بروفايل: محمد طاهر أيلا رئيساً لوزراء السودان ... في مواجهة عاصفة الثورة

اختير لتفكيك «الحرس القديم»

صراعات أيلا مع خصومه الحزبيين تدور عادة حول «الصلاحيات» ما يكسبه عداء رجال الحزب الأقوياء
صراعات أيلا مع خصومه الحزبيين تدور عادة حول «الصلاحيات» ما يكسبه عداء رجال الحزب الأقوياء
TT

بروفايل: محمد طاهر أيلا رئيساً لوزراء السودان ... في مواجهة عاصفة الثورة

صراعات أيلا مع خصومه الحزبيين تدور عادة حول «الصلاحيات» ما يكسبه عداء رجال الحزب الأقوياء
صراعات أيلا مع خصومه الحزبيين تدور عادة حول «الصلاحيات» ما يكسبه عداء رجال الحزب الأقوياء

حين أعلن الرئيس السوداني عمر البشير فرض حالة الطوارئ و«حل الحكومة» في 22 فبراير (شباط) الماضي، انحناء لعاصفة المظاهرات التي اندلعت في عدد من البلاد 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018، وأبدى رغبته في تكوين حكومة مهمات ذات كفاءة، لم يكن يتصور أحد أن يأتي حاكم ولاية الجزيرة السابق محمد طاهر أيلا، رئيساً جديداً للوزارة محل معتز موسى، الذي لم يكمل أربعة أشهر في المنصب. لكن البشير، بعد يوم واحد من حل الحكومة، أصدر قراراً بتعيين أيلا رئيساً للحكومة، مفجراً مفاجأة كبيرة وسط الطاقم الحاكم نفسه، ناهيك من الدهشة التي أصابت كثيرا من المراقبين، لأن الرجل عرف بأنه «خلافي» و«غير وفاقي» داخل الحزب الحاكم «المؤتمر الوطني» نفسه. بل سبق له أن خاض صراعات مع قياداته في الولايتين اللتين حكمهما وهما ولاية البحر الأحمر وولاية الجزيرة.

رغم خلافات رئيس وزراء السودان الجديد محمد طاهر أيلا مع قيادات الحزب الولائية، فمن المرجح أنه يحظى بتأييد وثقة كبيرين من الرئيس عمر البشير. إذ فاجأ الأخير الناس حين أعلن في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 دعمه اللا محدود للرجل حتى إذا قرّر الترشح لرئاسة البلاد... ووقتها ارتبك المشهد، وثار السؤال: هل ينوي البشير التخلي عن منصبه لصالح أيلا، إذا ما قرر التنحي فعلاً؟
لم يحدث أن تحدث البشير صراحة عن «خليفته»، ما عدا تلميحات هنا وهناك، من بينها حديثه في مدينة عطبرة يناير (كانون الثاني) الماضي، بعدم ممانعته من تسليم الرئاسة لـ«عسكري». يومذاك قال: «لا مشكلة إذا جاء واحد لابس كاكي، والله ما عندنا مانع». وتابع مهدداً: «أقسم بالله العظيم لو دقت المزيكا كل فأر يدخل جحره»، في أول تهديد على مستوى الرئاسة للمتظاهرين الذين يطلبون منه «التنحي»، لكنه دعماً لرجله القوي، قالها بوضوح.
والحقيقة أنه منذ إعلان البشير ثقته في أيلا بهذه الطريقة، شرعت الأوساط السياسية في دراسة المستقبل السياسي للرجل الآتي من شرق البلاد، ومدى التزام البشير بدعمه رئيساً بديلاً. لكن المفاجأة جاءت أسرع من التوقعات فأعلنه «رئيساً للوزراء» في مكان الرجل «المقرب جداً» منه، معتز موسى.
كان أيلا من بين «الترشيحات» المتداولة لتولي منصب والي (حاكم) ولاية الخرطوم، لكنه في المرسوم الذي أصدره البشير عشية حل الحكومة، أتى به إلى العاصمة في عقر وزارتها «غازياً لا والياً»، في كرسي ثالث رؤساء وزارة في حكم الرئيس البشير المستمر منذ 30 سنة.

