

الرغبة في امتلاك الطاقة النووية السلمية «حلم راود المصريين منذ منتصف القرن الماضي»، بحسب السيسي. حيث بدأت طموحات مصر النووية بعد فترة قصيرة من اكتشاف القدرة على توليد الطاقة السلمية من الانشطار النووي. ففي أعقاب مؤتمر جنيف الأول للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA) عام 1955. وبعد ست سنوات افتتحت مركز البحوث النووية في أنشاص وشغّلت أول مفاعل بحثي (من طراز WWR-S ) بقدرة 2 ميغاواط، بالتعاون مع «الاتحاد السوفياتي» آنذاك، لإجراء الأبحاث والتدريب وإنتاج النظائر المشعة.

وفي عام 1964 أعلنت مصر عن خطط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، واختارت مبدئياً موقع «سيدي كرير» في الساحل الشمالي أيضاً، لكن الظروف الاقتصادية والسياسية في المنطقة أرجأت المشروع.

وبعد حرب 1973، عاد الحلم النووي يراود المصريين وتم وضع خطة لبناء محطات نووية بقدرة 10 آلاف ميغاواط بحلول عام 2000، وخصصت منطقة «الضبعة» بعد مفاضلة بين أماكن عدة على سواحل البحر الأحمر والبحر المتوسط.

وشهدت الفترة بين 1983 و1968 المناقصة الدولية الثانية للمشروع وتلقت فيها مصر عروضاً من شركات أميركية وألمانية وسويدية. وكانت القاهرة على وشك توقيع العقد لكن «كارثة مفاعل تشيرنوبل» (أوكرانيا التي كانت آنذاك جزءاً من الاتحاد السوفياتي) في أبريل (نيسان) 1986 جمّدت الحلم.

وبعد هدوء المخاوف من المفاعلات النووية السلمية، قررت مصر إحياء برنامجها النووي عام 1999، وفي عام 2007 تم تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA) كهيئة مستقلة تكون مسؤولة عن تنفيذ وإدارة المشروع النووي. وأعلن الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2008 عن إعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة. لكن مرة أخرى تعطّل المشروع بفعل أحداث 2011، قبل أن يعيد السيسي إحياءه بالتوقيع على اتفاق مبدئي مع روسيا عام 2015.

عوائد اقتصادية

تدخل مصر النادي النووي بطموحات اقتصادية كبيرة، مستهدفة تعزيز أمن الطاقة وتحقيق التنمية، ويقول السيسي إن المشروع «سيعزز مكانة بلاده كمركز إقليمي للطاقة، ويحدث نقلة نوعية في مسار توطين المعرفة والاستثمار في الكوادر البشرية».

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يشهد مراسم توقيع أمر شراء الوقود النووي في نوفمبر الماضي (مجلس الوزراء المصري)

ويعد دخول مصر إلى ميدان التطوير الصناعي والتكنولوجي للطاقة النووية من العوائد المهمة للمشروع، بحسب دراسة نشرها نائب رئيس وحدة دراسات الاقتصاد والطاقة بـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، أحمد بيومي، العام الماضي، حيث من المتوقع أن تكون نسبة تنفيذ نحو 20 في المائة من المشروع بالتعاون مع الشركات المحلية، ومن المستهدف أن تصل نسبة المكون المحلي من 20 إلى 25 في المائة عند تشغيل المفاعل الأول في 2028، تزيد إلى 35 في المائة عند تشغيل المفاعل الرابع في 2031، كما ستتولى شركة «روساتوم» الحكومية الروسية تدريب ما يقرب من ألفي شخص من موظفي التشغيل والصيانة للعمل في المحطة.

وفقاً لهيئة الاستعلامات المصرية الرسمية، فإنه «من المتوقع أن تبلغ القيمة المضافة للمشروع في الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة الإنشاء نحو 4 مليارات دولار سنوياً». وتوفر المحطة مصدراً ثابتاً للكهرباء يعمل على مدار الساعة، ما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويضمن استقرار الشبكة.

