العراق... على درب التوازن الصعب

بين المعادلات الداخلية والعلاقات الخارجية

العراق... على درب التوازن الصعب
TT

العراق... على درب التوازن الصعب

العراق... على درب التوازن الصعب

على الرغم من المشاكل الداخلية ذات الطابع السياسي بالدرجة الأولى، والمحكومة بتوازنات الكتل والمكوّنات في البرلمان والحكومة، فإن العراق نفض إلى حد كبير غبار الحرب ضد «داعش» ما خلا الجيوب والخلايا النائمة. وبات ينحو باتجاه سياسة من شأنها أن تجنبه المطبات التي كان خسر بسببها الكثير نتيجة عدم التوازن في علاقاته الخارجية العربية والإقليمية والدولية.

في غضون الأشهر القليلة الماضية، شهدت العاصمة العراقية بغداد زيارات لمسؤولين كبار من دول عربية شقيقة، منها زيارة الملك عبد الله الثاني ملك الأردن، ودول جارة أبرزها زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني، وقوى عالمية لعل أهمها زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى عين الأسد في محافظة الأنبار (غربي العراق) وبعده وزير خارجيته مايك بومبيو. كذلك، زار بغداد وفد سعودي برئاسة وزير التجارة ماجد القصبي ومعه وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، وقبلها زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان.
هذه الزيارات كلها تمحورت بين ما هو سياسي وأمني واقتصادي وتجاري؛ وهو ما يعكس محاولات من هذه الدول للانفتاح على العراق، كلاً على حدة، وكذلك محاولة العراق أن يحقق - قدر الإمكان - التوازن في سياق علاقاته مع كل هذه الأطراف مع ما في بعضها من تناقضات (أميركا ـ إيران والسعودية ـ إيران).
القادة العراقيون، بعد تشكيل الحكومة الحالية برئاسة عادل عبد المهدي، أجروا ـ باستثناء عبد المهدي نفسه ـ عدداً من الزيارات الخارجية، خصوصاً رئيس الجمهورية برهم صالح الذي زار الأردن، والمملكة العربية السعودية، وإيران، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي الذي قام هو الآخر بزيارة إلى هذه الدول. مع الإشارة إلى أن رئيس الوزراء عبد المهدي، كان قد ألزم نفسه عند بدء إعلان تشكيل حكومته 24 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي بألا يقوم بأي زيارة خارج العراق قبل انتهاء الأشهر الستة الأولى. لكنه، مع ذلك، أعلن الأسبوع الماضي، إبّان زيارة الوفد السعودي أنه سيبدأ قريباً الزيارات الخارجية، وستكون السعودية ومصر في مقدمة البلدان التي سيزورها.
الرئيس العراقي برهم صالح، من جهته، حرص أثناء استقباله الأسبوع الماضي مبعوث الإدارة الأميركية لمكافحة الإرهاب جيمس جيفري، على التأكيد على أهمية تحقيق التوازن في العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية من جهة و«الأشقاء والأصدقاء» من جهة أخرى. وكان البيان الرئاسي العراقي واضحاً في تأكيد هذه المعلومة للضيف الأميركي. ففي الوقت الذي تحرص بغداد على توسيع آفاق التعاون المشترك بين العراق والولايات المتحدة‌ في المجالات كافة، فإن «العراق ينطلق في بناء علاقات مع الأشقاء والأصدقاء على تحقيق المصالح الوطنية العليا»، وفق البيان.
وفي المقابل، بالتزامن مع زيارة جيفري إلى بغداد، التي جدد فيها دعم بلاده للعراق في مجال محاربة الإرهاب، كان العراق يشارك بوفد عسكري رفيع المستوى في دمشق بشأن التحالف الرباعي بين العراق، وسوريا، وإيران، وروسيا، أما الهدف، فكان أيضاً، التنسيق الأمني ومحاربة الإرهاب.

