الدنمارك مستعدة لاستقبال «الدواعش»... لكنها كانت تفضّل «مقتلهم في المعركة»

«عقبات» أمام إنشاء محكمة دولية خاصة لمحاسبة عناصر التنظيم

مقاتلون من «داعش» وأفراد من عائلاتهم يستسلمون لـ«قوات سوريا الديمقراطية» في الباغوز بريف دير الزور يوم 12 مارس الجاري (رويترز)
مقاتلون من «داعش» وأفراد من عائلاتهم يستسلمون لـ«قوات سوريا الديمقراطية» في الباغوز بريف دير الزور يوم 12 مارس الجاري (رويترز)
TT

الدنمارك مستعدة لاستقبال «الدواعش»... لكنها كانت تفضّل «مقتلهم في المعركة»

مقاتلون من «داعش» وأفراد من عائلاتهم يستسلمون لـ«قوات سوريا الديمقراطية» في الباغوز بريف دير الزور يوم 12 مارس الجاري (رويترز)
مقاتلون من «داعش» وأفراد من عائلاتهم يستسلمون لـ«قوات سوريا الديمقراطية» في الباغوز بريف دير الزور يوم 12 مارس الجاري (رويترز)

في ظل جدل حول إمكان إنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة عناصر تنظيم «داعش» المعتقلين في سوريا، قال وزير العدل الدنماركي سورين بابي بولسن (محافظ)، إن بلاده مستعدة لاستقبال مواطنيها العائدين بعد قتالهم في صفوف «داعش»، لكنه أضاف أنه كان من الأفضل «أن يُقتلوا في المعركة هناك».
ونددت المعارضة بتصريحات الوزير التي قالها أمام لجنة برلمانية، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن الصحافة المحلية الدنماركية. وقالت المتحدثة باسم الاشتراكيين الديمقراطيين ترين برامسن: «إنها كلمات لم أكن لأتفوّه بها».
واعتبر الوزير بولسن أنه «من الأفضل أن يُسجنوا هنا (بدلاً من) أن يسافروا بحرية». وأوضح أن نحو أربعين متشدداً لديهم روابط مع الدنمارك موجودون في مناطق كان يسيطر عليها تنظيم «داعش» في سوريا، بينهم عشرة قيد التوقيف. وأقرت الدنمارك عام 2016 محاكمة كل من حارب في مناطق النزاعات حيث توجد أيضاً منظمات «إرهابية».
ولفتت وكالة الصحافة الفرنسية إلى أن الوزير بولسن أشار إلى أن 13 شخصاً أُدينوا لانضمامهم أو محاولتهم الانضمام إلى منظمة «إرهابية». وقد جُرّد تسعة منهم من جنسيّتهم الدنماركية أو تم ترحيلهم إلى دولة أخرى يحملون جنسيتها. أما الآخرون الذين ليست بحوزتهم جنسية أخرى، فلا يمكن حرمانهم منها، حسب القانون. ومنذ عام 2012 توجّه نحو 150 دنماركياً إلى سوريا والعراق، حسب أرقام أجهزة الاستخبارات. وقد عاد ثلثهم إلى هذا البلد الاسكندنافي.
في غضون ذلك، نقلت الوكالة الفرنسية عن خبراء أن إنشاء محكمة دولية لمحاسبة تنظيم «داعش» على الفظائع التي ارتكبها، يوفّر رداً جماعياً قوياً على جرائم اقترفها ضد الإنسانية جمعاء، لكن إيجاد هذه الأداة الضرورية لتحقيق عدالة ملحّة دونه تحديات كثيرة.
ودعت «قوات سوريا الديمقراطية»، بعد إعلان قضائها على منطقة سيطرة التنظيم شرق نهر الفرات، المجتمع الدولي إلى إنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة الآلاف من مقاتلي التنظيم الموقوفين لديها في شمال شرقي سوريا، من دون تحديد أطرها.
ويقول مدير برنامج مكافحة الإرهاب في منظمة «هيومن رايتس ووتش» نديم حوري، لوكالة الصحافة الفرنسية: «إنها دعوة للمساعدة بعدما تركهم المجتمع الدولي» لإدارة مرحلة ما بعد التنظيم، و«هم يذكّرونه بأنها مسؤولية مشتركة».
ورغم دعوات الإدارة الذاتية الكردية المتكررة للدول الغربية من أجل استعادة مواطنيها الذين التحقوا بالتنظيم وأفراد عائلاتهم، لمحاكمتهم لديها، فإن غالبية حكوماتهم ترفض القيام بذلك حتى الآن، حسبما أشارت الوكالة الفرنسية.
ومن شأن إنشاء محكمة دولية، مع قضاة متخصصين، وبناء تصور شامل للأحداث في العراق وسوريا وحتى خارجهما، أن يقدّم أجوبة عن أسئلة مؤلمة على غرار «مَن ولماذا وكيف؟»، والمضي قدماً نحو مرحلة المصالحة، وفق ما يشرح خبراء.
وكانت أراضي سيطرة «داعش» في سوريا والعراق في عام 2014 تعادل مساحة بريطانيا، لكن كان يتعذر على الصحافيين والمحققين الوصول إليها. ويقول المسؤول عن البرنامج الدولي للعدالة الجنائية والعدالة الانتقالية في معهد الدراسات العليا في باريس جويل هوبريشت، إن الجرائم التي اتُّهم التنظيم بارتكابها «ألحقت أذى بالإنسانية بأسرها»، حسب الوكالة الفرنسية.
