تاريخ الإيطاليين في «القصير» المصرية... شهادات حية ومقتنيات نادرة

مرحلة منسية من تاريخ المدينة الشاهدة على التعايش السلمي

فندق القصير من الخارج   -  البيوت القديمة من أهم معالم المدينة تحدث عنها الايطاليون في خطاباتهم لأسرهم
فندق القصير من الخارج - البيوت القديمة من أهم معالم المدينة تحدث عنها الايطاليون في خطاباتهم لأسرهم
TT

تاريخ الإيطاليين في «القصير» المصرية... شهادات حية ومقتنيات نادرة

فندق القصير من الخارج   -  البيوت القديمة من أهم معالم المدينة تحدث عنها الايطاليون في خطاباتهم لأسرهم
فندق القصير من الخارج - البيوت القديمة من أهم معالم المدينة تحدث عنها الايطاليون في خطاباتهم لأسرهم

دفعت المقومات السياحية والتاريخية التي تتمتع بها مدينة القصير على ساحل البحر الأحمر (جنوبي شرق القاهرة)، شباناً مصريين إلى تبني مشروع يوثّق تاريخ الوجود الإيطالي في مدينة «القصير»، بعدما اعتبروا تلك الفترة «مرحلة منسية» في تاريخ المدينة العتيقة.
مدينة القُصير التي تقع على بعد نحو 150 كيلومتراً جنوبي مدينة الغردقة، تتمتع بتاريخ مليء بالأحداث المحورية، لا يزال تأثيرها حاضراً في مصر. كانت المدينة مركزاً لتجمع الحجيج المسلمين القادمين من مصر والمغرب العربي والأندلس، للتوجه إلى أرض الحجاز. كما تضم مجموعة من الآثار الإسلامية، وبنايات أثرية ذات طرز معمارية متفردة.
يساعد ذلك كله بجانب هدوء شواطئها وروعة شعابها المرجانية وصفاء مياهها، وتنوع رياضاتها المائية، على ترشيحها كمنتجع سياحي من الطراز الأول ينتظر إضافته إلى صدارة الخريطة السياحية لمنطقة البحر الأحمر بمصر.
يقول مصطفى سباق، مدير «فندق القُصير»، وأحد أعضاء مشروع التوثيق، لـ«الشرق الأوسط»: «رغم أهمية هذا الزخم التاريخي والسياحي للمدينة، فإن هناك حقبة مفقودة من تاريخها، لم يتطرق إليها أحد، ولم يتم استثمارها في الأهداف الترويجية للمدينة».
ويضيف: «إنها فترة وجود الإيطاليين بالمدينة، والتي بدأت منذ عام 1912، حينما بدأ العمل بشركة الفوسفات من قبل مجموعة مستثمرين ونحو 200 إيطالي، بجانب مجموعة أخرى من المصريين، واستمرت الشركة في عملها لما يزيد على نصف قرن، وانتهت بتأميمها من قبل الحكومة المصرية».
وتمتعت هذه الفترة بنهضة اقتصادية وثقافية وإنسانية غنية في المدينة شارك في نسجها العمال والإداريون ومالكو الشركة من الإيطاليين جنباً إلى جنب مع السكان المحليين.
يقول سباق: «تلك الفترة أفرزت العديد من الإنجازات والقصص، والتي يمكن أن تكون مثالاً وتوجيهاً للتعايش والتفاهم المتبادل بين الشعوب من مختلف الأصول والثقافات، ومن هنا فكّرنا في مشروع التوثيق، وهو اتجاه حديث للشباب في مختلف أنحاء العالم بهدف الحفاظ على هوية أوطانهم». ويوضح: «الوصول بالقُصير إلى أن تصبح مقصداً للسياح من مختلف أنحاء العالم هو أهم أهداف المبادرة».