- إداري متسلط
لقد شغل أيلا من قبل عددا من المناصب الدستورية والعامة، وخلال هذه المسؤوليات، يتردد أنه يستخدم نمطا إداريا «متسلطا» في التعامل مع مرؤوسيه، بل ولا يتيح حتى لـ«قيادة الحزب» التدخل في قراراته، ما أدخلهم في صدامات معروفة ومعلنة معه في كل من بورتسودان والخرطوم، بيد أنه كان يجد السند دائماً من المركزي الحزبي والرئيس، على وجه الخصوص. إلا أن مؤيديه المقرّبين منه، يفسرون انفراده بالقرار بأنه «نوع من الكاريزما» التي يمتاز بها، فهو يمسك بالملفات كافة بقبضة حديدية، ولا يتيح إلاّ لدائرة ضيقة من المقربين منه الاقتراب من مركز القرار.
والحقيقة، أنه من الشخصيات التي يتباين الناس في تصنيفها... يحبه كثيرون، مثلما يكرهه كثيرون، وكلهم من الحزب الذي يحكم باسمه «المؤتمر الوطني». فإبان ولايته على البحر الأحمر، خاض صراعاً مريراً مع قيادات حزبية وصلت إلى حد القطيعة، فتدخل الرئيس البشير لتهدئة الأوضاع. أما المعارضون فيرون أنه نموذج فعلي للقيادات الإسلامية التي تحكم البلاد. ففي ولاية الجزيرة، خاض أيلا صراعاً مريراً مع المجلس التشريعي (برلمان الولاية)، تدخل بسببه البشير وفرض حالة الطوارئ، ومن ثم حل المجلس الولائي رغم كونه منتخباً.

- بطاقة شخصية
أبصر محمد طاهر أيلا النور عام 1951 في مدينة جبيت، بولاية البحر الأحمر في شرق السودان. وهو يتحدر من أسرة ثريّة تنتمي إلى قبيلة الهدندوة، التي تعد واحدة من أكبر مكوّنات قومية البجا المنتشرة في عموم شرق السودان وعلى الحدود المشتركة مع دولة إريتريا.
بعد دراسة الاقتصاد في جامعة الخرطوم، وبعد تخرجه مباشرة عمل في هيئة الموانئ البحرية. ثم ابتعث إلى بريطانيا، حيث التحق بجامعة كارديف للحصول على درجة الماجستير. وتولى قبيل وصول البشير للحكم، وعلى أيام العهد الديمقراطي بقيادة الصادق المهدي، سُمّي أيلا وزيرا ولائياً في شرق البلاد، قبل أن ينتقل مديراً لهيئة الموانئ البحرية بعد انقلاب الإسلاميين في 1989.
ثم في «حكومة الإنقاذ» اختير وزيراً للتجارة، ووزيراً للنقل، ثم وزيراً للاتصالات. وظل يتقلب في الوظائف حتى عاد في 2005 إلى بورتسودان والياً على ولاية البحر الأحمر التي ظل يحكمها حتى عام 2015. وبعد 2015 نقله الرئيس والياً لولاية الجزيرة وسط البلاد، بسبب خلافات بينه وبين قيادات تشريعية وحزبية تابعة للحزب الحاكم في عاصمة الولاية. وهناك تباينت حوله الآراء؛ الموالون يرونه حاسماً وإدارياً صارماً، أما مناوئوه فيصفونه بأنه «إقصائي، متفرد برأيه، لا يعمل ضمن فريق».
يقدم أيلا نفسه بأنه حرب على الفساد. ولتأكيد ذلك كتب بعيد تعيينه رئيسا للوزراء على صفحته في «فيسبوك» الكلمات التالية «لأجلكم قبلت التكليف وبكم نجتاز الصعاب، وسأضرب بيد من حديد، وحربي سأعلنها من لحظة أدائي للقسم، هي ضد الفساد والمفسدين».
ثم إنه من المسؤولين القلائل الذين يعملون على «تسويق أنفسهم» عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويحرص على علاقة تواصل مباشرة بين مؤيديه ومعجبيه، ويتابع صفحته أكثر من 50 ألفا، ويعجب بها أكثر من 60 ألفا. وفي هذا الصدد، يقول البعض إن جهده على مواقع التواصل هدفه الوصول إلى أكبر عدد من المُريدين، باعتباره خليفة محتملا للبشير.