ويأتي إنشاء محطة الضبعة النووية في إطار خطة مصرية لتنويع «سلة الطاقة»، بحسب أستاذ هندسة البترول والطاقة، الدكتور جمال القليوبي، الذي يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر تسعى لأن تكون لديها مصادر متعددة من الطاقة، لا تعتمد فقط على الشق الحراري واستخدام الوقود الأحفوري». وقال: «طوال 50 عاماً كان الوقود الأحفوري مصدراً لنحو 98 في المائة من الطاقة في مصر، لكن الأمر تغيّر منذ عام 2018 مع زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة من الرياح والشمس والهيدروجين الأخضر»، مشيراً إلى أن «محطة الضبعة مع اكتمال تشغيل مفاعلاتها قد تسهم في نحو 16 إلى 18 في المائة من الكهرباء في مصر».

وتستهدف مصر، وفقاً للتصريحات الرسمية، الوصول بمساهمة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة إلى نحو 42 في المائة من إجمالي الطاقة بحلول عام 2030.

لا تقتصر العوائد الاقتصادية على توفير الكهرباء وتوفير جزء من فاتورة استيراد مصر للوقود الأحفوري التي تجاوزت 12 مليار دولار العام الماضي، بحسب تصريحات لوزير البترول المصري السابق، طارق الملا.

ويشير القليوبي إلى أن فاتورة استيراد الوقود لتشغيل محطات الكهرباء تبلغ نحو 50 في المائة من القيمة الإجمالية لفاتورة استيراد الوقود. وقال: «محطة الضبعة ستوفر جزءاً كبيراً من فاتورة الاستيراد، كما أن عوائدها الاقتصادية تمتد إلى مناح أخرى تتعلق بتحلية مياه البحر وإنتاج النظائر المشعة المستخدمة في عدد من الصناعات الطبية والزراعية». وأضاف: «لدى مصر خطة واضحة. خطة تؤازر الدولة اقتصادياً وتتماشى مع أهداف الدول الصناعية، عبر تحسين ملف الصناعة واستخدام الطاقة النووية في كثير من المناحي الاقتصادية».

خيار استراتيجي

يسهم مشروع الضبعة في توفير العملة الصعبة، كما يوفر نحو 6 آلاف فرصة عمل في أثناء الإنشاء، وآلاف فرص العمل في أثناء فترة التشغيل التي تمتد لـ60 عاماً. كما تعد محطة الضبعة النووية مصدراً نظيفاً وخالياً تماماً من انبعاثات الكربون، ويدعم استراتيجية مصر للطاقة 2035، بحسب هيئة الاستعلامات المصرية.

دخول مجال الطاقة النووية هو «خيار استراتيجي»، بحسب دراسة نشرها رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور أحمد قنديل، مشيراً إلى أن «الضبعة ليست مجرد محطة كهرباء»، إذ إنها تحقق أهدافاً عدة، من بينها؛ «بناء أمن طاقة مصري مستقل نسبياً عن تقلبات الأسواق العالمية للبترول والغاز الطبيعي، وتحرير جزء من الغاز المصري للتصدير أو الاستخدام الصناعي، خاصة في البتروكيماويات والأسمدة، ودعم الصناعات الثقيلة والتوجه نحو الهيدروجين الأخضر، وتوفير مصدر مستقر للكهرباء على مدى عقود».

يسهم المشروع أيضاً في تعزيز مكانة مصر الإقليمية، بحسب قنديل الذي قال: «مصر اليوم لاعب رئيسي في الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وقوة صاعدة في الطاقة المتجددة، وتعمل على مشروعات للربط الكهربائي مع ثلاث قارات، وحين تكتمل وحدات الضبعة، ستمتلك مصر برنامجاً نووياً سلمياً واسع النطاق، يمنحها وزناً إضافياً في معادلات الطاقة الإقليمية».

أما القليوبي فيشير إلى أن مشروع الضبعة يُدخل مصر إلى «نادي الدول الصناعية الكبرى التي تستخدم الطاقة النووية لأغراض سلمية».

