معرض «بالوعات القاهرة» يبرز تاريخ أحياء العاصمة

استغرق إعداده 3 سنوات عبر زيارة 400 موقع

جانب من المعرض
جانب من المعرض
TT
20

معرض «بالوعات القاهرة» يبرز تاريخ أحياء العاصمة

جانب من المعرض
جانب من المعرض

ستنتاب المواطنين في ممر كوداك، وسط القاهرة الخديوية، حالة من الدهشة لدى مرورهم في المنطقة، عند قراءة لافتة «معرض بالوعات القاهرة» التي عُلقت على حوائط الممر، بتشكيل يشبه غطاء البالوعة، باللونين الأبيض والأسود، لكن الدهشة سرعان ما ستتبدد عند زيارة المعرض المقام في إحدى قاعات «شركة الإسماعيلية»، الذي يستمر حتى يوم 28 من الشهر الجاري، بجانب التعرف على صاحبة المعرض المهندسة المعمارية سلمى نصار التي تملك شغفاً كبيراً بعمارة المدن وتطورها الحضاري.
تقول سلمى إن فكرة التوثيق لبالوعات القاهرة في معرض فني جاءت خلال بحثها عن عناصر مغايرة لرصد تاريخ القاهرة، ورواية سيرتها العمرانية والحضارية، فرأت أن الصرف الصحي يمثل زاوية جديدة لنمو القاهرة السكاني عبر القرن الماضي، ومنذ اعتماد نظام الصرف الصحي الحديث، حيث تأسست مصلحة المجاري عام 1914.
واستغرق إعداد المشروع التوثيقي 3 سنوات كاملة، نتج عنها قاعدة بيانات لـ400 بالوعة في القاهرة، بمناطق المعادي ومصر الجديدة والزمالك ووسط القاهرة، وتعد من المناطق الأولى التي شهدت خدمة الصرف الصحي، واعتمدت سلمى في المعلومات الخاصة بالصرف الصحي على المصادر المفتوحة، من مراكز بحثية ودراسات سابقة، ووثقت كل ما سبق في فيلم تسجيلي وكتاب، إضافة إلى المعرض الفني.
ويعرض المعرض عشرات من صور أغطية البالوعات، بأشكال وأحجام مختلفة، مع خريطة إرشادية لأماكن تواجدها، تعود أقدمها إلى عام 1915 في منطقة الزمالك، ويستشهد المعرض بمقولة كتبها فيكتور هوغو في روايته الشهيرة «البؤساء»، بأنّ «تاريخ الإنسانية ينعكس في تاريخ مجاريها».
وفلسفة المعرض تفرض كون أغطية البالوعات لوحات لحفظ سيرة القاهرة، حيث تُصنع من مواد صلبة مقاومة لعوامل الزمن، كما يمكن أن تمدنا أغطية البالوعات بـ3 معلومات مهمة، وهي: تاريخ الإنشاء، والجهة، إضافة إلى المادة المستخدمة في التصنيع.
وبداخل المعرض، نجد لوحة إرشادية عليها تفسير للرموز المختلفة التي تظهر على أغطية البالوعات، والتي شملت 3 أهله بداخلها نجوم ثلاث، وهو رمز وحدة مصر والسودان والنوبة في العلم المصري القديم، الذي كان باللون الأخضر، للدلالة على خصوبة أراضي الوادي والدلتا.
رمز آخر ظهر على البالوعات حتى قيام ثورة يوليو (تموز) عام 1952، تمثل في هلال بداخله نجمة، ومن ثم ظهر النسر، رمز الجمهورية المصرية، الذي ما يزال يستخدم حتى يومنا هذا، فيما تنوعت شعارات الجهات المنفذة للأغطية، ما بين القومية للاتصالات وهيئة مرافق الصرف الصحي، التي تغير شعارها عام 2002 إلى علمين متقاطعين.
ويعبر المعرض عن 3 عناصر أساسية مصاحبة لأغطية البالوعات في القاهرة، فبجانب التفاصيل الخاصة بالرموز والمنشأ، يكشف المعرض عن التدهور المتمثل في طمس معالم الغطاء تحت طبقات من الإسفلت أو القمامة أو غير ذلك، إضافة إلى عنصر الحركة المتمثلة في تغير معالم المنطقة حول البالوعة، واستبدال مبانٍ جديدة بالقديمة.
ويقسم المعرض إلى 4 أقسام، وفقاً للمنطقة التي وجدت بها البالوعة، فيما يؤرخ للمنطقة بتاريخ دخول الصرف الصحي إليها، فمنطقة المعادي تأسست قبل 3 سنوات من إنشاء مرفق الصرف الصحي، وكانت المعادي ملتقى رئيسياً للقوافل التجارية، وكان بها محطة لتحصيل الجمارك، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى جمع كلمة المعدية (مركب صغير للنقل بين طرفي النيل)، وكان عدد المنازل بها بداية القرن الماضي اثنين وثلاثين منزلاً.
فيما أُنشئ حي الزمالك قبل إنشاء نظام الصرف الصحي من 5 إلى 10 سنوات، وكان يعد من الأحياء الراقية، حتى أن الخديوي إسماعيل أنشأ به قصراً كبيراً لاستقبال ضيوفه، من ملوك وأمراء أوروبا، خلال افتتاح قناة السويس، كذلك أنشأت مصر الجديدة قبل الصرف الصحي بـ10 سنوات.
أما منطقة وسط البلد، فسبق إنشاؤها نظام الصرف الصحي بـ45 سنة، ونجح الخديوي إسماعيل في تحويلها إلى قطعة من أوروبا، وذلك بتشييد مئات المباني ذات الطابع التراثي المميز، على يد معماريين أجانب، ويتنوع تاريخ أغطية البالوعات في وسط البلد، نظراً للزيادة السكانية المستمرة التي تشهدها المنطقة، واهتمام المسؤولين بتطويرها.