- صراعاته الحزبية والسياسية
صراعات أيلا مع خصومه الحزبيين تدور عادة حول «الصلاحيات»، ما يكسبه عداء رجال الحزب الأقوياء، لكنه كان ينتصر عليهم بـ«الضربة القاضية»، عادة. وكما سبقت الإشارة، درج الرئيس البشير على الانتصار له، ففي صراعه مع المجلس التشريعي «برلمان الولاية»، وقيادات الحزب الحاكم، أصدر البشير مرسوما حل بموجبه المجلس التشريعي، وفرض حالة الطوارئ لصالحه. وعندما حاول الحزب الحاكم في الجزيرة «عزله» وقدم مذكرة للرئيس بهذا المعنى، حسم الرئيس الصراع لصالحه بضربة قاضية ثانية حين قال في مخاطبة جماهيرية إنه يؤيد بقاءه حاكماً للجزيرة حتى انتخابات 2020. وأضاف: «سيبقى في المنصب إلاّ إذا قدر الله ورفضه أهل الجزيرة». وهو عادة ما كان يقول عنه دائماً إنه «هديته لأهل الجزيرة». ولم تفلح كل محاولات حزب المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الإسلامية في ولاية الجزيرة في الإطاحة بالرجل.
ولم تكن المطالبات بعزل أيلا من قبل البعض في ولاية الجزيرة حالة وحيدة، فإبان ولايته على البحر الأحمر - وعاصمتها مدينة ود مدني - نشطت حملة في 2014 لجمع «مليون توقيع» لإقالته من منصبه، وكوّنت لذلك لجنة حملت اسم «اللجنة العليا للمطالبة بسحب الثقة عن الوالي»، لكن النصر على خصومه الحزبيين، عادة ما كان يأتيه عاجلاً من القصر الرئاسي في الخرطوم. وبحسب صحيفة «الصيحة» المحلية، فإن الصراع بين أيلا وحزب المؤتمر الوطني الحاكم - والغرابة أنه كان يترأس الحزب بحكم منصبه - مرحلة عظيمة، واستخدمت فيه مختلف الأساليب، ووجهت خلاله انتقادات حادة لـ«مشاريع أيلا في مدني»، وخاصة الطرق، التي كشفت الأمطار، بحسب الصحيفة، عن وجود أخطاء هندسية لافتة في تصميمها.
ونقلت الصحيفة عن عبد القادر أبو ضريس، رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية في المجلس - وهو من المؤيدين لأيلا - أن الحملة ضد الرجل لا تتعدّى كونها «ناموسة في أذن فيل»، وأنها لا يمكن أن تؤدي إلى إزاحة الرجل، لأن المجموعة التي تشن الحملة، تعمل ضد الرجل لأنه «ضرب مصالحها». وتابع: «ما يثيرونه من إخفاقات ومخالفات مالية ضد أيلا لا تتعدّى كونها محض إشاعات وافتراءات مغرضة»، مضيفا: «كانت هناك مراكز قوى في الولاية، ضُربت بمجيء أيلا للولاية».
ويرى كثيرون في الجزيرة، أن أيلا نفذ مشاريع كثيرة خلال إدارته للولاية، وعلى وجه الخصوص، الطرق والسياحة، ويقللون من أخطاء هندسية صاحبت إنشاء طرق وأرصفة، باعتبارها أخطاء عمل، وأن تضخيم الأخطاء يقلل من العمل.
لكن مناوئي أيلا ينظرون إلى الرجل بعين السخط ويقللون منه. وفي هذا نقلت «الصيحة» عن وزير الشؤون الاجتماعية الأسبق بالولاية الحارث عبد القادر، أن أيلا «يتخذ القرارات منفرداً ولا يشاور حولها»، وهو ما أنتج أخطاء دفعت أعضاء بالمجلس التشريعي لصياغة «مخالفاته» في مذكرة قدمت له، لكنه «صم آذانه» عنها ما أدى لتفجر الصراع. ويعرف عن أيلا بحسب الحارث، أنه ينشئ فرقاً موازية موالية له في كل الوزارات يدير من خلالها العمل بعيداً عن الرقابة، وهو الشيء الذي جعل المجلس التشريعي يسقط قانون «صندوق إنفاذ التنمية» المقدم من قبله.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.