أكثر من خمسين لوحة لـ«العبقري التعس» في معرض «فان غوخ وبريطانيا»

خطابات ولوحات ترصد تأثير سنوات قضاها في لندن على فنه وفكره

عدد من تلاميذ المدارس ينظرون للوحة «المرأة التي تهز المهد» لفان غوخ في معرض عنه بمتحف تيت بريتان بلندن (إ.ب.أ)
عدد من تلاميذ المدارس ينظرون للوحة «المرأة التي تهز المهد» لفان غوخ في معرض عنه بمتحف تيت بريتان بلندن (إ.ب.أ)
TT

أكثر من خمسين لوحة لـ«العبقري التعس» في معرض «فان غوخ وبريطانيا»

عدد من تلاميذ المدارس ينظرون للوحة «المرأة التي تهز المهد» لفان غوخ في معرض عنه بمتحف تيت بريتان بلندن (إ.ب.أ)
عدد من تلاميذ المدارس ينظرون للوحة «المرأة التي تهز المهد» لفان غوخ في معرض عنه بمتحف تيت بريتان بلندن (إ.ب.أ)

ما الجديد الذي يمكن أن يكتب أو يقال عن فان غوخ؟ فالفنان الهولندي سحر أعين العالم ولا يزال، بأعماله المتفردة بحق وبقصة حياته التي تناولتها السينما والكتب. ولكن يظل دائما هناك جانب جديد يمكن أن نطل منه على عالم هذا العبقري المضطرب، وهذا الأسبوع سمح متحف «تيت بريتان» لجمهوره بمعاينة جوانب منسية تمثلت في ثلاث سنوات قضاها فان غوخ في بريطانيا.
المعرض المعنون بـ«فان غوخ وبريطانيا» يعرض نحو خمسين لوحة للفنان الأشهر، رأينا معظمها من قبل ولكن الجديد هنا هو أنها مرتبة حسب ارتباطها بتلك الفترة الممتدة من 1873 إلى 1876 التي قضاها الشاب العشريني فان غوخ في لندن وعمل فيها في محل تاجر لوحات بحي كوفنت غاردن. نرى في بداية الجولة جملة مطبوعة على الحائط كتبها الفنان في إحدى رسائله «كم أحب لندن!» وتعود لعام 1875 ومن هنا نغوص في تسلسل قصة فان غوخ مع لندن وأدبها وفنانيها.
يقلل بعض النقاد من تأثير أدب وفن بريطانيا على فن فان غوخ ولكن المعرض يثبت عكس ذلك، مستعينا بجهد هائل في العودة لأرشيف خطابات الفنان وبعض مقتنياته من الكتب والرسومات التي ابتاعها أثناء إقامته في لندن.
المعرض ينقسم جزأين، الأول يبحث في الفترة القصيرة التي عاشها فناننا في لندن ودورها في رحلته الفنية. أما الجزء الثاني فيعرض تأثير فان غوخ على الفنانين البريطانيين حتى الخمسينات من القرن الماضي. الجميل في العرض هو أنه يحمل خيوط حكاية فان غوخ في لندن ويطورها ويمدها بثبات عبر قاعات العرض التسع ليغزل في النهاية صورة متكاملة من التأثير والتأثر بفن أحد أشهر فناني العالم وصفه النقاد البريطانيون بأنه «العبقري التعس».

حياة في لندن
في القاعة الأولى للمعرض نتعرف فان غوخ الشاب العشريني الذي قدم للعمل في شركة وسيط فني بوسط لندن ثم بعد فصله منها حاول التدريس ثم العمل بالكنيسة بعد ذلك لفترة قصيرة، ثم قراره النهائي بالسفر. نبدأ مع خزانة زجاجية تضم مجموعة من الكتب طبعت في نهاية القرن التاسع عشر وتضم بينها روايات لتشارلز ديكنز وجورج أورويل وشكسبير، نعرف أن فان غوخ اقتنى نسخا منها، وبالفعل خلال الجولة نقرأ جملا من خطابات الفنان يذكر فيها عددا من الكتاب البريطانيين الذين تأثر بهم بل هو أيضا ضمّن كتابا لتشارلز ديكنز في لوحته «أرليسيان» التي صور فيها صديقته صاحبة مقهى بمدينة آرل بفرنسا، حيث أقام في آخر حياته. قال عن الروايات في العصر الفيكتوري إنها تعبر عن «حقيقة أكثر واقعية من الواقع»، وعن ديكنز قال: «هدفي في الحياة أن أصنع أعمالا من الواقع كما يصفه ديكنز». قرأ روايات ديكنز عن الكريسماس كثيرا، مرة كل عام كما نعرف من العرض، كما اكتشف رواية «كوخ العم توم» في العشرينات من عمره، وقال لشقيقته ويل: «قرأت «كوخ العم توم (للكاتبة بيتشر ستو) كثيرا باهتمام شديد، ربما لأنها مكتوبة بقلم امرأة... وكذلك (قرأت) باهتمام شديد كتب الكريسماس لتشارلز ديكنز».

