سقوط الباغوز: رحلت «دولة داعش» وبقي خطرها

«الشرق الأوسط» ترصد تداعيات انهيار التنظيم المتطرف في آخر جيوبه في سوريا... والمخاوف من أن يرثه «القاعدة»

سقوط الباغوز: رحلت «دولة داعش» وبقي خطرها
TT

سقوط الباغوز: رحلت «دولة داعش» وبقي خطرها

سقوط الباغوز: رحلت «دولة داعش» وبقي خطرها

مع سقوط بلدة الباغوز، بريف دير الزور، انتهت فعلياً «الدولة» التي أعلن تنظيم «داعش» إقامتها في سوريا والعراق عام 2014. لكن مسؤولين غربيين وخبراء في شؤون الجماعات المتشددة يحذّرون من أن هذه الهزيمة لـ«داعش» في جيبه السوري الأخير لا تعني انتهاء خطره. فالمعركة ضد التنظيم ستستمر، كما هو متوقع، ولكن بتكتيك مختلف يقوم أساساً على مساعدة قوات محلية في عملياتها ضد خلايا «داعش» النائمة وشبكات دعمه والتي قدّر جنرال بريطاني بارز أنها تضم حالياً ما يصل إلى 20 ألف شخص في العراق وحده، بالإضافة إلى أعداد غير محددة بدقة تنفّذ داخل سوريا اغتيالات وتفجيرات، بما في ذلك ضمن مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية – العربية.
ويقول الميجور جنرال كريستوفر غيكا، وهو نائب قائد التحالف الدولي ضد «داعش» والذي يشرف على العمليات الجارية في العراق وسوريا، إن هذا التحالف الذي تقوده واشنطن ويضم 79 دولة سيواصل عملياته رغم انتهاء معركة الباغوز. ويقر غيكا، خلال لقاء مع مجموعة من الإعلاميين في وزارة الدفاع البريطانية، بأن «داعش» لم ينتهِ بعد. ويوضح رداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط»: «سقوط الباغوز بالغ الأهمية، لأنه يعني انتهاء الخلافة (المزعومة) على الأرض. هذه الجماعة عندما بدأت في عام 2014 ميّزت نفسها إلى حد كبير بكونها تحكم منطقة جغرافية وبأنها خلافة (مزعومة) تمسك بالأرض. امتدت منطقة سيطرتها على أرض توازي مساحتها مساحة المملكة المتحدة. لكنها في أيامها الأخيرة تقلصت إلى مساحة لا تتجاوز بضعة ملاعب لكرة القدم». ويتابع: «انتهاء خلافة (داعش) على الأرض يعطي صورة عن المدى الذي بلغ فيه انهيار التنظيم منذ ظهوره. إنه يدل على أنه لم يعد قادراً على الإمساك بالأرض، ولم يعد سوى جزء صغير مما كان عليه في ما مضى. وهذا الأمر تم نتيجة النجاحات التي حققتها الحملة التي قامت بها القوات العراقية وقوات سوريا الديمقراطية (بدعم من التحالف الدولي)». لكن الجنرال غيكا يتابع محذراً: «من المهم أيضاً أن نفهم أن هذا لا يعني انتهاء الحملة، ولا يعني نهاية (داعش) الذي يستمر في تمثيل تهديد للعراق وسوريا والمنطقة والعالم، ولهذا فإن التحالف الدولي سيستمر في مواصلة عملياته هناك (أي في سوريا والعراق)».

