سباق مع الوقت في لبنان لإقرار خطة الكهرباء

غالبية في الحكومة تؤيدها... و«الاشتراكي» يرفض «حلول الترقيع»

TT

سباق مع الوقت في لبنان لإقرار خطة الكهرباء

دخلت الحكومة اللبنانية في سباق مع الوقت لإقرار خطة الكهرباء وحلّ أزمة القطاع المستعصية منذ عقود التي كبّدت خزينة الدولة خسائر تقارب 37 مليار دولار، أي نحو 40 في المائة من قيمة الدين العام. وتناقش اللجنة الوزارية الخطة التي قدمتها وزيرة الطاقة ندى البستاني، لإقرارها بأسرع وقت ممكن وعرضها على مجلس الوزراء والموافقة عليها لوقف العجز الذي يبلغ ملياري دولار سنوياً، بهدف إرسال رسالة إيجابية للمؤسسات والوكالات الدولية اتساقاً مع متطلبات مقررات «مؤتمر سيدر» الذي ينشد إصلاحات جذرية في قطاعات بينها الكهرباء.
وتعكف اللجنة الوزارية التي يرأسها رئيس الحكومة سعد الحريري، على دراسة خطة وزيرة الطاقة التي وصفها خبراء اقتصاد بأنها «طموحة وجريئة»، وترتكز على عناصر أساسية أهمها خفض العجز الذي تعانيه مؤسسة كهرباء لبنان، وتجفيف مصادر الهدر، عبر إزالة التعديات على الشبكة في كل المناطق، وزيادة الإنتاج، والاعتماد على مصادر أساسية أخرى مثل الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية، وإشراك القطاع الخاص عبر اعتماد مناقصة عالمية وفق جدول زمني واضح.
وتتقاطع مواقف غالبية مكونات الحكومة عند ضرورة الإسراع بإقرار الخطة، مع حق كل الأطراف بإبداء ملاحظاتها، وهي تحظى بموافقة «تيار المستقبل» الذي يرأسه الحريري، و«التيار الوطني الحر» الذي تنتمي إليه وزيرة الطاقة، فيما أكدت مصادر مقربة من رئيس مجلس النواب نبيه بري لـ«الشرق الأوسط» أن الخطة «جديرة بالاهتمام، وتتضمن الكثير من القواسم المشتركة بين القوى السياسية بما يؤهل لإقرارها». وأوضحت أن «فريق الرئيس بري ممثل في اللجنة الوزارية (وزير المال علي حسن خليل)، ويتعاطى معها بإيجابية وانفتاح، لما فيه مصلحة البلد، وضرورة إنقاذ الوضع المتدهور، ولجم الخسائر الهائلة التي تتكبدها الخزينة سنوياً». وأشارت إلى أن «كل الأطراف تناقش الخطة وتضع ملاحظاتها القابلة للنقاش».
في المقابل، ثمة فريق سياسي موافق على الخطة لكن بشروط وأولويات محددة. وأوضح وزير العمل كميل أبو سليمان من «القوات اللبنانية» أن خطة وزيرة الطاقة تحتاج إلى نقاش. وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «الأجواء إيجابية ومشجعة، لكن هناك ما بين ثلاث أو أربع نقاط تحتاج إلى بحث معمق، ونحن متفائلون بالوصول إلى حل نهائي لأزمة الكهرباء». وأضاف: «لا شك في أن تأمين الكهرباء لمدة 24 ساعة يومياً، أمر إيجابي ومطلوب، لكن الأهم بالنسبة إلينا في حزب القوات اللبنانية هو وقف العجز، ولجم الهدر في الكهرباء، ومنع التعديات على الشبكة»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الخطة «تلحظ مهلة زمنية وخريطة طريق مفصلة، وأعتقد أننا سنصل إلى حل قريب».
ومنذ بداية الحرب الأهلية في عام 1990، لم ينعم لبنان بالكهرباء بشكل دائم بسبب مزيج من سياسات خاطئة وغياب رؤية وشبكات فساد. وأشار عضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب بلال عبد الله إلى أن وزراء «الحزب التقدمي الاشتراكي» سيدلون بدلوهم فيما يخص خطة الكهرباء «في ضوء ما تقرره اللجنة الوزارية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الملاحظة الأولى على خطة الكهرباء تبدأ بعدم تشكيل مجلس إدارة جديد وهيئة ناظمة للقطاع»، معتبراً أن «عدم تنفيذ القوانين المرعية يبقي الجدل والخلاف إلى ما لا نهاية». ورأى أن «الحلول المعلّبة أثبتت فشلها». وقال: «نحن مع معالجة جذرية لملف الكهرباء، لا خطة ترقيعية، وجوهر رؤيتنا أن نبني معاملنا وننتج الكهرباء في لبنان، ونتخلّص من ظاهرة استجرار الطاقة من الخارج».
وكانت وزيرة الطاقة حذّرت من الذهاب إلى «كارثة» في ملف الكهرباء، ما لم تقر الحكومة خطتها في غضون أسبوع، وتباشر في تنفيذها، وأكدت انفتاحها على كل الخيارات بشرط تأمين الكهرباء وفق العروض الأوفر والأسرع. لكنها لم تكشف عن ماهية المخاطر من تأخير إقرار الخطة.
وأشار الخبير الاقتصادي غازي وزنة إلى أن الوزيرة «تحذر من عجز في الكهرباء بنسبة 1.8 مليار دولار في عام 2019، أي بما يقارب خسارة 150 مليون دولار في الشهر الواحد». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «كلما أسرعت الحكومة في دراسة الخطة وإقرارها، كلما انعكس ذلك إيجاباً على المالية العامة، وشكل رسالة إيجابية إلى المؤسسات والوكالات الدولية، ومقررات مؤتمر سيدر التي وضعت معالجة هدر الكهرباء أولوية للإصلاحات في لبنان».
وثمّة تحذير من غرق لبنان في الظلام خلال الأسبوعين المقبلين، ما لم تؤمن الاعتمادات المالية لشراء الوقود، سيما وأن وزير المال أعلن قبل يومين أن الوزارة ستتوقف عن دفع أي مخصصات مالية، باستثناء رواتب الموظفين في القطاع العام.
ووصف وزنة خطة وزيرة الطاقة بـ«الطموحة». ورأى أنها «تؤمن الكهرباء على مدار الساعة في عام 2020، وتحول خسائر مؤسسة الكهرباء إلى أرباح في عام 2021». وأثنى على «جرأة الوزيرة وشجاعتها باقتراح رفع تعرفة الكهرباء بنسبة 50 في المائة تقريباً، ولأن هذه التعرفة تخفف تكلفة المولدات على المواطن، وتوفر زيادة إيرادات للمؤسسة بقيمة 530 مليون دولار سنوياً».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.