- أميركا... جدل البقاء والرحيل
في هذه الأثناء، فإن الولايات المتحدة الأميركية، التي تدرك أن وجودها العسكري في العراق بات اليوم موضع جدل داخل الأوساط السياسية والبرلمانية العراقية، ما عادت تربط بين هذا الجدل... والإجراءات التي تخصّ العراق والعقوبات الأميركية المفروضة على إيران. فللمرة الثانية منذ إقدامها على فرض عقوبات اقتصادية صارمة على إيران، تضطر واشنطن إلى منح العراق إعفاءً جديداً لاستيراد إمدادات الكهرباء والطاقة من إيران؛ وذلك نظراً لعدم توافر البدائل الوشيكة التي من شأنها أن تجعل العراق يستغني عن الكهرباء الإيرانية. ومعلومٌ أن الصيف على الأبواب، وقد تواجه حكومة عبد المهدي - التي تحظى بالدعم الأميركي - إلى موجة من الاحتجاجات على غرار ما حدث العام الماضي أثناء فترة حكم حكومة حيدر العبادي الانتقالية آنذاك.
في ضوء هذا الوضع، بدأت واشنطن تفكر أيضاً بكيفية تحقيق سلطات بغداد نوعاً من التوازن على صعيد علاقاته الخارجية على الرغم من احتدام الجدل حول بقاء القوات الأميركية في العراق أو مغادرتها. وفي هذا السياق، يرى الدكتور حسين علاوي، أستاذ الأمن الوطني بجامعة النهرين، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنه «ليس هناك قواعد عسكرية أميركية موجودة في العراق بقدر ما توجد هناك مراكز ارتباط أمني بين القوات العراقية المشتركة، من صنوفها كافة، وكذلك القوات الأميركية الاستشارية عبر جهود التحالف الدولي وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وكذلك القوات الأميركية التي تتولى التدريب والاستشارة والتأهيل وتبادل المعلومات الاستخباري بين الطرفين». وأردف علاوي: «ذلك كان قد أنتج أهدافاً كبيرة للقوة الجوية العراقية والتحالف الدولي في ضرب أهداف عالية الدقة وعالية الثمن تمثل حركة تنظيم (داعش)». وأوضح، أن «ما يشاع عن وجود قواعد عسكرية ناتج إما من قصدية أو تمثل بروباغندا... كما أنها محاولة نقل الصراع الإقليمي والدولي بين الولايات المتحدة وإيران إلى داخل العراق».
مع ذلك، فإن البرلمان العراقي يمكن أن يشرع في بحث الوجود الأميركي على أرض العراق خلال جلساته المقبلة وسط انقسام حادٍ بين مؤيدي إخراج القوات الأميركية والداعين لبقائها، أو يرمي الكرة في ملعب الحكومة لتحديد صيغة التعامل مع هذا الوجود.
الحكومة أعلنت غير مرة على لسان رئيسها عادل عبد المهدي أن «ليس هناك قواعد أميركية أو قوات قتالية برية»، مؤكدة أن الوجود الأميركي «يقتصر على مستشارين لا يزيد عددهم على 5200 عسكري يتولون تدريب القوات الأمنية العراقية، فضلاً عن تقديم كل أنواع الدعم اللوجيستي والاستخباري».