ويتفق الكاتب المعروف بيتر بيرغن، المختص في شؤون الجماعات المتشددة ونائب رئيس الدراسات الدولية في معهد «نيو أميركا» في واشنطن، مع تقييم الجنرال غيكا، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «انتهاء الخلافة (المزعومة) على الأرض يمثّل نكسة قوية لتنظيم (داعش). عندما سيطر (داعش) على أرض بحجم مساحة المملكة المتحدة وحكم مواطنين بحجم عدد سكان سويسرا، أقام ما يشبه الدولة وفرض ضرائب وخوّات على ملايين الناس المقيمين تحت سلطته. زعم (داعش) أنه أقام خلافة وألهم 40 ألف متطوع من حول العالم أن يسافروا إلى سوريا والعراق للالتحاق به، وفي مرحلة من المراحل كان هناك 1500 مقاتل أجنبي يلتحقون بـ(داعش) كل شهر. العدد الآن هو صفر. لا أحد يريد أن يلتحق بالفريق الخاسر».
ولكن هل يمكن الحديث فعلاً عن انتصار على «داعش» إذا ظل زعيمه أبو بكر البغدادي حراً طليقاً؟ الجنرال غيكا لا يعلّق كثيراً من الأهمية على مصير البغدادي، إذ يقول رداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط»: «لا نعرف حقيقة أين هو البغدادي. لو عرفنا لقمنا بشيء ضده. قد يكون في العراق أو سوريا، ولكن قد يكون أيضاً خارج المنطقة. لا نعرف. هذه هي الحقيقة. لكنني أعتقد أنه رجل الأمس وليس اليوم. لا أعتقد أنه يتمتع بأهمية حالياً. مع اضطراره إلى الاختباء، بات البغدادي عنصراً في (داعش) مثله مثل غيره من العناصر، ومع كل يوم يمر أعتقد أنه يفقد مصداقيته أكثر فأكثر». ورغم غياب البغدادي، يلفت غيكا إلى أن «(داعش) ليس بلا قيادة الآن. ولهذا السبب أعتقد أنه حتى بعد القضاء على الخلافة (المزعومة) على الأرض سيبقى (داعش) خطيراً لأنه سيكون هناك قادة وأعضاء مستعدون لمواصلة السير على خطاه. هم (القادة الجدد) أقل خبرة، وأقل قدرة من كل النواحي عن القادة السابقين الذين إما قُتلوا وإما اعتُقلوا. التنظيم أصبح أكثر ضعفاً بلا شك لكنّ هناك مَن سيكون مستعداً لأخذ زمام القيادة، وقد رأينا هذا الأمر مراراً مع جماعات إرهابية أخرى».
وهنا أيضاً يقدّم بيتر بيرغن تقييماً مشابهاً، إذ يقول لـ«الشرق الأوسط»: «سيستمر (داعش) في العمل كخلافة افتراضية تواصل إلهام شن هجمات، لكنه سيكون أضعف بكثير (مما كان عليه سابقاً). المشكلة الحقيقية هي أن الظروف التي أنتجت (داعش) ما زالت موجودة. في الشرق الأوسط هناك (انقسامات) مذهبية في دول مثل سوريا واليمن، وهناك حكومات ضعيفة أو فاشلة في دول مثل ليبيا وأفغانستان، وهناك اقتصادات ضعيفة في معظم دول المنطقة. يمكننا أن نتوقع ظهور (ابن لداعش) في دول مثل ليبيا واليمن وأفغانستان وفي دول أخرى مسلمة لكنها ضعيفة. قد لا يكون ابن داعش (ناجحاً) كوالده، لكن ستكون هناك جماعة تخْلف (داعش)».
ولعل هذا الخوف من ظهور «داعش جديد» كان أحد الأسباب التي دفعت الرئيس دونالد ترمب إلى التراجع عن سحب كامل القوات الأميركية المنتشرة في سوريا في إطار الحملة ضد «داعش». ويقول غيكا في هذا الشأن خلال ندوته الصحافية: «لقد أقر (ترمب) بأن هناك تهديداً من (داعش) سيستمر حتى بعد انتهاء الخلافة (المزعومة) على الأرض. من المهم ألا نسمح بأن يصبح شمال شرقي سوريا منطقة آمنة لـ(داعش) تسمح له بشن حملة تهدد السكان في العراق وسوريا. وقرار (ترمب) إبقاء بعض القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا سيسمح بمواصلة الحملة على (داعش)».