وتضم المقابر الجماعية، حيث كان «داعش» يلقي ضحايا الإعدامات التي نفّذها، نحو 12 ألف جثة في العراق و5 آلاف في شمال سوريا، وفق تقديرات لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة.
ويُشتبه بارتكاب التنظيم كذلك عمليات اغتصاب وتنفيذه هجمات دامية في قارات عدّة، كما تحقّق الأمم المتحدة في ارتكابه إبادة جماعية ضد الأقلية الإيزيدية في العراق، وهي تُصنف كأخطر جريمة في القانون الدولي.
ويسوّغ هذا الطابع «الدولي» للجرائم التي يقف خلفها التنظيم، وفق هوبريشت، محاكمة كبار المسؤولين على غرار محكمة نورمبرغ التي حاكمت قادة الحزب النازي الألماني المسؤولين عن جرائم الحرب خلال الحرب العالمية الثانية. ويرى هوبريشت وفق ما أوردت الوكالة الفرنسية، أنها «ستكون استجابة قضائية أقوى بكثير... وشاملة» بدلاً من ملاحقات مجتزأة في كل بلد على حدة.
ويقول الباحث في جامعة هارفارد الأميركية أندراس ريدلماير، إنه في ظل «نقص الإمكانيات والحيادية» لدى الأجهزة القضائية في سوريا أو في العراق، يمكن للمحكمة الدولية أن «تشكّل بديلاً جيداً». ويذكّر كيف «حرمت الهجمات التي شنها التنظيم على المعالم الأثرية، الإنسانية من ذاكرتها».
وتسمح محاكمة مماثلة بردّ الاعتبار للضحايا، وفق حوري الذي يشرح للوكالة الفرنسية أنه خلال مئات المحاكمات لمقاتلي التنظيم في العراق، وفي جلسات لم يدم بعضها أكثر من دقائق، لم يكن بإمكان أهالي الضحايا طرح أسئلة على المتهمين «كالسؤال عن مكان أقاربهم» على سبيل المثال. ولم ينبثق عن هذه المحاكمات معرفة أي معلومات حول نقاط مهمة على غرار «مَن أعطى الأوامر»، وفق حوري الذي يحذّر من المخاطر التي قد تترتب على أي «عدالة انتقائية» في سوريا. ويقول: «يبدو أن بعض الدول وقوات سوريا الديمقراطية ينظرون إلى الأمر (محكمة دولية خاصة) على أنه استجابة لحل مشكلة (المقاتلين) الأجانب في سوريا، أي ليس بوصفه مساراً تحفزه الرغبة في محاكمة أخطر الجرائم، بغضّ النظر عن مرتكبيها».
وأسفر النزاع المستمر في سوريا منذ عام 2011 عن مقتل أكثر من 370 ألف شخص، لم يُقتل معظمهم من قبل تنظيم «داعش». ووجهت منظمات حقوقية ودولية الاتهام إلى جميع أطراف النزاع بالضلوع في ارتكاب الانتهاكات، أي إلى النظام وحلفائه والمجموعات الإسلامية المتشددة والفصائل المعارضة والتحالف الدولي بقيادة أميركية.
ويتحدث الخبراء عن عقبات يصعب تذليلها وتعيق إنشاء محكمة دولية، حسبما جاء في تقرير وكالة الصحافة الفرنسية. إذ تعارض دول عدّة في مجلس الأمن الدولي أن تحقق المحكمة الجنائية الدولية، وهي محكمة دائمة تتعلق بجرائم الحرب، في العراق وسوريا. كما يواجه إنشاء محكمة خاصة الاعتراض ذاته، إذ رفض الأميركيون الداعمون لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، هذا الخيار، الاثنين، وتحفظت فرنسا عليه.
ويبدو إنشاء محكمة دولية في شمال شرقي سوريا غير واقعي، إذ لا تحظى الإدارة الكردية باعتراف دولي. كما أن حماية الشهود في بلد تمزّقه الحرب، وحيث يقتل سكان المدينة ذاتها بعضهم البعض، تشكّل تحدياً معقداً.
ويرى المحامي كلايف ستافورد سميث من منظمة «ريبريف» غير الحكومية التي تُعنى «بتحقيق العدالة»، أنه يمكن للمجتمع الدولي تقديم الدعم اللوجيستي والقانوني للأكراد من أجل إنشاء محاكم محلية تحترم المعايير الدولية.
ولن تحاكم المحكمة الدولية في حال تأسيسها إلا كبار المسؤولين، وستكون مكمّلة للقضاء المحلي.
ويتطلب أي حل وقتاً ليس بقصير، إذ يجب وضع الإجراءات القضائية، وتدريب القضاة والمحامين حول هذه المسائل المعقدة، عدا عن مسألة مَن سيخضع للمحاكمة، لكون الكثير من قادة التنظيم قد قُتلوا أو فرّوا.
ويوضح هوبريشت أنه حتى لو أبصرت محكمة مماثلة النور، سيتطلب الأمر «سنوات عدّة» قبل صدور إدانات، حسب الوكالة الفرنسية.