أكثر واقعية من الواقع
إلى جانب الروايات التي صورت المجتمع في العهد الفيكتوري بلندن ورسمت صورا قاتمة للفقر والظلم الاجتماعي وحياة الفقراء، حرص فان غوخ أثناء إقامته القصيرة بلندن على زيارة المعارض والمتاحف والاطلاع على رسومات غرافيكية بالأبيض والأسود للفنان غوستاف دوريه صورت مشاهد من الحياة الاجتماعية في لندن، قال في خطاب لأخيه ثيو عام 1883: «كثيرا ما شعرت بالاكتئاب في إنجلترا ولكن رسومات (الأبيض والأسود) وديكنز كانت من الأشياء التي عوضتني عن كل ذلك».
في القاعة الثالثة من المعرض، نجد نماذج لتلك الرسومات الاجتماعية التي كانت رائجة في تلك الفترة، تحديدا نجد أنفسنا أمام 17 لوحة من كتاب لدوريه عن لندن في العصر الفيكتوري ألهمت فان غوخ، ولكنه كان معدما ولم يستطع شراءها ولكن بعد أربعة أعوام من بداية عمله الفني نجح في اقتنائها ونجد نسخا منها هنا.

السجن والمستشفى
نرى هنا أيضا اللوحة الوحيدة التي رسمها فان غوخ عن لندن «فناء السجن»، التي رسمها بناء على رسم غرافيكي للفنان غوستاف دوريه نراه هنا أيضا وهو من مقتنيات فان غوخ.
اللوحة التي استعارها تيت بريتان من متحف بوشكين بموسكو رغم قتامة موضوعها رسمها فان غوخ باستخدام اللون الأزرق وطعّمه بدرجات من اللون الأصفر، بدت أكثر ضوءا من الرسم الأصلي وفي دائرة السجناء الذين يدورون داخل الفناء نرى تصويرا للفنان نفسه مميزا بلحية برتقالية اللون.
رسم فان غوخ اللوحة في آخر أعوامه بينما كان حبيس المستشفى. دمج فيها بين ذكرياته عن السجون في لندن والتي رآها أثناء تجواله وأيضا من روايات تشارلز ديكنز التي وصفت الحياة داخل السجون بلندن، كما أضاف فان غوخ عاملا شخصيا في اللوحة بإضافة شخصه وبتعليقه في خطاب لأخيه ثيو يصف فيه حياته في المستشفى «يخنقني السجن والأب بيرون (طبيبه) لم يعر ذلك أدنى اهتمام».
يرى معدو المعرض أن الفنان لم يغرق في اليأس كلية واستدلوا على ذلك بوجود رسم صغير أعلى اللوحة لفراشتين لونهما الأصفر المميز.