أبعاد سياسية

وبينما ستسهم محطة الضبعة في تلبية احتياجات مصر من الطاقة على المدى الطويل، فإن هناك دوافع أخرى لإقدام البلاد على هذه الخطوة، من بينها «تعزيز المكانة السياسية للحكومة في الداخل وتوسيع علاقاتها الأجنبية إلى ما يتجاوز واشنطن»، بحسب مقال نشره إيريك تراجر في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» عام 2016.

أشار تراجر وقت ذاك إلى أن «المشروع يستهدف إعطاء أمل للمصريين وتعزيز الدعم الداخلي للحكومة، بعدّه مشروعاً قومياً»، كما أنه يأتي في إطار مساعي القاهرة لـ«توسيع نطاق التواصل الخارجي ليتجاوز علاقتها الثنائية بواشنطن، ما يُظهر مصر بصورة المنفتحة على العالم أجمع». وقال تراجر إن المشروع «يوطد علاقات مصر وروسيا».

وهو أمر أكده بالفعل الرئيسان المصري والروسي أخيراً، حيث قال السيسي إن المشروع «يعدّ برهاناً عملياً على أن شراكتنا لا تقتصر على التصريحات السياسية البراقة، بل تتجسد في مشروعات واقعية، تترجم إلى تنمية حقيقية، تعود بالنفع المباشر على شعبينا»، بينما أكد بوتين دعم بلاده «طموحات مصر التنموية في إطار الشراكة والتعاون الاستراتيجي الممتد بين البلدين». وقال: «هذه الشراكة مستمرة وتتجلى في ارتفاع حجم ومعدل التجارة بين البلدين، وتكثيف التعاون الصناعي، فضلاً عن مضي روسيا قدماً في إنشاء منطقة صناعية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس».

ويشير تراجر، في هذا الإطار، إلى أن المشروع يعزز نفوذ موسكو في القاهرة، ما قد يثير قلق الولايات المتحدة نظراً لاهتمام واشنطن بالاستقرار الاقتصادي في مصر وبآفاق سياستها الخارجية.

وفي هذا الإطار، يرى مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، أن «مصر حريصة ومنفتحة على قوى وأقطاب أخرى دون المساس بالعلاقة الاستراتيجية مع واشنطن»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة لديها علاقات تجارية واقتصادية وسياسية مع روسيا والصين».

وبالفعل أكد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أن «هذا المشروع يربط مصر وروسيا بعلاقات في قطاع مهم للغاية ولسنوات طويلة مقبلة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المشروع يحقق أهدافاً اقتصادية وسياسية عدة تتراوح ما بين توفير الكهرباء وتنمية الكوادر الوطنية إلى تعزيز المكانة الإقليمية والدولية».

وهنا يلفت الشوبكي إلى أن «حرص مصر على امتلاك الطاقة النووية السلمية - إضافة إلى أهميتها الاقتصادية - نابع من رغبتها في تأكيد حضورها في الملفات الكبرى». وقال: «الدول التي تمتلك وتستخدم الطاقة النووية السلمية لديها مكانة وتأثير وحضور دولي».

وتؤكد مصر حقها في امتلاك الطاقة النووية بموجب «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية» التي وقّعت عليها عام 1968 وصدّقت عليها عام 1981. وتعوّل القاهرة على القيمة الاستراتيجية لمشروع الضبعة، ووفق السيسي فإن «المشروع سيضع مصر في موقع ريادي، على خريطة الاستخدام السلمي للطاقة النووية».

«المحطة النووية»... عشر سنوات على طريق التنفيذ

طوال أكثر من نصف قرن سعت مصر إلى امتلاك محطة لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، لكن الأحداث السياسية والظروف الاقتصادية وكارثة مفاعل تشرنوبل عام 1986 وقفت في طريق «الحلم النووي» المصري لعقود، حتى أعيد إحياء المشروع بخطوات عملية لإنشاء محطة الضبعة النووية. وفيما يلي أبرز المحطات:

- 1955 أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA).

-1961 افتتاح مركز البحوث النووية في أنشاص وتشغيل أول مفاعل بحثي.

- 1964 اختيار موقع سيدي كرير على ساحل البحر المتوسط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، (لم ينفذ).

- 1983 مناقصة دولية لإنشاء المحطة.

