«أكني استوديوز» ومفهوم الحداثة التفكيكية

فرضت شخصيتها السويدية في قلب باريس

تصاميم رجالية مفعمة بالديناميكية  -  من تشكيلة الدار لخريف وشتاء 2019
تصاميم رجالية مفعمة بالديناميكية - من تشكيلة الدار لخريف وشتاء 2019
TT

«أكني استوديوز» ومفهوم الحداثة التفكيكية

تصاميم رجالية مفعمة بالديناميكية  -  من تشكيلة الدار لخريف وشتاء 2019
تصاميم رجالية مفعمة بالديناميكية - من تشكيلة الدار لخريف وشتاء 2019

عندما تُذكر بيوت الأزياء العالمية في منطقتنا، فإن سوى القليل من عشاق الموضة والعارفين سمعوا عن «أكني استوديوز» رغم أنها من البيوت التي تؤثر على الموضة العالمية ورسخت مكانتها بين الكبار منذ فترة. سويدية اخترقت عالم الموضة العالمية في عام 1996 وفرضت أسلوبا خاصا بها له مكانته واحترامه، وهو ما فشلت فيه ماركات أوروبية أخرى من الدنمارك وغيرها. في حال «أكني استوديوز» فربما يعود سبب عدم شهرتها أنها كانت في السابق تعتمد على فريق إبداعي متعدد المواهب في مجالات فنية تتباين بين الغرافيك وصناعة الأفلام والدعايات. لم تعتمد على مصمم واحد يكون هو الواجهة ويلعب دور البطل. لكن الأمر اختلف في السنوات الأخيرة بعد أن استقلت كدار أزياء لها قائد «يُلملم» الأفكار ويمنحها تماسكا. هذا القائد هو جوني جوهانسون، أحد مؤسسيها، الذي يقدم عروضا شيقة خلال أسبوع باريس، بحيث تُضفي عليه نكهة أوروبية مختلفة ومنعشة. في إحدى مقابلاته، قال إنه يشعر بأنه غريب في عالم الموضة. تفسيره لهذا القول بأن الدار من استوكهولم، وهي عاصمة غير مشهورة بالموضة مقارنة بغيرها من العواصم العالمية مثل نيويورك وباريس وميلانو. وأضاف: «ليس هذا فحسب، فأنا من شمال السويد، وهذا يعني أنني خارج نطاق حتى استوكهولم».
لكن من تابع عرضه الأخير في باريس لا يشك في أن تصريحه لا يخرج عن نطاق التواضع. ففي كل موسم يؤكد أنه يملك مفاتيح أبواب أسواق جديدة ومهمة لأن من يحركها شباب متعطش لمعانقة الموضة ودخول مضمارها. أسلوب الدار لمس وترا حساسا في نفوس هؤلاء. وجدوا فيها التميز الذي كانوا يبحثون عنه، واعتبروها بمثابة نسمة هواء منعشة وسط الأشكال والتصاميم المتشابهة التي تُغرق المحلات. ما أثبته جوهانسون قدرته العجيبة على جعل عناصر من محيطه، قد تبدو غريبة أو فلسفية، مصدر إلهام. بمجرد ما أن ينتهي من التعامل معها حتى تأخذ بُعدا جديدا، بحيث تخلق جدلا فكريا لدى متابعها. في تشكيلته الرجالية الأخيرة مثلا قال بأنه استقى فكرتها من الفلاحة، وهو ما يمكن القول بأنه أمر نادر، إن لم نقل غير مسبوق، في عالم الموضة. ترجمته أنه أخذ الأحذية المطاطية التي تغطي نصف الساق وصاغها بجلود طبيعية لرجل لا علاقة لها بالفلاحة.