في السياق ذاته، قام فريق عمل المشروع التوثيقي، بعمل زيارات لمن بقي على قيد الحياة من كبار السن المصريين الذين عاصروا الإيطاليين في طفولتهم أو مطلع شبابهم، أو من أبناء وأحفاد آخرين أكبر سناً ولديهم روايات دقيقة. وقام فريق العمل بتسجيل الحكي الشفوي للأهالي بالصوت والصورة. يوضح سباق: «في أثناء التوثيق صادفتنا معلومات مهمة، ومقتنيات أثرية، وصوراً نادرة، وقصاصات صحف ومجلات، ومذكرات شخصية بخط اليد، ووثائق، وقطع أنتيك مثل ساعات وأجهزة هاتف وآلات كاتبة، وكلها تحكي الكثير عن مصر».
ويقوم المشرفون على المشروع بتدريب الشباب على أحدث وسائل التوثيق الإلكتروني، والكتابة الإبداعية لسرد الحكايات، كما يقومون بتنظيم ورش عمل وندوات للتواصل مع شباب وأهالي المدينة لتصل تفاصيل المشروع للجميع.
ويعد فندق القُصير نقطة التقاء أساسية لأنشطة المشروع لدرجة قيام بعض الأسر بنقل جانب من مقتنياتها المهمة إلى الفندق لتصبح في دائرة الضوء وتحت نظر السياح، لذلك عندما تزور فندق القُصير لن يبهرك فقط طرازه المعماري، أو موقعه الفريد على البحر، ولن تتوقف فقط أمام قصة تشييده. يروي سباق قائلاً: «الفندق هو في الأصل بيت كبير بناه توفيق بك جبران، شيخ مشايخ قبيلة العبابدة على ساحل البحر الأحمر، عام 1910 كمضيفة يستقبل فيها كل من يمر على القُصير، ومن فرط التقدير لدوره منحه الملك فؤاد لقب البكوية حين زار المدينة في بدايات القرن الماضي».
ويستطيع زائر المدينة مشاهدة نتاج المشروع التوثيقي، والتعرف على حكاية بناء شركة الفوسفات، والمدرسة الإيطالية والمستشفى والملاعب وغير ذلك. فمن خلال الصور التي تم جمعها من السكان المحليين، وتم تعليقها على الجدران تعرف إلى أي مدى كانت القصير في هذه الحقبة من أجمل المدن، إذ أبرز بعض الصور راهبات إيطاليات وهن داخل المدرسة، أو في مشغل للمصنوعات اليدوية يعلّمن الفتيات المصريات أعمال الإبرة والتفصيل والحياكة، بجانب تسليط الضوء عن التعايش السلمي بين أبناء الجنسيتين.
وتستوقفك صورة وضع حجر الأساس لكنيسة القديسة بربارة من قبل الإيطاليين بمدينة القصير عام 1938 داخل مقر شركة الفوسفات، وملاعب التنس والسينما وحفلات للفرقة الموسيقية الإيطالية التي كان يحضر عروضها المصريون والإيطاليون، ويغنون ويرقصون معاً.
ومن أبرز ما حصل عليه شباب المشروع قصاصات من صحف لدى بعض الأسر حول زيارة الملك فاروق متنكراً في زي ضابط بحري للمدينة، قبل قيامه بتوزيع هدايا وعطايا على الأهالي وهو يتبسط في الحديث والتعامل معهم، ويتبادل الحوار على اليخت الملكي مع مدير شركة الفوسفات الإيطالية.
وقام بعض شبان المبادرة أيضاً بطباعة صور قديمة ودمجها مع صور حديثة لمنشآت لا تزال موجودة، للتعرف على القصير قديماً والآن، بعد تعاون القائمين على المشروع التوثيقي وجامعة برلين، ومؤسسة «روبرت بوش» في مصر لتنظيم ورش تهدف إلى المحافظة على ثقافة وتراث المدينة.


مقالات ذات صلة

زاهي حواس يُفند مزاعم «نتفليكس» بشأن «بشرة كليوباترا»

يوميات الشرق زاهي حواس (حسابه على فيسبوك)

زاهي حواس يُفند مزاعم «نتفليكس» بشأن «بشرة كليوباترا»

أكد الدكتور زاهي حواس، أن رفض مصر مسلسل «كليوباترا» الذي أذاعته «نتفليكس» هو تصنيفه عملاً «وثائقي».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق استرداد حمض نووي لامرأة عاشت قبل 20000 عام من خلال قلادتها

