أفغانستان: مقتل 87 من مسلحي «داعش» في غارات جوية

تصاعد المواجهات بين عناصر «طالبان» وقوات الأمن

مجموعة من المسلحين اعتقلتهم القوات الأفغانية في جلال آباد بولاية ننجرهار  بتهمة التحضير لشن هجمات إرهابية أول من أمس (إ.ب.أ)
مجموعة من المسلحين اعتقلتهم القوات الأفغانية في جلال آباد بولاية ننجرهار بتهمة التحضير لشن هجمات إرهابية أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

أفغانستان: مقتل 87 من مسلحي «داعش» في غارات جوية

مجموعة من المسلحين اعتقلتهم القوات الأفغانية في جلال آباد بولاية ننجرهار  بتهمة التحضير لشن هجمات إرهابية أول من أمس (إ.ب.أ)
مجموعة من المسلحين اعتقلتهم القوات الأفغانية في جلال آباد بولاية ننجرهار بتهمة التحضير لشن هجمات إرهابية أول من أمس (إ.ب.أ)

تصاعدات المواجهات بين قوات «طالبان» وقوات الحكومة الأفغانية في عدد من الولايات، فيما زادت الخلافات الداخلية في كابل بين معسكر الرئيس أشرف غني ومناوئيه، خصوصاً مستشار الأمن الوطني السابق حنيف أتمار، فيما دعا رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى تشكيل حكومة انتقالية في كابل، واصفاً حكومة الرئيس أشرف غني بأنها عقبة أمام السلام في أفغانستان.
ميدانياً، أعلنت الحكومة الأفغانية مقتل 87 من مسلحي تنظيم «داعش ولاية خراسان» في عمليات قامت بها القوات الأفغانية في ولاية ننجرهار شرق أفغانستان. وحسب بيان صادر عن الجيش الأفغاني، نقلته وكالة «خاما بريس» المقربة من رئاسة الأركان الأفغانية، فإن المواجهات وقعت في مديرية أتشين في الولاية. كما قصفت طائرة من دون طيار مواقع لمسلحي التنظيم في مديرية حسكا مينا، وقال بيان «لفيلق سيلاب» إن القوات الأميركية قصفت بالطائرات مواقع للتنظيم ما أدى إلى مقتل ثلاثة من أفراده.
وفي بيان آخر لـ«فيلق سيلاب»، قال إن قواته تمكنت من أسر ملا تراب أحد مسؤولي «طالبان» في ولاية ننجرهار في عملية قامت بها القوات الخاصة الأفغانية في منطقة سرخ رود، ليلة أول من أمس، إضافة إلى ثلاثة من مقاتلي «طالبان». وحسب بيان لوزارة الداخلية الأفغانية، فإنها اتهمت ملا تراب بالتخطيط لعدد من العمليات في منطقة سرخ رود، وأنه كان يقود مجموعة مؤلفة من أربعين مقاتلاً في المنطقة. ولم تتحدث بيانات الجيش والداخلية الأفغانية عن خسائرهما في المواجهات في ولاية ننجرهار.
وفي بيان آخر، قال المتحدث باسم حاكم هلمند جنوب أفغانستان، إن مسؤول الاستخبارات في «طالبان» لمنطقة سنجين قتل في غارة جوية يوم الاثنين، وحسب البيان، فإن الغارة الجوية وقعت في منطقة شرافت بازار في منطقة سنغين واستهدفت مركزاً لـ«طالبان»، وأن مسؤول استخبارات «طالبان»، واسمه جهاد يار، قتل مع خمسة آخرين من مرافقيه.
وأيدت المصادر العسكرية ما تحدث به الناطق باسم حاكم هلمند، مضيفة أن 20 من قوات «طالبان» لقوا مصرعهم في مواجهات مع القوات الحكومية خلال الأسبوع المنصرم.
ونقلت وكالة «باجهواك» الأفغانية عن مسؤولين عسكريين قولهم، إن القوات الأفغانية ستتسلم في يوليو (تموز) المقبل، أربع مروحيات عسكرية من الهند قدمت هدية للقوات الأفغانية، وهو ما يعزز قدرة القوات الحكومية في المواجهات مع قوات «طالبان».