- إيران... مصلحة أم تبعية
من جانب آخر، لم تكن خاتمة زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العراق، التي استغرقت ثلاثة أيام، كما كانت تتمنى طهران إلى حد كبير. ففي اليوم الأخير من الزيارة التقى روحاني المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني. ولقد التقى روحاني أيضاً مراجع النجف الكبار الثلاثة الآخرين آيات الله: محمد سعيد الحكيم، وإسحاق الفياض، وبشير النجفي.
لكن ما صدر عن المرجع الأعلى السيستاني كان لافتاً للنظر إلى حد بعيد. بل إنه منح الزيارة طابعاً آخر جعل من رجل الدين، لا السياسي، مَن يحدد بوصلة مصلحة البلاد. فخلال كل اللقاءات التي أجراها روحاني مع الرئاسات العراقية الثلاث، أو الذين استقبلهم في مقر إقامته من كبار القادة العراقيين - ومن بينهم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي والسابق حيدر العبادي وزعيم تيار «الحكمة» عمار الحكيم - لم يتلق الرئيس الإيراني تعليمات بشأن كيفية التعامل مع «سيادة الدول طبقاً لقاعدة المصالح المشتركة». لكن البيان الذي صدر عن مكتب السيستاني حدّد الملامح الرئيسية للعلاقة التي ينبغي أن تكون بين العراق وإيران.
السيستاني أبدى ترحيبه «بأي خطوة في سبيل تعزيز علاقات العراق بجيرانه، وفقاً لمصالح الطرفين، وعلى أساس احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية». وفي المقابل، أشار البيان إلى «الحرب المصيرية التي خاضها الشعب العراقي لدحر العدوان الداعشي»، مذكّراً بـ«التضحيات الكبيرة التي قدّمها العراقيون الأبطال في الانتصار على هذا التنظيم الإرهابي وإبعاد خطره عن المنطقة كلها»، منوهاً بـ«دور الأصدقاء في تحقيق ذلك».
ولقد لفت السيستاني أيضاً إلى أن «أهم التحديات التي يواجهها العراق في هذه المرحلة هي مكافحة الفساد، وتحسين الخدمات العامة، وحصر السلاح بيد الدولة وأجهزتها الأمنية»، مبدياً أمله في «أن تحقق الحكومة العراقية تقدماً مقبولاً في هذه المجالات». إلا أن الجانب المهم حقاً كان تشديد المرجع الأعلى على «ضرورة أن تتسم السياسات الإقليمية والدولية في هذه المنطقة الحساسة بالتوازن والاعتدال؛ لتجنب شعوبها مزيداً من الماسي والأضرار».
وهنا، علّق حيدر الغرابي، رجل الدين الشيعي والأستاذ في الحوزة العلمية، في لقاء مع «الشرق الأوسط» بالقول: إن «اللقاء الذي جرى بين الرئيس الإيراني حسن روحاني والسيد السيستاني له دلالاته في هذه المرحلة التي يمر بها العراق، والتي تتمثل في كثرة الأجندات؛ ولا سيما الخارجية منها». وأضاف: «إيران لاعب دولي مهم على صعيدَي المنطقة والعراق. وبالتالي، فإن التفاهم مع المرجعية الدينية العليا في النجف يدخل في هذا السياق، خصوصاً أننا نرى أن لإيران مواقف إيجابية حيال العراق».
واستطرد الغرابي: إن «المرجعية ممثلة بالسيد السيستاني لا يمكنها تجاهل هذا الدور وهذا التأثير، وعليه، لا بد لها من تبادل وجهات النظر مع الرئيس الإيراني في كثير من القضايا، خصوصاً أن روحاني جاء إلى العراق والنجف وهو يحمل كثيراً من الأفكار... سواء على صعيدَي المنطقة والعالم».
من جهة ثانية، استناداً إلى قاعدة ترسيخ قاعدة «المصالح المشتركة»، يرى القيادي في كتلة الإصلاح والإعمار، حيدر الملا، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن «مسألة تعزيز علاقات العراق مع دول الجوار قضية إيجابية من خلال بناء علاقات متوازنة، مبنية على أساس احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية». وأشار إلى أن «(كتلة الإصلاح والإعمار) داعمة لمثل هذا التوجه في بناء العلاقات بين العراق ودول الجوار، غير أنه من المعروف أن إيران تعاني اليوم عزلة من قِبل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بسبب العقوبات المفروضة عليها. وهذا يعني أن النظام في إيران يعدّ الساحة العراقية إحدى الساحات التي يمكن أن يلعب بها لتخفيف وطأة الحصار، وهو ما لاحظناه عبر التصريحات التي سبقت زيارة روحاني إلى العراق، ومن بينها تنشيط التعاون الاقتصادي ورفع التبادل التجاري من 12 مليار دولار أميركي إلى 20 مليار دولار سنوياً».
وأوضح الملا، أن «هذه المسألة فيها بعدان: الأول البعد الاقتصادي؛ حين تعاني دولة من حصار اقتصادي فإنها تبحث عن منافع لتجنب أضرار هذا الحصار، مع حلفائها. أما البعد الآخر فسياسي، وهو أن العراق سيبقى ساحة لا تستطيع الولايات المتحدة أن توظفها في مزيد من الحصار على النظام الإيراني؛ ولذلك فإن هذا البعد لا يمكن تجاهله».