مقالات ذات صلة

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

الولايات المتحدة​ أحمد الشرع مجتمعاً مع رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد الجلالي في أقصى اليسار ومحمد البشير المرشح لرئاسة «الانتقالية» في أقصى اليمين (تلغرام)

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

وجهت الإدارة الأميركية رسائل سريّة الى المعارضة السورية، وسط تلميحات من واشنطن بأنها يمكن أن تعترف بحكومة سورية جديدة تنبذ الإرهاب وتحمي حقوق الأقليات والنساء.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي مواطنون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

ممثلة «مسد» في واشنطن: «هيئة تحرير الشام» «مختلفة» ولا تخضع لإملاءات تركيا

تقول سنام محمد، ممثلة مكتب مجلس سوريا الديمقراطي في واشنطن، بصفتنا أكراداً كنا أساسيين في سقوط نظام الأسد، لكن مرحلة ما بعد الأسد تطرح أسئلة.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي مقاتلون من المعارضة في حمص يتجمعون بعد أن أبلغت قيادة الجيش السوري الضباط يوم الأحد أن حكم بشار الأسد انتهى (رويترز)

«داعش» يعدم 54 عنصراً من القوات السورية أثناء فرارهم

أعدم تنظيم «داعش» 54 عنصراً من القوات الحكومية في أثناء فرارهم في بادية حمص وسط سوريا، تزامناً مع سقوط الرئيس بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عنصر من المعارضة السورية المسلحة في حمص يحتفل بدخول العاصمة دمشق (إ.ب.أ)

الأردن ومخاوف من خلط أوراق المنطقة والخشية من فوضى سوريا

يبدي أمنيون أردنيون مخاوفهم من عودة الفوضى لمناطق سورية بعد الخروج المفاجئ للأسد إلى موسكو، وان احتمالات الفوضى ربما تكون واردة جراء التنازع المحتمل على السلطة.

محمد خير الرواشدة (عمّان)

تدعو لـ«محاسبة الأسد»... «مجموعة السبع» مستعدة لدعم الانتقال السياسي في سوريا

موظف يشرف على الأعلام الموضوعة في قمة مجموعة السبع في إيطاليا عام 2017 (رويترز)
موظف يشرف على الأعلام الموضوعة في قمة مجموعة السبع في إيطاليا عام 2017 (رويترز)
TT

تدعو لـ«محاسبة الأسد»... «مجموعة السبع» مستعدة لدعم الانتقال السياسي في سوريا

موظف يشرف على الأعلام الموضوعة في قمة مجموعة السبع في إيطاليا عام 2017 (رويترز)
موظف يشرف على الأعلام الموضوعة في قمة مجموعة السبع في إيطاليا عام 2017 (رويترز)

أعلن قادة مجموعة الدول السبع الكبرى في بيان، الخميس، إنهم على استعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، وفقاً لوكالة «رويترز».

وذكرت مجموعة السبع أن الانتقال السياسي بعد نهاية الحكم الاستبدادي، الذي دام 24 عاماً لبشار الأسد، يجب أن يضمن «احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

وطالبت المجموعة أيضاً بضرورة «محاسبة نظام الأسد».

وأضاف البيان: «ستعمل مجموعة السبع مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير، وتكون نتاج هذه العملية، وتدعمها بشكل كامل».

كما دعا القادة «كل الأطراف» إلى «الحفاظ على سلامة أراضي سوريا، ووحدتها الوطنية، واحترام استقلالها وسيادتها».