من ناحيتها، أصدرت «طالبان» عدداً من البيانات عن عمليات قواتها في عدة ولايات أفغانية، فقد شهدت ولاية قندهار اشتباكاً بين قوات «طالبان» والقوات الحكومية في منطقة شاوليكوت أسفر عن مقتل ثلاثة من الجنود في انفجار عبوة ناسفة استهدفت دورية حكومية، كما فجر مقاتلو «طالبان» صهريج وقود تابعاً للقوات الحكومية، مساء أول من أمس، فيما استسلم جنديان حكوميان لقوات «طالبان» في المنطقة.
كما شهدت ولايات خوست وبكتيا وننجرهار عدداً من الاشتباكات بين قوات «طالبان» والقوات الحكومية، وتفجير عدد من العبوات الناسفة مستهدفة القوات الحكومية في هذه المناطق. وأسفرت الاشتباكات، حسب بيانات «طالبان»، عن مصرع وإصابة عدد من الجنود الحكوميين. وكانت وحدة من قوات «طالبان» هاجمت نقطة عسكرية للقوات الحكومية في منطقة قلعة نبي في ولاية هلمند الجنوبية، كما قنصت جنديين في المنطقة، إضافة إلى قنص أربعة جنود آخرين في منطقة كيمب في مديرية مرجا في ولاية هلمند، فيما هاجمت وحدة أخرى من قوات «طالبان» نقطة أمنية للقوات الحكومية في منطقة ناد علي، إضافة للاشتباك مع القوات الحكومية في منطقة نهر سراج، ما أدى إلى تفجير سيارة عسكرية ومقتل وإصابة من كانوا على متنها، حسب بيان «طالبان». وأعلنت قوات «طالبان» تمكنها من السيطرة على مركز عسكري حكومي في منطقة مارجا، ومقتل وإصابة 33 من أفراد القوات الحكومية، إضافة إلى تدمير 3 مدرعات «هامفي» و3 ناقلات جنود، وقد استخدم الطرفان الأسلحة الثقيلة في المواجهات الدامية في المنطقة.
وتوافقت المواجهات العسكرية بين قوات «طالبان» والقوات الحكومية مع تحركات سياسية، فقد أطلع إدريس ظريف، القائم بأعمال وزير خارجية حكومة كابل، السفير السعودي لدى أفغانستان جاسم محمد الخالدي، على ما يجري من محادثات لحل الأزمة الأفغانية، حسبما نقلته وكالة «باجهواك» في كابل.
فيما أعلن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، أن الحكومة الأفغانية عقبة أمام السلام في أفغانستان، لكنه قال إن على «طالبان» الحوار مع الحكومة الأفغانية الحالية. وأضاف عمران خان، في تصريحات للصحافيين، في مقر عمله، إن باكستان ترى ضرورة تشكيل حكومة انتقالية في كابل تجمع جميع الأطراف، ما يضمن إمكانية لحل الصراع في أفغانستان عبر الحوار، وليس مواصلة المواجهات المسلحة بين «طالبان» والحكومة الأفغانية. وقال عمران إن حكومته ألغت لقاءً مع قيادات «طالبان»، بسبب رفض الحكومة الأفغانية لمثل هذا اللقاء.
ورفض المرشح الرئاسي الأفغاني حنيف أتمار، الذي كان يشغل منصب مستشار الأمن الوطني، تصريحات عمران خان، بالقول إنها تدل على تدخل باكستان في الشؤون الداخلية الأفغانية، وإنه لا يحق لقائد من دولة مجاورة تحديد مستقبل الحكم في أفغانستان. ودعا أتمار الحكومة الباكستانية وبقية دول الجوار لعدم التدخل في الشأن الداخلي الأفغاني، لكن أتمار أضاف أن الحكومة الحالية تنتهي ولايتها في العشرين من شهر مايو (أيار) المقبل، وأن على القيادات الأفغانية النقاش والحوار حول مستقبل البلاد وتشكيل الحكومة المقبلة.
وأعلنت الحكومة الأفغانية سرقة معدات بما يقرب من سبعة مليارات دولار من برامج إعادة تعمير ولاية بكتكيا شرق أفغانستان على مدى عدة سنوات. وقال بيان حكومي إن هذه المعدات بيعت لرجل أعمال بما يصل إلى 800 ألف دولار فقط. ودلت وثائق عثرت عليها الأجهزة الأمنية على قيام مسؤولين في «برنامج إعمار بكتيكا» ببيع هذه المعدات من قبل مدير المشروع الجنرال غلام سخي لرجل أعمال أفغاني يدعى سيد رحمان خوستي بما يقل عن مليون دولار فقط.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