- العراق الآخر... توازن المصالح
لقد كان ضمن محصلة زيارة روحاني التوقيع على عشرات الاتفاقيات التجارية والاقتصادية مع العراق، بدا أن هدفها المعلن رفع التبادل التجاري بين البلدين من 13 مليار دولار حالياً إلى 20 مليار دولار. وفي حال تحقق هذا الرقم، فإن إيران، وليس تركيا، ستصبح الدولة الأولى على صعيد التبادل التجاري مع العراق. ومع أن الأهداف السياسية هي الأهم والأبعد على صعيد العلاقات بين الطرفين، فإن إيران وافقت لأول مرة خلال هذه الزيارة على إعادة مناقشة «اتفاقية الجزائر»... التي وقّعها صدام حسين مع شاه إيران في الجزائر عام 1975، والتي جاءت لمصلحة إيران على حساب العراق. ومع أن إيران لا تزال تعلن تمسكها بالاتفاقية، فإنها وافقت على إعادة النظر بخط «التالوك» الذي لم يعد يعمل لصالح العراق بسبب انحراف المياه لصالح إيران؛ ما يمنحها سنوياً أراضي إضافية من العراق في حال لم تتم إعادة كري وتنظيف النهر. وفي اتجاه موازٍ، المعادلة التجارية والاقتصادية ما زالت لا تعمل لصالح العراق بالقياس إلى دول الجوار، ولا سيما، إيران وتركيا... فهما تفضلان ما هو تجاري على ما هو صناعي أو استثماري بعكس دول أخرى مجاورة للعراق مثل الأردن والسعودية والكويت.
مع الأردن وقّع العراق الكثير من الاتفاقيات قبل أكثر من شهرين حملت ملك الأردن عبد الله الثاني إلى زيارة العراق، ومن ثم رئيس وزرائه وعدد من الوزراء الذين استمروا في التواصل مع نظرائهم العراقيين من أجل إقامة «مناطق حرة» ومد أنبوب نفطي إلى ميناء العقبة بجنوب الأردن. وهذه خطوة رأى فيها الخبراء المعنيون بالشأن العراقي رغبة عراقية وبتنسيق أميركي لإحداث توازن في علاقات العراق الخارجية، بالذات، مع دول الجوار، بما يجعله يخرج تدريجياً من نطاق الهيمنة الإيرانية. وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي العراقي، باسم جميل أنطون، لـ«الشرق الأوسط»: إن «العراق وإيران وقعا خلال زيارة روحاني نحو 20 اتفاقية في مختلف الميادين الاقتصادية والتجارية والسياسية؛ إذ إن العراق في النهاية لا يستطيع التنصل من هذه العلاقة مع إيران». وكشف أنطون عن أن «العراق يعد ثاني مستورد للسلع الإيرانية بعد تركيا التي لا تزال تحتل المرتبة الأولى». وتابع: إن «العراق يحتاج بالدرجة الأساس إلى علاقات استثمارية حتى نحقق الفائدة المرجوة، وليس مجرد اتفاقيات لتبادل السلع والبضائع». ثم أشار إلى أن «العراق يستورد حالياً نحو 3000 ميغاواط في مجال الغاز والطاقة إلى أن يكون إنتاج الغاز العراقي جاهزاً». وحول موضوع إلغاء التأشيرة أو بقائها مع مجانيتها، يقول أنطون: إن «الزوار الإيرانيين هم أضعاف الزوار العراقيين؛ ولذا فإن الإعفاء من التأشيرة أو عدم استيفائها يؤثر سلباً على الاقتصاد العراقي. وهنا حث المسؤولين العراقيين إلى «رفع شعار العراق أولاً، كي لا تتحول البلاد إلى مجرد سوق لتصريف بضائع وسلع الجيران».

- شعار «العراق أولاً»...
جدير بالذكر، أن رفع شعار «العراق أولاً» لا يزال يحتاج إلى القدرة على خلق توازن في العلاقات مع باقي دول الجوار، وبخاصة العربي. وكان الرئيس برهم صالح قد دعا خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده مع نظيره الإيراني حسن روحاني إلى تأكيد ذلك عبر «حيادية موقف العراق من الصراعات الإقليمية والدولية». وشدّد صالح على أن «تحقيق الأمن يتطلب التعاون مع إيران ودول المنطقة... بغداد تمثل ملتقى لدول المنطقة، ونحن عازمون على التعاون مع الجميع». كذلك، بيّن صالح «آن الأوان للمنطقة أن تزدهر اقتصادياً من خلال التعاون المشترك». وشدد قائلاً: «لا نريد للعراق أن يكون ساحة للصراع الإقليمي أو الدولي».
بعد يوم من مغادرة روحاني العراق، وصل إلى بغداد وفد سعودي كبير برئاسة وزير التجارة ماجد القصبي. الوفد السعودي استُقبل بحفاوة بالغة من قِبل الرئاسات العراقية الثلاث، وهو ما يؤكد بدء حاجة العراق إلى التعامل مع الانفتاح العربي، ولا سيما السعودي، في إطار الحسابات السليمة في سياق التعامل مع المحيطين العربي والإقليمي.
وطبقاً لما أعلنه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أمام الوفد السعودي، فإن العراق ينظر إلى علاقته مع السعودية بوصفها علاقة استراتيجية. كما أعلن أن السعودية ومصر أي (المحيط العربي) ستكونان هما أولى محطاته الخارجية بعد نهاية مهلة الأشهر الستة التي ألزم نفسه خلالها بألا يجري أي زيارة خارجية عند تشكيل حكومته. وفي هذا السياق، يقول عبد الله الخربيط، عضو البرلمان العراقي عن كتلة المحور الوطني، لـ«الشرق الأوسط»: إن «الرؤية التي يستند إليها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي حيال مثل هذه الأمور تؤكد على تجنّب الانجرار إلى ما يمكن أن يتعارض مع المصلحة العراقية». وأوضح أن «عبد المهدي سياسي واقعي وليس عاطفياً، علماً بأن العراق يحتاج حالياً إلى الغاز الإيراني والكهرباء الإيرانية، وليس لمثل هذه الحاجات بديل على المدى المنظور». ويضيف الخربيط: إنه «بصرف النظر عن طبيعة المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، فإن هناك حقيقة لا بد أن تدركها كل الأطراف في المنطقة، هي أن العراق بدأ يتعافى وبات مرشحاً لأن يصبح محوراً لا تابعاً».


مقالات ذات صلة

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.