L’armée des Ombres
(1969)
عن المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي
برهنت الأيام أن كل ما يحدث في أوان ما، يستمر في الحياة تحت سطح الذاكرة أو في صدر الإنسان حتى وإن لم يعايش تلك الحرب لا مكاناً ولا زماناً. هذا كان حال المخرج الفرنسي جان - بيير ملڤيل الذي أخرج «جيش الظلال» سنة 1969 مع فارق أنه عايش ما يتحدث عنه وإن استعان كثيراً برواية وضعها جوزف كاسل سنة 1943 أي حال تحررت فرنسا من الاحتلال الألماني خلال تلك الحرب العالمية الثانية التي تستوعب مئات الأفلام حولها أو أكثر.
تقع أحداث الفيلم سنة 1942 وتبدأ بالقبض على قائد لإحدى جماعات المقاومة اسمه فيليب (لينو فنتورا) لاستجوابه. لكن فيليب ينجح في الهرب من اعتقاله ويمضي مع رفاقه من باريس إلى مرسيليا ثم من مرسيليا إلى لندن باحثاً عن مساندة من قبل المخابرات البريطانية درءاً لخطر إخفاق المقاومة الفرنسية في عملياتها العسكرية.
ليس أن فيليب واثق من النصر لكنه مزمع عليه. كما أن الجانب الإنجليزي ليس واثقا بدوره من قدرات المقاومين ما ينتج عنه خروج فيليب من اجتماعاته بأقل مما كان يتمنى. كذلك يضطر لقطع زيارته والعودة إلى فرنسا بعدما تم إلقاء القبض على أحد المقربين إليه من أعوانه. بعد حين يقع هو أسيراً لكن جماعته، التي تقودها امرأة باسم ماتيلدا (سيمون سينيوريه) تنقذه. يقرر فيليب الانزواء بعيداً عن الأعين ثم يصدر قراراً باغتيال ماتيلدا اعتقاداً منه أنها ستشي بالأسرار التي تعرفها عن المقاومة بعدما تم تضييق الخناق عليها.
«جيش الظلال» ليس مصنوعاً للتمجيد بأفراد المقاومة بل بفكرة المقاومة. ليس معنياً بالبطولات الفردية ولا حتى شخصياته القابعة في نطاق المقاومة إيماناً منها برسالتها معفاة من سوء التصرف. شخصية فيليب بطولية فقط من حيث إنها أساسية في تركيبها وسط الأحداث وشخصياتها، لكنها أقل من ذلك في عمق دلالاتها. في الوقت ذاته، لا يعني ذلك أن المخرج ركب موجة النقد مرتداً على ماضيه ومعرفته بالبذل الكبير الذي قامت به المقاومة الفرنسية. بالتالي ما نراه لمعظم الوقت هو دراما عن معاني ومفادات متعددة.
هو عن البارانويا التي ترتفع بارتفاع الحاجة لتحقيق الغايات المنشودة. عن صعوبة الحركة في ظل عدو شرس ومخابرات فرنسية وألمانية واعية. كذلك عن الوحدة والعزلة في السجن كما في ربوع البلاد.
لهذا كله سعى المخرج، حين وضع السيناريو الماهر الذي قام بتنفيذه، لتوفير شخصيات تعايش تلك الأوضاع الصعبة بما يميزها عن بطولات وهمية سارعت إليها أفلام البروباغندا الأخرى، سواء في فرنسا أو - على الأخص - في دول أوروبا الشرقية (آنذاك). يصوّر ملفيل شخصياته بما يحتاجونه من مؤونة واقعية: هي شخصيات قلقة ومجروحة ومتألمة. بعضهم يخون وبعضهم يقتل بقسوة. بعضهم مندفع بعاطفة جانبية وبعضهم يعرف ما يفعل.
عالج ملفيل فيلمه بذلك الوشاح المعتم الذي عالج به أعماله الأخرى وبتصوير نافذ من بيير لوم ووولتر فوتيز اللذان حاكا ذلك الستار الداكن ليلاً ونهاراً. هذا فيلم لا نرى فيه ضوء الشمس (بل رماد النهار) ولا نسمع فيه تغريد الطيور في الطبيعة بل المكان الموحش الذي يحويها.
نقاد ذلك الحين، في غالبيتهم، لم يقدروا الفيلم حق تقديره. لاحقاً، أمام جيل آخر من النقاد، أعيد اكتشاف «جيش الظلال» واستعاد سريعاً موضعه كأفضل فيلم فرنسي عن المقاومة وأحد أفضل إنتاجاتها إلى اليوم.
قيمة تاريخية ممتاز
قيمة فنية: ممتاز