كما أضاف إلى السترة العملية جيوبا أخذت شكل كيس من الساتان. كل هذا إضافة إلى العديد من المعاطف الواقية من المطر. لولا شرحه واعترافه بمصدر إلهامه، لما شك أحد في أن لها علاقة بالطبقة البرولياتارية. كانت تضج بتصاميم مبتكرة تغلب عليها لمسات بوهيمية تجلت في الأهداب المتدلية من كنزات وفي الرسمات التي طبعت الكثير من القطع. كانت أيضا تتسم بحداثة فيما يتعلق بالأقمشة والتقنيات. كانت هناك مثلا قُمصان على شكل سترات والعكس، إلى جانب بنطلونات من الجلد بخصور عالية وجيوب كبيرة خفف من عمليتها بجعلها شفافة في بعض الأحيان، إلى جانب أخرى بجيوب عالية عند الخصر، يمكن أن تبقى مفتوحة فيما لو أراد صاحبها، أو تثبيتها إذا استدعت الحاجة. بالنسبة للقطع المفصلة على الجسم، فاستعمل فيها قماش الجيرسيه حتى يكسر رسميتها، كذلك الأمر بالنسبة لمجموعة أنيقة من المعاطف استعمل فيها المخمل بألوان ساطعة مثل الأخضر الفستقي، وكأنه يريد أن يُذكرنا بأننا بصدد متابعة تشكيلة مُوجهة إلى رجل شاب لا يقبل التصاميم العادية، لأنه بكل بساطة أصيب بالتخمة منها ويريد التغيير. لكن «أكني استوديوز» لا تنسى أهمية المرأة. فما تقدمها لها لا يقل قوة عما تقدمه للرجل إن لم نقل يفوقه ويتفوق عليه. في عرضها لخريف وشتاء 2019 مثلا، كانت القصة مختلفة وبإيقاع يتراقص على نغمات شبابية للغاية. قال المصمم بأنها ترتبط بأهمية الزمن... تعاقبه وتأثيراته علينا. ما شد جوني جوهانسون، حسب قوله هو تلك العلاقة بين الشباب وبين الوقت «فعندما نكون صغارا نريد أن نكبر بسرعة بأن نُخلف انطباعا بالنُضج لدى الغير حتى يأخذوننا محمل الجد. لهذا قررت أن آخذ رموزا أنثوية أيقونية، وأنظر إليها بعيون تفكيكية». أما ترجمته لهذه الفكرة فكانت بأخذه تصاميم كلاسيكية مثل التايورات وإهدائها لشابة صغيرة بصورة مختلفة تماما عما تعودت عليه عيناها. الأشكال مثلا انتفخت في بعض الأجزاء واستدارت عند الأكتاف لتتحدد في أجزاء أخرى أو تأخذ شكلا غير متوازٍ في جانب منها، وهكذا. لم تكن هناك قاعدة أو احترام للمتعارف عليه. فكل القواعد، على ما يبدو، وُضعت لكي يُفككها ويُغيرها. وجاءت النتيجة غير متوقعة. فهو لم يُخرب التقاليد والمتعارف عليه بقدر ما أضفى عليه ديناميكية وحركة. تشعر بأن الكثير من القطع الأيقونية تعرض لعملية تفكيك، وبأنك دخلت زمنا جديدا لا علاقة له بالماضي. قد يكون مفعما بالنُضج الذي تطلبه الصبايا والشابات لكنه لا يسرق منهن جمالهن أو صباهن. فرغم أنها تخلف انطباعا بالنُضج إلا أنها تبقى ابنة عصرها.
مدرسة الدار قد تُذكرنا بـ«ميزون مارتن مارجيلا» لكن الفرق بينهما أن هذه الأخيرة تميل إلى التجريب والاختبار، بينما «أكني استوديوز»، حتى في «محاولاتها التخريبية» حسب وصف جوني جوهانسون لها، تبقى دائما مكتملة الأناقة والأنوثة. فحتى التايورات المفصلة بأكتاف مستديرة والبنطلونات عالية الخصر تتميز بالنعومة.
وإذا كان المأخذ على الدار سابقا أنها كانت ضعيفة في مجال الإكسسوارات، التي تحقق الأرباح لبيوت الأزياء ومن تم تُسند جوانبها الأخرى مثل الأزياء الجاهزة، فإنها تداركت الأمر بدليل مجموعة من الأحذية وحقائب اليد المبتكرة، التي مال بعضها إلى البوهيمية وكأنها تريد أن تحقق طموح صبية لدخول مرحلة الشباب قبل الأوان.