عدسات تحكي روح المملكة... «حيّ عينك» و«حين يهمس الضباب» يوثّقان التحول والجمال البصري

«عمال الحرم» لمريم باسواد من مكة المكرمة (الشرق الأوسط)
«عمال الحرم» لمريم باسواد من مكة المكرمة (الشرق الأوسط)
TT
20

عدسات تحكي روح المملكة... «حيّ عينك» و«حين يهمس الضباب» يوثّقان التحول والجمال البصري

«عمال الحرم» لمريم باسواد من مكة المكرمة (الشرق الأوسط)
«عمال الحرم» لمريم باسواد من مكة المكرمة (الشرق الأوسط)

في قلب جدة، حيث يلتقي صخب المدينة مع سكون الصورة، اجتمع عشاق الضوء والعدسة في أمسية رسمت الوطن على جدران الفن، حيث استقبل «حي جميل» فعاليات معرضي «حيّ عينك» و«حين يهمس الضباب»، في إطار النسخة الثالثة من جائزة المملكة للتصوير الفوتوغرافي والمستمرة حتى 25 مايو (أيار) الحالي.

صور عبد المجيد الروضان «أكثر من مجرد محطات وقود»... (الشرق الأوسط)
صور عبد المجيد الروضان «أكثر من مجرد محطات وقود»... (الشرق الأوسط)

هنا، لا تُعرض الصور فحسب، بل تُروى حكايا تتسلل من بين تفاصيل الضوء والظل، توثق تحولات المجتمع، وتُعيد اكتشاف ملامح الوطن من زاوية فنية معاصرة.

«مباراة ما بعد الظهيرة» لريم البكري (الشرق الأوسط)
«مباراة ما بعد الظهيرة» لريم البكري (الشرق الأوسط)

سرد بصري معاصر لوجه المملكة

في معرض «حيّ عينك»، عُرضت أعمال فنية مختارة من بين أكثر من 1300 مشاركة، قدّمها مصورون من مختلف مناطق المملكة، تراوحت ما بين مناظر طبيعية آسرة وتفاصيل دقيقة من الحياة اليومية. وقد خضعت المشاركات لتقييم لجنة تحكيم دولية ضمّت أسماء بارزة من السعودية وخارجها، وركّزت على التكوين البصري وجودة السرد والتأثير الشعوري للعمل.

وتبلغ القيمة الإجمالية للجوائز 400 ألف ريال سعودي، مما يعكس المكانة المتنامية للجائزة بوصفها منصة لاكتشاف المواهب وتعزيز فن التصوير بصفته أداة ثقافية معبِّرة.

«بنات القَطّ» للمصورة لينا جيوشي (الشرق الأوسط)
«بنات القَطّ» للمصورة لينا جيوشي (الشرق الأوسط)

ضوء عسير وهمسات الذاكرة

أما معرض «حين يهمس الضباب»، فكان بمثابة رحلة حسية إلى أعماق منطقة عسير، مزجت بين الضباب والذاكرة والطبيعة من خلال عدسات خمسة فنانين من السعودية ومصر والمغرب، قدّموا أعمالاً تعبّر عن ارتباطهم بالمكان والناس والضوء.