ويشير غيكا، في هذا الإطار، إلى أن خلايا تابعة لـ«داعش» تقوم حالياً بعمليات في مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»، كاشفاً وقوع ما يصل إلى «16 عملية اغتيال في الرقة»، بالإضافة إلى سلسلة تفجيرات أخرى. أما بالنسبة إلى مسألة «الدواعش» المعتقلين لدى «سوريا الديمقراطية» وكذلك أفراد أسرهم، فيقول الجنرال البريطاني: «إننا (التحالف الدولي) نجمع أدلة ضد كل عناصر (داعش) المقاتلين الذين ارتكبوا فظاعات في ساحات القتال. وإذا تمكنّا في المستقبل من العثور على أدلة على تورط شخص ما في فظاعات فسنجمع هذه الأدلة ونقدمها للسلطات كي تتمكن من رفع قضية جنائية ضده. لكن هذا الأمر صعب حالياً، فالجيب (الأخير لداعش) مزدحم جداً. هناك مبانٍ وخيام وأشياء أخرى أبطأت العمليات (في الباغوز)، وقوات سوريا الديمقراطية أبطأت تقدمها (خلال الأسابيع الماضية) لتفادي سقوط ضحايا بشكل غير متعمد». ويشيد نائب قائد قوات «التحالف الدولي» بما تقوم به «قوات سوريا الديمقراطية» من حماية وخدمات لعشرات آلاف النازحين بما في ذلك أفراد أسر مقاتلين من «داعش» في مخيم الهول، شرق سوريا. ومخيم الهول واحد من ثلاثة مخيمات أقامتها «سوريا الديمقراطية» للنازحين، لكنه أكبرها وبات يؤوي حالياً أكثر من 60 ألف شخص بعدما كان مخصصاً في البدء لقرابة 20 ألفاً فقط. ويقر غيكا بأن أعداد النازحين من جيب «داعش» الأخير شكَّلت مفاجأة، في ظل خروج عدد غير مسبوق من المقاتلين والأسر من المنطقة المحاصرة في الأسابيع الماضية.
وكان تنظيم «داعش»، في أوجّ قوته، يضم عشرات آلاف المقاتلين، المحليين والأجانب (أنصاراً ومهاجرين) في منطقة نفوذه الأساسية في سوريا والعراق وكذلك ضمن فروعه المختلفة حول العالم. لكنه، بعد هزيمته في الباغوز وسقوط «دولته» المزعومة، بات هزيلاً في شكل واضح، خصوصاً إذا ما قورن بما كان عليه في السنوات الماضية عندما أدار «دولة» مترامية الأطراف تمتد على مساحة أكثر من 88 ألف كلم مربع وتضم أكثر من 8 ملايين شخص وتجني مليارات الدولارات.
ويقول غيكا، في إطار شرحه للقدرات المتبقية للتنظيم، «إن الجيب الأخير لـ(داعش) في حوض الفرات الأوسط كان يضم (حتى أيام مضت) بضع مئات المقاتلين بقوا هناك، متمسكين بما تبقى من دولتهم على الأرض. أما في داخل العراق، فتقديرنا أن العدد بين 10 آلاف و20 ألفاً، لكن هؤلاء ليسوا كلهم مقاتلين. الكثير منهم أعضاء في شبكات دعم. أما عدد الدواعش حول العالم فمن الصعب جداً وضع رقم محدد. ربما هناك نحو 10 أفرع تابعة لـ(داعش)، وكل فرع منها لديه عدد من العناصر يرتفع أو ينخفض حسب الأوضاع».
وعن موقع تنظيم «القاعدة» في المعادلة الحالية، يقول غيكا: «إن أنظار العالم مركّزة الآن على (داعش) لأسباب مختلفة، ولكنّ هذا لا يعني أن التطرف العنيف بأشكاله المختلفة، سواء القديمة أو الجديدة، يجب ألا يتم النظر إليه بوصفه تهديداً للأمن في العالم. علينا أن نتصدى لهذه القضية في المستقبل». ويتفق الكاتب بيرغن هنا أيضاً مع الجنرال غيكا في ضرورة الانتباه إلى تنظيم «القاعدة» مع انتهاء المعركة تقريباً ضد «داعش»، ويقول: «تنظيم (القاعدة) يستفيد (من انهيار داعش) في سوريا وكذلك في منطقة الحدود بين أفغانستان وباكستان وهم يحضّرون حمزة بن لادن، ابن أسامة، لقيادة الجيل المقبل من (القاعدة)».