استرداد حمض نووي لامرأة عاشت قبل 20000 عام من خلال قلادتها

وجد علماء الأنثروبولوجيا التطورية بمعهد «ماكس بلانك» بألمانيا طريقة للتحقق بأمان من القطع الأثرية القديمة بحثًا عن الحمض النووي البيئي دون تدميرها، وطبقوها على قطعة عُثر عليها في كهف دينيسوفا الشهير بروسيا عام 2019. وبخلاف شظايا كروموسوماتها، لم يتم الكشف عن أي أثر للمرأة نفسها، على الرغم من أن الجينات التي امتصتها القلادة مع عرقها وخلايا جلدها أدت بالخبراء إلى الاعتقاد بأنها تنتمي إلى مجموعة قديمة من أفراد شمال أوراسيا من العصر الحجري القديم. ويفتح هذا الاكتشاف المذهل فكرة أن القطع الأثرية الأخرى التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ المصنوعة من الأسنان والعظام هي مصادر غير مستغلة للمواد الوراثية

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق علماء: ارتفاع مستوى سطح البحر دفع الفايكنغ للخروج من غرينلاند

علماء: ارتفاع مستوى سطح البحر دفع الفايكنغ للخروج من غرينلاند

يُذكر الفايكنغ كمقاتلين شرسين. لكن حتى هؤلاء المحاربين الأقوياء لم يكونوا ليصمدوا أمام تغير المناخ. فقد اكتشف العلماء أخيرًا أن نمو الصفيحة الجليدية وارتفاع مستوى سطح البحر أدى إلى فيضانات ساحلية هائلة أغرقت مزارع الشمال ودفعت بالفايكنغ في النهاية إلى الخروج من غرينلاند في القرن الخامس عشر الميلادي. أسس الفايكنغ لأول مرة موطئ قدم جنوب غرينلاند حوالى عام 985 بعد الميلاد مع وصول إريك ثورفالدسون، المعروف أيضًا باسم «إريك الأحمر»؛ وهو مستكشف نرويجي المولد أبحر إلى غرينلاند بعد نفيه من آيسلندا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا مروي أرض «الكنداكات»... في قلب صراع السودان

مروي أرض «الكنداكات»... في قلب صراع السودان

لا تزال مدينة مروي الأثرية، شمال السودان، تحتل واجهة الأحداث وشاشات التلفزة وأجهزة البث المرئي والمسموع والمكتوب، منذ قرابة الأسبوع، بسبب استيلاء قوات «الدعم السريع» على مطارها والقاعد الجوية الموجودة هناك، وبسبب ما شهدته المنطقة الوادعة من عمليات قتالية مستمرة، يتصدر مشهدها اليوم طرف، ليستعيده الطرف الثاني في اليوم الذي يليه. وتُعد مروي التي يجري فيها الصراع، إحدى أهم المناطق الأثرية في البلاد، ويرجع تاريخها إلى «مملكة كوش» وعاصمتها الجنوبية، وتقع على الضفة الشرقية لنهر النيل، وتبعد نحو 350 كيلومتراً عن الخرطوم، وتقع فيها أهم المواقع الأثرية للحضارة المروية، مثل البجراوية، والنقعة والمصورات،

أحمد يونس (الخرطوم)
يوميات الشرق علماء آثار مصريون يتهمون صناع وثائقي «كليوباترا» بـ«تزييف التاريخ»

علماء آثار مصريون يتهمون صناع وثائقي «كليوباترا» بـ«تزييف التاريخ»

اتهم علماء آثار مصريون صناع الفيلم الوثائقي «الملكة كليوباترا» الذي من المقرر عرضه على شبكة «نتفليكس» في شهر مايو (أيار) المقبل، بـ«تزييف التاريخ»، «وإهانة الحضارة المصرية القديمة»، واستنكروا الإصرار على إظهار بطلة المسلسل التي تجسد قصة حياة كليوباترا، بملامح أفريقية، بينما تنحدر الملكة من جذور بطلمية ذات ملامح شقراء وبشرة بيضاء. وقال عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس لـ«الشرق الأوسط»، إن «محاولة تصوير ملامح كليوباترا على أنها ملكة من أفريقيا، تزييف لتاريخ مصر القديمة، لأنها بطلمية»، واتهم حركة «أفروسنتريك» أو «المركزية الأفريقية» بالوقوف وراء العمل. وطالب باتخاذ إجراءات مصرية للرد على هذا

عبد الفتاح فرج (القاهرة)

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.