انتحاريون وأنفاق وأجانب متمرسون في القتال «عقّدوا» حسم معركة الباغوز

مقاتلون ومقاتلات من «قوات سوريا الديمقراطية» يستذكرون اللحظات الأخيرة لسقوط جيب «داعش» الأخير

عنصر من «قوات سوريا الديمقراطية» في موقع يشرف على بلدة الباغوز الجيب الأخير لتنظيم «داعش» شرق سوريا أول من أمس (أ.ف.ب)
عنصر من «قوات سوريا الديمقراطية» في موقع يشرف على بلدة الباغوز الجيب الأخير لتنظيم «داعش» شرق سوريا أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

انتحاريون وأنفاق وأجانب متمرسون في القتال «عقّدوا» حسم معركة الباغوز

عنصر من «قوات سوريا الديمقراطية» في موقع يشرف على بلدة الباغوز الجيب الأخير لتنظيم «داعش» شرق سوريا أول من أمس (أ.ف.ب)
عنصر من «قوات سوريا الديمقراطية» في موقع يشرف على بلدة الباغوز الجيب الأخير لتنظيم «داعش» شرق سوريا أول من أمس (أ.ف.ب)

بعد إعلان «قوات سوريا الديمقراطية»، السبت الماضي، السيطرة على آخر جيب للتنظيم داخل بلدة الباغوز، بعد ستة أشهر من هجوم واسع بدأته في سبتمبر (أيلول) 2018 بريف دير الزور الشرقي، يستذكر مقاتلون ومقاتلات اللحظات الأخيرة من المعركة التي استمرت أسابيع وجرت أحياناً في أجواء رملية وأمطار غزيرة، وأعاقت حسمها شبكة أنفاق وخنادق محفورة تحت الأرض.
يروي جودي كوباني، وهو مقاتل كردي يتحدر من مدينة عين العرب (كوباني) المحاذية للحدود مع تركيا، وتعرضت لهجوم واسع (لكنه فاشل) من قِبل تنظيم «داعش» صيف 2014: إن «معركة الباغوز لم تكن كبقية المعارك». ويعزو السبب إلى أن «من تبقى كانوا من جنسيات أجنبية، كانت لديهم خبرة عالية في القتال، تحصنوا بشكل جيد عبر شبكة خنادق وأنفاق تحت الأرض؛ الأمر الذي ساعدهم في الاستمرار بالقتال». وأشار إلى أن «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من التحالف الدولي بقيادة أميركية، كانت تبطئ المعركة مراراً؛ تحسباً لوقوع مدنيين اتخذهم التنظيم دروعاً بشرية، مضيفاً: «بالمخيم (في الباغوز) كان بالإمكان مشاهدة المئات من المدنيين الذين أجبرهم التنظيم على البقاء مع المقاتلين، كنا حذرين في هذه المعركة لتجنب سقوط أبرياء».
والمخيم المطلّ على ضفاف نهر الفرات كان آخر بقعة سيطر عليها مقاتلو التنظيم قبل طردهم منها، ضمّ خياماً متهالكة يبدو أنها بُنيت على عجالة مع فرار عناصر التنظيم وأنصاره، بجانبها تساقطت أشجار نخيل عالية جراء شدة الانفجارات التي دارت حولها. على الأرض انتشرت أغطية ووسادات وسجادات وأحشية فراش ممزقة، وتناثرت علب مياه فارغة وأواني طبخ مغطاة بسواد دخان النار وصحون وكؤوس مكسورة ملقاة بكل مكان.
تروي المقاتلة رها (24 سنة) وهو اسم حركي في تقليد متبع لدى مقاتلات «وحدات حماية المرأة»، كيف أنها ورفيقاتها خضن معركة استمرت نحو 6 ساعات في إحدى النقاط المتقدمة من خطوط الجبهة، لتقول: «شنّوا هجوماً مباغتاً، كنت في نقطة متقدمة وحوصرنا من قبلهم، أصيبت صديقتي بطلقة قناص قمنا بإسعافها، لكنها نزفت كثيراً، قررنا القتال حتى النهاية، وبعد ساعات تمكن رفاقنا من صد الهجوم». وأثناء الحديث معها كانت ورفيقاتها بالسلاح يحضرن مراسم إعلان القضاء على تنظيم «داعش» في سوريا بحقل عمر النفطي. تضيف مبتسمة: «شاهدت كيف كانت نساء التنظيم يقاتلن بشراسة، كنت على يقين بأن معركة الباغوز معقدة وستطول لكثرة الانتحاريين والأنفاق واستماتة عناصر التنظيم بالدفاع عن آخر جيب كان خاضعاً لهم».