المسافر في طريق الحياة
في خطاباته لعائلته يرسم فان غوخ صورة لحياته في لندن وشعوره بالحزن والإحباط، عبر عن كل ذلك واصفا الحياة بأنها «رحلة صعبة»، ورسم اسكتشات على جوانب خطاباته تمثل أشخاصا على طريق ممتد، ووجد تأكيدا وإلهاما للفكرة عبر لوحات لجورج بوفتون في «رويال أكاديمي» وأيضا في لوحات أخرى، منها واحدة للفنان الهولندي هوبيما رآها في «ناشيونال غاليري» بلندن تصور طريقا ممتدا بين الأشجار، نجد اللوحة هنا وأيضا رسومات تماثلها بقلم فان غوخ خطها في دفتر لرسوماته ولوحة له ربما استوحاها أيضا من لوحة هوبيما تصور امرأة ترتدي ملابس الحداد وهي تمشي في طريق محفوف بالأشجار، كتب عنها لأخيه ثيو: «يا للسهولة التي يحدث بها الموت والدفن... ببرودة مثل سقوط ورقة شجر في الخريف».
ونعرف أنه خط في رسائله فكرة أن الحياة رحلة صعبة وربما عكس ذلك الإحساس عبر رسم أشخاص يمشون في طريق ما. هل تأثر فان غوخ بفنانين بريطانيين؟ سؤال يطرحه المعرض ويجد الإجابة في كلمات الفنان من إحدى رسائله: «أفكر دائما بلوحات إنجليزية على سبيل المثال أكتوبر البارد» لجون إيفيريت ميليه، ولوحتين متميزتين للفنان كونستابل».
الجميل في هذا المعرض أنه يعرض اللوحات التي تحدث عنها فان غوخ ويترك للزائر فرصة لرؤيتها عبر عيون ذلك الفنان المبدع ويقرر إن كانت أثرت في الفنان الهولندي بشكل من الأشكال.

عودة فان غوخ للندن
هنا غرفة تحتل حوائطها ملصقات دعاية لمعرض «مانيه وما بعد الانطباعيين» الذي قدم لوحات فان غوخ للجمهور البريطاني وأقيم بعد وفاة الفنان بعشرين عاما في ديسمبر (كانون الأول) 1910.
المعرض صدم الجمهور بالأساليب الفنية الجديدة المستخدمة ولكنه أيضا جذب 25 ألف زائر ولكن لوحات فان غوخ وضعت في إطار نقدي معتمد على سوء فهم لحياة الفنان ومرضه العقلي وهو ما حدد الطريقة التي رأى فيها الجمهور أعماله.
ولكن جمهور الفنانين رأوا في فان غوخ العبقرية الفنية واستخدامه الثوري للألوان، وقام عدد كبير منهم بتبني طريقته في الرسم بالفرشاة والألوان وحتى الزوايا التي استخدمها لخلق لوحات خاصة بهم، تذكر إحدى البطاقات التعريفية أن الفنان هارلد غيلمان كان يعلق لوحة شخصية (بورتريه) لفان غوخ في الاستديو الخاص به وأنه كان يرفع فرشاته بالتحية لفان غوخ قبل أن يبدأ في الرسم.
ثورة زهور دوار الشمس
ربما من القاعات التي تخيب أمل الزائر هي القاعة التي تناولت تأثير تلك اللوحات العبقرية التي رسم فيها فان غوخ زهور دوار الشمس بطريقة مختلفة تماما، بث فيها العنفوان والحركة والتمرد والغرور وأيضا الذبول الجليل. على الحائط طبعت جملة للناقد روجر فراي كتبها في عام 1910 «لقد أساء الفن الأوروبي الحديث تصوير الزهور، أغرقها في العاطفية حتى رأى فان غوخ روح الغرور في زهرة دوار الشمس». هنا نرى لوحات لفنانين بريطانيين رأوا اللوحة في ناشونال غاليري بعد أن اقتناها متحف تيت بريتان. أعادت الباقات الصفراء الرشيقة التي أبدعها فان غوخ موجة من رسم الأزهار وضع المعرض مجموعة منها لخلق حوار بصري فني ما بين الأستاذ وتلاميذه. ولكن لم تستفد تلك اللوحات من المقارنة للأسف.

يظل فان غوخ النجم الأوحد
رغم مساحة المعرض وكم الأعمال المعروضة فيه وعلى الرغم أيضا من محاولة المنسقين اتباع تسلسل معين للوحات، يجب القول إن لوحات العبقري الهولندي كانت تسيطر تماما على الأحاسيس والاهتمام، وبدا في بعض القاعات أن لوحاته، مثل رائعة «ليلة مشعة بالنجوم» (1888) ولوحة «المستشفى في سان ريمي» (1889) الذي قضى فيه أعوامه الأخيرة ولوحة «أشجار الزيتون» (1889) و«على بوابة الأبدية» (1890)، تكفي وحدها ليجلس أمامها أفراد الجمهور، بينما يقف آخرون لدقائق طويلة لينغمسوا في أمواج الإبداع الملون وخبطات ريشة الفنان التي ميزته عن غيره وستظل تفرد له مكانا خاصا في تاريخ الفن العالمي.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.