- 1986 كارثة تشيرنوبل... توقف المشروع.

- 2007 تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA).

- 2008 استئناف البرنامج النووي السلمي، وإعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة.

- 2015 توقيع الاتفاق المبدئي مع روسيا (روساتوم).

- 2017 توقيع العقود النهائية للمشروع.

- 2018 بدء إعداد البنية التحتية للموقع وإنشاء الرصيف البحري التخصصي لاستقبال المعدات الثقيلة.

- 2022 أصدرت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية (ENRRA) إذن إنشاء الوحدة النووية الأولى.

- 2024 تركيب مصيدة قلب المفاعل.

- 2025 تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى.


روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا
TT

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

تطلب الأمر شاباً مفعماً بالحياة ومليئاً بالأمل لهزيمة اليمين المتطرف في هولندا. فقد نجح روب يتن، السياسي الشاب الذي لم يدخل بعد عقده الأربعين، بإعادة حزب «الديمقراطيين 66» الليبرالي الوسطي الذي تأسس عام 1966، إلى واجهة الحياة السياسية في هولندا وقاده إلى تحقيق أفضل نتائج له منذ تأسيسه. ورغم أن الحزب لم يفز فعلياً بالانتخابات التي جرت نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بل تعادل مع حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز، فإن النتائج تعدّ فوزاً للديمقراطيين وخسارة لأقصى اليمين؛ وبتحقيق كلا الحزبين 26 مقعداً من أصل 150 داخل البرلمان، يكون الديمقراطيون قد ضاعفوا مقاعدهم بـ3 مرات تقريباً من 9 مقاعد في الانتخابات التي سبقت إلى 26 مقعداً، فيما خسر حزب الحرية 11 مقعداً وانخفض تمثيله من 37 نائباً إلى 26 نائباً. ورغم أنه ما زال غير واضح ما هي الأحزاب التي قد تشارك في الائتلاف الحاكم، فمن المؤكد أن حزب الحرية سيكون خارج الحكم. إذ تعهدت الأحزاب الأخرى بعدم العمل مع خيرت فيلدرز من جديد بعد تجربة الحكم الأخيرة التي لم تدم أكثر من 11 شهراً.

أثبت روب يتن (38 عاماً) أن هزيمة أحزاب أقصى اليمين ممكنة، ليعطي فوز حزبه في الانتخابات العامة في هولندا، أملاً للكثير من الأحزاب الأوروبية الوسطية التي تكافح هي نفسها للبقاء أمام مد اليمين المتطرف الذي يلف القارة العجوز. يتن نفسه هلل فور صدور النتائج بأن هولندا «أغلقت فصل خيرت فيلدرز»، متعهداً بالعمل على تشكيل «ائتلاف متين يقود هولندا إلى الأمام». وأضاف أن فوز حزبه أثبت أن «الأحزاب الوسطية أظهرت أنه من الممكن هزيمة الأحزاب الشعبوية وأقصى اليمين». وقاد يتن حملة انتخابية شعارها «التغيير والإيجابية» مستعيناً بشعار باراك أوباما «يمكننا التغيير»، في إشارة إلى استبدال حزب معتدل باليمين المتطرف. ولاقت إيجابيته صدى لدى الناخبين الهولنديين الذين يبدو أنهم تعبوا من السلبية التي طبعت الحياة السياسية منذ الانتخابات التي سبقت أن أوصلت حزب الحرية إلى الطليعة ولكن من دون فوز كاسح، ما يعني أن فيلدرز لم يكن قادراً على الحكم بمفرده، وعجز عن إقناع الأحزاب الأخرى التي شكلت معه الحكومة مشترطة ألا يترأسها هو شخصياً، باعتماد سياسته المتطرفة حول الهجرة، وهو ما تسبب في النهاية بانهيار الحكومة. ونقلت وسائل إعلام هولندية إحصاءات تشير إلى التأييد الواسع لتولي يتن رئاسة الحكومة بين مؤيدي الأحزاب اليمينية. ونقلت شبكة أخبار «آر تي إل» الهولندية عن أحد الناخبين قوله إنه «لا يوافق دائماً على سياسات الديمقراطيين ولكن روب يتن رجل (عادي) يمكنه أن يؤدي وظيفة تمثيل البلاد بشكل جيد». وقال عن فيلدرز إنه لو تولى رئاسة الحكومة فإن الأمور «لن تنجح معه وإنه سيريد على الأرجح أن يمرر سياسته، وفي حال لم ينجح بذلك فسينسحب مرة جديدة».