واستمرت الغارات الجوية لطائرات التحالف الدولي قصفها على مواقع مقاتلي التنظيم حتى آخر يوم، ودارت معارك عنيفة وشهدت البلدة الواقعة على الضفة الشمالية لحوض نهر الفرات، حرب شوارع بالجهة الشرقية والجنوبية، التي هي عبارة عن أرض وحقول زراعية تمتد حتى الحدود العراقية.
وأثرت العوامل الجوية وهطول الأمطار في تأخر حسم المعركة، بحسب المقاتل العربي ميزر (26 سنة) المتحدر من مدينة الرقة. قال: إنه وثلاثة من إخوته المنتسبين إلى «قوات سوريا الديمقراطية»، قاتلوا التنظيم حتى النهاية. يتذكر الساعات الأخيرة من المعركة التي استمرت قرابة شهر ونصف الشهر، ويقول: «في أحد الأيام هبّت عاصفة رملية شديدة، على أثرها خرج مقاتلو التنظيم من جحورهم – الأنفاق - وشنّوا هجوماً واسعاً، الرصاص في كل مكان والمعركة استمرت لأكثر من 4 ساعات. قتل رفيق لنا وأصيب آخرون». وأضاف: «بقينا - أنا وأخي - في تلك المعركة، وكنا نقاتل جنباً إلى جنب دون أي خوف، وفور انتهاء المعركة اتصلت على والدتي لأقول لها إننا بخير». وبحسب روايات المقاتلين، كان مسلحو التنظيم في الباغوز يتحصنون داخل شبكة أنفاق وخنادق حفروها تحت الأرض، واختبأوا في كهوف صخرية منتشرة في تلّتها الاستراتيجية الواقعة بالجهة الشرقية. أما المخيم، فقد تحول إلى مكب ومقبرة ضمت عدداً كبيراً من هياكل سيارات معطلة أو متفحمة ودراجات نارية مهمَلة. وكان بالإمكان مشاهدة حُفر صغيرة غُطت بألواح معدنية يبدو أنها كانت ملاجئ استخدمت للاختباء في أثناء القصف، وسواتر ترابية للحماية من قذائف الهاون وشظايا الصواريخ.
ويحتفظ المقاتل جاندار (22 سنة) القادم من مدينة الحسكة بالكثير من مقاطع الفيديو وصور المعركة وإصدارات التنظيم. كان يشاهد مقطعاً يحتوي على تسجيل بقيام عناصر التنظيم بتنفيذ عملية انتحارية بواسطة عربة مصفحة، وقال: «كنت في تلك المعركة، عندما وصلت المصفّحة كنا نعلم أنها ملغومة، استهدفت بصاروخ أرضي وانفجرت قبل أن تصل إلينا، كما احترق الانتحاري التي كان يقودها».
ففي سوريا، ذبح التنظيم بشكل جماعي المئات من أفراد عشيرة الشعيطات، وعمدَ إلى بثّ الشعور بالرعب من خلال نشر صور ومقاطع فيديو مروعة، مثل مشاهد حرق أسرى وتعليق رؤوس جثث عشرات الجنود السوريين - أشباه عراة - الذين أُسِروا في مطار الطبقة العسكري، وتصفية وقتل عشرات المواطنين الأجانب من صحافيين وعاملين في منظمات إغاثة.
وتقول المقاتلة سولين (27 سنة) المتحدرة من مدينة عفرين: «لم نكن نخشى التنظيم الذي ذاع صيته بالإرهاب والكم الهائل من الإجرام والأعمال الوحشية، كنت على يقين أننا سننتصر».



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.