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
TT

واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)

بعد عام على هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول)، تتخبط منطقة الشرق الأوسط في موجة تصعيد مستمر، من دون أي بوادر حلحلة في الأفق. فمن الواضح أن إسرائيل مصرة على الخيارات العسكرية التصعيدية، ضاربة بعرض الحائط كل المبادرات الدولية للتهدئة، ومن الواضح أيضاً أن الولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن، إما عاجزتان عن التأثير على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإما غير مستعدتين لممارسة ضغوطات كافية عليه للتجاوب مع دعواتها لوقف التصعيد. هذا في وقت تعيش فيه الولايات المتحدة موسماً انتخاباً ساخناً تتمحور فيه القرارات حول كيفية تأثيرها على السباق الرئاسي.

السؤال الأبرز المطروح حالياً هو عما إذا كان هناك استراتيجية أميركية ما حيال ملف الشرق الأوسط، انطلاقاً من الحرب الدائرة منذ عام. فقد واجهت الإدارة الحالية انتقادات حادة بسبب غياب منطقة الشرق الأوسط عن لائحة أولوياتها منذ تسلم بايدن السلطة. ولكن الأمور منذ 7 أكتوبر 2023 تغيرت جذرياً.

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى غيث العمري، المستشار السابق لفريق المفاوضات الفلسطيني خلال محادثات الوضع الدائم وكبير الباحثين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذي رأى أن الإدارة الأميركية سعت فعلياً إلى عدم إعطاء الأولوية لمنطقة الشرق الأوسط، وحوّلت تركيزها ومواردها إلى أولويات أخرى. ويقول العمري: «جاءت هجمات 7 أكتوبر لتفاجئ الولايات المتحدة التي لم تكن مستعدة لها، والتي افتقرت لما يلزم لمواجهة أزمة بهذا الحجم». ويرى العمري أن الولايات المتحدة اعتمدت منذ السابع من أكتوبر وحتى تاريخنا هذا على سياسة «مجزأة مبنية على رد الفعل»، مضيفاً: «إنها لم تتمكن من رسم المشهد الاستراتيجي أو ممارسة النفوذ على حلفائها الإقليميين».

امرأة تعرض صورة لجنود إسرائيليين بعد استعادتهم لموقع كفرعزّة إثر هجمات 7 أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

تحدثت «الشرق الأوسط» أيضاً إلى جون الترمان، المسؤول السابق في وزارة الخارجية ومدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، فقال: «فشلت إدارة بايدن بالتأكيد في تحقيق العديد من أهدافها في العام الماضي، ولكن في الوقت نفسه لم تندلع حرب إقليمية كبيرة بعد». ويعرب الترمان عن «دهشته» من أنه ورغم «الإخفاقات»، فإن الولايات المتحدة «لا تزال هي النقطة المحورية للدبلوماسية الإقليمية».

وفيما تدافع إدارة بايدن عن أدائها بالقول إنها أظهرت الردع من خلال إرسال تعزيزات أميركية إلى المنطقة، إلا أن العمري يختلف مع هذه المقاربة، لافتاً إلى أن نشر هذه الأصول العسكرية ربما ساهم في المراحل المبكرة من الحرب «في ردع إيران و(حزب الله) من الانخراط في تصعيد كبير، إلا أنه فشل في ردعهما إلى جانب وكلائهما كالحوثيين من الانخراط في أنشطة خبيثة على مستوى منخفض». وأضاف: «لقد تسبب ذلك في زيادة الضغط، وأدى في النهاية إلى انتقال الحرب إلى لبنان وربما مناطق أخرى».

الدبلوماسية «هي الحل»

في خضم التصعيد، تبقى إدارة بايدن مصرة على تكرار التصريحات نفسها من أن الحل الدبلوماسي هو الحل الوحيد، محذرة من توسع رقعة الصراع في المنطقة. وعن ذلك يقول الترمان إن بايدن يريد حلولاً دبلوماسية؛ «لأن الحلول العسكرية تتطلب هزيمة شاملة لأحد الأطراف. ونظراً للرّهانات العالية لكلا الجانبين، فإن الحل العسكري بعيد المنال، وسينجم عنه المزيد من الموت والدمار أكثر بكثير مما شهدناه حتى الآن».

أما العمري فيرى أن التركيز على الدبلوماسية هو أمر مناسب؛ لأنه «في نهاية المطاف، تنتهي الحروب وستكون هناك حاجة إلى حل دبلوماسي»، مضيفاً: «عندما يأتي (اليوم التالي)، يجب أن تكون الأسس لترتيبات دبلوماسية جاهزة».

إلا أن العمري يحذر في الوقت نفسه من أن الدبلوماسية وحدها غير كافية إذا لم تكن مدعومة بقوة واضحة، بما في ذلك القوة العسكرية، ويفسر ذلك قائلاً: «إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من إقناع خصومها بأنها مستعدة لاستخدام قوتها لإيذائهم، وحلفائها بأنها مستعدة لفعل ما يلزم لمساعدتهم، فإن نفوذها تجاه الطرفين سيكون محدوداً».