اغتيال مخرج... وإحراق مدرسة إسلامية

ويأتي فوز يتن على اليمين المتطرف وصعوده السريع وهو ما زال في عقده الثلاثين، متناغمين مع دخوله عالم السياسة في سن فتيّة أيضاً وهو في الـ17 من العمر. بداية قصته في السياسة كانت مرتبطة أيضاً باليمين المتطرف؛ ففي عام 2004 شكل اغتيال المخرج السينمائي تيو فان غوخ على يد متطرف هولندي من أصل مغربي، لحظة مفصلية تسببت بتداعيات دفعت بيتن إلى دخول عالم السياسة. وكان إحراق مجموعة من الشبان المنتمين إلى اليمين المتطرف لمدرسة ابتدائية تعلّم الدين الإسلامي في بلدته في أودن، سبب توجهه إلى النضال ضد اليمين المتطرف. وقال مؤخراً عن بداياته إن الشبان الذين أحرقوا المدرسة كانوا من رفاقه في فريق كرة القدم وكان يعرفهم جيداً، ولكنه أراد أن يُظهر صورة مختلفة للعالم وأن بلدته ليست مجرد مكان مليء بشبان «لا يعرفون ماذا يفعلون».وبقي كفاح يتن ضد اليمين المتطرف أساسياً خلال مسيرته السياسية. وحتى في الحملة الانتخابية التي قادها، اعتمد يتن استراتيجيات تستهدف اليمين المتطرف، مثل جعله العلم الهولندي محورياً خلال الحملة، وقوله إنه يريد «استعادته» من اليمين المتطرف الذي غالباً ما يستخدم العلم. ولم يتردد كذلك بجعل مسألة الهجرة التي أوصلت فيلدرز للفوز في الانتخابات التي سبقت، محورية خلال حملته. ورغم ليبراليته، وارتباطه بلاعب هوكي محترف أرجنتيني سيعقد قرانه عليه العام المقبل، فقد أكد للناخبين أنه سيعتمد سياسة هجرة متشددة تجاه المرفوضة طلباتهم وسيعتمد حداً أقصى لأعداد المهاجرين. ويبدو أن تعهداته هذه لاقت تجاوباً من الناخبين، إذ أكد لاحقاً متحدث باسم حزبه أن 7 في المائة من ناخبي حزب الحرية صوتوا هذه المرة للديمقراطيين.

وحتى قبل الانتخابات وبدء الحملات الانتخابية، كان يتن يدعو لاعتماد سياسة هجرة جديدة في هولندا والخروج من عباءة الاتحاد الأوروبي. وروّج لاعتماد نظام مبني على النظام الكندي ينقل البحث والبت بطلبات اللجوء إلى خارج دول الاتحاد الأوروبي ورفض استقبال من يصلون خارج هذا النظام إلى هولندا.