مقالات ذات صلة

سروال الساق الواحدة يقسم الباريسيين... هل ينجح مثل الجينز المثقوب؟

لمسات الموضة صرعات الموضة (آيماكستري)

سروال الساق الواحدة يقسم الباريسيين... هل ينجح مثل الجينز المثقوب؟

منذ ظهور تلك البدعة، تضاربت الآراء بين المُشتغلين بالتصميم بين مُعجب ومُستهجن. هل يكون الزيّ في خدمة مظهر المرأة أم يجعل منها مهرّجاً ومسخرة؟

«الشرق الأوسط» (باريس)
لمسات الموضة من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)

هل تنقذ محررة أزياء سابقة صناعة الموضة؟

في ظل التخبط، بين شح الإمكانات ومتطلبات الأسواق العالمية الجديدة وتغير سلوكيات تسوُّق جيل شاب من الزبائن، يأتي تعيين لورا مثيراً ومشوقاً.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أساور من مجموعة «إيسانسييلي بولاري» مزيَّن بتعويذات (أتولييه في إم)

«أتولييه في إم» تحتفل بسنواتها الـ25 بعنوان مستقل

«أتولييه في إم» Atelier VM واحدة من علامات المجوهرات التي تأسست من أجل تلبية جوانب شخصية ونفسية وفنية في الوقت ذاته.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)

«ذا هايف»... نافذة «هارودز» على السعودية

في ظل ما تمر به صناعة الترف من تباطؤ وركود مقلق أكدته عدة دراسات وأبحاث، كان لا بد لصناع الموضة من إعادة النظر في استراتيجيات قديمة لم تعد تواكب الأوضاع…

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة «موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

الألوان مثل العطور لها تأثيرات نفسية وعاطفية وحسية كثيرة، و«موكا موس» له تأثير حسي دافئ نابع من نعومته وإيحاءاته اللذيذة.

جميلة حلفيشي (لندن)

سروال الساق الواحدة يقسم الباريسيين... هل ينجح مثل الجينز المثقوب؟

صرعات الموضة (آيماكستري)
صرعات الموضة (آيماكستري)
TT

سروال الساق الواحدة يقسم الباريسيين... هل ينجح مثل الجينز المثقوب؟

صرعات الموضة (آيماكستري)
صرعات الموضة (آيماكستري)

لفتت النظر في عروض باريس لموضة الربيع والصيف المقبلين، عارضات يرتدين سراويل ذات ساق واحدة، وأيضاً بساق مغطَّاة وأخرى مكشوفة. ومنذ ظهور تلك البدعة، تضاربت الآراء وسط المُشتغلين بالتصميم بين مُعجب ومُستهجن. هل يكون الزيّ في خدمة مظهر المرأة أم يجعل منها مهرّجاً ومسخرة؟

لم يقتصر تقديم تلك الموضة على مجموعات المصمّمين الجدد والشباب، وإنما امتدّ إلى أسماء شهيرة، مثل عروض أزياء «لويس فويتون»، و«كوبرني»، و«فيكتوريا بيكام»، و«بوتيغا فينيتا». ففي حين يرى المعجبون بالسراويل غير المتناظرة أنها تعبّر عن اتجاه جريء يحمل تجديداً في التصميم، وجد كثيرون أنها خالية من الأناقة. فهل تلقى الموضة الجديدة قبولاً من النساء أم تموت في مهدها؟

طرحت مجلة «مدام فيغارو» الباريسية السؤال على محرّرتين من صفحات الأزياء فيها؛ الأولى ماتيلد كامب التي قالت: «أحبّ كثيراً المظهر الذي يعبّر عن القوة والمفاجأة التي نراها في هذا السروال. إنه يراوح بين زيّ المسرح وشكل البطلة المتفوّقة. وهو قطعة قوية وسهلة الارتداء شرط أن تترافق مع سترة كلاسيكية وتنسجم مع المظهر العام وبقية قطع الثياب. ثم إنّ هذا السروال يقدّم مقترحاً جديداً؛ بل غير مسبوق. وهو إضافة لخزانة المرأة، وليس مجرّد زيّ مكرَّر يأخذ مكانه مع سراويل مُتشابهة. صحيح أنه متطرّف، لكنه مثير في الوقت عينه، وأكثر جاذبية من سراويل الجينز الممزّقة والمثقوبة التي انتشرت بشكل واسع بين الشابات. ويجب الانتباه إلى أنّ هذا الزيّ يتطلّب سيقاناً مثالية وركباً جميلة ليكون مقبولاً في المكتب وفي السهرات».

أما رئيسة قسم الموضة كارول ماتري، فكان رأيها مخالفاً. تساءلت: «هل هو نقص في القماش؟»؛ وأضافت: «لم أفهم المبدأ، حيث ستشعر مرتدية هذا السروال بالدفء من جهة والبرد من الجهة الثانية. وهو بالنسبة إليّ موضة تجريبية، ولا أرى أي جانب تجاري فيها. هل هي قابلة للارتداء في الشارع وهل ستُباع في المتاجر؟». ولأنها عاملة في حقل الأزياء، فإن ماتري تحرص على التأكيد أنّ القطع المبتكرة الجريئة لا تخيفها، فهي تتقبل وضع ريشة فوق الرأس، أو ثوباً شفافاً أو بألوان صارخة؛ لكنها تقول «كلا» لهذا السروال، ولا تحبّ قطع الثياب غير المتناظرة مثل البلوزة ذات الذراع الواحدة. مع هذا؛ فإنها تتفهَّم ظهور هذه الصرعات على منصات العرض؛ لأنها تلفت النظر وتسلّي الحضور.