من بين المشاركين، قدّم المصور عبد المجيد الروضان مشروع «محطات الطريق» الذي يوثق معمار محطات البنزين القديمة كجزء من الذاكرة البصرية الآيلة للزوال. بينما جمعت إلهام الدوسري بين أرشيف والدها المصوّر وصورها الحديثة في عمل بعنوان «عابرون في عسير»، يوثق عبور الزمن من خلال العدسة.

كما نقل محمد مهدي، من مصر، العلاقة العاطفية بين الأهالي والأرض. وقدّمت لينا جيوشي سرداً بصرياً عن النساء العاملات في فن القَطّ العسيري في عمل بعنوان «بنات القَطّ». بينما استكشف هشام غرظاف، من المغرب، غابات العرعر في سلسلة «الطريق إلى العرعر» بعدسة تتأمل المشهد كقصيدة بصرية.

صورة تحمل عنوان «القهوة والشاي» للمصور ماروين خافيير من تبوك (الشرق الأوسط)
صورة تحمل عنوان «القهوة والشاي» للمصور ماروين خافيير من تبوك (الشرق الأوسط)

منصة وطنية لسرد الهوية

وقالت لـ«الشرق الأوسط» الرئيس التنفيذي لهيئة الفنون البصرية دينا أمين: «جائزة المملكة الفوتوغرافية تُعد إحدى المبادرات السنوية الرائدة التي أطلقتها الهيئة بهدف دعم فن التصوير الفوتوغرافي، وإبراز المواهب الإبداعية داخل المملكة».

وأوضحت أمين أن الجائزة تعتمد على مسارين رئيسيين، يُعنى أولهما بتكليف فنانين محترفين من داخل المملكة وخارجها لإنتاج أعمال فوتوغرافية تُركّز على منطقة محددة من مناطق المملكة. وقالت: «يمثل هذا المسار فرصة حقيقية لتعزيز التبادل الثقافي بين الفنانين السعوديين والدوليين، وتسليط الضوء على الفن السعودي من خلال مقاربات فنية متنوعة، كما يُسهم في اكتشاف مواهب سعودية جديدة، ويمنح الفنانين غير السعوديين فرصة لرؤية المملكة من زوايا إبداعية مختلفة».

أما المسار الثاني، فتصفه أمين بأنه دعوة مفتوحة لجميع المهتمين بفن التصوير من سكان المملكة، سواء من المواطنين أو المقيمين، للمشاركة بأعمالهم في الجائزة. وأضافت: «نسعى من خلال هذا المسار إلى تحفيز الطاقات الإبداعية، واكتشاف مواهب ناشئة، ومنحها منصة لعرض أعمالها ضمن معرض خاص يُقام سنوياً، مما يُعزز من حضور هذه المواهب في المشهد الفني المحلي».

وأكدت أمين أن الجائزة تمثل التقاءً للعمق الثقافي والانفتاح الفني، وتُشكّل منصة فنية متكاملة تحتفي بالتنوع، وتُسهم في إثراء الحراك البصري في المملكة، وتعكس تطلعات الهيئة نحو بيئة فنية مزدهرة ومستدامة.

«ما بعد العاصفة» لسلمان العنزي من الرياض (الشرق الأوسط)
«ما بعد العاصفة» لسلمان العنزي من الرياض (الشرق الأوسط)

صاحب المعرضين برنامجٌ ثقافي يضم ورش عمل وجلسات حوارية يقدّمها فنانون وخبراء من داخل المملكة وخارجها، لدعم المهارات البصرية وتبادل الخبرات بين المصورين في مختلف مراحلهم المهنية.

«عمال الحرم» لمريم باسواد من مكة المكرمة (الشرق الأوسط)
«عمال الحرم» لمريم باسواد من مكة المكرمة (الشرق الأوسط)

من جانبه، قال القيِّم الفني للمعرضين محمد سُمجي، مدير «قلف فوتو بلس» التصوير الفوتوغرافي في السعودية تجاوز اليوم دوره التوثيقي، ليصبح أداة فعالة في سرد التحولات الاجتماعية والإنسانية برؤية معاصرة تكسر الأطر التقليدية وتعيد تعريف المشهد البصري.