تشديد قوانين الهجرة

ودعا كذلك إلى مراجعة المعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين «لكي تعكس الواقع الجديد» في خلاف للسياسة التي كان يعتمدها الديمقراطيون. ونقلت عنه وسائل إعلام هولندية قوله إن «قانون الهجرة المعتمد حالياً لم يعد صالحاً، علينا أن ننتقل من هجرة تتحكم بنا، إلى هجرة نحن نتحكم بها، ليس فقط بسبب مواطنين هولنديين قلقين من الأعداد الوافدة ولكن أيضاً للأشخاص الذين يهربون من العنف والملاحقة». وبحسب خطة يتن، فإن هولندا لن تقبل إدخال لاجئين إلا أولئك الذين يتقدمون للحصول على لجوء من خارج الاتحاد الأوروبي ويتم قبولهم. ويعدّ أن نظاماً كهذا سيساعد على وقف طرق التهريب الخطيرة وينقذ أرواحاً.وحالياً، يتم إدخال بعض اللاجئين إلى أوروبا عبر نظام شبيه تعتمده الأمم المتحدة لتوزيع اللاجئين ولكن أعداد هؤلاء قليلة جداً مقارنة بالذين يدخلون بشكل غير قانوني ويتقدمون بطلبات لجوء. ويريد يتن توسيع هذا النظام بشكل كبير لكي يصبح الطريقة الأساسية لاستقبال اللاجئين في هولندا. ولكنه يعي أن هذه الخطط تستغرق وقتاً طويلاً. وحتى ذلك الحين، وفي المرحلة القصيرة المدى يطالب بقوانين أشد لطالبي اللجوء الذين يعدّون عبئاً، خاصة أولئك القادمين من دول مصنفة «آمنة» أي لا خوف من ملاحقات بحق القادمين منها الذين لا يتمتعون أصلاً بحظوظ كبيرة في الحصول على لجوء. ومن أقواله عن هؤلاء إن «الذين يأتون ويتسببون بمشاكل ولا يتوجب عليهم أن يكونوا هنا، يجب أن يتم إرسالهم إلى ملاجئ مغلقة، ويفهموا أنهم يدخلون بلداً بقيم ليبرالية، وإذا كانوا لا يحترمونها فسيخسرون بعض الحقوق».

في المقابل يروّج يتن لاندماج أفضل لطالبي اللجوء الناجحين ويدعو إلى إدخالهم في صفوف تعلّم اللغة «منذ اليوم الأول» ومساعدتهم في العثور على وظيفة «بأسرع وقت ممكن». وقبل الانتخابات ومنذ ترأسه حزبه عام 2023، حذّر بأن إبقاء الأشخاص على نظام الإعانات من دون دمجهم في المجتمع وسوق العمل «مؤذ لهم وللمجتمع بشكل عام، ويغذي الإحباط لدى الهولنديين». ويعدّ يتن أن على الأحزاب الوسطية أن «تقود الخطاب السياسي عوضاً عن أن تترك ذلك للأحزاب اليمينية المتطرفة».

حل أزمة السكن... بناء جزيرة جديدة

سياسة الهجرة هذه التي يروج لها يتن منذ ترأسه حزبه، قد تكون أكسبته أصواتاً من اليمين واليمين المتطرف، ولكن الأصوات الأخرى التي نجح بإضافتها لحزبه جذبها من خلال خطاب أوسع يتناول مخاوف الناخبين بشكل مباشر من قضايا تتعلق بالسكن التي كانت أيضاً من القضايا الأساسية في الانتخابات الهولندية. فهولندا، مثل الكثير من الدول الأوروبية، تعاني من نقص 400 ألف وحدة سكنية ما يؤدي إلى رفع دائم في أسعار العقارات والسكن ما يزيد من العبء على السكان. ورغم أن كل الأحزاب التي خاضت الانتخابات جعلت من مسألة البناء أساسية في معركتها، فإن طروحات الديمقراطيين كانت الأكثر ثورية. وفيما كانت الأحزاب الأخرى تقترح إغلاق مطارات للبناء على أراضيها، أو توسيع مجمعات موجودة أصلاً، اقترح يتن بناء جزيرة جديدة على أرض مغطاة حالياً بالمياه، في بلد ربعه يقبع تحت مستوى البحر. وتعهد ببناء مدن جديدة تضم 60 ألف وحدة سكنية مع مساحات خضراء ومياه وأماكن ترفيه.

ما إذا كان سينجح بتحقيق أي من طروحاته تلك، إن كانت المتعلقة بالهجرة أو تلك المتعلقة بالسكن، غير واضح ومرتبط بالائتلاف الذي سينجح بتشكيله في النهاية والخطط التي يتفق عليها مع الأحزاب الأخرى. ولكن على الأقل هي خطط طموحة لاقت صدى لدى الناخبين وأوصلت من قد يصبح أصغر رئيس حكومة في هولندا إلى رأس السلطة. والواقع أن صعوده السريع وهو في سن يافعة، دفع البعض للتشكيك بقدراته أحياناً.

