التعميم في خدمة الإرهاب

التعميم في خدمة الإرهاب
TT

التعميم في خدمة الإرهاب

التعميم في خدمة الإرهاب

كان كارل ماركس يقول إن البشرية لا تطرح على نفسها إلا الأسئلة القادرة على حلها. والسؤال الأكبر المطروح الآن على البشرية - ونحن بعدُ في بداية القرن الواحد والعشرين، وهي بداية تجمعت فيها كل الكوارث الإنسانية - كيف يمكن مواجهة هذا الصعود المخيف والسريع لليمين المتطرف؟ وما العوامل التي قادت إلى عودة الروح إليه، منذ هزيمته التاريخية الكبرى في الحرب العالمية الثانية، فيبدو العالم كأنه يستدير استدارة كبرى، وبسرعة قياسية، ليعود إلى حيث ما انطلق؟
وقبل ذلك؛ ما ملامح هذا اليمين المتطرف، الذي يفتقد لأي آيديولوجيا يمكن مواجهتها بسلاحها؟ يتعب من يبحث عن ملمح واحد لليمين المتطرف، وعن هدف وحيد لكراهيته. الرهاب من الإسلام «إسلاموفوبيا»، ومعاداة السامية، وسيادة العرق الأبيض ليست سوى أقنعة لما هو أبعد من ذلك.
فالنازية، ابنة الشعبوية الشرعية، اختفت وراء قناع تفوق الجنس الآري، لكن هتلر شنّ حروبه ضد بلدان آرية أخرى كفرنسا وبولونيا. ويدعو اليمين المتطرف الآن، ضمن ما يدعو، إلى سيادة العرق الأبيض، لكنه لا يخفي معاداته العنصرية - التي لا تقل ضراوة عن معاداته الدينية للمسلمين أو اليهود - لأوروبيين وغير أوروبيين، ينتمون إلى العرق نفسه.
والأخطر أن مفاهيم اليمين المتطرف، إذا سميناها مفاهيم تجوزاً، لا تنحصر في جغرافيته. إنها تمتد إلينا، وربما بشكل أكثر خطورة. وهذا هدف غير منظور من أهدافه المتعددة. فكما جرى تعميمنا في الشرق، وكأننا لسنا شعوباً وقبائل، يمارس البعض منا لعبة التعميم، التي لا تقل خطورة عن الفعل نفسه. فبدل أن يسمي البعض اليمين المتطرف باسمه ويشخص أفعاله ودوافعها، نراه يلعن الغرب كله. وبذلك يغطي على الفعل والفاعل، بنقلهما من الملموس إلى الفضاء العام، الغامض، الهلامي. إنه يعيد إنتاج ما يفعله «منظّرو الكراهية والحقد» في الغرب، الذين ينظرون إلينا، دينياً وثقافياً، كتلة واحدة، ويساوون بين الواحد والكل. إنّ ضيّقي الأفق ديدنهم التعميم، الذي هو أسوأ داء يمكن أن تصاب به الذات الإنسانية، فمعه تتجرد الظواهر والبشر من وجودها الملموس لتتحول إلى هيولى لا لون لها، ويصاب العقل بفقر مريع يعجز معه عن التحليل والتفحص والتشخيص.
الآخر في الفكر المتطرف، أينما وحيثما كان، ليس فرداً له ملامحه الخاصة وإيمانه وفكره ومشاعره، بل هو جزء من كتلة ضخمة مطلوب تفكيكها وتدميرها. ونظرتنا للغرب، كما نظرة الغرب إلينا، بهذا المعيار، أي ككتلة واحدة، ليست فقط مناقضة للحقيقة، بل هي نجاح لهدف الإرهاب نفسه، فهذا ما يسعى إليه الإرهابيون في كل مكان وزمان، وهذا ما ينظرون إليه على مدى التاريخ، ما خلق بنية ثقافية تغذي التعصب والكره، كما نشهد الآن في أكثر من مكان من العالم. وهو لم يعد حالات فردية، بل ظاهرة سياسية واجتماعية، مجسدة في صعود اليمين المتطرف، الذي نجح، كما في بريطانيا مثلاً، عبر تسويق أطروحاته الكاذبة عن الوطنية، في تحويل الأوروبي، ابن قارته ودينه ولونه، إلى آخر يشكل تهديداً وجودياً له، ما خلق فجوة كبرى داخل المجتمع البريطاني، وأزمة هوية لم يعرفها البلد منذ الحرب العالمية الثانية. لقد حوّل اليمين المتطرف باقي أوروبا إلى كتلة واحدة، مطلوب تفكيكها.
هذا هو جوهر الإرهاب، مهما كان لونه، أبيض أم أسمر أم أصفر، ومهما كانت جغرافيته، شرقية أم غربية.



تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».