تجميد الأسلحة لإسرائيل

سقوط أعداد هائلة من المدنيين في حربي غزة ولبنان منذ بدء العمليات الإسرائيلية للرد على هجمات 7 أكتوبر 2023، دفع الكثيرين إلى دعوة بايدن لوضع قيود على الأسلحة الأميركية لإسرائيل، بهدف ممارسة نوع من الضغوط على نتنياهو لوقف التصعيد، لكن الترمان يرفض النظرة القائلة بأن تجميد الأسلحة سيمهد للحل، ويفسر قائلاً: «إذا اعتمدت إدارة بايدن هذه المقاربة، أتوقع أن يعترض الكونغرس بشدة، وقد تكون النتيجة عرضاً للضعف والهشاشة في سياسة البيت الأبيض، بدلاً من صورة تقديم حلول». ويحذّر الترمان من أن خطوة من هذا النوع من شأنها كذلك أن تدفع إسرائيل إلى «الشعور بمزيد من العزلة التي قد تولّد بالتالي شعوراً أكبر بعدم الالتزام بأي قيود».

الرئيس الأميركي جو بايدن خارجاً من البيت الأبيض ليستقل الطائرة إلى نيويورك (أ.ب)

ويوافق العمري مع هذه المقاربة، مشيراً إلى أنه «من غير الواضح أن أي وسيلة ضغط ستنجح»، فيقول: «إسرائيل تشعر بأنها مهددة وجودياً، مما يجعلها أقل استعداداً لتقبل أي تأثير خارجي». ويوفر العمري نظرة شاملة عن مقاربة الإدارة الأميركية في غزة ولبنان التي تحد من الضغوط التي ترغب في ممارستها على إسرائيل، فيفسر قائلاً: «رغم أن الولايات المتحدة غير راضية عن بعض جوانب سير الحرب، خصوصاً فيما يتعلق بالخسائر البشرية بين المدنيين، فإنها تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بعد السابع من أكتوبر». لهذا السبب يشير العمري إلى أن الولايات المتحدة تحتاج إلى تحقيق توازن في الضغط بطرق يمكن أن تغير سلوك إسرائيل «دون تقييد قدرتها على تحقيق الهدف المشروع المتمثل في هزيمة (حماس)»، مضيفاً: «هذا التوازن ليس سهلاً».

بالإضافة إلى ذلك، يذكّر العمري بطبيعة العلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي «تتجاوز القضية الإسرائيلية - الفلسطينية»، فيقول: «الولايات المتحدة تستفيد استراتيجياً من هذه العلاقة، بما في ذلك الفوائد المتعلقة بالتهديدات الإقليمية الأخرى مثل الأنشطة الإيرانية. وبذلك، فإن الولايات المتحدة لديها مصالحها الاستراتيجية الخاصة التي يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار».

أي حل في نهاية النفق

رغم التصعيد المستمر، تعمل الولايات المتحدة على بناء استراتيجية تضمن عدم خروج الأمور عن السيطرة، ودخول إيران على خط المواجهة، ويشدد العمري على أن «الأولوية الآن هي ضمان بقاء إيران خارج هذه الحرب»، مشيراً إلى أن هذا الأمر ضروري للحد من انتشار الصراع، و«لإضعاف مصداقية إيران الإقليمية ونفوذها مع وكلائها»، لكنه يرى في الوقت نفسه أنه «لا يمكن تحقيق مثل هذه النتيجة إلا إذا كانت إيران مقتنعة بأن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام العمل العسكري».

عنصران من الدفاع المدني الفلسطيني في دير البلح في غزة (أ.ف.ب)

أما الترمان الذي يؤكد ضرورة استمرار الولايات المتحدة «في تقديم مسار للمضي قدماً لجميع الأطراف»، فيحذّر من أن هذا لا يعني أنها يجب أن «تحمي الأطراف من العواقب الناجمة عن أفعالهم»، ويختم قائلاً: «هناك مفهوم يسمى (الخطر الأخلاقي)، يعني أن الناس يميلون إلى اتخاذ سلوكيات أكثر خطورة إذا اعتقدوا أن الآخرين سيحمونهم من الخسارة».