أما سياسته الأخرى، فهي مناقضة تقريباً لسياسات فيلدرز واليمين المتطرف في هولندا المشكك في الاتحاد الأوروبي وفي التأييد الأوروبي لأوكرانيا ومعاداة روسيا. ويعدّ يتن مؤيداً للاتحاد الأوروبي ولدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وعندما كان وزيراً للطاقة في حكومة مارك روته التي سبقت حكومة فيلدرز، دفع يتن بسياسة طاقة لا تعتمد على الغاز الروسي. وقد خدم في حكومة روته الرابعة وزيراً للمناخ والطاقة بين عامي 2022 و2024. ودخل يتن البرلمان الهولندي للمرة الأولى عام 2017 وكان متحدثاً باسم كتلته عن المناخ والطاقة. وفي عام 2018 انتخب زعيماً للكتلة النيابية للديمقراطيين ليصبح أصغر زعيم للكتلة في تاريخ الحزب. وفي عام 2020 انتخب حزبه الدبلوماسية المخضرمة سيغريد كاخ لزعامته في معركة لم يترشح فيها يتن. ولكنه لم ينتظر كثيراً، إذ وجد فرصة سانحة بعد استقالة كاخ في صيف عام 2023 وانتخب لزعامة الحزب.

اقرأ أيضاً


هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
TT

هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY

> منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم هولندا حكومات ائتلافية مكونة من حزبين أو أكثر في أحيان كثيرة، بسبب القانون الانتخابي المعتمد الذي يجعل من المستحيل على حزب واحد أن يفوز بالأغلبية. وطغى مارك روته وحزبه حزب «الشعب للحرية والديمقراطية» المحافظ الليبرالي، على الحياة السياسية في السنوات الـ14 الأخيرة تقريباً. فهو ترأس 4 حكومات متتالية بين العامين 2010 و2024، ضم معظمها أكثر من حزبين، حتى استقالته عام 2023 وانتقاله ليصبح أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو). وحظيت حكومته الأولى التي كانت حكومة أقلية وشكَّلها مع حزب «نداء الديمقراطية المسيحي»، بدعم من حزب «الحرية» اليميني المتطرف من دون أن يشارك الأخير في الحكومة.

ولكن الحكومة لم تدم أكثر من عامين بعد خلافات مع خيرت فيلدرز الذي سحب دعمه لها، مما أدى إلى سقوطها. وشكَّل روته حكومته الثانية التي ضمت 4 أحزاب بينها حزب «العمال»، مما سمح لها بأن تحكم طوال فترة ولايتها لخمس سنوات، وكانت الأكثر استقراراً في تاريخ هولندا الحديث. وشكَّل روته حكومته الرابعة عام 2017 لتحكم لمدة 3 سنوات، وضمت 4 أحزاب ولكنها سقطت مبكراً بعد تداعيات أزمة كورونا. وكانت الحكومة الأخيرة التي شكَّلها روته من 4 أحزاب عام 2022، الأقصر عمراً، واستغرق تشكيلها وقتاً قياسياً وصل إلى 299 يوماً، ولكنها انهارت سريعاً بعد خلافات حول الهجرة، ولم تحكم فعلياً أكثر من عام ونصف، ولكنها بقيت حكومة تصريف أعمال لنصف عام إضافي.

وفي عام 2024، حقق حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة فيلدرز فوزاً تاريخياً، ولكن فيلدرز نفسه لم يصبح رئيس حكومة بسبب اشتراط الأحزاب الأخرى التي وافقت على دخول الائتلاف الحكومي معه، على تعيين شخصية أخرى. وتوافقت الأحزاب في النهاية على ديك شوف لرئاسة الحكومة التي ضمت 4 أحزاب من بينها حزب «الحرية» الذي خاض تجربته الأولى في الحكم، ولكنه سرعان من انسحب من الحكومة في صيف العام الجاري بعد خلافات مع الأحزاب الأخرى حول سياسات هجرة متشددة ومخالفة للقانون أراد تطبيقها.